كنت ذات مرة في أحد الأسواق الشعبية
أتجول بين دكَاكِينِهَا
وأقتني من بضائعها
أخرج من متجر وأدخل في آخر
ولم أشعر بنفسي إلا وقد
زاد الحِملُ علي
فتلفت أبحث عن حمَّال يحمل عني بضائعي
وإذ بي أجد رجلا قد وضع فوق ظهره زِِِنْبِيلاً يحمل فيه بضائع الناس
فدفعت إليه بضائعي
وسار يمشي خلفي قاصدا سيارتي
وفي هذه الأثناء وإذ بي أسمع صوتا يسري من بين أضلعي
ويقول لي أنظر إلى هذا الحمَّال
قلت : يانفسُ ويحك ! أتسخرين من هذا الرجل
إنه رجل مسكين قد قادته فاقته إلى ماترين !!
فترفعي يانفس عن الاستخفاف بخلق الله
لاتبدلي نِعمة الله كفرا
فيحلُ الله بك سخطه
ويحجب عنك نِعَمَه
قالت نفسي : ماأعجلك عليَّ ياصاحبي
لم أرد أن استخف بهذا الرجل
ولكني أردت أن أذكر نفسي وأذَكِرُكَ فالطف بي ياصاحبي
قلت : تذكريني !!
قالت نفسي : ألا يذكرك حمل البضائع بأقوام يأتون يوم القيامة يحملون أوزارهم على ظهورهم
قلت : بلى والله
كيف لاأذكر هذا وأنا أقرأ قول الله عز وجل
( قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتةً قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون ) الأنعام 31 .
قالت نفسي : أرأيت إلى مهنة هذا الرجل
أيرضاها أحدنا لنفسه أو ولده أو خاصته ؟
ألا ترانا ياصاحبي نجتهد في تقلد أعلى المناصب
وتحقيق أعلى المراتب
لماذا نرتضي لأنفسنا أن يصبح الواحد منا حمَّالا يوم القيامة
يحمل أوزاره على ظهره
في يوم شديد حره
عظيم كربه
عندها شعرت بمرارة تسري في حلقي
واغرورقت عيناي بالدموع
وانكسر قلبي بين يدي خالقي
امتزج الخوف بالرجاء
وتاقت تفسي إلى عفو ربي
قلت : يانفسُ كيف الخلاص ؟
قالت نفسي : اسمع إلى ماجاء عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا قَامَ لِلْصَلَاةِ أُتِيَ بِذُنُوبِهِ كُلّهَا فَوُضِعَتْ عَلَى عَاتِقَيْهِ, فَكُلَّمَا رَكَعَ أَوْ سَجَدَ تَسَاقَطَتْ عَنْهُ". صحه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (3 / 387)
قلت : يانفسي إن ذنوبي كثيرة .. فكيف النجاة ؟
قالت نفسي : وإن كانت مثل زبد البحر
أرأيت إلى عِظَمَ هذا الزبد
قلت : أو يغفر الله لي مثل هذا !!!
قالت نفسي : اسمع إلى ماجاء عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم ( من قال سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر ) متفق عليه .
ثم أردفت قائلة : ياصاحبي
(وَأَقِمْ الصَّلَاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ الَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) هود 114
ولازالت بي نفسي تدفعني إلى الحق دفعا
حتى وصلت سيارتي
ودفعت للحمَّال أجرته
وزدتُ له فيها
وتوجهت إلى بيتي وقد تاقت نفسي إلى ركعتين أركعهما بين يدي مولاي
فلما همت أن أشرع في صلاتي
قالت نفسي : أي صاحبي .. تخيل ذنوبك قد جِِيء بها إليك وضعت فوق عاتقيك
تخيلها وهي تتساقط عنك كلما ركعتَ أو سجدتْ
فشعرتُ بقشعريرة تسري في جسدي
شعرت بالسكينة تملأ نفسي
قلت يانفسُ : طهرك الله وطيبك كما طيبتني
وقمتُ بين يدي مولاي أنشدُ راحتي وأنسي
لعل الله يقبلني ويؤيني إليه
إن ربي غفور رحيم