إن الشهادة قول متداول بين الناس فكل من رأى فعل من الأفعال فهو شاهد على ذلك الفعل فيقول أشهد أن فلانا صادق أو أشهد أن فلانا اعتدى على فلان من الناس , ويتطلب على كل من حضر حدثا وقع بين أثنين أو أكثر وحصل بينهما خلاف فعليه أن يدلي بشهادته ويثبت ما رأى حتى ينفك الخلاف ويزول أثره , والأمور التي يشاهدها الناس كثيرة وفي بعضها حقوق مالية كمثل الاقتراض أو عقد قران أو طلاق أو قذف أو سرقة أو شهود نوع من أنواع البيوع أو قد يكون اعتداء على نفس محرمة أو انتهاك عرض أو سرقة فهذه كلها متعلقة بالشهادة لتثبيت الحقوق أو ردها , فلأهميتها نزل في حقها ذكر في كتاب الله .
يقول الله تعالى ( وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته وليتق الله ربه ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما تعملون عليم ) . البقرة (283)
يقول ابن كثير في تفسير قوله تعالى " وإن كنتم على سفر " أي مسافرين وتداينتم إلى أجل مسمى " ولم تجدوا كاتبا " يكتب لكم قال ابن عباس أو وجدوه ولم يجدوا قرطاسا أو دواة أو قلما فرهان مقبوضة أي فليكن بدل الكتابة رهان مقبوضة أي في يد صاحب الحق , وقد ثبت في الصحيحين عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي ودرعه مرهونة عند يهودي على ثلاثين وسقا من شعير رهنها قوتا لأهله وفي رواية من يهود المدينة وفي رواية الشافعي عند أبي الشحم اليهودي .
وقوله تعالى " فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذين اؤتمن أمانته " روى ابن أبي حاتم بإسناد جيد عن أبي سعيد الخدري أنه قال : هذه نسخت ما قبلها وقال الشعبي : إذا ائتمن بعضكم بعضا فلا بأس أن لا تكتبوا أو لا تشهدوا وقوله " وليتق الله ربه " يعنى المؤتمن كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن من رواية قتادة عن الحسن عن سمرة أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال " على اليد ما أخذت حتى تؤديه " . وقوله " ولا تكتموا الشهادة " أي لا تخفوها وتغلوها ولا تظهروها قال ابن عباس وغيره : شهادة الزور من أكبر الكبائر وكتمانها كذلك ولهذا قال " ومن يكتمها فإنه آثم قلبه" قال السدي يعني فاجر قلبه وهذه كقوله تعالى" ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين" وهكذا قال هاهنا " ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما تعملون عليم , { ويتبين في أية الرهن أنه لا يلزم الإشهاد على الرهن والكتابة تكون مع الإشهاد أفضل من الرهن ومن الإشهاد منفردا إنما الرهن مقابل عدم الكتابة , ومن شهد هذا أحدا فعليه أن لا يكتم الحق وإلا أصبح من الظلمة الآثمين , فعلى من شهد قرضا أو رهنا في دين وطلب منه الشهادة فعليه أن يؤديها ولا يتردد حتى لا يضيع حق أخيه , والقصد من الكتابة التذكر وتثبيت الدين فإذا لم يكن كتابة فالرهن بدلا منه في مقابل الدين فإذا لم يجد ما يرهنه ولم يوجد كاتب فيشهد على ما أقرض من مال وعلى الشاهد أداء الشهادة عند طلبها عند الاختلاف , ولم تحدد الشهادة بشاهدين في هذه الآية ولكن ذكرت في أية أخرى } .
قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه) . البقرة (282)
هذه الآية الكريمة أطول آية في القرآن العظيم وعن يوسف بن مهران عن ابن عباس أنه قال لما نزلت آية الدين قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – " إن أول من جحد آدم عليه السلام إن الله لما خلق آدم مسح ظهره فأخرج منه ما هو ذار إلى يوم القيامة فجعل يعرض ذريته عليه فرأى فيهم رجلا يزهر فقال أي رب من هذا ؟ قال هو ابنك داود قال أي رب كم عمره ؟ قال ستون عاما قال رب زد في عمره قال لا إلا أن أزيده من عمرك وكان عمر آدم ألف سنة فزاده أربعين عاما فكتب عليه بذلك كتابا وأشهد عليه الملائكة فلما احتضر آدم وأتته الملائكة قال إنه قد بقي من عمري أربعون عاما فقيل له إنك قد وهبتها لابنك داود قال ما فعلت فأبرز الله عليه الكتاب وأشهد عليه الملائكة " .
وقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه " هذا إرشاد منه تعالى لعباده المؤمنين إذا تعاملوا بمعاملات مؤجلة أن يكتبوها ليكون ذلك أحفظ لمقدارها وميقاتها وأضبط للشاهد فيها وقد نبه على هذا في آخر الآية حيث قال " ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى أن لا ترتابوا " { أي أن كتابة الدين تزيد من تثبت الشهود فلا يرتابوا في مقدار الدين ولا يكون اعتمادهم على ذاكرتهم فقط بل بين أيديهم ما هو مكتوب فيتذكروا} , وقال سفيان الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس في قوله " يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه" قال أنزلت في السلم إلى أجل معلوم وقال قتادة عن أبي حسان الأعرج عن ابن عباس قال أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى أن الله أحله وأذن فيه ثم قرأ " يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى " . رواه البخاري وثبت في الصحيحين من رواية سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن عبد الله بن كثير عن أبي المنهال عن ابن عباس . قال : قدم النبي – صلى الله عليه وسلم – المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين والثلاث فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – " من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم وأجل معلوم " وقوله " فاكتبوه " أمر منه تعالى بالكتابة للتوثقة والحفظ .
وقال أبو سعيد والشعبي والربيع بن أنس والحسن وابن جريج وابن زيد وغيرهم كان ذلك واجبا ثم نسخ بقوله " فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته " { وفي هذه الآية تغليب حكم المشتهر بالأمانة وفصل بين عكسهم المماطلين الذي يشك في أدائهم فمن عرف بالأمانة فلا يحتاج إلى رهن أو إشهاد ومن عرف بخلاف ذلك أو جهل حاله فالأولى الكتابة والإشهاد أو أخذ رهن بدله} .
والدليل على ذلك أيضا الحديث الذي حكي عن شرع من قبلنا مقررا في شرعنا ولم ينكر عدم الكتابة والإشهاد قال الإمام أحمد حدثنا يونس بن محمد حدثنا ليث عن جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن هرمز عن أبي هريرة عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه ذكر أن رجلا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار فقال ائتني بشهداء أشهدهم قال كفى بالله شهيدا قال ائتني بكفيل قال كفى بالله كفيلا قال صدقت فدفعها إليه إلى أجل مسمى فخرج في البحر فقضى حاجته ثم التمس مركبا يقدم عليه للأجل الذي أجله فلم يجد مركبا فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة معها إلى صاحبها ثم زجج موضعها ثم أتى بها البحر ثم قال اللهم إنك قد علمت أني استسلفت فلانا ألف دينار فسألني كفيلا فقلت : كفى بالله كفيلا فرضي بذلك وسألني شهيدا فقلت كفى بالله شهيدا فرضي بذلك وإني قد جهدت أن أجد مركبا أبعث بها إليه بالذي أعطاني فلم أجد مركبا وإني استودعتكها فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه ثم انصرف وهو في ذلك يطلب مركبا إلى بلده فخرج الرجل الذي كان أسلفه ينظر لعل مركبا تجيئه بماله فإذا بالخشبة التي فيها المال فأخذها لأهله حطبا فلما كسرها وجد المال والصحيفة ثم قدم الرجل الذي كان تسلف منه فأتاه بألف دينار وقال : والله ما زلت جاهدا في طلب مركب لآتيك بمالك فما وجدت مركبا قبل الذي أتيت فيه . قال هل كنت بعثت إلي بشيء ؟ قال ألم أخبرك أني لم أجد مركبا قبل هذا الذي جئت فيه ؟ قال فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت به في الخشبة فانصرف بألفك راشدا . وهذا إسناد صحيح وقد رواه البخاري في سبعة مواضع .
( وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل )
وقوله تعالى" وليكتب بينكم كاتب بالعدل " أي بالقسط والحق ولا يحيف في كتابته على أحد ولا يكتب إلا ما اتفقوا عليه من غير زيادة ولا نقصان وقوله " ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب " أي ولا يمتنع من يعرف الكتابة إذا سئل أن يكتب لمن لا يعرف , فكما علمه الله ما لم يكن يعلم فليتصدق على غيره ممن لا يحسن الكتابة وليكتب كما جاء في الحديث " إن من الصدقة أن تعين صانعا أو تصنع لأخرق " وفي الآخر " من كتم علما يعلمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار ".
وقوله" وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه " أي وليملل المدين على الكاتب ما في ذمته من الدين وليتق الله في ذلك " ولا يبخس منه شيئا " أي لا يكتم منه شيئا " فإن كان الذي عليه الحق سفيها " محجورا عليه بتبذير ونحوه " أو ضعيفا " أي صغيرا أو مجنونا " أو لا يستطيع أن يمل هو " إما لعي أو جهل بموضع صواب ذلك من خطئه" فليملل وليه بالعدل " .
قال تعالى ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى)
وقوله تعالى " واستشهدوا شهيدين من رجالكم " أمر بالإشهاد مع الكتابة لزيادة التوثقة " فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان " وهذا إنما يكون في الأموال وما يقصد به المال وإنما أقيمت المرأتان مقام الرجل لنقصان عقل المرأة كما ذكر مسلم في صحيحه عن المقبري عن أبي هريرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال " يا معشر النساء تصدقن وأكثرن الاستغفار فإني رأيتكن أكثر أهل النار فقالت امرأة منهن جزلة وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار ؟ قال" تكثرن اللعن وتكفرن العشير ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن " , قالت يا رسول الله ما نقصان العقل والدين قال " أما نقصان عقلها فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل فهذا نقصان العقل وتمكث الليالي لا تصلي وتفطر في رمضان فهذا نقصان الدين" . والمقصود من نقصان العقل هو في كثرة النسيان فتحتاج لامرأة أخرى لتذكرها إذا نسيت .
وقوله تعالى " ممن ترضون من الشهداء " ( أي مرضي الحال) فيه دلالة على اشتراط العدالة في الشهود وهذا مقيد حكم به الشافعي على كل مطلق في القرآن من الأمر بالإشهاد من غير اشتراط ,وقد استدل من رد المستور ( أي بحاله ) بهذه الآية الدالة على أن يكون الشاهد عدلا مرضيا. وقوله " أن تضل إحداهما " يعني المرأتين إذا نسيت الشهادة " فتذكر إحداهما الأخرى " أي يحصل لها ذكر بما وقع به من الإشهاد .
( ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا )
" وقوله " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " قيل معناه إذا دعوا للتحمل فعليهم الإجابة وهو قول قتادة والربيع بن أنس وهذا كقوله " ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب " ومن هاهنا استفيد أن تحمل الشهادة فرض كفاية قيل وهو مذهب الجمهور المراد بقوله " ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا " للأداء لحقيقة قوله الشهداء والشاهد حقيقة فيمن تحمل فإذا دعي لأدائها فعليه الإجابة إذا تعينت وإلا فهو فرض كفاية والله أعلم . وعن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن زيد بن خالد أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال " ألا أخبركم بخير الشهداء ؟ الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها " هذا فيما إذا رأى ظلما يحتاج المظلوم لشهادة شاهد . فأما الحديث الآخر في الصحيحين " ألا أخبركم بشر الشهداء" ؟ الذين يشهدون قبل أن يستشهدوا (وهؤلاء هم شهداء الزور ) وكذا قوله" ثم يأتي قوم تسبق أيمانهم شهادتهم وتسبق شهادتهم أيمانهم " .
وقوله تعالى " ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله " هذا من تمام الإرشاد وهو الأمر بكتابة الحق صغيرا كان أو كبيرا فقال ولا تسأموا أي لا تملوا أن تكتبوا الحق على أي حال كان من القلة والكثرة إلى أجله وقوله" ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى أن لا ترتابوا " . أي هذا الذي أمرناكم به من الكتابة للحق إذا كان مؤجلا هو أقسط عند الله أي أعدل وأقوم للشهادة أي أثبت للشاهد إذا وضع خطه ثم رآه تذكر به الشهادة لاحتمال أنه لو لم يكتبه أن ينساه كما هو الواقع غالبا " وأدنى أن لا ترتابوا " وأقرب إلى عدم الريبة بل ترجعون عند التنازع إلى الكتاب الذي كتبتموه فيفصل بينكم بلا ريبة .
( إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم )
وقوله " إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح أن لا تكتبوها " أي إذا كان البيع بالحاضر يدا بيد فلا بأس بعدم الكتابة لانتفاء المحذور في تركها وللمشقة . فأما الإشهاد على البيع بالأجل فقد قال تعالى " وأشهدوا إذا تبايعتم" , وعن سعيد بن جبير في قوله تعالى " وأشهدوا إذا تبايعتم " يعني أشهدوا على حقكم إذا كان فيه أجل أو لم يكن فيه أجل فأشهدوا على حقكم على كل حال قال وروي عن جابر بن زيد ومجاهد وعطاء والضحاك نحو ذلك وقال الشعبي والحسن هذا الأمر منسوخ بقوله " فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته " وهذا الأمر محمول عند الجمهور على الإرشاد والندب لا على الوجوب والدليل على ذلك حديث خزيمة بن ثابت الأنصاري . فعن الزهري حدثني عمارة بن خزيمة الأنصاري أن عمه حدثه وهو من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – ابتاع فرسا من أعرابي فاستتبعه النبي – صلى الله عليه وسلم – ليقضيه ثمن فرسه فأسرع النبي – صلى الله عليه وسلم – وأبطأ الأعرابي فطفق رجال يعترضون الأعرابي فيساومونه بالفرس ولا يشعرون أن النبي – صلى الله عليه وسلم – ابتاعه حتى زاد بعضهم الأعرابي في السوم على ثمن الفرس الذي ابتاعه النبي صلى الله عليه وسلم فنادى الأعرابي النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال : إن كنت مبتاعا هذا الفرس فابتعه وإلا بعته فقام النبي – صلى الله عليه وسلم – حين سمع نداء الأعرابي قال " أوليس قد ابتعته منك " قال الأعرابي لا والله ما بعتك فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " بل قد ابتعته منك فطفق الناس يلوذون بالنبي – صلى الله عليه وسلم – والأعرابي وهما يتراجعان فطفق الأعرابي يقول هلم شهيدا يشهد أني بايعتك فمن جاء من المسلمين قال للأعرابي ويلك إن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يكن يقول إلا حقا حتى جاء خزيمة فاستمع لمراجعة النبي – صلى الله عليه وسلم – ومراجعة الأعرابي يقول : هلم شهيدا يشهد أني بايعتك قال : خزيمة أنا أشهد أنك قد بايعته فأقبل النبي – صلى الله عليه وسلم – على خزيمة فقال بم تشهد ؟ فقال بتصديقك يا رسول الله فجعل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – شهادة خزيمة بشهادة رجلين وهكذا رواه أبو داود من حديث شعيب والنسائي من رواية محمد بن الوليد الزبيدي كلاهما عن الزهري .
وعن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي – صلى الله عليه وسلم – " ثلاثة يدعون الله فلا يستجاب لهم : رجل له امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها ورجل دفع مال يتيم قبل أن يبلغ ورجل أقرض رجلا مالا فلم يشهد " ثم قال الحاكم صحيح الإسناد على شرط الشيخين وصححه الألباني , أي أن الذي يترك الإشهاد فهو الذي ضيع حقه .
(تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم )
وقوله تعالى " ولا يضار كاتب ولا شهيد " قيل معناه لا يضار الكاتب ولا الشاهد فيكتب هذا خلاف ما يملي ويشهد هذا بخلاف ما سمع أو يكتمها بالكلية وهو قول الحسن وقتادة وغيرهما وقيل معناه لا يضر بهما قال ابن أبي حاتم . حدثنا أسيد بن عاصم حدثنا الحسين يعني ابن حفص حدثنا سفيان عن يزيد بن أبي زياد عن مقسم عن ابن عباس في هذه الآية " ولا يضار كاتب ولا شهيد " قال يأتي الرجل فيدعوهما إلى الكتاب والشهادة فيقولان إنا على حاجة فيقول إنكما قد أمرتما أن تجيبا فليس له أن يضارهما ثم قال وروي عن عكرمة ومجاهد وطاوس وسعيد بن جبير والضحاك وعطية ومقاتل بن حيان والربيع بن أنس والسدي نحو ذلك وقوله " وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم " أي إن خالفتم ما أمرتم به أو فعلتم ما نهيتم عنه فإنه فسق كائن بكم أي لازم لكم لا تحيدون عنه ولا تنفكون عنه وقوله " واتقوا الله " أي خافوه وراقبوه واتبعوا أمره واتركوا زجره " ويعلمكم الله " كقوله " يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا " .
وقوله " والله بكل شيء عليم " أي هو عالم بحقائق الأمور ومصالحها وعواقبها فلا يخفى عليه شيء من الأشياء بل علمه محيط بجميع الكائنات .
إن الشهادة لا ينفك الإنسان عن بذلها لكثرة ما يشاهد من أحداث وقد يتهرب أحيانا عن بذلها لأسباب يعتقدها فيضيع حق أخيه , وتحدث كثيرا في حوادث المرور اليومية وفي الاعتداءات على الآخرين في الأسواق أو في غيرها وهناك من يبذل الشهادة زورا وبهتانا ليبطل حقا لأخر وليبرئ مجرما فهذا من الواقعين في كبائر الذنوب فقد ذكر البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك أنه ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر ، أو سئل عن الكبائر ، فقال : ( الشرك بالله ، وقتل النفس ، وعقوق الوالدين ، فقال : ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ قال : قول الزور ، أو قال : شهادة الزور ) . قال شعبة : وأكثر ظني أنه قال : ( شهادة الزور ) .
فيجب على المسلم التحرز من الكذب في شهادته وأن يتحملها إذا طلب وقت الشهادة على أمر ما وأن يؤديها عند النزاع لتحل المشاكل بين المتخاصمين , إن الشهادة مطلوبة في الدماء والأموال والأعراض وفض النزاعات والصلح في الخصومات وفي البيع والشراء والإقراض والزواج والطلاق وغيره من مصالح , ولكن الناس يستهينون بها فلا يدري على ماذا يشهد ولو طلب منه شهادة زور أي كذبا وبهتانا من أجل قريب أو صديق لم يتأخر , والرسول صلى الله عليه وسلم لم يقبل أن يشهد في هبة غير عادلة بين الأبناء حيث قال للنعمان بن بشير ألك ابن غير هذا ؟ قال نعم , قال : فوهبت له مثل ما وهبت لهذا ؟ قال : لا , قال : فلا تشهدني إذا فإني لا أشهد على جور " فكيف بمن ينساق وراء كل شهادة أو يكتم شهادة الله ليضيع حق أخيه , إن كتم الشهادة من الظلم والشهادة على جور من الظلم , نسئل الله العافية والسلامة … والله أعلم ……. والحمد لله رب العالمين .
وبآآرك الله فيك
ماننحرم من تلآلآتـ قلمكــ
ودوآآم إبدآآعكـ
دمتِ بحفظ المولى ورعآآيتــهــ
تحيتي لك ..