وردت في سورة الإنسان (إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6)) (يشرب بها) فيها احتمالين أو أكثر من دلالة: يشرب بها معناها يرتوي بها يشرب إلى درجة الإرتواء لأن الشرب قد يكون أقل من الارتواء يؤتى بقدح يشرب منه لكن ليس إلى درجة الإرتواء قد يرتوي وقد يكون دون الإرتواء (شرب منه) ليس بالضرورة ارتوى هذه الدلالة الأولى.
شرب به بمعنى ارتوى لغة وعندنا شواهد شعرية (شربنا بماء البحر ثم ترفّعت) فهي ليست مسألة قرآنية وشرب به يضمّن معنى ارتوى لغة.
شرب منه ليس بالضرورة ارتواء، هذا أمر.
شرب به بمعنى موجود في المكان نفسه: شربت بالعين، سكنت بالبلد أي أقمت بالبلد لأن الباء قد تكون للظرفية.
إذن شرب بالعين معناها هو كان موجوداً بالعين وشرب شرب منها يعني شرب منها لكن ليس بالضرورة أن يكون في العين.
شربت من العين ليس بالضرورة أن تكون في العين أما شربت بالعين يكون قطعاً موجود ومقيم فيها إذن اللذة تكون بشيئين: بالمنظر وبالارتواء.
ما الفرق بين يشرب بها ويشرب منها؟ المعنى اللغوي واضح أن شرب بها فيها إرتواء وفيها الوجود في المكان حين الشرب فتكون لذة الشرب ولذة النظر وشرب بها هي الأعلى.
لماذا؟ لماذا قال (يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ) هذه للأبرا، وهنا قال (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28) المطفين)؟ هو ذكر صنفين من الناس المقربون ومن دونهم (عباد الله) عامة والمقصود بها المقربون وفي المطفين قال (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) لأن كلمة عبد يطلقها الله سبحانه وتعالى في مقام التكريم (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ (59) الزخرف) (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ (1) الإسراء) (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) الإسراء) هذا أعلى المدح.
العبد إما يطلقها عامة ليست في مقام التكليف وتسمى العبودية القسرية أو عباد عامة ولما يذكرها في الأنبياء يذكرها في أعلى المقامات.
فإذن ذكر صنفين الأولى: الأبرار في سورة الإنسان (إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا) وأعلى من الأبرار المقربون.
يقولون "حسنات الأبرار سيئات المقربين" يعني المقربين أعلى الخلق (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11)) وهؤلاء قليل فهم أعلى.
الأبرار صلى ركعتين بعد العشاء فقط أما المقرّب فيقوم الليل كله، حسنات الأبرار إذا قرأ شيئاً من القرآن وإن كان يسيراً هذا بالنسبة للمقرب لو فعل هذا واكتفى لكان سيئة لأنه أقل مما اعتاد عليه من الطاعة.
إذن ذكر قسمين الأبرار والمقربون: الأبرار يشربون من الكأس يؤتى بالكأس والمقربون يشربون بالعين وهم يقيمون بها.
لذلك قال (وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ (27) المطفين) أي ممتزج والمقربون يشربون بالعين التسنيم ليس ممزوجاً لأنه كما يقال يمزج لأهل الجنة والتسنيم من السنام (سنام الجمل) وهو أعلى شراب الجنة ويمزج لأهل الجنة بقدر ما كانوا يمزجون في أعمالهم في الحياة الدنيا يمزج له بشراب آخر بقدر ما كان يمزج بعمله في الدنيا أما المقربون فيشربون من العين خالصة لا يمزج لهم.
الأبرار يشربون من عين ممتزجة أما المقربون فيشربون بالعين ويقيمون بها.
المقربون أعلى درجة (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ (14) الواقعة) بينما لما ذكر الأبرار قال (ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِّنَ الْآخِرِينَ (40) الواقعة) ثلة أي مجموعة، حتى أن أحد العلماء في القرن السادس أو السابع لما ذكر المقربين قال "لم تقع عيننا على أحد منهم ولم نشم لهم رائحة"، هو هكذا قال. فإذن هؤلاء يشربون بها.
يعني هم حاضرون في العين نفسها ويرتون منها ولا يمزج لهم.
أما الأبرار فهم يشربون من الكأس وليس من العين ويمزج لهم (كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا) (وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ) يشربون من كأس تدل على أنها تُحمل إليهم فهم ليسوا موجودين فيها.
يسقون أي يسقيهم أحد لا أنهم يذهبون للعين يشربون.
بارك الله فيك على الموضوع القيم والمميز
وفي انتظار جديدك الأروع والمميز
لك مني أجمل التحيات
وكل التوفيق لك يا رب
تقبلي مروري
اختك ام ورد