عن أبي هريرة -رضيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ- عَنِ النبيِّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال: تُنْكحُ الْمَرْأَةُ لأرْبَعٍ: لمالها، ولِحَسَبها، ولِجَمَالها، وَلدينها. فَاظْفَرْ بذاتِ الدِّينِ تَربَتْ يَدَاكَ. مُتّفَقٌ عَلَيْهِ. لماذا لم يبدأ الرسول صلى الله عليه وسلم بالدين أو لماذا لم يقل المرأة الصالحة؟ وكيف لي أن أعرف المرأة الصالحة؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث الذي أشرت إليه قد اشتمل على الصفات التي تدعو لنكاح المرأة، وقد ختم النبي صلى الله عليه وسلم بذكر صفة الدين ولم يبدأ به إشارة إلى أنه هو الأهم من كل الصفات التي قبله، فينبغي أن تكون تبعا له.
جاء في فيض القدير للمناوي: (ولدينها) ختم به إشارة إلى أنها وإن كانت تنكح لتلك الأغراض، لكن اللائق الضرب عنها صفحا وجعلها تبعا وجعل الدين هو المقصود بالذات، فمن ثم قال: (فاظفر بذات الدين) أي اخترها وقربها من بين سائر النساء، ولا تنظر إلى غير ذلك. انتهى.
وبخصوص قولك: " لماذا لم يقل والمرأة الصالحة " ؟ فالجواب أن عبارة " ولدينها " في هذا الحديث المقصود بها المرأة الصالحة؛ لأن الدين هو أهم صفاتها.
قال ابن الجوزي في مشكل الأحاديث: وَصَلَاح الْمَرْأَة دينهَا، وصاحبة الدّين تجتنب الأنجاس والأوساخ، وتحسن أخلاقها، وتصبر على جفَاء زَوجهَا وَقلة نَفَقَته، وَلَا تخونه فِي مَاله، فيطيب لذَلِك عيشه. انتهى.
وفي إرشاد الساري للقسطلاني: والصالح هو صاحب الدين. قاله في شرح المشكاة. وفي الحديث كما قال النووي: الحث على مصاحبة أهل الصلاح في كل شيء؛ لأن من صاحبهم استفاد من أخلاقهم وبركتهم، وحسن طرائقهم، ويأمن المفسدة من جهتهم. انتهى.
هذا إضافة إلى أن في بعض الأحاديث الصحيحة ورد ذكر المرأة الصالحة، ومنها ما رواه الإمام مسلم وغيره عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ. انتهى.
وللمرأة الصالحة صفات أخرى غير الدين وإن كان هو أهمها.
جاء في دليل الفالحين شرح رياض الصالحين: (المرأة الصالحة) قال القرطبي: فسرت في الحديث بقوله: «التي إذا نظر إليها سرّته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله» انتهى.
وجاء فى مرعاة المفاتيح بشرح مشكاة المصابيح: (المرأة الصالحة) أي الجميلة ظاهرا وباطنا. قال الطيبي: المرأة مبتدأ، والجملة الشرطية خبره، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف. والجملة الشرطية بيان (إذا نظر) أي الرجل (سرته) أي جعلته مسرورا بجمال صورتها، وحسن سيرتها، وحصول حفظ الدين بها (وإذا أمرها) بأمر شرعي، أو عرفي (أطاعته) وخدمته (حفظته) أي حقوقه في نفسها وماله، وولده وبيته. قال القاضي: لما بين لهم – صلى الله عليه وسلم – أنه لا حرج عليهم في جمع المال وكنزه ما داموا يؤدون الزكاة، ورأى استبشارهم به، ورغبهم عنه إلى ما هو خير وأبقى وهي المرأة الصالحة الجميلة، فإن الذهب لا ينفعك إلا بعد الذهاب عنك وهي ما دامت معك تكون رفيقك تنظر إليها فتسرك، وتقضي عند الحاجة إليها وطرك، وتشاورها فيما يعن لك فتحفظ عليك سرك، وتستمد منها في حوائجك فتطيع أمرك، وإذا غبت عنها تحامي مالك، وتراعي عيالك ولو لم يكن لها إلا أنها تحفظ بذرك وتربي زرعك، فيحصل لك بسببها ولد يكون لك وزيرا في حياتك، وخليفة بعد وفاتك لكان بذلك فضل كثير. انتهى.
ومعرفة المرأة الصالحة يكون بالوقوف على صفاتها التي ذكرناها آنفا؛ وراجع المزيد في الفتوى رقم: 24855.
والله أعلم.