التصنيفات
منوعات

شبهات حول المولد النبوي والرد عليها

شبهات حول المولد النبوي والرد عليها

الحمد لله رب العالمين, الرحمن الرحيم, الحمد لله الذي أكمل لنا الدين وحفظه, وسنَّ الدين وشرعه, وأرسل لنا أفضل البشر, وقيَّض للدين رجال ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين, والصلاة والسلام على خير البشر البشير النذير، والسراج المنير محمد بن عبد الله الصادق الأمين – صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم – تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن من رحمة الله – تبارك وتعالى – لنا أن أرسل إلينا رسولاً من أنفسنا هو أفضل البشر، فهو سيد ولد آدم، وحامل لواء الحمد، وصاحب الشفاعة يوم القيامة, به أكمل الله الرسالة, وختم الرسل قال الله – تبارك وتعالى -:{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً}1, وقد بعثه الله بأفضل الكتب وهو القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد, الذي تكفل الله – تبارك وتعالى – بحفظه بخلاف الكتب السابقة؛ فقد حُرِّفت وبُدِّلت قال الله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}2, وقد بيَّن لنا النبي – صلى الله عليه وسلم – كل شيء, فلم يترك من شيء فيه خير إلا ودلنا عليه وأرشدنا إليه, ولا شر إلا وحذرنا منه – صلى الله عليه وعلى آله وسلم -, جاء عن العرباض بن سارية – رضي الله عنه – قال: "وعظنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – موعظة ذرفت منها العيون، وجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إن هذه لموعظة مودع فما تعهد إلينا؟ قال: ((قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هلك, من يعش منكم فيسرى اختلافاً كثيراً, فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدين, عضوا عليها بالنواجذ, وعليكم بالطاعة, وإن عبداً حبشياً, فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد))3, ومع ذلك فقد وجدنا من خرج عن المحجة البيضاء التي هي الكتاب والسنة, وتنكَّب طريقها, واتبع هواه؛ بحج تافهة, وشبهات ساقطة كسراب بقيعة

حج تهافت كالزجاج تخالها حقاً وكلٌ كاسر مكسور

من أدعياء محبة الله – تبارك وتعالى -، ومحبة نبيه الكريم – صلى الله عليه وعلى آله وسلم -, فزعموا حبه، وخالفوا هديه، فامتحنهم الله – تبارك وتعالى – بهذه الآية: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }4 قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله تعالى -: "هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية؛ فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي، والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله وأحواله؛ كما ثبت في الصحيح عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))5، ولهذا قال: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ} أي يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه وهو محبته إياكم، وهو أعظم من الأول كما قال بعض العلماء الحكماء: ليس الشأن أن تُحِب، إنما الشأن أن تُحَبَّ؛ وقال الحسن البصري وغيره من السلف: زَعَمَ قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية6".
ولا يخفى على كل ذي لبٍّ وعقل ما للصوفية من نشاط في الأزمنة المتأخرة؛ من نشر باطلهم وبِدَعِهِم بين الناس بعد زخرفتها بزخرف القول, ومما رفع عقيرتهم ثناء بعض من ينتسبون للعلم والدعوة في هذه الأمة عليهم, لذا كان لزاماً علينا أن نكشف شبهاتهم حول بدعة المولد التي يخدعون بها عوام المسلمين, فنذكر بعضاً من هذه الشبه ونرد عليها قدر الإمكان، فنقول والله المستعان:
الشبهة الأولى: زعمهم أن الاحتفال بالمولد النبوي ليس بدعة وإنما هو سنة حسنة, ويستدلون بقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((من سنَّ في الإسلام سنَّة حسنة فله أجرها, وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء؛ ومن سن في الإسلام سنَّة سيئة كان عليه وزرها, وزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء))7.
ونرد عليها فنقول: إن السنة الحسنة لا تكون إلا لما له أصل في الدين كالصدقة التي كانت سبباً لورود الحديث, وكقول عمر – رضي الله عنه – عندما جمع الناس لصلاة التراويح فقال: "نَعِمَتِ البدعة" بخلاف البدع؛ فإن كلها مذمومة لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار))8, فلفظ "كل" هو من ألفاظ العموم, و"بدعة" نكرة دلت على العموم, فدل على أن جميع البدع ضلالة, ثم قال: "وكل ضلالة في النار" فيشمل جميع أنواع البدع, إذ ليس في الدين بدعة حسنة, ولو كان في الدين بدعة حسنة لأخبرنا بها النبي – صلى الله عليه وسلم – كما أخبرنا بأن جميع البدع ضلالة, فكان سيستثني منها.
الشبهة الثانية: تفسيرهم قول الله – تبارك وتعالى -: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُون}9, أن الرحمة في هذه الآية هو محمد – صلى الله عليه وسلم -،
والرد عليها: أن اذكروا لنا من فسر هذه الآية بهذا التفسير من العلماء الذين يُعتمد عليهم، بل قد قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله -: "أي بهذا الذي جاءهم من الله من الهدى ودين الحق فليفرحوا، فإنه أولى ما يفرحون به {هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}10 أي من حطام الدنيا وما فيها من الزهرة الفانية الذاهبة لا محالة11", وقال العلامة ابن سعدي – رحمه الله -: "يقول – تعالى – مرغباً للخلق في الإقبال على هذا الكتاب الكريم بذكر أوصافه الحسنة الضرورية للعباد[COLR="darkgen] فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ[/COLOR]} أي: تعظكم، وتنذركم عن الأعمال الموجبة لسخط الله المقتضية لعقابه، وتحذركم عنها بيان آثارها ومفاسدها؛ {وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} وهو هذا القرآن، شفاء لما في الصدور من أمراض الشهوات الصادة عن الانقياد للشرع، وأمراض الشبهات القادحة في العلم اليقيني، فإن ما فيه من المواعظ والترغيب والترهيب، والوعد والوعيد؛ مما يوجب للعبد الرغبة والرهبة؛ … إلى أن قال: ولذلك أمر – تعالى – بالفرح بذلك فقال: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ} الذي هو القرآن، الذي هو أعظم نعمة ومنة، وفضل تفضل الله به على عباده {وَبِرَحْمَتِهِ} الدين والإيمان، وعبادة الله، ومحبته ومعرفته {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} من متاع الدنيا ولذاتها"12, فإذن لم يرد تفسير الرحمة بأنها النبي – صلى الله عليه وسلم – كما زعموا.

الشبهة الثالثة: قولهم أن الاحتفال بالمولد هو إحياء لذكرى النبي – صلى الله عليه وسلم -؛ وهذا مشروع في الإسلام؛ كما أن الحاج يفعل في جميع المناسك كما فعل النبي – صلى الله عليه وسلم -، فهي إذن إحياء لذكر النبي – صلى الله عليه وسلم -.

وللرد عليها نقول: إن ذكر النبي – صلى الله عليه وسلم – مرفوع في كل زمان قال الله – تبارك وتعالى -: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَك}13 قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله -: " قال مجاهد: لا أُذكَرُ إلا ذُكِرْتَ معي أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، وقال قتادة: رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة, فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا ينادي بها أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله14", ولم ينقل عن أحد من الصحابة الكرام – رضوان الله عليهم أجمعين – أن واحداً منهم احتفل بمولد النبي – صلى الله عليه وسلم -, وهم من هم في الحب له والاتباع.

الشبهة الرابعة: زعمهم أن شعراء الصحابة كانوا يقولون القصائد في مدح النبي – صلى الله عليه وسلم – كحسان بن ثابت, وكعب بن زهير وغيرهما – رضي الله عنهم -، فكان يرضى بذلك، ويكافئهم عليه.

والرد عليها هو أنه: لم ينقل عنهم أنهم كانوا يلقون القصائد في مدحه في يوم مولده, فنقول لمن فعل ذلك "ثبِّتْ عرشَكَ ثم انْقُش", هات الدليل على صحة ما تقولون, فإنما كانت القصائد التي يلقيها شعراء الصحابة – رضي الله عنهم – في مدحه – صلى الله عليه وسلم – بعيدة كل البعد عن الغلو, بخلاف ما يفعله هؤلاء المبتدعة فإنهم يلقون القصائد في هذا الاحتفال المحدث وفيها الغلو مع وصفه بعض صفات الرب – تبارك وتعالى -، ويستغيثون به ويدعونه, ويزعمون أنه يحضر في هذا الاحتفال المبتدع – عليهم من الله ما يستحقون -, وهنا نذكر جزءً من هذه القصائد المغالية على سبيل المثال لا الحصر ونقصد "قصيدة البردة" إذ قال فيها:

يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حدوث الحادث العمم
إن لم تكن آخذاً يوم المعاد يدي صفحاً وإلا فقل يا زلة القدم
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم
وغير ذلك كثير في القصائد التي تلقى في مثل هذا اليوم والتي فيها الكفر – عياذاً بالله تبارك وتعالى -.

الشبهة الخامسة: في الصحيح من حديث ابن عباس – رضي الله عنه – قال: قدم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسئلوا عن ذلك؟ فقالوا: هذا اليوم الذي أظهر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون فنحن نصومه تعظيماً له, فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((نحن أولى بموسى منكم فأمر بصومه))15, فقالوا: إن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يلاحظ ارتباط الزمان بالحوادث الدينية الكبرى التي مضت؛ فإذا جاء الزمان التي وقعت فيه كانت فرصة لتذكرها، وتعظيم يومها؛ ومن ذلك المولد النبوي، فنحن نحتفل به لذلك.

وفي الرد عليها نقول: إن من النعم التي أنعم بها الله – تبارك وتعالى – على موسى – عليه السلام – أن أغرق الله – تبارك وتعالى – فرعون، ونجَّى موسى – عليه السلام -, والنعم تستحق الشكر, وإن النعمة الكبرى في الأمة الإسلامية هي بعثة النبي – صلى الله عليه وسلم – وليس مولده, إذ لم ينقل عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه احتفل بمولده, ولم ينقل عن أحد من الصحابة أنه احتفل بمولد النبي – صلى الله عليه وسلم -، ولم يشر القرآن ليوم مولده – صلى الله عليه وسلم – وإنما أشار لبعثته على أنها فضل ومنة ونعمة فقال الله – تبارك وتعالى -: {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِين}16, وقال سبحانه: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِين}17, فلو كان الاحتفال بذكرى مولده جائز؛ لكان الأولى الاحتفال بذكرى يوم بعثته وليس ذكرى يوم مولده – صلى الله عليه وسلم -؛ وأما صيام النبي – صلى الله عليه وسلم – لهذا اليوم فإنه – عليه الصلاة والسلام – المبلغ عن الله – تبارك وتعالى -، وهو المشرع عن الله – تبارك وتعالى -، وإنما نحن مأمورون بالاتباع لا الابتداع قال الله – تبارك وتعالى -: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}18, وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد)) 19, وقال: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))20, فالحديث الأول يشمل كل حدث في الدين, والثاني يشمل كل عمل لم يدل الشرع عليه، ولم ينقل، فهو مردود على صاحبه غير مقبول، ومن ذلك الاحتفال بالمولد.




1 سورة الأحزاب (40).

2 سورة الحجر (9).

3 رواه ابن ماجه برقم (43)؛ وأحمد في المسند برقم (17182)، وقال شعيب الأرناؤوط: حديث صحيح؛ وصحه الألباني في صحيح ابن ماجة برقم (41).

4 سورة آل عمران (31).

5 رواه مسلم برقم (1718).

6 تفسير ابن كثير (1/440).

7 رواه مسلم برقم (1017) من حديث جرير بن عبد الله البجلي – رضي الله عنه -.

8 رواه النسائي برقم (1578) من حديث جابر – رضي الله عنه -؛ والطبراني في المعجم الكبير برقم (8521)؛ وقال الشيخ الألباني: إسنادها صحيح كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في إقامة الدليل على إبطال التحليل من الفتاوى (3/58) انظر خطبة الحاجة للألباني (25).

9 سورة يونس (58).

10 سورة يونس (58).

11 تفسير ابن كثير (2/512).

12 تفسير السعدي (366).

13 سورة الشَّرح (4).

14 تفسير ابن كثير (4/640).

15 رواه مسلم برقم (1130).

16 سورة آل عمران (164).

17 سورة الجمعة (2).

18 سورة الحشر (7).

19 رواه البخاري برقم (2550)؛ ومسلم برقم (1718).

20 رواه مسلم برقم (1718).




جزاك الله خير



خليجية



اسعدني مرورك



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.