الجواب : هذا السؤال قراءته عبرة، قراءته عبرة في حدِّ ذاتها، ولعلَّنا نكتفي به.
أولًا: نُذَكِّر بالعيش في بلاد الكفار، وقد تكلمنا فيه مرارًا وتكرارًا، ويجب علينا كلما ذكر هذا الموضوع أن نعيد التذكير فيه، ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ ، والله – جلَّ وعلا- قد قال في حقِّ أَعْتَى الخلق فرعون – لعنه الله- قال فيه: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ﴾ فهذه المصيبة من نتائج العيش في بلاد الكفار؛ هذه أوائل ثماراتها أو من أوائل الثمرات، تشبه المؤمنات المسلمات بالكافرات الفاجرات في الخروج، وكثرة الخروج لغير حاجة، الله – سبحانه وتعالى- خاطَبَ نِسَاءَ نَبِيِّه الطاهرات المُطَهَّرات أمهات المؤمنين بقوله – جلَّ وعلا- : ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴿33﴾ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّـهِ وَالْحِكْمَةِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا﴾، فأمرهن في صَدْرِ هذه الآيات بأمْرَيْن:
الأول: القرار في البيوت، ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾ هذا موضوع، ونهاهن عن التبرج وهذا موضوع آخر في حال الخروج، فإذا كان هذا الخطاب لأمهات المؤمنين فما عسى أن يكون حالُ من هن دونهن؟! إن القدوة بهؤلاء النسوة الطاهرات المُطَهَّرات لا بالإفرنجيات الغربيات الكافرات، فيجب على المؤمنة أن تَقَرَّ في بيتها فإن مملكتها في بيتها، فهي الزوجة الصالحة، والأم المُرَبِّية المُشْفِقة الناصحة، تُرَبِّي أولادها. الدليل – وقد عَوَّدتكم أن تطالبوني بالدليل- قال – صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا)) فرعاية المرأة إذًا أين؟ البيت، ترعى بيت زوجها، أولاده، ماله، أهله، الدليل: الحديث الآخر والذي قال فيه: ((وَإِنْ غَابَ عَنْهَا نَصَحَتْهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ)) ، والدليل: قوله – عليه الصلاة والسلام- لهند – رضي الله عنها- بنت عتبة: ((خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ)) فأمرها أن تحرص على مال زوجها، وتحافظ عليه، فهي راعيةٌ لشئون البيت، راعيةٌ لشئون الأولاد، راعيةٌ لمالِ زوجها في بيته تحفظه، هذه مهمة المرأة تقوم بتربية النشئ، وإصلاح النشئ، فقرار المرأة بيتها، والمرأة كلما اسْتَكَنَّت في بيتها عظمت مكانتها، وغلا ثمنها، وعظم قَدْرُها، وصارَ لها المكان المرموق المحترم عند الناس، وهذا هو السائد في المسلمين وفي المسلمات، حتى عهد قريب، لمَّا جاءت الوظائف، واحتيج للنساء الحاجة العامة، وأَظْهَر ما احتيج إليهن فيه التعليم، تعليم بنات جنسهن، فَجُعِلَت دور التعليم، فقيل بجواز خروج المرأة لهذه المصلحة بالشروط الشرعية، ومن أهمها، بل أهمها على الإطلاق: أن تكون حافظةً لشرفها ودينها فتخرج في غاية السِّتر، وتقوم بمزاولة هذا العمل الشريف؛ وهو تعليم بنات جنسها العلم النافع، فَتَكَلَّمَ علماء الإسلام في هذا لحاجة المسلمات إلى أخواتهن، وإلى معلماتهن، وإلى أمهاتهن.
فبَدَل أن تُرَبِّي بناتها، بناتها نسبًا وبناتها نِسبةً في العلم، فقيل تخرج، وما عَدَا ذلك ما تخرج إلَّا لضرورة، فالمرأةُ في بيتها مَلِكَة وإذا خرجت أُهِينَتْ.
قال – جلَّ وعلا- واصفًا نساء الجنة بأحسن الأوصاف، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ﴾، وقال – جلَّ وعلا-: ﴿وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ﴾ يعني أطرافهن، ويُرَادُ بهذا البصر، مقصورات على الأزواج لا يَعْرِفْنَ غيرَ أزواجهن ﴿حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ﴾، كُلُّه مدح.
والمرأةُ الخَرَّاجة الولَّاجة هذه مذمومة منذ القدم، لا تصلح أن تكون ربَّة بيت وهذا في عالم المسلمين وفي بلاد المسلمين، فكيف إذا كان الخروج في بلاد الكُفر؟ والعُهر؟ والسُّكر؟ والنُّكر؟ والفجور الذي لا يحصيه الكلام؟ وأين؟ في فرنسا، أمُّ الثورة العلمانية في العصر الحديث، فالشاهد هذا لا يجوز لهؤلاء النسوة، والذي تَقَدَّم من أمر الرعايةِ للبيوت وذِكْرِهِ في وظيفة المرأة وأهَمِّ وظائفها نريدُ به ما سمعتم، من أنَّهن ما شاء الله هؤلاء النسوة – كما جاء في هذا السؤال- يخرجن ويتركون الرجال في البيوت مع الأولاد! صار الرجل هو المُرَبِّية! وهي التي تجلس برّا أيضًا إلى منتصف الليل! هل هذا يجوز لها؟! وأَشَدُّ من ذلك أنهن مع هذا التأخر لا يخبرن بأين يذهبن! لا يجوز شرعًا للمرأة المؤمنة بالله ورسوله أن تذهبَ حتى تستأذن، وتُعْلِم وَلِيَّ أمرها وزوجها بالمكان الذي تذهب إليه، وتُحَدِّدَه له، فرُبَّما يحصل عليها ما يحصل، فتجد حينئذ من يسأل عنها، فإن احتاجت إلى إنقاذ وإذا بالمنقذ قريب بإذن الله – تبارك وتعالى –، احتاجت إلى نُصْرَة كذلك، أمَّا على هذا النحو هذا لا يجوز، فهذا كما قلت كله من آثار التشبه بالكافرات الفاجرات الغربيات للأسف.
ثم إذا ذهبت هي في المطعم تتعشى والرجل وأولاده من يُعَشِّيهم؟ ومن يقوم بهم؟ ما شاء الله، تذهب لأداء مجاملات وتترك واجبات؟!! هذا لا يجوز، من يقوم بالبيت؟ من يقوم بالأولاد؟ ثم نسأل سؤال ثالث إذا ذهبن إلى المطعم من يباشرهن؟ هذا معروف في بلاد الغرب، الرجال، وماذا يَرَوْنَ؟ وماذا يسمعن؟ الموسيقى الغربية الفاجرة والأناشيد الفاجرة والأغاني الفاجرة والأصوات الموسيقية الفاجرة، ونحو ذلك لأن البلاد الأوروبية أدمنوا السَّماع، مدمنون على الأغاني، يمشي وسَمَّاعته في أذنه إلى أني رأيت أنا في بعض البلدان الأوروبية يدخل الحمام وسَمَّاعته في أذنه؛ ما شاء الله! فهم عندهم إدمان على الغناء، والغناء رُقْيَة الزنا، أو رُقَيَّة الزنا، يدعو إلى هذا، فإذا ذهبت والمباشِر رجل يدخل عليهن ما عسى أن يكون؟ وإن قال قائل بعض المطاعم فيها نساء، نعم فيها نساء ناذلات يأتين بالخمور ويأتين بالخنازير ويأتين بكل بلاء ومعهن رجال، فهل يسوغ لهؤلاء النسوة أن يخرجن في مثل هذه المطاعم؟ فالواجب على المسلمة إن أرادت أن تعزم أخواتها تعزمهن في بيتها كما هو الجاري بين المسلمين، والواجب على المسلمة ألا تكون إمَّعَةً تعمل ما يعمل غيرها، بل يجب عليها أن تعتز بدينها، ونحن نعلم ما يواجه النساء المسلمات في بلاد أوروبا وفي فرنسا خاصة في مسألة الحجاب، وأنهم يتعرضون للنساء وربما كشفوا عنهن الحجاب ونحو ذلك، فهي التي تكون حينئذٍ قد تَسَبَّبت في أَذِيَّةِ نفسها.
فأقول:
– إن المرأة المسلمة الواجب عليها أن تلزم البيت ولا تخرج منه إلا لحاجة هذا هو الواجب فهي ملكةٌ في بيتها.
-ثانيًا: لا يجوز لها أن تُفَرِّطَ في حقوقِ الزوج والأولاد على حساب أن تُجامل صديقاتها.
– ثالثًا: إذا هي خرجت فلا يجوز لها أن تخرج بغير إذن زوجها.
– رابعًا: لابُدَّ أن تُعلمه بمكانِ ذهابها.
– خامسًا: إذا خرجت أن يكونَ خروجُها للحاجة بالمعروف، يعني زمن محدود ما هو تجلس إلى نصف الليل! طيب وحاجة الرجل؟! يحتاج إلى أهله من يقضيها له وهي برّا؟!
– وسادسًا: هؤلاء الأولاد هم مسئولية الزوج في التربية الداخلية ولا الزوجة؟ الزوجة أولًا، الزوج مشارك لا يخلو من المسئولية، لكن المسئولية الأولى على الزوجة، لأن شئون البيت الداخلية عليها ولا يعرفها إلَّا هي، والرجل يُشارك في التأديب والتربية والنُّصح والتوجيه والتعليم والتخويف والتهديد إذا احتيج إليه، لأنه هو الذي يردع، لكن شئون البيت إنما هي لهذه المرأة.
– وسابعًا: إذا كانت الداعية غير متزوجة وليس عليها ارتباطات؛ فلتعلم أختنا وبنتنا المتزوجة المسلمة أنها مختلفة عن تلك، وأن عليها واجبات، كما أنَّ لها حقوق فعليها واجبات، ومن أعظم هذه الواجبات طاعة الزوج، إذا قال لها لا تذهبي يجب عليها أن لا تذهب، والزوج له حقٌ عظيم على الزوجة، والنبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- يقول: ((لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا)) ذلك لعظم حقِّه عليها، فيجب على المرأة المتزوجة أن تنظر إلى هذه الأمور كُلِّها، وتطلب رِضَا الرَّب – جلَّ وعلا-، وألَّا تمشي مع من يجرفها إلى معصية الله ومعصية رسوله – صلَّى الله عليه وسلَّم- ويوقِعها في أمورٍ لا تُحمد عقباها.
– وأمَّا السماح لهن, وهذا هو الثامن: فأنا أحب أن أختم به؛ فأقول: لا يجوز للزوج شرعًا أن يسمح للزوجة بأن تذهب إلى المطاعم في فرنسا في بلاد الكفر، وخصوصًا المطاعم التي ذكرتها، لو كانت هذه المطاعم نسائية خالصة؛ لكانَ الجلوس فيها على هذا النحو وبهذه الشاكلة وإلى نصف الليل وتضييع الزوج والأولاد لكان الذهاب إليها مُحَرَّمًا في هذه الصورة، وإن كان الأصل يجوز أن تتغشَّى مادامت نساء خالصة، فكيف والمطاعم لا تخلو من الرجال؟! وإن قيل بأنهن نساء فإنهن كافرات فاجرات وأخلاقهن تختلف عن المسلمات، وماذا يقتبس منهن نساء المسلمين؟!
فأنا أقول: الزوج له القوامة، والله – سبحانه وتعالى- قد جعل له ذلك وجعل أمر القوامة بيده؛ ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّـهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّـهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾.
فالواجب على المؤمنة أن تَتَّقِيَ الله – جلَّ وعلا- في نفسها، وأن تَتَّقِيَ الله – جلَّ وعلا- في الأمانة المُلقاة على عاتقها، فإن النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم- يقول: ((وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا))، فإذا ضَيَّعت البيت خمس ساعات أو ست ساعات أو سبع ساعات؛ هذا ستحاسب عليها.
فنقول للإخوة الأزواج: لا تأذنوا للنِّساءِ بالذهاب إلى مثل هذه الأمكِنة، وإن كان ولابُد؛ فعلِّموا نِسائكُم: أنَّه إن جاءت مناسبة في مثل هذه المناسبات؛ فلتكُنْ الوليمة أو العزائِم في البيوت، أو لِتُجمعْ عِدَّة مُناسبات ويُستأْجر لها مكان؛ إذا كانتْ البيوت لا تكفي، لأنِّي أعرِف؛ بيوتهم هناك بيوت الكسافة، المغسلة رجلك ما تكفيها – أكرمكم الله-، بيوت الكسافة، فالشَّاهد: ليستأجِروا مكانًا وتُجمع فيهِ عِدَّة مُناسبات مِن جِنس واحد، إن كانتْ عقائق؛ عقيقة وعقيقة، أو كان مُناسبة بعد فرح أو نحوَ ذلك، يُستأجَرْ مكان واسع ويُذهب فيه الرِّجال والنِّساء، يُقسمْ هذا لهذا وهذا لهذا، ويُرَوِّحوا عن أنفُسِهم بالطريقة الشّرعية المباحة ولله الحمد، أمَّا أن تُضَيِّعْ أنت أيُّها الرَّجل المُسلم القِوامة؛ وتُضَيِّعْ المرأة المسلِمة الرِّعاية؛ فهذا لا يجوز للجميع.
أعلمُ وارِدًا قد يرِدْ ويقول: نحنُ في هذه البلاد؛ قدْ تخرُج المرأة بالقوّة ولا يستطيع رَدَّها، أقول: وهذا الذي أشرت إليه أنا في أوَّلِ الكلام؛ وهو: من آثارِ العيش في بلادِ الكُفّار السَّيِّئة، تخرُجْ إذا طقّت في رأسها وتناقرتْ معك وتشاكلتْ معك؛ تخرُجْ بدونِ إذنكْ، ومَن الذي سيُنصِفَك مِنها؟! هم على طول مُباشرةً سيحكمون لها عليك؛ هذا معروف، ثُمَّ بعد ذلك يسْتَجُرُّونها إلى ما لا تُحمَدْ عقباه، فمن استطاع الهِجرة مِن بلادِ الكُفر؛ فعليهِ أن يُهاجِر، ومَن لم يستطِع؛ فعليهِ أن يُحافِظ ويسعى في تحصيلِ السبيلِ إلى الهجرَة إلى بُلدانِ المسلمين.
وأسألُ الله – سبحانه وتعالى- أن يَمُنَّ علينا جميعًا بالإتِّباع والبُعد عن أسبابِ الانحراف في الأخلاق والابتداع، كما أسأله – جلَّ وعلا- أن يُفقِّهنا في دينِنا وأن يُجنِّبنا وإيَّاكُم شرورَ أنفُسنا، إنَّه جوادٌ كريم.
وصَلَّى الله وسَلَّم وبارك على عبدهِ ورسولهِ نَبِيِّنا محمد وعلى آله وأصحابهِ وأتباعهِ بإحسان
للشيخ : محمد بن هادي المدخلي حفظه الله
مشكوووووووووووورة