التصنيفات
منوعات

لقاء مع الكون مروان محمد محسون

خليجية

لم يستطع أن يوقف سؤال نفسه، لـماذا أنـا؟
منذ صغره، كان ينظر إلى القمر والنجوم، ويسأل نفسه؛ لـماذا أنـا؟
الحيرة، وموجة الأعاصير الذهنية، التي لا يستطيع الإمساك بأطرافها، هي الإجـابات التي كانت تتوارد عليه.

لماذا أنـا في هذا العالم، وفي هذه المدينة، ومن هذه الأسـرة؟
لماذا لم أكن ابن التـاجر فلان بن فلان أو ابن المزارع فلان بن فلان، لماذا هذا اسمي، وهذه عائلتي؟
كانت الأسئلة أكبر من الإبـحار في خياله المحدود، ليجد إجابات ترضيه.

مضت السنون تلو السنون، وأسئلته المحيرة تراوده من حين لآخـر.
كان يظن أن مجـرد التفكير في مثل هذه الأمور، ضَربٌ من الفلسفة الغير محمودة، وسبيل من سبل الشيطان، لكنّه لم يستطع أن يوقف سؤال نفسه، لـماذا أنـا؟

وفي يوم عـاصف بالأفكار، وقف أمـام المرآة، وسأل نفسه مرة أخرى السؤال الملازم له، لـماذا أنـا، إلا أنّ هذه المرة لم يكن يقصد ما كان يقصده في الـسابق، بل كان يقصد؛ لـماذا أنـا الذي يفكر في هذا السؤال؟

فـلم يحدثه قريب أو صديق بأمر مماثل.

دخل في عالم السؤال الجديد، واسوّد المكان من حوله، ورأى دوامةً مدارية، تشبه المدارات الفضائية، في آخرها ثقب أسود .
استمر في السباحة والتجديف، حتى اقترب من الثقب الأسـود، قلّ تنفسه، وضاق صدره، والسواد حالك.

عبر الثقب الأسود، ووصل إلى عالم كوكبيٍ آخـر، ذهل من المنظر المهيب، ووجد نفسه أمام شمس وقمر ونجوم، ينظرون له وشاهدهم وهم ينظرون إليه، ارتعب من نظرهم له.
لم يستطع إنـكار الموقف، فهو الآن في وسط الحقيقة، الحقيقة التي أشعلت هالته وكأنه مـوقد، إلا أنه بلا نـار!

نظر أسفل قدمية فلم يجد أرضاً يثب عليها، وشاح ببصره إلى الأعلى فلم يجد السماء الزرقاء،
التفت لليمين ولليسار مذهولاً، فلم يرَ شيئاً سوى أفـق الكون الأسـود.
خيم السكون على سمعه، وأحس بالكون من حوله.
نظر ببصره إلى الكواكب التي حوله، وسألهم السؤال الكوني – الأول – الذي رافقه من صغره:

– لماذا أنـا؟
فلم يجبه أحد.
– لماذا أنـا الذي يسأل نفسه هذا السؤال؟
سـمع همساً في أذنيه يجيبه، لأنك أنت أنت!
– فقال : لماذا أنا أنا؟!
رد عليه القمر : لأن أنت هو أنت.

فأكملت نجمة من النجوم الحديث وقالت: ألم تسأل نفسك هذا السؤال من قبل وظللت تفكر فيه وتبحث له عن إجابة؟

أكملت نجمة أخرى وقالت: ألم تسأل نفسك من قبل، لِمَ أنت في هذا العالم وفي هذه الحيـاة ؟
أعقبت الشمس: كنـا نراك ونسمعك، وننتظر لحظة قدومك لنا، حتى نجيبك .
لم يكن يصدق أن الكواكب تحادثه، وتسأله، وتدرك وجوده، ولكنه أيقن أنه في عالم حقيقي، لا مفر من إنـكاره والهـروب منه.
فهُم من سمحوا له بالوصول، وهم من سيسمحون له بالخروج منه .
قال للقمر: لماذا اخترتموني أنـا، فأنا شخص عـادي، بل ولست حتى من الصالحين .
أجـابه القمر: إن سؤالك القديم، جعلك تحـاول الخروج من الحصن، الذي حُجِزت بداخله، فكلما كنت تكرر السؤال على نفسك، كلما عبرت ما يحجزك عن الخروج من ذلك الحصن، وبتكرارك للمحاولات، وعدم يأسك أو عجزك، سيقت لك الأقـدار التي أعانتك على اجتيازك لذلك الحصن، إلا أنك ما زلت دون أسـواره !
ونحن الكواكب، رعينـاك ولازمناك منذ صغرك حتى وصلت إلينـا، لنؤكد لك؛ أن أنت هو أنت، وأولئك هم أسـرتك وتلك هي عائلتك وهذا هو عالمك ونحن الكون الذي يحيط بك ويسمع أسرارك .
والآن، بعدمـا استطعت الوصول لنا، سنجعلك ترحـل، وترجـع لعالمك، وستعود لنا مرة أخـرى.

– ومتى سأعود لكم؟
القمر : بعدمـا تعبر أسوار حصنك.

بدأ السواد المحيط – به – يغيب شيئاً فشيئا، والكواكب تغادر، كوكباً بعد كوكب، وكان آخر ما سمعه: نحن بانتظارك.

ثم سُحِب باتجاه الثقب الأسود، وعاد إلى الدوامة المدارية، وانتهى منها ليجد نفسه واقفاً أمام المرآة.




اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.