الأطفال هي الفئة الأهم ، فهم أكثر انتباهاً وتقليداً لما يشاهدون ، فالطفل بعد عمر عامين ونصف يبدأ التقليد لما يشاهده وفي الخامسة يتعمق في فهم الرسائل لما يشاهده من العنف ، فيبدأ بإعطاء التعليل والتبرير لما يشاهده بطريقة خاطئة وعلى هواه حيث لم يبلغ ذلك النضوج العقلاني للفهم السليم . فيعتقد أن العالم والمجتمع عالم العنف والسطو والقوة وان ذلك هو الطبيعي. فتذهب به المشاهد العنيفة المتكررة باتجاهين :
– الأول : الرعب والخوف من الآخرين والاستسلام وبالتالي العزلة والجبن والتشاؤم والعناد وتدني الانتماء الأسري، و الأمان ، وقلة الصبر، وترك المهمات الدراسية ، والانحراف، وأحيانا الانتحار .
والثاني : التمرد على الرعب والخوف بالتحصّن ( بوسائل دفاعية نفسية سلوكية ) وإيذاء المحيطين به والعنف والسلوك الإجرامي الذي يصل إلى القتل والإرهاب. كل ذلك من وسائل الدفاعات النفسية في العقل الباطن عند الأطفال والمعروفة بسيطرتها عليهم ومن هنا تتولد ما يعرف بالشخصية الضد الاجتماعية السيكوباثية .
وكذلك الحال فان التلفاز عملية تلقائية نشطة تسحب من عقول البشر وذهنهم طاقاتهم الخلاقة .فبعد مرور ساعات من المشاهدات كم استغرق من الوقت للانجازات العملية أوالاحتكاك الاجتماعي او القراءة ، او الرياضة , والتفكير في انجازات اليوم والمستقبل ؟
لقد أجريت دراسات تخطيط الدماغ أثناء مشاهدة التلفاز فوجد أن هناك تثبيط دماغي بزيادة أمواج ( ألفا ) على العكس تماما أثناء المطالعة والقراءة , والاستماع الى الموسيقى المريحة ، وتنتهي الدراسات بالإشارة أن التلفاز يعكس مدى امتصاص واختزال الطاقات الذهنية والنتيجة اضطراب التركيز ، والشعور بالإحباط ، وعقدة الذنب لإهمال الواجبات، وضياع الوقت في المنفعة الشخصية وللآخرين ، والخمول الجسدي على العكس تماما من القراءة ، او الرياضة ، التي تؤدي إلى ارتفاع المزاج والنشاط والحيوية.
وحدث الدراسات في جامعة (هارفرد) تبين أن مشاهدة التلفاز لفترات طويلة لدى الشباب يزيد من احتمالية حصول الكآبة بعد سنوات حينما تكون المشاهدة اكثر من ساعتين يوميا وكل زيادة ساعة في المشاهدة اليومية ترفع من نسبة حصول الكآبة ( 8 % ) ولذلك فالأشخاص الذين لديهم استعداد للكآبة هم أكثر ميولا لمشاهدة التلفاز و بالتالي المزيد من الكآبة ، وكذلك الحال بالنسبة للجرعات فكلما ازدادت الجرعات للمشاهدة زادات نسبة حدوث الاضطراب النفسي ، وان أكثر الناس سعادة أولئك الذين هم اقل متابعة للتلفاز والأقل سعادة أولئك الذين يقضون معظم وقتهم أمام التلفاز .( ميريرلاند ) فالأكثر سعادة لديهم انشغالات بناءه (الصلاة , زيارة أماكن العبادة ، و الأصدقاء، الرياضة ، القراءة , الاستماع للموسيقى ، الكتابة ، والهوايات الأخرى )، إضافة إلى أن الدراسات أثبتت سوء الصحة الجسدية لطيلة مشاهدة التلفاز ( كالتدخين ، وزيادة احتساء القهوة ، وزيادة المأكولات ، و الركود وقلة الحركة، وبالتالي البدانة , واضطراب النوم , زيادة القلق والكابة ) .
إن المشاهدة تضفي نوعا من الراحة النفسية السريعة بسبب الإزاحة والهروب من المعاناة ،فهذا الشعور النفسي ارتبط بهذا الجهاز( بالاشراط الكلاسيكي ) .فحينما يغلق التلفاز يقل الارتياح ولذلك يعود للفرد الرغبة بالمشاهدة مرة أخرى … وهكذا , وبذلك يصل الإنسان إلى الإدمان. فكل مشاهدة تؤدي إلى تضخيم الوقت لمشاهدات أخرى … أنها مثل المهدئات التي سرعان ما تزيل أعراض التوتر ثم بعد انتهاء مفعولها يعود التوتر أكثر ليتناول جرعة اكثر تصاعديا وهكذا ليصبح مدمناً .
ويبدوا أن الجاذبية للمشاهدة تنبع من التوجيه البيولوجي للاستجابات الغرائزية السمعية والبصرية، لأي طارئ أو جديد أو ملفت او مثير سواءً كان ذلك مفرحاً أو مقلقًا ، والتغيرات الفسيولوجية تشمل اتساع الأوعية الدموية للعضلات ، وهبوط الأمواج الدماغية المثبطة مؤقتا لتحفيز العمليات الذهنية من انتباه وتركيز وحصر أكثر المعلومات , بينما بقية أعضاء الجسم في هدوء ومن خلال ذلك يستفيد المروجون للدعايات او المحطات التي تقوم بالقطع المفاجئ لحين العودة إلى البرنامج الأصلي حيث أنها تعمل بهذه الطريقة على تهيئة الجهاز العصبي مرة أخرى للانتباه والتركيز أنها الوسيلة وليس المحتوى لهذه الدعايات او المقاطعة هي التي تشد الانتباه .
إن الإنقطاع المفاجئ لمدمني التلفاز يؤدي إلى أعراض أنسحابية مثل القلق والعصبية المفرطة ، واضطراب المزاج وارتفاع الضغط والنبض والرجفان ، لقد أصبح سوء استخدام التلفاز في العالم كسوء استخدام المهدئات والأعراض الانسحابية مشابهة لها تماماً .
موضوع رائع