ومن الإيمان باللَّه ؛ الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم من غير تحريف ولا تعطيل ، بل أَعتقد أن اللَّه { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } ، فلا أنفي عنه ما وصف به نفسه ، ولا أحرِّف الكلم عن مواضعه ، ولا ألحد في أسمائه وآياته ، ولا أكيف ولا أمثّل صفاته بصفات خلقه ؛ لأنه تعالى لا سَمي له ولا كفوا و لا ند له ، ولا يقاس بخلقه ؛ فإنه سبحانه وتعالى أعلم بنفسه وبغيره ، وأَصدق قيلا ، وأحسن حديثا ، منزه نفسه عما وصفه به المخالفون من أهل التكييف والتمثيل ، وعما نفاه عنه النافون من أهل التحريف والتعطيل ، فقال تعالى : { سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } .
فالفرقة النَّاجِيَة وسط في باب أفعاله تعالى بين القدرية والجبرية ، وهم وسط في باب وعيد اللَّه ، بين المرجئة والوعيدية .
وهم وسط في باب الإيمان والدين ، بين الحرورية والمعتزلة ، وبين المرجئة والجهمية .
وهم وسط في باب أصحاب رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم بين الروافض والخوارج .
وأعتقد أن القرآن كلام اللَّه ، منزل غير مخلوق ، منه بدأ وإليه يعود ، وأنه تكلم به حقيقة ، وأنزله على عبده ورسوله وأمينه على وحيه وسفيره بينه وبين عباده ، نبينا محمد صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم .
وأومن بأن اللَّه فعال لما يريد ، ولا يكون شيء إلا بإرادته ، ولا يخرج عن مشيئته شيءٌ ، وليس شيءٌ في العالم يخرج عن تقديره ، ولا يصدر إلا عن تدبيره ، ولا محيد لأحد عن القدر المحدود ، ولا يتجاوز ما خط له في اللوح المسطور .
وأعتقد بكل ما أخبر به النبي صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم مما يكون بعد الموت .
وأومن بفتنة القبر ونعيمه ، وبإعادة الأرواح إلى الأجساد ، فيقوم النَّاس لرب العالمين ، حفاة ، عراة ، غرلا ، تدنو منهم الشمس ، وتنصب الموازين ، وتوزن بها أعمال العباد : { فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ } .
وتنشر الدواوين ، فآخِذ كتابه بيمينه ، وآخذ كتابه بشماله .
وأومن بحوض نبينا محمد صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم بعرصة القيامة ، ماؤه أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، آنيته عدد نجوم السماء ، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا .
وأومن بأن الصراط منصوب على شفير جهنم ، يمر به الناس على قدْرِ أَعمالهم .
وأومن بشفاعة النبي صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم ، وأنه أول شافعٍ وأول مشفع .
ولا ينكر شفاعةَ النبي إِلا أهل البدع والضلال ، ولكنها لا تكون إلا من بعد الإذن والرضا ؛ كما قال تعالى : { وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى } وقال : { مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ } ، وقال تعالى : { وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى } وهو سبحانه لا يرضى إلا التوحيد ، ولا يأذن إلا لأهله .
وأما المشركون فليس لهم في الشفاعة نصيب كما قال تعالى : { فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ } .
وأومن بأن الجَنَّة والنَّار مخلوقتان ، وأنهما اليوم موجودتان ، وأنهما لا تفنيان .
وأن المؤمنين يرون ربَّهم بأبصارهم يوم القيامة كما يرون القمر ليلة البدر لا يضامون في رؤيته .
وأومن بأن نبينا محمَّدا صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم خاتم النَّبيين والمرسلين ، ولا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ويشهدَ بنبوته .
وأفضل أمَّته أبو بكر الصديق ، ثم عمر الفاروق ، ثم عثمان ذو النورين ، ثم علي المرتضى ، ثم بقية العشرة ، ثم أهل بدر ، ثم أهل الشجرة – أهل بيعة الرضوان – ثم سائر الصحابة رضي اللَّه عنهم .
وأتولَّى أَصحابَ رسول اللِّه ، وأَذكر محاسنَهم وأَستغفر لهم وأَكف عن مساوئهم ، وأَسكت عمَّا شجر بينهم ، وأَعتقد فضلَهم ، عملا بقوله تعالى : { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } .
وأترضّى عن أمَّهات المؤمنين المطهرات من كل سوء .
وأقرّ بكرامات الأولياء إلا أنهم لا يستحقون من حق اللَّه شيئا كالاستغاثةِ ، والنذر ، والمَدَد ، والاستعانة ، والذبح . ولا أَشهد لأَحد من المسلمين بجنَّة ولا نار إلّا من شهد له رسول اللَّه صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم ، ولكني أرجو للمحسن ، وأخاف على المسيء .
ولا أكفّر أحدا من المسلمين بذنبه ، ولا أخرجه من دائرة الإسلام .
وأرى الجهاد ماضيا مع كل إمام برا كان أم فاجرا ، وصلاة الجماعة خلفهم جائزة .
والجهاد ماضٍ منذ بعث اللَّه محمدا صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم إِلى أن يقاتل آخر هذه الأمة الدجالَ ؛ لا يبطله جور جائر ولا عدل عادلٍ .
وأرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين ؛ برهم وفاجرهم مما لم يأمروا بمعصية اللَّه .
ومَنْ ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به أو غلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبت طاعته وحَرمَ الخروج عليه .
وأرى هجر أهل البدع ومباينتهم حتى يتوبوا ، وأَحكم عليهم بالظاهر وأَكل سرائرهم إلى اللَّه .
وأعتقد أن كل محدثة في الدين بدعة .
وأعتقد أن الإيمان قول باللسان ، وعمل بالأركان ، واعتقاد بالجنان ؛ يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ، وهو بضع وسبعون شعبة ؛ أعلاها شهادة أن لا إله إلا اللَّه ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق .
وأرى وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ما توحيه الشريعة المحمدية الطاهرة .
فهذه عقيدةٌ وجيزة حررّتها وأنا مشتغل البال لتطَّلعوا على ما عندي .
واللَّه على ما نقول وكيل " .
للامام محمد بن عبد الوهاب رحمه اللَّه