بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه, وبعد: فإن هذا الدين الحنيف يحث على مكارم الأخلاق من عفة ومروءة وحسن خلق وصلة رحم … وغيرها من الأخلاق التي عظم..
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه, وبعد:
فإن هذا الدين الحنيف يحث على مكارم الأخلاق من عفة ومروءة وحسن خلق وصلة رحم … وغيرها من الأخلاق التي عظم الشرع أجر من تحلى بها، ومن جملة هذه الأخلاق الكريمة خلق الصدق الذي أمر الله بالتحلي به فقال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِين}.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " عليكم بالصدق. فإن الصدق يهدي إلى البر . وإن البر يهدي إلى الجنة . وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا . وإياكم والكذب . فإن الكذب يهدي إلى الفجور . وإن الفجور يهدي إلى النار . وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا . وفي رواية : بهذا الإسناد . ولم يذكر في حديث عيسى " ويتحرى الصدق . ويتحرى الكذب ..".
الراوي:عبدالله بن مسعود المحدث: مسلم – المصدر: صحيح مسلم – الصفحة أو الرقم: 2607
خلاصة حكم المحدث: صحيح .
وللصدق معانٍ كثيرة ولكن حديثنا هنا عن الصدق مع الله تعالى، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: [ليس شيء أنفع للعبد من صدق ربه في جميع أموره، مع صدق العزيمة، فيصدقه في عزمه وفي فعله قال تعالى: { فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم}
فسعادته في صدق العزيمة وصدق الفعل …. ومن صدق الله في جميع أموره صنع له فوق ما يصنع لغيره].أ.هـ.
وقد امتدح الله تعالى بعض عباده ووصفهم بالصدق، فقال عن عبده وخليله إبراهيم عليه السلام:
(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً) (مريم:41)
كما امتدح نبيه إسماعيل فقال: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً) (مريم:54).
كما امتدح نفرا من المؤمنين فقال:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}.
والصادقون مع الله تعالى لهم كل خير في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى:
{وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُم * طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم}.
وإذا أردت دليلا عمليا على عظم قدر الصدق مع الله تعالى فانظر إلى قصة كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه عند تخلفه عن تبوك، فقد قال له النبي صلى الله عليه وسلم: " ما خلفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟" فقال: يا رسول الله إني والله لو جلست إلى غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أُعطيت جدلا- أي فصاحة وقوة في الإقناع – ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك عليّ، ولئن حدثتك حديث صدق تجد عليّ فيه-تغضب عليّ بسببه- إني لأرجو فيه عفو الله، والله ما كان لي عذر، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر في حين تخلفت عنك. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: " أما هذا فقد صدق".
راوي: كعب بن مالك المحدث: الألباني – المصدر: صحيح النسائي – الصفحة أو الرقم: 730
خلاصة حكم المحدث: صحيح
فأنزل الله توبته وإن كانت بعد مدة، يقول الله:
{لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيم * وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيم}. ثم عقب بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِين}.
الصدق مع الله تعالى نجاة من الشدائد
ففي حديث الثلاثة الذين أُغلق عليهم الغار أنه قال بعضهم لبعض:
إنه و الله يا هؤلاء لا ينجيكم إلا الصدق، فليدع كل رجل منكم بما يعلم أنه صدق فيه…
فتوسل أحدهم بعفته، وآخر بأمانته، وآخر ببره بوالديه ففرج الله عنهم.
وأعجب من ذلك قصة الخليل عليه السلام حين صدق الله في تنفيذ الرؤيا بذبح ولده، فإنه لما صدق مع الله وشرع في تنفيذ الأمر كان الفرج وكانت العطايا والخيرات العظام من الله تعالى (وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ.قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ.وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ).(الصافات:104- 107).
وهذا الإمام أحمد رحمه الله تعالى حين صدق مع الله تعالى في فتنة المعتزلة بالقول بخلق القرآن وثبت على عقيدة أهل السنة أن القرآن كلام الله تعالى،وابتلي في الله فصبر وثبت وصدق فنجاه الله وكتب له الذكر الجميل وصار يعرف بإمام أهل السنة، برغم أنه ليس إمامهم الأوحد ولا الأسبق فقد سبقه على الدرب كثيرون لكنه الصدق مع الله تعالى.
فيا أيها الحبيب ترى هل لك من عمل صدقت مع الله فيه تطمع أن ينجيك الله به من الشدائد إذا نزلت بك؟
وانظر إلى هذا الرجل الأعرابي الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا وهاجر معه فلما كانت غزوةٌ غنم فيها النبي غنائم فقسمها وجعل له نصيبا، فقال: ما على هذا اتبعتك، ولكن اتبعتك على أن أُرمى بسهم هاهنا- وأشار إلى حلقه-فأموت فأدخل الجنة. فقال صلى الله عليه وسلم: " إن تصدق الله يصدقك". فلبثوا قليلا ثم نهضوا إلى قتال العدو، فأصابه سهم حيث أشار فحملوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:" أهو هو " قالوا: نعم. فقال:" صدق الله فصدقه".
فكفنه في جبته التي عليه ثم قدمه فصلى عليه فكان من دعائه: " اللهم هذا عبدك خرج مهاجرا في سبيلك فقتل شهيدا، أنا شهيد على ذلك".
الراوي:شداد بن الهاد الليثي المحدث: الألباني – المصدر: صحيح النسائي – الصفحة أو الرقم: 1952
خلاصة حكم المحدث: صحيح
أنس بن النضر رضي الله عنه ووفاؤه في أحد
أما أنس بن النضر فقد خرج لطلب الرعي ولما رجع علم بما كان من غزوة بدر والقتال الذي دار بين المسلمين والمشركين، فحزن حزنا شديدا وعاهد الله تعالى لئن أحياه حتى يلقى رسول الله المشركين ليرين الله ما يصنع، وجاء وقت الوفاء في غزوة أحد حين رأى أنس تخاذل بعض المسلمين وقعودهم حين أشيع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات، فقال: إ ن كان رسول الله قد مات فقوموا فموتوا على ما مات عليه نبيكم، ثم شهر سيفه وقال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء ـ يعني المسلمين ـ ، وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء ـ يعني المشركين وانطلق بين صفوف المشركين فرآه سعد فقال أين يا أنس، فقال أنس: واها لريح الجنة إني لأجده دون أحد، فقاتل القوم قتالا شديدا حتى وقع قتيلا، وبعد المعركة تفقد المسلمون قتلاهم وإذا هم أمام جثمان رجل به أكثر من ثمانين جرحا ولا يعرفه أحد من كثرة الجراحات حتى عرفته أخته ببنانه، وكانوا يرون أن فيه وفي أمثاله نزل قول الله تعالى: :{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}.
الراوي: أنس بن مالك المحدث: البخاري – المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 2805
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
أما عن جزائهم يوم القيامة فقد قال الله عز وجل:
{… هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم}.
احذر الكذب مع الله
وإذا كان الصدق مع الله تعالى بهذه المنزلة، فقد حذر الله عباده من ضد ذلك وبين سوء العاقبة لمن وقع فيه حيث قال:
{وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِين * فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُون* فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُون}.
فاصدق مع الله تعالى تر كل خير واستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم:
" من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه".
الراوي: سهل بن حنيف المحدث: الألباني – المصدر: صحيح ابن ماجه – الصفحة أو الرقم: 2274
خلاصة حكم المحدث: صحيح
نسأل الله أن يرزقنا الصدق وأن ينزلنا منازل الصديقين.