أمل إليه هفت قلوب الناس في الزمن التليد
أمل إليه سعى الملوك كما إليه رنا العبيد
عادوا وكل سؤالهم أين السعادة والسعيد؟
=====================
قالوا : السعادة في الغنى فأخو الثراء هو السعيد
الأصفر الرنان في كفيه يلوي كل جيد
وبه يدين له العصي وقد يلين له الحديد
فإذا أراد … فكل ما في هذه الدنيا يريد
وإذا تمنى الشيء جاء كما تمنى أو يزيد
والناس خلف ركابه يمشون في حضر وبيد
قلت : الغنى في النفس وهو لعمرك العيش الرغيد
كم عائلٍ راضٍ , وكم مثرٍ على بؤسٍ قعيد
وهو الفقير وإن بدا في مال قارون العديد
يبغي المئات , فإن وفت يبغي الألوف من النقود
جشع به كجهنم يشكو : ألا هل من مزيد ؟
فهو الشقي بوهمه وبحرصه العاني الكدود
ويل له ويل إذا عثرت به قدم الجدود
قد عافه الخِلُّ الودودُ كأنه نتن ودود
أفبعد ذاك تظن أن أخا الثراء هو السعيد؟!!
================
قالوا : السعادة في النفوذ وسلطة الجاه العتيد
من كالأمير وكالوزير وكالمدير وكالعميد؟
يرنو إلى من دونه فيتسابقون لما يريد
وإذا رأى رأيا فذلك وحده الرأي الرشيد
كل يسارع في هواه وعن رضاه لايحيد
قلت : اطرحوا هذي المظاهر , واسمعوا بيت القصيد
فأخو النفوذ بجاهه يشقى وإن سحب البرود
متملقا من فوقه طمع المثوبة والمزيد
ومخافة أن يسقط الكرسي يوما أو يميد
مترضيا من دونه بعطائه أو بالوعود
يبغي رضا كل الورى ورضاهمو شيء بعيد
فتراه يبسم للبغيض كأنه الحب الودود
وتراه يمتدح الغبي كأنه الفطن الرشيد
فاعجب لأزياء الملوك وتحتها نفس العبيد
ذهب البطانة واختفى الزوار وانفض الحشود
وإذا رأوه دعوا : ألا بُعْدًا , كما بَعُدَت ثمود
أفبعد ذاك تظن أن أخا النفوذ هو السعيد ؟!!
============
قالوا : السعادة في الغرام الحلو.. في خصر وجيد
في نرجس العين الضحوك وفي الورود على الخدود
في ليلة قمراء ليس بها سوى الشهب الشهود
فيها التناجي يُسْتَطَاب كأنه وتر وعود
قلت : الغرامُ خرافةٌ كبرى , وأحلام شرود
هو فكرة بلهاء , أو نزعات شيطان مريد
هو شغل قلب فارغ فقد التطلع للصعود
ما أضيع الأعمار تقضى في الهيام وفي السهود
في حب غانية لعوب…. في أماني في وعود
الحب حب الأمِ , والأَبِ , والحليلةِ , والوليدْ
حب المعاني والحقائق لا القدود , ولا النهود
فدع التي تهواك حيث تراك كالزهر النضيد
فإذا تغير دهرك الدوار غيرها الصدود
وإذا رأت مع غيرك الدنيا مشت تحت البنود
أفبعد ذاك تظن عَبْدَ الغانياتِ هو السعيد؟!!
===============
قالوا : السعادة في السكون وفي الخمول , وفي الخمود
في العيش بين الأهل لاعيش المهاجر والطريد
في لقمة تأتي إليك بغير ما جهد جهيد
في المشي خلف الركب في دعة وفي خطو وئيد
في أن تقول كما يقال فلا اعتراض ولا ردود
في أن تسير مع القطيع وأن تقاد ولا تقود
قلت: الحياة هي التحرك لا التحجر والجمود
وهي الشعور بالانتصار ولا انتصار بلا جهود
وهي التلذ بالمتاعب لا التلذ بالرقود
هي أن تخط مصير نفسك في التِّهَامِ وفي النِّجُود
وتقول : لا , وبملء فيك لكل جبار عنيد
أفبعد ذاك تظن أن أخا الخمول هو السعيد؟!!
=============
قل للذي يبغي السعادة : هل علمت من السعيد ؟!!
إن السعادة : أن تعيش لفكرة الحق التليد
لعقيدة كبرى تحل قضية الكون العتيد
وتجيب عما يسأل الحيران في وعي رشيد
من أين جئت؟ وأين أذهب ؟ لم خلقت ؟ وهل أعود ؟
فتشيع في النفس اليقين وتطرد الشك العنيد
وتعلم الفكر السوي وتصنع الخلق الحميد
تعطي حياتك قيمة ربُّ الحياةِ بها يشيد
ليظل طرفك رانيا في الأفق للهدف البعيد
هذي العقيدة للسعيد هي الأساس هي العمود
عرف المراد من الحياة فلم يعش عيش الشريد
وتفاعلا : هو والحياة يفيدها وله تفيد
فإذا استفاد المال فهو لخير أمته رصيد
والجاه عدته لنفع الناس من بيض وسود
فيعيش من إيمانه في عالم نائي الحدود
ويعيش من أخلاقه في عالم الخير المديد
حلو الشمائل في حياء الزهر في طهر الوليد
في رقة الماء النمير وبهجة الفجر الجديد
هو في الرخاء وفي الشدائد للجميع أخ ودود
لا الفقر يذهله , ولا الإثراء ينسيه العهود
لا حامل حقدا , فما أشقى الحياة مع الحقود
متبسما , والدهر غضبان يزمجر بالوعيد
هو كالشعاع المستقيم فلا يضل ولا يحيد
هو ناصع , لا يختفي خلف الستائر والسدود
للناس أرباب , ولكنْ ربُّه رب وحيد
لا ينحني إلا له عند الركوع أو السجود
آماله تنمو على الأحداث كالروض المجود
ويمدها إيمانه الدفاق كالدم في الوريد
هذا لعمري شأن ذي الإيمان أو شأن السعيد
لاحزن لاندم على أمس , فأمس لايعود
لا خوف من غده , فخوفُ غدٍ ظنون لا تفيد
===========
قل للذي نشد السعادة : دونك النبع الفريد
إن السعادة منك , لاتأتيك من خلف الحدود
هي بنت قلبك , بنت عقلك , ليس تُشْرَى بالنقود
فاسعد بذاتك , أو فدع أمر السعادة للسعيد
================= ( د . يوسف القرضاوي
تسلمين
ماشاء الله دائما تجذبنيا بقلمك المميز والمبدع
فدمتي بهذا التميز والابداع
لك خالص التقدير واطيب التحيات
الله يحفظك ويسعدك
ودي لك
آبار