التصنيفات
منتدى اسلامي

يوم يفر المرء من أخيه

يوم يفر المرء من أخيه

إن من المثبت كتابا وسنة أن الناس يوم القيامة يتعارفون ، قال الله تعالى { ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم } قال ابن كثير رحمه الله تعالى : أي : يعرف الأبناء الآباء ، والقرابات بعضهم بعضا ، كما كانوا في الدنيا ، ولكن كل مشغول بنفسه .
وقال جل وعلا { يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق } ومما قيل في تفسير يوم التلاق : يلتقي فيه الظالم والمظلوم ، قاله ميمون بن مهران . ومما لا ريب فيه أن المظلوم يعرف ظالمه . وقد جاء في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم : ما تعدون المفلس فيكم .
قلت : وهذا دليل على التعارف ، وآياتنا نص في ذلك ، ولكن الملفت للنظر ليس تعرف الابن على أبيه ، وأخيه ، وأمه ، وبنيه ، وصاحبته ، ولكن التعبير بقوله ( يفر ) يرسم في ذهن المؤمن صورة رهيبة من الرعب ، امتلأ به قلب المرء ، حين أبصر أخاه ، ولقي أباه ، وقابلته أمه ، نظر إليه ابنه ، كأنه رأى شيئا مخيفا فر منه ، قال ابن كثير : يراهم ، ويفر منهم ، ويبتعد عنهم ؛ لأن الهول عظيم ، والخطب جليل . اه .
وما عرفنا الفرار في القرآن إلا من الشيء المخوف منه ، كما قال جل ذكره { كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة } وقال سبحانه { قل إن الموت الذي تفرون منه } وقال جل وعلا { قل لن ينفعكم الفرار إن فرتم من الموت أو القتل } وقال تقدس اسمه { ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا } وغير ذلك من الآيات ، تشهد بأن الفرار إنما يكون من شيء يخاف منه المرء ، مخافة أن يضره ، أو يفتك به !
فما باله يفر من أحب الناس إليه ؟
ما هو الشيء الذي أخافه من أخيه ، وأمه وأبيه ، وصاحبته وبنيه ؟
أليسوا هم الأحباب ؟
أليسوا هم الذين كانوا يفتدونه بأنفسهم ، وبأغلى ما يملكون ؟
أليسوا هم الذين كان يفتديهم بروحه وبأغلى ما يملك ؟
فعلام الخوف منهم ؟ علام الفرار ؟
قد نفهم ذهول المرضعة عن رضيعها !
قد نفهم وضع ذات الحمل لحملها !
ولكن الأمر هنا يعطينا صورة شديدة الرعب ، تصور المرء مفزوعا ، مرعوبا ، خائفا من أعز الناس ، من أقرب الناس ، كانوا ! لدرجة الفرار ، فيطلق لساقه العنان كي تفر من محبيه !!!
آآآآآآآآآآه ، إذا فر المرء من الحبيب ، ومن المحب !!! فما عساه يفعل مع العدو ، مع المبغض ، مع من ظلم ، مع صاحب الحق عليه ، مع من هتك عرضه ، أو سفك دمه ، أو أكل ماله ، مع من شتمه ، مع من أساء إليه ؟؟؟؟؟ .
إن هذه الكلمة في هذه الآية تعبر عن مدى ضعف الإنسان ، لأنه لا بد أن يخطىء خاصة مع أعز الناس إليه . ومن هنا جاء الفرار منهم ، فلهم عليه حقوق لم يؤدها . وحان وقت الأداء .
وفي الكلمة تعبير آخر عن مدى انشغال المرء بنفسه كي يخلصها مما هي فيه ، ويضمن سلامتها ، حتى وإن هلك كل الأقربين ، وأعز المحبين ، الأمر : نفسي نفسي ، لا أسألك اليوم إلا نفسي .
وفيها أيضا توضيح العلاقة الصحيحة ، التي يجب أن يبني المرء علاقاته بالآخرين على نسقها ، وفي مبادئها ، { فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ } { قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح } فالأواصر الدنيوية ، مهما كانت عميقة ، إلا أنها تتناثر في أدنى امتحان ، فما بالك ب { يوم يقوم الناس لرب العالمين } ومن هنا جاء التقرير الرباني الحق { الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين } فالخلة الحقة هي خلة التقوى ، والرابطة الصدق هي رابطة الدين { إنما المؤمنون إخوة } وأما النسب والصهر ، والصداقة الدنيوية فقد تكون وبالا على أصحابها ، وقد تكون في الحقيقة عداوة لا حبا ، ولا خلة ، ولا صداقة { إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم } ومن لم يحذرهم في الدنيا حتما سيفر منهم في الآخرة .
وليس للمرء ليتقي شر ذلك اليوم إلا بالفرار ، نعم ، الفرار أيضا ، ولكنه فرار في الدنيا إلى المولى الرحيم ، والبر الكريم ، بتوبة نصوح ، وعمل صالح ، وإيمان صادق ، من فر إليه في هذه الدنيا ، سيناله من الطمأنينة والسكينة يوم يفر كل حبيب عن حبيبه ، ويتبرأ كل صديق من صديقه ، ويتهم كل خليل خليله ! { فروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين } .




مشكوره ياعسل



شكرلكم



جزاك الله خيراً أختي

وجعل الله ما قدمتي في ميزان حسناتك




شكرلكم



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.