زارتني صبيّة صغيرة في السن جميلة ينتابها حزن شديد وقلق وحيرة، سألتها: خير.. ما الذي يُقلقك؟ قالت: أريدك أن تُساعديني فأنا في حيرة من أمري…لا أعرف كيف أتصرف ولا إلى من ألجأ؟ قلت لها: حدّثيني بصراحة وسأحاول أن أساعدك بما أستطيع. قالت أنا فتاة عمري عشرون عامًا لم أُكمل تعليمي وكغيري من الفتيات أتمنى أن يكون لي زوج يُسعدني وبيت يكون مملكتي.
تعرفت على شاب يكبرني بعشرين عامًا عن طريق الهاتف الخليوي واستمرت بيننا المحادثات وتطورت حتى شعرت أني متعلقة به إلى حد كبير ولا أستطيع الاستغناء عنه ولو للحظة.ورادني شعور أيضًا أنّه كذلك يبادلني نفس الحب والتعلّق وطلب مني أن نلتقي..!! لكني كنت مرتابة من هذا الأمر فرفضت ثمّ بدأ يكرّر ويلح عليّ بالخروج من البيت ولقائه في مكان ما ليتعرف عليّ أكثر.
فطلبت منه أن يثبت لي حبّه وتعلّقه بأن يتقدم لخطبتي وعندها نستطيع أن نتعرف على بعض أكثر وعن قرب وأمام عيون الأهل والنّاس… لكنّه رفض وادّعى أنّ موضوع الخطبة سابق لأوانه وخيرني إمّا أن أخرج وألتقي به خارج حدود البيت والأهل وإمّا أنّه سيقطع علاقته بي.
أُصبت بالذهول من ردّة فعله وراودني خوف شديد من تهديده وأنّه سيقطع علاقته معي لأنّني أشعر وبصدق أنّني أحبّه ولا أستطيع أن أستغني عنه.
نظرت إليّ والدموع تذرف من عينيها وتقول لي ساعديني ماذا أفعل؟
قلت لها: اهدئي واسمعيني جيدًا. إنّ هذه العلاقة التي بينكما محرّمة ولا يرضى بها الله ولن يرضى عنها الأهل بالتأكيد لو اكتشفوا هذا الأمر.
قالت: نعم.
قلت لها: لا يهمّني الآن كيف بدأت علاقتكما والحديث معًا يوميًا بالهاتف الخليوي… لكن الحمد لله أنّ الله حفظك حتى الآن ولم تقعي بمصيبة أكبر من هذه وهي الخروج معه ولقائه… لأنّه وفي مثل هذه الحالة لا يعلم سوء العاقبة إلا الله.
أولاً: احمدي الله أنّه حفظك من الوقوع في خطيئة أعظم من الحديث بالهاتف والخلوة مع هذا الغريب.
ثانيًا: كوني على ثقة أنّ هذا الشاب يُضلّك ويغويك ولا يبغي من وراء علاقته معك إلاّ الّقاء بك وإشباع نفسه ثمّ الدوس على شرفك تاركًا إيّاك تتجرعين مرارة الخطيئة العمر كلّه منطلقّا للصيد مرة أخرى…وما أكثر هذه الفئة من الشباب في مجتمعنا ولأسف… فاحذري.
ثالثًا: أظن أنّه وربما من حيث لا يدري نبهك إلى أنّه شاب لعّوب لا ينوي الخطبة والستر بل التسليّة واللهو وربّما يقطع الحديث معك ليُصله بغيرك وهكذا.
فكيف لك أيّتها الفتاة الطيبة أن تنطلي عليك خدعة ويغريك حديثه ويعمي عينيك وقلبك وضميرك شغف القاء به…
إصحي واستيقظي من غفلتك وإيّاك أن تستمري في هذه العلاقة أو غيرها فهي من العلاقات المحرّمة التي لن تجلب لك إلاّ الدمار والهلاك… واعلمي حفظك الله أنّ الفتاة كالزجاج جميلة ناعمة الملمس شفافة إلاّ أنّها سرعان ما تنكسر إذا لم تتوخّ الحذر… وإذا ما انكسرت يستحيل إصلاح الخدش أو تجبير الكسر… فاحذري.
الآن فورًا وأنت امامي تخلّصي من رقمه وتخلّصي من الشريحة الخاصة بهاتفك حتى لا يستطيع الاتصال بك ثانيةً كي لا تتركي سبيل للشيطان لإرضاخك وإضعافك… واستغفري الله وتوبي إليه وادعيه أن يستر عليك في الدنيا وأن يُيسّر لك شابًا خلوقًا طيبًا صاحب دين يخاف الله فيك ويحبّك وتحبّينه ويعفّك وتعفّينه…
بكت… وقالت لي لكنّني أشعر أنّني أحبّه دليني على طرق أتخلّص فيها من حُبّه.
قلت لها: عليك بالوضوء وصلاة الحاجة واطلبي من الله أن يمحو حبّه من قلبك لأنّه لا يستحقّه…
خرجت الفتاة من عندي بعدما وعدتني بالتخلّص من رقمه وشريحة الهاتف ونسيانه والاستعانة بالله.
دعوت الله لها ولكل بنات المسلمين وعيوني تدمع على هؤلاء الأبكار الواتي يستغل شفافيّتهنّ ورقتهنّ وعاطفتهنّ ذئاب البشر…
…بعد مرور شهرين وإذ بهذه الفتاة تدخل مرّة أخرى وهي مبتسمة قائلة: أتذكريني. قلت لها وكيف أنساك. قالت:أتيت لشكرك… أنت أنقذتيني من الانجرار إلى الهاوية والحمد لله تخلّصت منه وبعد أيام رزقني الله بشاب صاحب خلق ودين… خطبني وأنا في غاية السعادة والحب وأستعدّ للزواج.
قلت لها: الفضل لله والشكر لله والحمد لله.
وأنت حبيبتي يا من تسيرين في هذا الدرب ألا تعتبرين فالعمر قصير والذنب كبير والرّبّ قدير.