التصنيفات
السيدات و سوالف حريم

من هو الشخص الذي يستحق أن اقضي معه الساعة الأخيرة

ليل الشتاء بارد دائما ويحتاج إلى رفقة، والبقاء داخل جدران الحجرات وغرف الدار لزمن طويل تعد مشكلة..كنت وحدي في البيت عندما هبت عاصفة من رقادها أعقبها مطر غزير وانقطاع في تيار الكهرباء وتوقف شبكة الهاتف والموبايل..

ماءت أحدى القطط الصغيرة في الحديقة، وصمتت الكلاب عن النباح في الخارج، قطع معدنية تلاعبها العاصفة ترتطم بالجدران الأسمنتية بصورة متواصلة، أزيز الريح يرتفع ويخفت..

جلست في ركن من الدار اندب حظي العاثر، هجوم الطبيعة المفاجئ وانقطاع الكهرباء سيمنعون أي شخص من التفكير بزيارتي.. وتوقف شبكة الهاتف عن العمل وضعني في عزلة وقطع أمامي الطريق لدعوة صديق للمجيء بحجة قضاء الوقت..
– أنا خائفة جدا ومسلوبة الإرادة..

تلاشت الأصوات والحركات جميعها مرة واحدة ولم اعد اسمع أي صوت..عادت الحرارة إلى الهاتف واشتغل الموبايل ورجع تيار الكهرباء إلى المصابيح وامتلأت الغرفة بالضوء، زال الخوف واسترددت اطمئناني لكني قررت أن لا أبقى وحدي في الدار مطلقا وسأفكر بالزواج جديا…

أنباء المعارك على شاشة الستلايت، تدور رحاها في مدن القائم والحديثة، شغلت ذهني بعض الشيء ولغت تفكيري بالوحدة وأحداث الليلة المرعبة..

غمرت رائحة القهوة انفي وشعرت بطعمها في حلقي قبل أن احتسيها وكان مظهرها وهي تغلي فوق المدفأ النفطية تبعث الدفء في نفسي.. غادرت إلى المطبخ لجلب الفنجان وكانت النافذة أمام نظري، لمحت عبارتين كتبتا على الزجاج الوسطى..

-بعد ساعة من ألان، أنتي ميتة.

-لديك ساعة واحدة، استمتعي بها كيفما تشائين..

تسمرت في مكاني وشعرت أن قدمّي لا تتحركان.. الوقت ليل والمطر كان يتساقط بغزارة والعاصفة ابتدأت وانتهت شديدة متواصلة والظلام كان عتما حين انطفأت الكهرباء- فمن دونّ هاتين العبارتين المبهمتين….؟

لم أجد في المطبخ شيئا يثير الشك وبدت الحديقة كما تركتها حين غادرتها في المساء: أشجار ريانّة وخضرة مفعمة بالحياة.

هل يكون هناك شخص ما قد كتبها بدافع المزحة، أم انه أراد إثارة الرعب والخوف في نفسي…؟

أهملت التفكير في المضمون وقلت أن من كتبه أراد زعزعة الثقة وبث الرعب في نفسي..!

أعدت قرأة العبارتين مرة أخرى، فسرتها بطرق عدة.. كاتبها يمنحني ساعة استمتاع وكأنه يدري، أو يتخيل:أني لم استمتع بحياتي رغم بلوغي الثلاثين… ربما كان على حق، دوّرت محرّك ذهني إلى الوراء وشعرت أني لم استمتع بحياتي لحد ألان، أنا غير سعيدة في حياتي والأخرين يروني كذلك..

– قبل أيام، قال لي صديق: فكري بالزواج، انه استقرار ومتعة.. وجاري في المنطقة( أبو نمر) يسمعني هذا الكلام دائما، التعذرّ بحب الحرية كذبة لن تدوم طويلا..

رّن جرس الساعة في الصالة فأنتبهت إلى أن أمامي ساعة واحدة يجب أن تستغل إذا أخذت الموضوع على محمل الجد، ثم جلست أفكر كيف اقضي هذه الساعة وكيف استمتع بها، ماهو الشيء الذي إذا فعلته سيمنحني السعادة واستمتع بالوقت الممنوح لي…..؟.
من هو الشخص الذي يستحق أن اقضي معه الساعة الأخيرة من حياتي…..؟

ورد خبر اختطاف نساء على شاشة الستلايت، عصابات الخطف تنتشر في كل مكان من البلد…بغداد الرهيبة أصبحت مسرحا للمخطتفين والتسليب مهنة ممتعة، وعلي باب والحرامي الأربعين عادوا ليرعبو الناس في أخر الليل.

زارني هاجس الخوف ثانية وتملكتني الوساوس، لما لا يكون كاتب هاتين العبارتين احد عصابات الخطف، لما لا يكون ابتزازا وتلاعبا بالأعصاب..أنا امرأة عنيدة، قوية الشخصية، لن استجيب بسرعة ولن اخضع للتهديد، اختاورا هذه الوسيلة للضغط وإجباري على فعل مالا أريد..عندما يشعر الإنسان انه سيفقد حياته ويودّع الكون والأرض والناس، سيحزن ويفقد الإحساس بالأشياء ويستجيب لأي ابتزاز ..
تراجعت عن التفكير في الموضوع بعد أن أعدت قراءة إحدى العبارتين.. الكاتب شخص يعرفني جيدا، ويدرك أني غير مستمتعة بحياتي…

وقع بصري على الوقت مرة ثانية وتذكرت أن أمامي ساعة واحدة يجب أن استغلها، حياتي ستنتهي بعد ساعة فلا جدوى من الحزن، الساعة ستنقضي أجلا أم عاجلا، علّي أن اقضيها واستمتع بها..الساعة منحت لي لاستمتع بها،لا لكي احزن أو أتذمر، والكاتب لم يخيرّني بين شيئين بل حدد لي حالة واحدة هو أن استمتع بالساعة الممنوحة لي ….

لم أفكر بالطريقة التي سأموت فيها بعد ساعة واحدة، أنا ميتة ولا يهمني طريقة الموت لكن المهم هو أني كيف سأقضي هذه الساعة وكيف استمتع بها دون ندم…..
طلبت معتز في الهاتف.. وألححت عليه بالحضور، وطلبت في الهاتف: قيس وسعد وحسام وفارس ونادية ومنتهى وأسماء ولبيبة وزوجها وهناء وزوجها وابتسام وزوجها.. قلت لكل واحد منهم: أسرع في الحضور قد لن تجدني بعد ساعة..! قررت أن اقضي هذه الساعة مع من أحب من الأصدقاء، وقضاء ساعة واحدة مع من تحب فرصة لن تتكرر…لا متعة بعد متعة الحب…. عندما عدت إلى المطبخ لجلب قدح ماء، كانت العبارتين قد مسحتا تماما ولم تبقى لهما اثر لكنها ظلت تشغل ذهني وبقيت احسب دقائق الساعة.

الأخبار تتوارد عبر شاشات التلفاز، ناس يقتلون من قبل ناس، وناس ينتحرون، وناس يقتلون من قبل هجوم الطبيعة، هناك موتى بالإلف على سطح الكرة الأرضية.. وبعد قليل سأنضم إليهم، عيني على الباب..انتظر
احدهم يطرقه، انقضى نصف ساعة على انتهاء الاتصال معهم ولم يأت منهم احد، في الحرب ينشغل كل شخص بنفسه، العلاقات الاجتماعية تنهار كما تنهار الأمور الأخرى،مثل البنيان تنهار كل شي حتى القيم الاجتماعية والأخلاقية ،أنا وحدي في البيت اطلب النجدة لا احد يستجيب،الوضع الأمني ليس على ما يرام ولا احد يجرؤ أن يغادر بيته في وقت متأخر من الليل، الكل خائف ويفضل الجلوس في البيت.

أسمع أصوات اطلاقات نارية تنبعث من فوهة هاوون وأطلا قات نارية أخرى تتشابك مع بعضها، تمر من أمام المنزل دبابات أصوات عجلاتها تصم أذّني، صوتها مزعج جدا، نظرت إلى الساعة أمامي، كان الوقت المحدد(الساعة) قد انصرم ولم تبقى من الساعة إلا دقائق محدودة جدا، خرجت إلى باحة الدار كانت الدبابات قد اختفت عن الأنظار تلاحقها ضباب من الأتربة.




الشخص الذي يستحق أن اقضي معه الساعة الأخيرة

هو انا ……………… اتذكر كل الاشياء واسترجعها بنفسى




خليجية



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.