لماذا يسخر بعض الآباء والمعلمين في بلادنا من الأطفال حينما يرسمون، ويحطمون همتهم ويصرفونهم عن هذا النشاط التربوي الفني بدعوى أنه مضيعة لوقتهم الذي يحتاجون إليه في الحساب واللغة العربية والمواد التقليدية الأخرى؟
لماذا تزجر الأم ابنتها حينما تغني أو ترسم؟ ولماذا نضع رصيداً من الدرجات للتلميذ في المدرسة إذا تفوق في الرياضيات أو العلوم وغيرها، ولا نمنحه رصيداً مقابلاً لو ظهرت موهبته في الموسيقى أو الرسم أو الرقص أو التمثيل أو الغناء؟
إنه افتراء على الطبيعة البشرية حينما يعترف معلمون وآباء بجوانب معينة من مهارات الإنسان ولا يحترمون الجوانب الأخرى، وعلى ذلك تنتهي عادة بإنسان يقف على قدم واحد بدلا من قدمين.
ما فائدة النمو العقلي بلا نمو مصاحب في الوجدان والإحساس الفني والجمالي؟ وما جدوى التخصص الضيق إذا لم تسنده ثقافة عريضة وجدان ينعشه ويقويه؟ إن كثيراً من أوجه النشاط التي تظهر حية متأجة في الصغر تمثل مدخرات هامة في حياة الأمة يعول عليها عند نضج هذه النزعات وتبلورها حين يكبر أصحابها ويتميزون بها.
إن الفنانين على اختلاف تخصصاتهم رسل للثقافة والقيم الإنسانية ينتقلون بها من معاقلهم ومساقط رؤوسهم إلى دول العالم.
إن الرسم والغناء والرقص والموسيقى والتمثيل كلها جوانب مرتبطة بالوجدان، والإنسان لديه إحساس ومشاعر قبل كل شيء.
إن البيئة التي تخرج فناناً واحداً مرموقاً يغزو إنتاجه وجدان جماهير متعددة في شعوب متنائية متنافرة لهو أقوى أثراً من انتصار كتيبة جند في معركة لأن تأثيره مستمر في السلم والحرب، ويسري في نبض الناس برغم كل الاختلافات السطحية العابرة، والشعب الذي ليس لديه فنون تعبر عن وجدانه يرزح تحت مفهوم التخلف، وما فائدة أن يكون للشعب ماضٍ فني عريق ولا يكون له حاضر مرموق؟.
مشكورة حبيبتي