التصنيفات
منوعات

الشوق ينهش في الفؤاد !


الشوق..ينهش في الفؤاد..!

الكاتب: محمد الحضيف – يوم: 17 أغسطس, 2022

كان الجيل الأول من هذه الأمة عجيبا. بشرٌ هم، لكنهم تساموا بأخلاق مذهلة فوق البشر، وخطوا سيرة من أعظم السير. الخلاف الذي صار بين الإمام علي، وأمير المؤمنين معاوية ابن أبي سفيان، خاض فيه كثيرون.. فضل من ضل، ونجا من نجا. ما لفت نظري في هذه القصة، التي قرأتها أكثر من مرة..و(بكيت) مع أبطالها عددُ ذلك، أنها قصة تكذب الذين (يتسولون) من مواقف الكبار، مكانا لهم في التاريخ.
لم يكن معاوية مجبرا أن يسمع في مجلس حكمه، مديحا وثناء على (خصمه) السياسي، وكان يسع ضرارا أن يورٍي، ولا يفصح عن مشاعره الحقيقية، في حق رجل صحبه وأحبه.. في مجلس خصمه، الذي قد يؤذيه..! لكنها أخلاق الرجال الكبار.
رضي الله عن العملاق الكبير الإمام علي.. الذي كلما أبصرت واقع حكام العرب الآن، وشعرت بالذل والمرارة.. تذكرته، وهطل على ذاكرتي مثل الغيث.. خياله، و خيال سيدي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. مثالان جميلان، للقوة، والعدل، والكرامة، في زمن القبح، والتبعية، والاستخذاء.

رضي الله عن أمير المؤمنين معاوية، الحاكم العربي المسلم الداهية، الذي صنع تاريخا مجيدا، وكان مثالا للحكمة والدهاء والسياسة.. فبنى أمة، وأس دولة كانت منطلقا لحضارة، مازالت البشرية.. في بعض طرقاتها المظلمة، تتلمس سناها الأول. رحم الله ضرارا الكناني، الذي كان شجاعا في الحق.. شجاعا في الحب.

في الأيام الماضية، والشهر الكريم، شهر الحب، والأخلاق، والتسامح.. يقترب، تلمست قبسا، يخرجني من (نفق)..أدفع فيه. كان ثمة (جدب) يقتلني، وغمامات سوداء موحشة، فيها (رعد) و(برق)، وخوف.. تظل سمائي، وأصوات تقاتل وقتال ضارٍ، تملؤ سمعي.. فعدت إلى هذه القصة :

طلب معاوية بن أبي سفيان، من ضرار بن ضَمُرة الكناني، أن يصف له علي ابن أبي طالب.. وكان من أصحابه. فقال : أعفني يا أمير المؤمنين.. مخافة الخصومة السياسية بينهما..رضي الله عنهم جميعا. قال معاوية : لا.. لتصَفنًه.

قال ضرار :” أما إذا ولا بد، فقد كان والله بعيد المدى، شديد القوى. يقول فصلا، ويحكم عدلا. يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه. يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس باليل وظلمته.

كان والله غزير الدمعة، كثير الفكرة.. يقلب كفه ويخاطب نفسه. يعجبه من الباس ما خشن، ومن الطعام ما جشب. كان فينا كأحدنا.. يجيبنا إذا سألناه، ويبتدئنا إذا جئناه، ويأتينا إذا دعوناه.. ونحن والله مع قربه منا، ودنوه إلينا، لا نكلمه هيبة له، ولا نبتديه لعظمته، ويتبسم..عن مثل الؤلؤ المنظوم.

يعظم أهل الدين، ويحب المساكين. لا يطمع القوي منه في باطل، ولا يأس الضعيف من عدله. أشهد بالله لقد رأيته مرة، وقد أرخى اليل سدوله، وغارت نجومه..وقد مثل قائما في محرابه، قابضا على لحيته. يتململ تململ المحموم، ويبكي بكاء الحزين.. وكأني أسمعه الآن وهو يقول :

” يا دنيا غري غيري. ألي تعرضت.. أم إلي تشوفت..؟ هيهات..هيهات، قد أبنتك ثلاثا..لا رجعة لي فيك، فعمرك قصير، وعيشك حقير، وخطرك كبير. آه ثم آه من قلة الزاد، وبعد السفر، وحشة الطريق”..
وهنا ذرفت دموع معاوية، حتى بلت لحيته، وصارت تنحدر فما يملكها..وهو ينشفها بكم ثوبه.. واختنق القوم بالبكاء..فارتفع نشيجهم، فقال معاوية : رحم الله أبا الحسن، كان والله كذلك. فكيف حزنك عليه يا ضرار..؟

قال ضرار : حزن من ذبح ولدها في حجرها.. فلا ترقأ لها عبرة، ولا يسكن لها حزن.
وأنا والله حزني عليك يا أمير المؤمنين علي.. وعلى (أوجاع) أخرى، مثل ذلك. فرضي الله عنك وأرضاك.. الشجى يبعث الشجى ياسيدي..

رحمهم الله جميعا..

اللهم لا تفتنا بعدهم، واجمعنا بهم، مع أحبابنا الذين سبقوا.. فإن الشوق ينهش في الفؤاد..!

$$$$$$$$$$$$$$$$$




موضوع مثير
مشكوره



اللهم لا تفتنا بعدهم، واجمعنا بهم، مع أحبابنا الذين سبقونا فإن الشوق ينهش في الفؤاد..!
جزاك الله الف خير والله يعطيك العافيه ولا يحرمنا من مواضيعك المفيده
تقبلي مروري يالغلا



بارك الله فيك



خليجية



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.