حُرمت الثلاثينية هديل، من رؤية والديها منذ خمس سنوات، وهما يبتعدان عن سكنها مسافة خمس دقائق، لا لشيء سوى سوء فهم حدث بين أخيها وزوجها الذي تصلب في عناده ليمنعها من الذهاب الى منزل أهلها.
"لقد حلف علي بالطلاق أن لا أراهم وألا يروني طوال حياته، إنها حسرة وغصة في قلبي، أن لا أراهم بسبب عناد زوجي الذي اختلف مع أخي، لأقع أنا ضحية ذلك، فلم يبقَ لي سوى الاتصال مع أخواتي لأطمئن على أهلي، وأوصل سلامي الى أمي وأبي"، بحسب تعبير هديل عن حالتها.
وتقول بألم "حاولت مرات عديدة أن أتحدث مع زوجي في الأمر، لكن من دون فائدة، فهو عنيد جدا، ويرفض أن أذهب إليهم، ولا أستطيع أن أتركه وأتسبب بخراب بيتي، خصوصا أن لدي أربعة أبناء يريدون الرعاية والاهتمام".
وحال هديل ليس ببعيد عن حال كثير من السيدات اللاتي فرضت عليهن مقاطعة الأهل، بسبب خلافات عائلية بسيطة، ما أثر على أوضاع الأسر الاجتماعية وجعل الأبناء لا يعرفون أجدادهم وأخوالهم.
وسمر واحدة من اللواتي خُيرت بين بيت الزوج وبيت الأهل؛ حيث وقفت مكتوفة اليدين عندما تطاول زوجها على والدها، وشتمه في منزل أهلها.
وتشعر بكل يوم بالألم والحسرة وهي تستعيد ما حل بها "عدت مع زوجي على أمل إصلاح الموقف وحل النزاع ولكن بدون فائدة، ولم أرَ أهلي منذ تلك المشكلة التي مر عليها عامان حتى الآن، لقد اشتقت اليهم بطريقة لا توصف، فأحيانا كثيرة أندم على عودتي معه، وأشعر بتأنيب الضمير لأنني رضيت بما حدث لأهلي".
"ورغم أنني اختلفت أكثر من مرة مع زوجي، لدرجة وصلت بها الأمور إلى الطلاق، إلا أن والدي دائما ينصحني بأن لا أغضب زوجي، وأن أبقى معه من أجل أبنائي"، وفق ما تقول سمر.
ويعزو الاختصاصي الاجتماعي د.حسين الخزاعي تلك المشاكل لعدم تنظيم الزواج قبل حدوثه، خصوصاً في علاقات التواصل الاجتماعي بين الزوجين وأهاليهما، التي يجب أن تبنى على المودة والاحترام وحفظ الحقوق.
ولا يجوز للزوج أن يمنع زوجته من التواصل مع أهلها على الإطلاق، وفق الخزاعي؛ لأنه يؤثم على هذا الفعل، فقد تتحمل الزوجة قراره لأسباب اقتصادية واجتماعية، حيث إنها تعد ذلك خطا أحمر لا يجب أن تتجاوزه، وعلى الزوج أن يتذكر بأن لديه أما وأخوات وأهلا.
ويرى أن مثل هذه المشاكل تؤثر على الأبناء أيضا في تنشئتهم الاجتماعية؛ حيث يتبنون شخصية الأب نفسها، ويتقمصونها في المستقبل، داعيا الزوجة لأن تتحاور بشكل مستمر مع زوجها بشكل إيجابي وبمودة ومحبة، ولا ضير من أن تلجأ لوالدته لأنها أكثر شخص يمكن أن يؤثر عليه.
وتعد خبيرة العلاقات الزوجية د.نجوى عارف، أن مثل هذه الأوضاع خاطئة وتضر في الحياة الزوجية، وتجعل هناك غصة في قلب الزوجة، فمهما كان زوجها حسنا معها، فإن إحساسها بأنها لا تستطيع رؤية أهلها، لن يجعل سعادتها كاملة.
وتؤكد أن وجود أهل الزوجة في حياتها هو جانب مهم جداً؛ لأنهم يكملون لها حياتها وسعادتها الزوجية، مبينة أن ذلك الوضع سيجعلها تشعر دائماً بأنها مقصرة وغير راضية.
وتشير عارف الى أن الزوج قد يقاطع أهل زوجته، ولكن لا يحق له فرض ذلك على زوجته، والأصل في الأمر أنه في حال وجود مشكلة أن تحل بسرعة، خصوصاً بوجود الأبناء لأن تربيتهم بدون أن يعرفوا أخوالهم وأجدادهم، تؤثر عليهم نفسياً، وعلى علاقاتهم الاجتماعية في المستقبل.
ويرى اختصاصي الطب النفسي د.أحمد الشيخ، أنه وتحت أي ظرف لا يجوز حرمان الأب من ابنته، ولا من إخوتها، فهذا لا يعد من المعايير القيمية الأخلاقية التي تحكم الأسرة، وأن حرمانها من أهلها هو حرمانها من أهم الأركان الأساسية التي تشكل لها الدعم والأمان والثقة، ولا يوجد أي مبرر لمثل هذا التصرف على الإطلاق، يقول "قد يأخذ الزوج موقفا من أنسبائه، لكن لا يحرم زوجته من أهلها".
وبالنسبة للأبناء، يرى الشيخ أن الابن الذي قد يصل إلى مرحلة عمرية ولا يعرف بوجود أخواله وخالاته، يؤثر عليه ذلك من الناحية النفسية؛ لأن وجودهم يعد بمثابة صمام أمان للأبناء في امتدادهم الأسري.
ويعد اختصاصي الشريعة د.منذر زيتون، أن منع بعض الأزواج زوجاتهم من زيارة الأهل يأتي في الغالب من قبيل التحكم والاستقواء، واستنادا إلى فهم خاطئ لمعنى القوامة، التي أقرها الشرع في الزواج، مع أن الزواج ليس إلا شراكة بين اثنين ليس بينهما تفاضل من الناحية الشرعية؛ فالرجل له كيانه والمرأة لها كيانها، والزواج يتم بينهما بالتراضي.
ويتابع "ان إقرار مبدأ القوامة بين الزوجين وتكليف الرجل بها ليس معناه الوصاية، ولا السيادة، وإنما القوامة تعني: المرجعية في إدارة الأسرة وتدبير شؤونها ورعاية أفرادها، وضمن أسس الاحترام والحب وتوفير مقومات الحياة، وفي المقابل، أمرت المرأة بطاعة الزوج، لكن الطاعة للزوج وكل طاعة مشروطة أولا وآخرا، بأن لا تكون فيما فيه معصية لله أو مخالفة لأوامره".
ويرى أن أمر الزوج لزوجته، أن تمتنع عن زيارة أهلها أو أبويها، فهذا لا يتوافق مع الدين ابتداء؛ لأن الإسلام أمر بصلة الرحم، وإذا كان هذا شأن صلة الرحم عموماً، فإن صلة الوالدين أولى وأدعى في الدين، وقد جعل الله تعالى حبهما ورعايتهما وطاعتهما جزءا من عبادة الله تعالى.
ويقول "إنه لا يجوز للزوج أن يمنع زوجته من زيارة أرحامها؛ لأن في ذلك مخالفة للدين وتحكما غير مشروع ينافي مبدأ القوامة الذي يقوم أصلا على الرعاية".
ويعد أن الزوجة الحكيمة لا بد أن تراعي زوجها وتفهم وجهته ورأيه، فلا تكثر من الزيارات التي قد تنتقص حقوقه عليها، أو التي تربك حياتهما الزوجية وتدخل ما فيه فوضى وإرباك إليها.
ويضيف زيتون "إن كانت زياراتها لأهلها، تنتج عنها مشاكل أو تتسبب في عداوات، فعليها بأن تنتهي هي من تلقاء نفسها، وأن تقتصرها على الضروري منها، خصوصا أن بعض الأهل لا يراعون لزوج البنت حرمة، فتراهم ينتقصون من قدره أو لا يراعون شأنه، وهذا مما قد يتسبب بهدم الأسرة، فإن كان الأمر كذلك، فإن للزوج أن يمنع زوجته من تلك الزيارات حفظا لها وصيانة لأسرته، على أن لا يكون ذلك قاطعا، فيستثنى الوالدان بين حين وآخر".
ويمكن للمرأة أن تتواصل مع الأهل من خلال المكالمات الهاتفية، أو أن تتحين الفرص لرؤية أهلها في بعض الدعوات أو في السوق، وبين كل ذلك عليها أن تحاول ترطيب قلب زوجها، وتعرف سبب رفضه لأهلها، فتصلح ما استطاعت من ذلك بالتودد والحوار، وتدفع أهلها ليبادروا إلى وصل زوجها وإظهار وده من أجل ترميم علاقاته معهم، وفق زيتون
التصنيفات
مقاطعة الزوج لأنسبائه: الزوجة تدفع الثمن
مقاطعة الزوج لأنسبائه: الزوجة تدفع الثمن