التصنيفات
منوعات

الفجوة التعليمية والتنولوجية /:

لا بدّ من الإشارة إلى أن مستجدات العلم والتكنولوجيا على الإطار العالمي تتسارع بشكل مذهل تصعب معه المتابعة الدؤوبة، حتى على المتخصصين والمتفرغين، إلا أن الوضع ليس كذلك في الأقطار العربية، حيث ما زال التحوّل في هذا المجال بطيئاً جداً، وقلّما يلمح المتابع أي بوادر جدية تستحق الاهتمام لتغيير جذري يبشر بالخير.
لقد أصبح من القوانين المقبولة الترابط العضوي بين التقدّم في المعرفة العلمية والخبرة التكنولوجية – من جهة، التطور في البنى الاجتماعية وقيمها السائدة – من جهة أخرى ؛ وتطور الحضارة الإنسانية كان باستمرار تفاعلاً جدلياً بين هذين العاملين. فالتقدم التكنولوجي يوسع آفاق الإنسان ويزيد من قدرته في السيطرة على قوى الطبيعة ومواردها، ويغيّر بذلك نمط الحياة التي يعيشها الإنسان ويؤثر جذرياً في تنظيمه الاجتماعي ؛ بالمقابل فإن التنظيم الاجتماعي للإنسان يسهم في تراكم المعرفة العلمية والخبرة التكنولوجية، وفي انتقالهما بين الأجيال والمجتمعات، مما يؤدي إلى استمرارهما، وبالتالي إلى تقدم الحضارة الإنسانية وتطورها.وتمر الحضارة الإنسانية اليوم بمرحلة حاسمة في تاريخ " التقدم التكنولوجي "، من المتوقع أن تؤدي إلى تغييرات جذرية في بنى المجتمعات البشرية وقيمها السائدة، قد تكون أكثر عمقاً وتأثيراً من التغييرات التي أحدثتها الثورة الصناعية الأولى في أوروبا في القرن الماضي. ويجري التقدّم التكنولوجي اليوم أسرع من قدرة الإنسان، حتى في المجتمعات المصنعة، على استيعاب آثاره، واتخاذ الإجراءات المناسبة لتغليب أبعاده الإيجابية وتجنب احتمالاته السلبية. إن تسارع التقدم التكنولوجي وتأثيراته الجذرية في البنى الاجتماعية والاقتصادية، يهدد بازدياد متسارع الوتيرة في حجم الهوة القائمة حالياً بين الدول المصنعة والمجتمعات النامية، ومنها مجتمعنا العربي، مما قد يجعل احتمال سد الهوة حلماً لا يمكن تحقيقه في المستقبل المنظور، إذا لم يجر اتخاذ الخطوات الضرورية والمكثفة لاستيعاب هذا التقدم التكنولوجي، وإدماجه في خطط التنمية القومية، وغرسه في القيم السائدة في مجتمعنا وتصرفاتنا.وعلى الرغم من أهمية العوامل الموضوعية التي تسهم في استمرار الفجوة التكنولوجية والعلمية، لا بدّ من الاهتمام بعوامل ذاتية عدّة أسهمت في استمرار التخلف في مجتمعاتنا لأن من الممكن معالجة هذه العوامل،
– افتقاد المخزون التراكمي من المعرفة العلمية والخبرة التكنولوجية في بداية العهود الاستقلالية.
– افتقاد البنى التحتية الأساسية، وبداية تأسيسها من ما يشبه الصفر، بخاصة في مجال التعليم والبحث العلمي. ولا بدّ من فترة زمنية لاكتمال هذه البنى واكتسابها الخبرة الجيدة.
– افتقاد تقاليد معينة أسهمت في تقدّم المجتمعات الصناعية والتكنولوجية ؛ مثل التنظيم، والدقة، الالتزام، والإنتاجية، وتقدير الوقت، والإدارة، والعمل الجماعي… إلخ، وهذه التقاليد تحتاج إلى أجيال متتالية قبل أن تصبح تراثاً مكتسباً.
ومن العوامل الذاتية عناصر في التركيبة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية السائدة أسهمت في استمرار تخلفنا مثل :
– اعتماد تطوير المؤسسات والبنى التربوية على صيغ غربية منقولة، وعدم بذل الجهد لتطويرها باستمرار.
– عدم تشجيع الإبداع والابتكار، وافتقاد روحية البحث كقيمة اجتماعية أساسية.
– عدم القيام بدراسة القوى والعوامل المؤثرة في الواقع العربي، وقوانينها، وعدم السعي لضبط هذه العوامل وتوظيفها لمصلحة التقدم والتنمية.
– افتقاد حرية التفكير والتعبير في معظم الأقطار العربية، وافتقاد التربية الاجتماعية والقومية، وغلبة الروح الأنانية والقطرية.
وتشير آخر أدبيات اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا)، إلى استمرار إهمال معظم الدول العربية في إعداد الإحصاءات الدقيقة والسليمة والآنية حول مختلف مؤشرات العلم والتكنولوجيا، ومعظم الإحصاءات المتوافرة تكون متأخرة سنوات عدّة، وتكون عادةً غير موثوقة، تختلف أرقامها من وثيقة إلى أخرى ومن عام إلى آخر بالنسبة للمؤشر نفسه، ضمن الدولة نفسها، وأحياناً ضمن المؤسسة نفسها. كما تشير هذه الأدبيات إلى الأمور الآتية :
– ما زالت جهود البحث والتطوير في معظم الأقطار العربية ضئيلة جداً مقارنة بالدول المماثلة لها في الداخل وعدد السكان ؛ وما زالت هذه الجهود محصورة إلى درجة طاغية في مراكز الأبحاث الحكومية، باستثناء عدد نادر من البحوث في بعض الجامعات الخاصة. وهنالك انعدام شبه كامل لجهود البحث والتطوير في المؤسسات الصناعية التي استمرت في اعتماد مشاريع " تسليم المفتاح "من دون جهود تذكر لتطويع هذه التكنولوجيا المستوردة أو لتحديثها.
– ما زالت براءات الاختراع المسجلة، في مختلف الدول العربية، نادرة جداً أو معدومة، وقد استمرت كذلك على امتداد العقود الماضية.
– ما زالت معظم عقود استيراد التكنولوجيا تتركز على صناعات استخراج النفط والغاز ونقله.
– ما زالت معظم الأقطار العربية تعاني، ليس فقط من اعتمادها على استيراد التكنولوجيا بطريقة " تسليم المفتاح "، إنما وبعد سنوات طويلة ومبالغ طائلة صرفت، ما زالت هذه الدول غير قادرة على امتلاك مقدرة حقيقية لاستيعاب التكنولوجيا المستوردة، ثم نشر فوائدها على مختلف قطاعات الإنتاج داخل الدولة الواحدة، بل ما زالت عاجزة عملياً عن صياغة التكنولوجيا المستوردة، وما زالت تعتمد في ذلك على عقود مع الشركات الموردة.
إن من أهم التطورات التي برزت في أغلبية الأقطار العربية، بخاصة مع مطلع القرن الحادي والعشرين، زيادة مشاركة القطاع الخاص في تمويل وإدارة مؤسسات التعليم العالي، وتراجع التعليم الفني في عدد من الأقطار العربية مقابل توسعه في أقطار أخرى. كما أن من الظواهر الإيجابية مبادرة بعض الأقطار العربية إلى مراجعة سياسات التعليم العالي الوطنية، بهدف رفع كفاءة هذا القطاع وزيادة فاعليته في رفد الاقتصاد الوطني.
ومن اللافت أن مؤسسات التعليم العالي الحكومية كانت بطيئة جداً في التكيف مع المتغيرات العالمية، ومع التطورات الاقتصادية والاجتماعية في أقطارها، واستمرت في تقديم الاختصاصات الجامعية نفسها، وبالأساليب التقليدية، مما أفسح المجال أمام قيام مؤسسات خاصة لتلبية الطلب المتزايد في سوق العمل لاختصاصات جامعية أكثر استجابة للمستجدات التكنولوجية والاقتصادية، بخاصة التوسع الهائل في تكنولوجيا المعلومات وتطبيقاتها.
وفي مقابل ذلك بادرت جامعات معدودة في بعض الأقطار العربية إلى إعداد برامج عملية للارتقاء بدور الجامعة في تقديم " المعرفة "، وفي تلبية الاحتياجات العامة في المجتمع حولها، إلا أن هذه المبادرات ما زالت في بدايتها، وتحتاج إلى جهد ملموس، وإلى إمكانات مادية وبشرية قبل أن تعطي ثمارها وتنجح بالتأثير في المجتمع حولها.



م/ن



يعطيكـ الف عافيه على الطرح الرائع خليجيةخليجية..
لا حرمنا من إبداعكـ خليجيةخليجية..
بإنتظار جديدكـ المتميز و تواجدك المتألق خليجيةخليجية..

خليجية




منورة عيوني



خليجية
..

شكرا لك
موضوعك راقنى جدا
سلمت يداك على ما نقلت لنا

ودى
.. خليجية خليجية
خليجية
… •
خليجية




اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.