* الحب والرغبة
* أسباب الحب والرغبة لا تزال من الأمور الغامضة لدى كثير من الباحثين في هذا المجال. وقد أكدت الدراسات العلمية أن مركز الرغبة في جسم الإنسان موجود داخل المخ في منطقة تسمى «تحت المهاد»، وهي نفس المنطقة التي تتحكم في الشهية للطعام. والغريب أن فطرة الإنسان قادته منذ آلاف السنين، قبل عصر الكيمياء والتحليل والتكنولوجيا، للربط بين الطعام والحالة المزاجية وعلاج المشاكل المرتبطة بالجنس وتحسين الخصوبة والقدرة على الإنجاب! كما يؤكد علماء النفس على وجود تعاطف وتشابه بين الغرائز المختلفة، فالحرمان الجنسي يؤدي إلى المبالغة والشراهة في تناول الطعام من باب «التعويض»، كما يمكن أن يؤدي الحرمان الجنسي إلى تجويع غذائي من باب «التقليد». والمقولة الشهيرة: «أقرب طريق إلى قلب الرجل، معدته»، تعتبر امتدادا للربط بين الغريزة الجنسية وتناول الطعام.
ويرى العلماء أن الأساطير والحكايات التي رويت عن الأطعمة «الأفروديتية» تعكس بصورة واضحة الربط بين الطعام والجنس في الذهن العقائدي للإنسان منذ أقدم العصور، فالحكاية الأولى في تاريخ الإنسانية (خروج آدم وحواء من الجنة)، والإغواء الذي ارتبط بشجرة التفاح أو الشجرة المحرمة و«أسطورة أفروديت»، وإن كان فيها الكثير من المبالغة، إلا أن «أفروديت» خرجت من البحر في محارة بحرية، لذلك ارتبطت مخلوقات البحر، خاصة المحار، بالحب والجنس، والقصة الشهيرة عن العاشق اللعوب «جيوفاني كازانوفا» تروي أنه كان حريصا على تناول نحو 50 محارة بحرية مع جرعات الشمبانيا المحفزة لشبقه الدائم.
* غذاء جنسي
* وعلى مر العصور اعتقدت الحضارات المختلفة في القدرة «الأفروديتية» للغذاء، وما زالت هذه المعتقدات راسخة لدى العديد من الشعوب، فالمصريون القدماء اعتبروا «الخس» رمزا لإله الخصوبة، كما أقبلوا على تناول الجرجير والكرفس والمقدونس والكراث بهدف تنشيط الرغبة وتحسين القدرة الجنسية، كما اعتقد الرومان القدماء في فائدة تناول الأعضاء التناسلية للحيوانات من أجل الخصوبة والقدرة الجنسية، و«الأزتيكيون» (Aztecs) اعتقدوا في القوة السحرية للشوكولاته، وما زالت العديد من ثقافات الشعوب تعتبر البيض رمزا للخصوبة والتكاثر وكذلك الأرز، الذي اعتبرته المعتقدات الآسيوية منذ آلاف السنين رمزا للخصوبة والتكاثر. ومن هذا الاعتقاد جاءت عادة «رمي العروسين بالأرز» أثناء حفل الزفاف من أجل الإمناء والخصوبة. أما «شهر العسل» فهي عادة وثقافة تجمع العديد من الحضارات، ويعود تاريخها إلى أكثر من 4 آلاف سنة، حينما كان والد العروس يحرص على تقديم العسل المختمر للعروسين يوميا على مدار شهر قمري كامل، وغيرها من معتقدات الشعوب المتوارثة عن الطعام والحب التي ما زال بعضها قائما حتى يومنا هذا. وتعتبر من التقاليد المميزة للمجتمعات المختلفة.
وقد تناولت المئات من كتب التراث موضوع «الغذاء وعلاقته بالجنس» مثل «القانون في الطب» لابن سينا و«التذكرة» لداود الأنطاكي و«الجامع لمفردات الأدوية» لابن البيطار و«كاماسوترا» (Kamasutra) الهندية التي يرجع تاريخها إلى نحو 1600 سنة، وقد كتبت باللغة السنسكريتية، وترجمت إلى العديد من اللغات، وتعتبر مرجعا نادرا في علم الجنس الإنساني، وكتاب «الروض العاطر» للقاضي النفزاوي، نسبة إلى نفزة من مدن تونس، الذي ألفه في القرن السادس عشر، واحتوت هذه الكتب على آلاف الوصفات لتنشيط الرغبة الجنسية وزيادة القدرة على الإخصاب! أطعمة «وحشية» لذلك اشتملت قائمة الأغذية «الأفروديتية» الممتدة عبر آلاف السنين على العديد من الأطعمة منها التقليدية مثل الشوكولاته والأطعمة البحرية والبيض واللحوم والتوابل والأعشاب والمكسرات والخضراوات والفاكهة، وغيرها من الأطعمة. كما احتوت على أطعمة وحشية غريبة مثل الأعضاء التناسلية للحيوانات وحشرة الذبابة الإسبانية والجراد وقرون الخرتيت والأيائل ودم الأفاعي وعظام النمور ولحم الكلاب والقردة وغيرها. وهي قائمة تؤكد أن الإنسان على استعداد لأن يفعل أي شيء ويتناول أي شيء لكي يبدو في قمة لياقته وفحولته حتى لو أدى ذلك إلى وفاته وفنائه.
ولم يعتبر علماء عصر الكيمياء والتكنولوجيا مسألة الغذاء وعلاقته بالقدرة الجنسية مجرد سمعة وشهرة قديمة فقط، بل اهتم الباحثون بدراسة المكونات الفعالة للأغذية المختلفة والأعشاب التقليدية وغير التقليدية التي يقبل الإنسان على تناولها بغرض زيادة الرغبة الجنسية أو علاج مشكلات تتعلق بالعلاقة الجنسية، بالإضافة إلى دراسة تأثيرات الأغذية «الأفروديتية» على صحة الجسم وأجهزته المختلفة، بما فيها الأعضاء التناسلية والهرمونات والجهاز العصبي والتأثيرات المرتبطة بعملية الانتصاب والنشوة الجنسية والخصوبة لدى الرجل والمرأة على حد سواء.
دراسات علمية وقد أكدت الدراسات العلمية أن جميع الأغذية القادرة على تحسين الصحة البدنية لها تأثير إيجابي على الصحة الجنسية وهو ما أطلقت عليه «الخواص الأفروديتية والعلاجية للطعام»، كما أكدت أن هناك عددا كبيرا من الأغذية والأعشاب «الأفروديتية» تتميز بتأثيراتها «الإيحائية» فقط نتيجة اكتسابها شهرة وسمعة قديمة، كما أكدت أن تأثير بعضها كان وهما غير صحيح أو تأثيرا مبالغا فيه على الأقل.
* الأطعمة البحرية مثل المحار والقواقع والجمبري والسلمون والتونة والرنجة والأنشوجة وأسماك القرش وثعبان البحر تأتي دائما في مقدمة الأطعمة «الأفروديتية»؛ لأن البحر مكان ميلاد «أفروديت» بالإضافة إلى احتوائها على بروتينات سهلة الهضم وأملاح الكالسيوم والفسفور التي تلعب دورا هاما في تنشيط إفراز الهرمونات الجنسية.
* الشوكولاته، رمز الرومانسية منذ آلاف السنين، أثبتت الأبحاث العلمية احتواءها على مواد كيميائية ترفع مستويات هرمون السعادة «سيروتونين» ومضادات للتأكسد لتنشيط الجسم وإزالة السمية، لذلك تمتلك الشوكولاته، وبخاصة الداكنة، قدرات «أفروديتية» لتنشيط الرغبة الجنسية بجانب إيحاءاتها الرومانسية.
* البيض. رمز للخصوبة منذ آلاف السنين، ومصدر غني بالبروتينات والكالسيوم ويعزى إلى تناول بعض أنواع البيض خواص «أفروديتية» مثل بيض السمك (الكافيار)، والبيض المخصب، الذي تشتهر به بلدان جنوب شرقي آسيا، مثل وجبة بيض البط المخصب مع الزنجبيل والتوابل التي تشتهر بها الفلبين.
المكسرات والتوابل
* المكسرات. ارتبطت منذ القدم بالاحتفالات ومناسبات الزفاف السعيدة، ورائحة بعضها مثل اللوز النيئ تثير الشهية الجنسية للمرأة، كما أن فوائدها «الأفروديتية» والعلاجية ترجع إلى احتوائها على مزيج من البروتينات والأحماض الأمينية والأملاح المعدنية، خصوصا الزنك، والفيتامينات، وبخاصة فيتامين «إي» (E).
* التوابل. استخدمت منذ آلاف السنين لحفظ وتطييب الطعام وصناعة العطور وإعداد مشروبات الحب السحرية. والعديد من التوابل لها شهرة كبيرة في عالم أغذية الحب، مثل: الزنجبيل «فياغرا التوابل» وجوز الطيب «المخدر القانوني»، والزعفران والفانيليا والفلفل والشطة والقرنفل والكسبرة والفجل الأحمر والفجل الياباني (واسابي)، وبذور الخردل وغيرها. وقد أكدت الأبحاث العلمية احتواء معظم التوابل على مواد كيميائية تساعد على تنشيط الدورة الدموية والكبد والتخلص من السموم بالجسم، كما أن رائحتها وطعمها الحريف يثير الحواس والعاطفة الجنسية.
الفاكهة واللحوم
* الفاكهة والخضراوات. اكتسبت سمعتها «الأفروديتية» لاحتوائها على قدر عال من الفيتامينات والمعادن المهمة للصحة الجسدية والجنسية بالإضافة إلى الحكايات والأساطير التي أفرزها التراث الإنساني، التي تدور حول تأثيراتها السحرية. وتشمل قائمة الفاكهة «الأفروديتية» العديد من الأمثلة منها السفرجل والتين والتمر والموز والبطيخ والتفاح والأناناس والباباز. أما الخضراوات «الأفروديتية» فمنها: الجرجير والبصل والثوم والكراث والإسبارجس والأفوكادو والملوخية والباذنجان وغيرها.
* اللحوم. اكتسبت شهرة «أفروديتية» لارتباطها بالوحشية والتهام الصيد البري منذ العصور الأولى لحياة الإنسان، كما يعزى إلى بعض أنواع اللحوم فوائد «أفروديتية» متميزة مثل لحم النعام والغزال ولحوم الأعضاء التناسلية والخصي (المخاصي) وأرجل الحيوان (الكوارع)، ويؤكد العلماء أن الشهرة والسمعة القديمة والتأثير الإيحائي بجانب القيمة الغذائية للحوم وراء شهرتها «الأفروديتية».
أعشاب ونباتات
* الأعشاب والنباتات الطبية. ارتبطت عبر آلاف السنين بتأثيراتها المختلفة على حياة الإنسان العاطفية والجنسية، مثل: الجنسنج (جذر الحياة) والزعتر (ملك الأعشاب الطبية) وعشبة داميانا (العشبة الأنثوية) وعشبة يوهمبي (العشبة الذكورية) بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من الأعشاب مثل عشبة الفحولة وشرش الزلوع والحسك والنعناع وحب العزيز.. وغيرها. ومن النباتات والأعشاب التي أثبت العلم الحديث قدرة بعضها على تنشيط الرغبة والقدرة الجنسية لتأثيراتها المباشرة على الهرمونات الجنسية والأعضاء التناسلية، بالإضافة إلى تأثيراتها على صحة الجسم والصحة الجنسية، والبعض الآخر لم يثبت صحته علميا واعتبره العلم الحديث راجعا إلى تأثيره الإيحائي فقط (الأدوية الوهمية).
* الفيرمونات، أو الرائحة التي تتميز بها بعض الأطعمة مثل الكمأة (الفقع) واللوز النيئ غير المحمص والفانيليا والكافيار والفاكهة والزيوت العطرية، تلعب دورا مؤثرا في إثارة الرغبة الجنسية. ولا ننسى أن البصل والثوم والكراث أغذية «أفروديتية»، لكننا ننصح بكل إخلاص أن لا يحاول أحد أن يتبادل عبارات الحب الرقيقة مع من يحب بعد أكل البصل أو الثوم مباشرة وقبل التخلص من رائحته.
وقد أكدت الأبحاث العلمية أن أغذية الحب ليست للرجل فقط، بل إن اختيار المرأة للغذاء الأفضل يمكنها أيضا من أداء جنسي أفضل. فالعديد من الأغذية والأعشاب الطبية ثبت علميا أن لها دورا أساسيا في إثارة وتنشيط الرغبة الجنسية للمرأة أكثر من الرجل، مثل اللوز النيئ وعرق السوس وعشبة داميانا وزهرة الربيع واليانسون والروائح العطرية والفانيليا وغيرها.
ويؤكد علماء النفس أن وجبة طيبة، وإن كانت بسيطة، يتم إعدادها بحب ورغبة في إرضاء المحبوب وإسعاده تثري مشاعر الحب والشوق بين الطرفين، لأن كل وجبات الدنيا مهما كان ثراء مكوناتها ومن دون مشاعر دافئة وحقيقية لن تستطيع أبدا أن تنشئ حبا.
د.مدحت خليل
* استشاري الجهاز الهضمي والكبد والتغذية العلاجية في كلية الطب بجامعة القاهرة