لم تكن الدموع في يوم من الايام دليل ضعف لا استكانة ولكنها دائما وابدا تظل رمزا للنبل الانساني في ارقى مشاعره والتعبير عنه .فالدموع تحمي القرنية وتعالج الاكتئاب وتجعل العين جميلة ومن لا تدمع عيونه يصاب بجفاف العين وبالتالي يتم علاجه بالقطرة .
والدموع انواع ودموع الرجل غير دموع المراة وعموما فان الدموع دائما ما تحمل الاحاسيس المعبرة عنها وصدق الامام علي بن ابي طالب حين قال :مابكت عين الا ووراءها قلب .
ظلت الدموع قيثارة يتغنى على اوتارها الشعراءوالمحبون من ذوي القلوب الجريحة على مدى القرون الماضية وبالرغم من محاولات التسلح بالشجاعة والقوة والكبرياء ,تلك الاسلحة التي يتحصن بها الرجل الا ان اعتى الرجال لم يتمكنوا من الصمود في معركة الدموع .
فقد عرفت الدموع طريقها الى هذا الحصن المنيع وتسللت عبر اسواره المنيعة الى حدقتي هتلر حين عزم على الانتحار مع معشوقته الجميلة ايفا براون فكانت كدموع الاسد الجريح .
تحجرت الدموع في عين "فخامة الامبراطور "نابليون بونابرت ,وهو يقف حدادا فوق ربوة اهرامات مصر الشامخة ,مودعا اياها قبل رحيله الى فرنسا وكانت دموع وداع المجد وكم للدموع من قصص وحكايات وعلميا يقال ان الدموع ما هي الا رسالة موجهة من المخ الى الغدة الدمعية ناتجة عن انفعالات داخلية.
ويوجد نوعان من الدموع :
الدموع الاساسية
وهي التي تفيض من عيون جميع البشر تفرزها الغدة الدمعية بانتظام وتصرف من العين بانتظام ايضا عن طريق مجرى الدموع وهي تتسلل الى داخل الانف ,والحلق .
وللدموع عدة وظائف منها ,غسيل العين من اية اتربة او ميكروبات يمكن ان تصل الى الجزء الامامي من العين وهي مهمة جدا لتغذية القرنية وبياض العين ,علما بان القرنية هي العضو الوحيد في الجسم الذي لا يحتوي على اوعية دموية لانه شفاف لذلك فهو يعتمد في تغذيته على السوائل المحيطة به ,المتمثلة في الدموع ,واذا قل افراز الدموع او جفت لاي سبب فان ذلك يسبب مشاكل للقرنية ,مما يؤدي للاصابة بجفاف العيون وهو ما يعتبر حالة مرضية ,يجب معالجتها بالاستعانة بالدموع الصناعية ,المتمثلة في صورة القطرة وتستخدم حسب الحالة .
كما ان للدموع اهمية كبيرة في عملية انكسار الضوء وحدة الابصار فالذي يصاب بجفاف الدموع او قلتها كثيرا مما يؤثر ذلك على قوة ابصاره .
الدموع الانعكاسية
وهي تحدث اما نتيجة انفعال فيتحكم في ذلك الجهاز العصبي او نتيجة تعرض العين لزيادة في الضوء او لمادة تؤدي الى تهيج العين مثل النشادر او البصل ,او بعض الغازات او الكيماويات ….الخ
وهناك ايضا اسباب مرضية مثل انسداد مجرى الدموع او زيادة افرازها ,اما في حالة شلل العصب السابع للعين ,الذي يؤدي الى شلل نصف عضلات الوجه ,فان ذلك يؤدي الى حدوث فيضان من الدموع ,التي تتدفق بصورة شبه مستمرة من العين لعدم القدرة على التحكم فيها .
وكذلك فان الاصابة باي مرض من امراض الجزء الامامي من العين ,عادة ما تصحبه دموع امراض القرنية ,وامراض الملتحمة ,كل انواع الرمد .ومن العجيب ان حالة جفاف العين تؤدي الى تزايد الدموع ,اذ انه في حالة جفاف العين ,تكون الدموع الاساسية قليلة ,فينتج عن ذلك جفاف القرنية وهنا تظهر الدموع الانعكاسية في محاولة للتعويض وبالرغم من وجود فرق بين مكونات الدموع الاساسية والانعكاسية فالاولى مركزة تحمل كل المزايا ,اما الثانية فانها تحتوي على نسب اقل من الفوائد الخاصة بالعين ولا تقوم بنفس الوظائف …
وهناك اعتقاد خاطىء بان كثرة الدموع تؤذي العين او تتسبب في اضرار لها غير ان ذلك الادعاء غير صحيح فمن حكمة الله سبحانه وتعالى ان لكل جزئية من مكونات الدموع فائدة وليس لكثرتها اي تاثير على قوة الابصار ,كما يتصور البعض .الا انها في بعض الحالات المرضية مثل انسداد مجرى العيون فانها اذا استمرت لمدة شهور وسنوات دون توقف فقد تؤدي الى تليين في الجفن الاسفل ,يعقبه تباعد الجفن عن العين وهنا يستلزم التدخل الجراحي لاعادة الجفن لوضعه الطبيعي اما عروق العين فحينما تصاب بالاحمرار اثناء البكاء او يصاب الجفن بالتورم ,فان ذلك يرجع الى نفس سبب الانفعال وليس للدموع .
اما فيما يختص بالطب النفسي فيقول :دمنير النخسيلي اخصائي الامراض النفسية والعصبية قال يوما علي بن ابي طالب رضي الله عنه "ما بكت عين الا وراءها قلب "فالابكاء بالنسبة للانسان السوى يؤدي الى الراحة او على الاقل يتسبب في الاقلال من حدة الالم النفسي ,الذي غالبا ما يسيطر على مشاعره ….
فيصل في بعض الاحيان الى فقدان الرغبة في الحياة وهناك عدة انواع من الدموع .
دموع الفرح ….
وهي تنتج عن موقف مفاجىء ميئوس منه فتنهمر الدموع في هذه الحالة وكأن لسان حال الشاعر يقول "ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت اظنها لا تفرج "مثلما حدث بعد حرب 67 حينما احتسب العديد من الضابط والجنود في اعداد الشهداء ,وفجاة ظهر احدهم بعد غياب دام طويلا وكذلك النجاح بعد تكرار الفشل او كسب مالي مفاجىء لانسان فقير .
دموع التماسيح ….
انها الدموع الخادعة التي يتصف صاحبها بالخداع فمن المعروف عن التماسيح ,انها بعد التهام فريستها فانها تطفو على السطح وتفتح فمها فتقوم بعض انواع الطيور بمهمة تنظيف اسنانها من بقايا اللحوم التي افترستها وهنا تدمع عيون التماسيح من فرط الشعور بالنشوة والرضا والاسترخاء وليس ندما عما فعلت وهكذا اطلق على الدموع المزيفة دموع التماسيح لانها دموع لا تعبر عن عاطفة او حزن او الم وانما هي عادة تكون لطلب مصلحة او الهروب من مازق .
دموع الالم الجسدي ….
وهناك الدموع الناتجة عن الالم الجسماني وبالذات الام الاسنان والمغص الكلوي والكسور …فمن شدة الالم تنهمر الدموع معلنة عن حدوث "زلزال "داخل جسم الانسان .
حتى الاطفال الرضع فانهم عادة ما يبكون دون دموع ,فهي لغة لم يتعلم الطفل سواها بعد وتكون لطلب سيء من الالم ,لكن حينما يعاني من مشكلة صعبة مؤلمة ,مثل المغص او حدوث التهابات فانه في هذه الحالة يبكي دمعا وهنا تعرف الام ان شيئا ما يؤرق ابنها فتحاول بكل الطرق علاج المشكلة التي تؤلم طفلها …
دموع الياس ….
مثل ان يكتشف شخص ما انه مريض بمرض قاتل فيصاب بحالة من الياس ,والرعب فلا يستطيع ان يعبر عن مشاعره بالكلمات فتكون الدموع في ذلك الوقت ابلغ تعبير من الكلمات .
دموع الندم …
حين يفقد الانسان شيئا ثمينا كان في متناول يده ولم يتمكن من المحافظة عليه ,وحين تضيع سنوات العمر هباء في الوصول الى هدف ,ثم نكتشف في النهاية انه سراب في لحظات الوصول الى الصحوة الدينية والتقرب الى الله ,حينئذ يشعر الانسان بالندم عما فات ,ويتمنى ان يعود به الزمن للوراء فيتصرف بصورة مختلفة ,هنا تكون الدموع هي اسهل اسلوب يعبر به عما يجول في الاكتئاب وهو مرض العصر ,بل هو مرض الاذكياء بالتحديد ,فمعظم العظماء لا بد وان يكون قد اصابهم الاكتئاب يوما ما .
والاكتئاب ثلاثة انواع :
1- فعل ورد فعل "اكتئاب موقفي ناتج عن فشل في الدراسة او الحب او العمل "…الخ
2- اكتئاب ناتج عن فقدان عزيز او فقدان الرمز .
3- اكتئاب السن ,وهو اكتئاب الشيخوخة .
4- ويضيف د .منير النخيلي "هناك فرق بين دموع الرجل ودموع المراة ,فالمراة بصفة عامة تتصف برقة الاحاسيس والضعف الذي هو سمة اساسية من سمات انوثتها ,لذلك فان دموعها لاتهينها ,بل تزيد من جمالها وانوثتها ورقتها اما صفات الرجولة فتتسم بالاحساس بالكرامة ,والنبل والفروسية والشجاعة والقدرة على حماية الاسرة وانكار الذات بل والتضحية بالنفس عند اللزوم والمسؤولية وهذه الصفات الخاصة بعالم الرجال موجودة لدى بعض النساء ,والامثلة على ذلك كثيرة …فهناك مارجريت تاتشر ,بنظير بوتو ,انديرا غاندي …وغيرهن .
هؤلاء اللاتي ينتمين الى عالم النساء يتمتعن ايضا بالقوة ورباطة الجاش وهي كلها من صفات الرجولة التي حتما لا تؤثر على انوثتهن لكنها توفر لهن القوة .
ودقة احاسيس المراة تنشأ مع تكوينها الهرموني وهذه الهرمونات تجعل مشاعرها العاطفية سريعة وجياشة مما يسيطر على غريزة الامومة بداخلها .
وعلى صعيد اخر هناك من البشر من لايبكي مطلقا …وهؤلاء مصابون بمرض اضطراب الشخصية المضادة للمجتمع ,اي انهم يفقدون الحس البشري وهناك امثلة كثيرة من هؤلاء داخل اسوار السجون ,فعادة ما يتحول صاحب هذا المرض الى مجرم فاقد الحس وهو مرض يصاب به الانسان منذ الولادة وحتى الوفاة ,وهي مسالة خلقية ….
وفي مجال الشعر والغناء يقول الشاعر الغنائي عبد الرحمن الابنودي …
استعان الكثير من الشعراء على مدى سنوات عديدة بلغة العيون والدموع في تكوين ورسم كلمات الاغنية الحزينة وان كنت لااحبذ ذلك ,حيث ان الدموع هي اسمي ,وسيلة تعبير يمتلكها البشر ,فانني شخصيا اعتبرها اسمى من ان تتحدث عنها كلمات الاغنية او ان يتداول سيرتها الناس ,فالدموع هي في الواقع انفعال حقيقي نابع من القلب ,وليس هناك من يستطيع ان يمتلكها في اي لحظة يشاء بينما نجدها تنهمر من العيون في اللحظات شديدة الفرح ,او بالغة الحزن ,بل انه في المرحلة التي تلي ذلك قد تنعقد الدموع في العيون وتتحجر بينما يكون الانسان في اشد الحاجة اليها …
ولذلك فان التعبير عن الدموع بصفة عامة خلال العملية الابداعية من الامور النادرة ايضا ,لان الشاعر لابد ,وان يستشعر ما يكتب ,فهو يضحك احيانا ويحزن احيانا اخرى اثناء الكتابة فرحا وحزنا حقيقيين .