السؤال الأول: ماهي الحدود الطبيعية للغيرة في النفس البشرية؟ وماهي حدود اختلافها من شخص إلى آخر؟
قبل الإجابة على هذه التساؤلات أود أن أذكر أنه ليس من السهل تعريف ماهو الطبيعي في السلوك والتفكير البشري والمتعارف عليه الآن في علم النفس والسلوكيات هو غياب المستوى المرضي، وإذا تصورنا أن المجال الطبيعي (Normality) للسلوك والتفكير البشري وضع مقابل مسطرة، لوجدنا أنه المجال الأوسع في الوسط كله الذي يقبل على أنه سلوك ضمن الطبيعي، ولكن يبقى مجالان ضيقان جداً في طرفي المسطرة هما الحالة المرضية. حيث يمكن القول أن الحالة المرضية هنا يتم التعرف عليها من قبل الطبيب (أو المراقبة لسلوك الإنسان وتفكيره)، فقط عندما تؤثر سلباً على حياة الإنسان الاجتماعية والمهنية. هنا يتوجب أن نطبق هذا الفهم العام المبسط لما هو طبيعي حتى نفهم مجال أو الحدود الطبيعية للغيرة. والمعنى المراد توضيحه هنا أن المجال واسع جداً، ويختلف من شخص إلى آخر بمراحل كبيرة، وكل هذا الاختلاف مقبول ما دام لا يؤثر سلباً على الحياة الزوجية. ولا يعتبر (على الأقل من وجهة نظر الطب النفسي) الزيادة أو النقص في الغيرة مرضاً إلا عندما تؤثر سلباً على تلك العلاقة الزوجية.
غني عن القول أن الدماغ البشري (وهو المنتج لعملية التفكير، الوعي والسلوك البشري) يتفاعل في ثقافة وبيئة الإنسان ومن حوله من أشخاص، وبهذا ينتج التفاوت في محاور صلبة ومسطرية لما تستوجبه الغيرة وما لا تستوجبه. فالرجل الذي لا يسمح لزوجته أن تظهر بلبس البحر هو غيور بدرجة مرضية في الدول الاسكندنافية مثلاً، بل ويتجلى التفاوت في ذات المجتمع والقطر، وما عليكم إلا التفكير بأمثلة من مجتمعنا حتى تكتمل الصورة. ففي عرفنا وديننا الغيره على الزوجه شبه واجبه طالما لم تتعدى الحدود الطبيعيه وتتحول الى الشك المرضي.وقد حذرنا الرسول الكريم صلاة الله عليه من الديوث وهو الرجل الذي لا يغار على اهل بيته.
السؤال الثاني: هل هناك أنواع للغيرة وماهي أشكالها المرضية؟
ننتقل هنا إلى وصف الأمراض التي تكون نتيجتها الغيرة المرضية وهي،
– مرض الوهم: وكثيراً ما يكون الوهم متعلقاً بالغيرة الزوجية. وهذا المرض يصيب الجنسين بنسبة متقاربة تقدر بخمسة لكل ألف نسمة. وفيها يعتقد أحد الأطراف أي (الزوج، أو الزوجة) تخون. ولا يمكن زحزحة هذا الاعتقاد بالإقناع والنصح، بل لابد من العلاج بمضادات الذهان… هؤلاء المرضى في الغالب لا يأتون بأنفسهم للعيادة بل يحضرهم ذووهم بصعوبة بعد أن فشلت علاقة أو علاقتا زواج بسبب هذا الوهم.
– وهم الغيرة كجزء من مرض ذهني: كثير من الأمراض الذهانية (كالفصام) يصاحبها وهم أو أوهام متعددة، وقد يكون من بينها وهم الغيرة. ورغم أن الأمراض الذهانية (مثل الفصام) أكثر انتشاراً من مرض الوهم «Delusional Disorder» إلا أن تشخيصها أكثر سهولة لوجود أعراض أخرى دالة على المرض مثل التخيلات، ووجود أوهام أخرى مصاحبة كوهم العظمة أو غيره.
– الشخصية الشكاكة (Paranoid Personality): وكما هو اسم المرض فهو مرض شك وليس الوهم… وهنا تكون حدة شك الغيرة أقل من درجة الوهم. وهذا النوع من الشخصية تمثل ما يقارب من 2٪ حسب الدراسات الغربية (لا توجد دراسة محلية) وهو أكثر في الرجال. والغيرة الزوجية في هذا النوع من الشخصيات ليس إلا جزءاً من شكوك واسعة بالناس من حوله (الأهل، الزملاء الخ….). وعموماً يصعب علاج مثل هذا النوع من انحراف الشخصية.
– الأوهام كنتيجة للعقاقير والمخدرات: بعض العقاقير وخصوصاً المنبهات قد تنتج بعض الأوهام ومنها وهم الغيرة، وتزول هذه الأوهام بعد التوقف التام والشفاء من تعاطي المخدرات.
– الغيرة المصطنعة: وهي غيرة كاذبة… يتم ممارسة هذه الغيرة كثيراً على أنها واجب اجتماعي وخصوصاً في مجتمعنا، فالزوج لا يسمح لزوجته أن تلبس ملابس قصيره في الخارج بينما يختلف الامر في اماكن معينه مثل المناسبات الخاصه وغيرها.
مواضيعك كلها رائعة
مشكوره علي المرور