المكان: قاعة الاحتفالات بمسجد جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا بمدينة السادس من أكتوبر.
المناسبة: عقد زواج منى وممدوح.
فجأة سربل القاعة الصمت، وتوجهت العيون كلها حيث جلس المأذون يلقن العريس ووكيل العروس صيغة العقد وما أن قال وكيل العروس : " قبلت أن أزوجك موكلتي على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى الصداق المقرر بيننا وعلى مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان " حتى عمت القاعة الزغاريد وأعلن الجميع مباركتهم لهذا الزواج.
ويتدافع من حول منى الحضور للتهنئة، وتتلقى قبلات العزيزات، ويتلقى ممدوح عناق الأعزاء ومصافحتهم، وقد فاض البشر يملأ وجهيهما والفرحة تهز وجدانهما.
لم تكن فرحة منى لحصولها على ممدوح فقط، ولكن زواجها مثل أيضاً لحظة انتصار اقتنصتها بعد كفاح طويل اختبرت فيه إرادتها وعزيمتها.
انطلق ركب السيارات، وعاد المدعوون إلى أعمالهم، وعادت منى بعريسها إلى شقتها في عمارة أبيها.. استقبلهما الجيران فرحين مهنئين.. وبعد أن انصرف الجميع وخيم الصمت، وجدت منى ممدوح يقترب منها هامساً: بماذا تشعرين الآن يا حبيبتي؟
جذبته من يديه وأجلسته بجوارها على أريكتها وأمالت بلطف رأسه على صدرها وأخذت تمرر يديها على رأسه ووجهه وصدره وتوالت أمامها المشاهد والذكريات..
تعرف عليها زميلها فؤاد في الجامعة .. شاب وسيم .. وحيد أبويه.. أعجب بها عاطفياً وصارحها بأنه متيم بحبها ويتمنى الارتباط بها .. وفي ذات يوم جاءها باكياً وهو يخبرها بنبأ وفاة والده ولم ينسه المصاب من مفاتحتها مرة أخرى راجياً ألا تقطع خيوط الأمل لديه.
تزوجت وهي طالبة وأقامت مع فؤاد الذي يقيم مع أمه في منزل والده .. تخرجا معاً وهما في عش الزوجية.. عاشت حياتها بعد الزواج لا يشغلها سوى إرضاء زوجها وإرضاء والدته وشاءت لها الأقدار ألا تنجب وأن تتغير معاملة الزوج وأمه.
قيداها بقيود القهر المرير ..مكث دائم بالبيت.. لا زائرين حتى أبيها وأمها وإخوتها.. لا تليفزيون حتى القنوات الدينية .. لا تليفون حتى الهاتف الجوال.. لا استكمال لدراساتها العليا.. لا عودة لفنها ولوحاتها التشكيلية..
كرهت حياتها الباهتة الرتيبة وصممت على أن تكون لها حياة أخرى مختلفة، وبإرادة من حديد مضت إلى هدفها " الانفصال " بعد طول عناد من الطرف الآخر وبمساعدة جد زوجها الذي كان يعيش في ذات المنزل ويرى بعينيه القهر مجسداً في حالتها.
وبعد مضي سبع سنوات عجاف، أجرت خلالها عملية المرارة وهزل جسدها هزالاً كاد يودي بحياتها، حصلت على ورقة " حريتها "..
عادت إلى بيت أبيها، وعملت بجد في شركته، وتحمست لفك كل القيود والأغلال التي أحاطت بها خلال سنوات الزواج الفاشل..
رجعت إلى فنها ولوحاتها.. أعادت التواصل مع صديقاتها.. دخلت عالم الأتليهات والمعارض والندوات والمهرجانات.. شاركت الفنانين مجالسهم واهتماماتهم واجتماعاتهم ونشاطهم.. سافرت إلى بلاد جديدة وأقامت في فنادق رائعة وعاشت حياة الفنانين اللامعة.
شغلت نفسها بالكتابة والتأليف.. كتبت لإحدى المجلات النسائية مقالاً شهرياً وتقدمت لعضوية نقابة الفنانين التشكيليين.
أما القلب فقد ظل عازفاً عن الخضوع لأحد حتى خفق وهي تقترب من الثلاثين من عمرها لشاب هو " ممدوح " الذي قابلته وهو يتعامل مع النقابة.. كانت خفقة قلبها تأكيداً جديداً " لاستقلالها "، وأملاً في تعويض ما فاتها، ورفضاً لأن تستكين للقب " مطلقة "!
ممدوح: منى .. منى .. سألتك سؤالاً فكان جوابك الصمت!
منى: أشعر يا حبيبي في جوارك أن الحياة مضيئة، وأنك مذ عرفتك وأنت تضيف إلى حياتي حياة جديدة وفي الوقت نفسه تخصم من سنوات القهر المرير التي كابدتها قبل أن أعرفك.
وشهدت أول ليلة من لياليهما حباً دافئاًـ على مهل ـ متعطراً بعطر هذه المشاعر والأحاسيس الجميلة.
وفي الصباح، سألته بدلال: ماذا وجدت الليلة؟
أجاب: أشعر وأن الله قد ألقى في نفسي الرضا والفرح ما لا تعدله الدنيا بحذافيرها.. فوالله لكأن ساعة من ساعات الخلد قد وقعت في زمني أنا من دون الخلق جميعاً، وما كان ملك العالم ـ ولو ملكته ـ مستطيعاً أن يهبني ما وهبتنيه من فرح تلك الليلة.
نظرت إليه بكل حنان الدنيا والوجه يتلألأ نوراً واللسان يتقطر عشقاً: حبيبي … أعدك أن أجعل لياليك كلها أفراح وأفراح وأفراح.