محمد صالح المنجد
عناصر الخطبة:
1. أهمية صلة الرحم، ومن هم الأرحام؟
2. حصول بعض الشرور من الأقارب.
3. هديه صلى الله عليه وسلم في مراقبة أهله.
4. عدم حضور حفلات المنكرات.
5. كيفية مقاومة الفساد في الأسر.
6. التزاور بين الأقارب.
7. خطورة التدخل بين الأقارب بالإفساد.
8. تعاون الأسر على الخير.
************
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
أهمية صلة الرحم، ومن هم الأرحام؟
فإن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه العزيز:(وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ)(سورة النساء:1)، وقال عز وجل: (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ)(سورة الرعد:21)، وأما الذين يقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض فأولئك لهم اللعنة، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم صلة الرحم من علامات الإيمان، فقال: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه))[1]، والأرحام من جهة الآباء والأمهات وإن علو، وأولاد الأولاد وإن نزلوا، ثم الإخوة والأخوات، ثم بنو الإخوة وبنات الإخوة، ثم الأعمام والعمات وهكذا، ويدخل في الرحم أخوال الأم، وخالاتها، وعماتها، وأعمامها، وأخوال الأب، وخالاته، وأعمامه، وعماته، وبما أن الرحم قد يكونون كثيرين فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله يوصيكم بأمهاتكم، إن الله يوصيكم بأمهاتكم، إن الله يوصيكم بأمهاتكم، إن الله يوصيكم بآبائكم، إن الله يوصيكم بالأقرب فالأقرب))[2]، وقد جعل العلماء الصلة ممتدة إلى الطبقة الرابعة من النسب، وأن كل هؤلاء يعتبرون رحماً.
حصول بعض الشرور من الأقارب
وبعض الأرحام قد يأتي منه شر، وإن انتشار الفساد في العالم؛ يطال القريب والبعيد، وبعض الأسر مخترقة بهذا الفساد الذي ضرب أطنابه في كل مكان، والإنسان يتأذى في كثير من الأحيان من بعض أقاربه في الشر، ويتعلم أبناؤه، أو بناته من الألفاظ البذيئة، أو العادات السيئة كالتدخين، أو التمرد على الأبوين وربما تصل القضية إلى العلاقات المحرمة والفواحش، فعلى الإنسان أن يحمي نفسه، والخطر في الأرحام أكثر؛ لأنهم يدخلون ويخرجون بحجة القرابة، وهي حجة قوية جداً، ولكن المسلم له انتباهه وفطنته، وتبقى له غيرته، وأشرف الناس، وأعلاهم قدراً وهمة؛ أشدهم غيرة على نفسه، وخاصته، وعموم الناس، ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان أغير الخلق على الأمة، والله أشد غيرة منه عز وجل.
وقد تشتد الغيرة فتحمل على إيقاع العقوبة من غير إعذار، ومن غير قبول العذر، وقد تضعف فلا يتحرك الإنسان لشيء، والممدوح هو اقتران الغيرة بالعذر، فيغار في محل الغيرة، ويعذر في موضع العذر، ومن كان هكذا فهو الممدوح حقاً.
هديه صلى الله عليه وسلم في مراقبة أهله
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم كان يراقب أحوال أهله، ومن معلوم أن غير أولي الإربة من الرجال، أي: الذين لا شهوة عندهم لفقدان عقل، أو كبر سن مفرط، أو لشيء في الخلقة كالذي بين الذكر والأنثى، وهو الذي يسمى عند أهل العلم بالخُنثى يجوز لهم أن تضع النساء عندهم الثياب، أي: الحجاب المعتاد، وتبقى متسترة ببقية ثيابها، ولكن إذا صار منهم شر فلابد من إخراجهم، فقد روى مسلم رحمه الله عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث فكانوا يعدونه من غير أولي الإربة، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم يوماً وهو عند بعض نسائه، وهو ينعت امرأة" أي: هذا الشخص، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألا أرى هذا يعرف ما هاهنا لا يدخلن عليكن))، قالت: فحجبوه"[3]، فلما ظهرت الريبة منع، ولو كان من غير أولي الإربة؛ لأنه لا يؤمن أن ينقل وصف النساء في المجالس.
عدم حضور حفلات المنكرات
فالغيرة هي الحمية، والحماسة التي تجعل الإنسان يغار على نسائه، وعلى أهله، ولولا هذه الغيرة لكان الفساد يعم كل مكان، ولكن بقيتها في نفوس العباد هي التي يدفع الله بها كثيراً من الشرور.
وهي التي تجعل الإنسان اليوم سواء كان زوجاً، أو أباً، أو أخاً يغار فلا يمكِّن محارمه، ولا يمكِّن الزوج زوجته من إتيان حفلات المنكرات، التي فيها أنواع التعري في الملابس، والتصوير، والاختلاط، ونحو ذلك؛ لأنه من الحرص على الأهل انطلاقاً من قوله تعالى: (قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ)(سورة التحريم:6).
وهي التي تجعل الإنسان يحول بين غشيان نساء أهل بيته وهذه الحفلات، ولو كانت لأقارب وما أكثرها، -والصيف قادم-، فإن الشر إذا صار في هذه الحفلات، فإنه لابد من الامتناع عن إتيانها، ومنع الأهل لما يحدث فيها من الفساد، والمسلم مطالب بأن يكون له موقف في المنكر، وإذا دُعي إلى مكان فيه منكر فإن عليه أن يأتيه لإنكاره، فإذا كان لا يمنع، ولا فائدة من حضوره، ولا من إنكاره؛ فإنه لا يجوز له أن يأتيه كما قال العلماء.
كيفية مقاومة الفساد في الأسر
وينبغي لمقاومة الشر والفساد الذي يحدث في بعض الأسر والعوائل؛ من الاهتمام بإصلاح ذات البين، والعمل على إصلاح الأوضاع الداخلية للعائلة، والأسرة بفروعها، واختيار الفرصة المناسبة للتذكير، واغتنام اجتماع الأقارب في آخر الأسبوع، أو آخر الشهر، أو في الإجازات لأجل هذا، وأن تطرح الموضوعات الشرعية التي فيها موعظة، وفيها علم، وفيها تبصير بالواقع على ضوء الشريعة.
إن ضرب الأمثلة، والقصص، وإيراد الفتاوى، وفتح الحوارات، واختيار المكان، والزمان، والموضوع، والأسلوب؛ مهم جداً في هذا الحال الذي نعيش فيه؛ لأن القضية ليست أن تفر فقط بأهلك منهم، وإنما أن تصلح، وتسعى في إدخال هذا الصلاح في أحوالهم؛ لأن من أعظم صلة الرحم أن تدعوهم إلى الله، فإن الله تعالى قال: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ)(سورة الشعراء:214)، فلنفكر على مستوى العائلة، وعلى مستوى الأسرة، وعلى مستوى هذه الجماعة التي ننتمي إليها نسبياً، من الذي يقصر في الصلاة منهم، ومن الذي ينتهك حدود الله، سواء كانوا صغاراً أم كباراً، شباباً أو شيوخاً، ذكوراً أو إناثاً، وما هو الموقف تجاههم، وكيف نقوم بدعوتهم.
إن إنذار العشيرة الأقربين أمر في غاية الأهمية، وإن إقامة حلق العلم، وأن يرد في هذه المجتمعات من أهل الدعوة إلى الله، وطلبة العلم، أو من هو في الأسرة عنده شيء من الإلمام والمشاركة في أعمال الدعوة، والعلم؛ ليقدم ما يمكن أن يقدمه في هذا، مع مشاركة الآخرين في نقاشات مفيدة، هو أمر في غاية الأهمية، ولهذا كانت بعض الأسر سباقة في إقامة البرامج العلمية، والمسابقات المفيدة، والكلمات الطيبة، والحماية من الداخل، والإتيان بالخير من الخارج، وقد قال عليه الصلاة والسلام مذكراً: ((إن آل أبي فلان ليسوا بأوليائي إنما ولي الله وصالح المؤمنين، ولكن لهم رحم أبلها ببلالها))[4]، أي: أصلها بصلتها، فيبقى لهم قرابة، وإن لم يكن لهم صلاح، ودين، وتبقى هذه الصلة، وهذه الشعرة علَّ الله أن يهديهم يوماً.
والولاية بين المؤمنين هي بين الصالحين، قال تعالى: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ) (سورة التوبة:24)، ولا يمكن للمؤمن أبداً أن يقدم العشيره، أو الأبناء، أو الإخوان، أو الآباء، أو الزوجات على محبة الله ورسوله مهما كانت الشفقة، والقرابة، فإن دين الله أولى.
عباد الله:
التزاور بين الأقارب
عندما يكون هنالك تزاور بين الأقارب انطلاقاً من صلة الرحم؛ فإن هذه الزيارات ينبغي أن تضبط بضوابط الشرع، وعندما نمنع الاختلاط المحرم، وجلسات الغيبة، وأنواع المعصية، أو الاجتماع على الشاشات التي فيها منكرات كما يحدث في كثير من الأحيان، يجتمع الأقارب فلا يتكلمون، ولا يتخاطبون، ولا يتبادلون الأخبار، ولا يفتحون المواضيع المفيدة، وإنما يعكفون على هذه الشاشات التي أشغلت مجالس الناس عن الكلام المفيد، وعن معرفة أخبارهم، وعن التداخل النفسي المطلوب، وعن فائدة الزيارة، وفائدة صلة الرحم، وفائدة الأخوة في الله، بل أشغلتهم حتى أحياناً عن إقام الصلاة، وعن كثير من الخير، ولذلك فإن المقصود من الزيارة، والصلة، والجلوس هو الانتفاع، وتمتين العلاقة، وليست رؤية البرامج، والأخبار التي يمكن رؤيتها في أي مكان آخر، أو أخذها من أي مصدر آخر.
إن وقت الزيارة ينبغي أن يُظنَّ به عن أن يصرف، أو يذهب في مثل هذا، وإن الانطلاق من المسئولية التي سيسألنا الله يوم القيامة عنها، ((كلكم راع وكل مسئول عن رعيته))[5]؛ هو الذي يدفع المسلم لهذا الاهتمام، إن الله سائل كل راع عما استرعاه، أحفظ ذلك أم ضيع، قال العلماء: الراعي هو الحافظ، المؤتمن، الملتزم صلاح ما قام عليه، أنت رب أسرة إذن أنت عليك التزامات، وأنت مسئول، وأنت مؤتمن على ما تحت نظرك، وعلى ما قمت عليه، وعلى ما توليته، ومطالب بالعدل فيه، وبالقيام بمصالحه دينياً ودنيوياً، وهذا يدل على أهمية التغذية الشرعية الدينية لأولادك، ولأهلك، ولأقاربك، فأنت مصدر خير، فأنت تنقل الفتاوى بدقة، وأنت تعظ، وتذكر، وتعلق على الأحداث، وتأمر بالخير، وتنهى عن الشر، إن هذا التحصين الذي يجعل الولد لو دخل إلى أفراد من العائلة وعندهم منكر أن يهرب منه، وأن يحذر، وأن يقول هذا حرام، وأن يقول اتقوا الله.
رأى شخص ولده قد أتلف علبة السجائر، فقدم له جائزة إنكار المنكر تشجيعاً له على ما فعل، فهذه من البوادر التي تبدر من بعض الأطفال لسلامة فطرتهم، فالولد إذا عُلم شيئاً مشى بموجبه، ومثل هذا لابد من تشجيعه؛ لأننا نريد أن تغرس البذر الطيبة، وأن تُرعى، وأن تنبت، وأن تعتدل وتستوي قائمة على أصولها، وعندما يشغل الناس بالطاعة عن المعصية؛ نكون قد ربحنا من جهتين.
وقد يغشى الإنسان مجلس قوم من أقاربه، وهو يستمعون، أو يرون منكراً، فيفتتح لهم حديثاً شيقاً، ويصرفهم عن ما هم عليه من سماع، أو رؤية المنكر بأسلوب حكيم، وطريقة جذابة، يحمدون معها هذا الطرح، وهذا الأسلوب، ويودون أن يكمل كلامه وأن لا يسكت.
خطورة التدخل بين الأقارب بالإفساد
وهناك أنواع من التدخلات السيئة التي تحدث من الأقارب، وربما تؤدي إلى الإفساد، وهذا من أنواع المحرمات التي تكون في العوائل والأسر، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من خبب امرأة على زوجها[6]، أي: أفسد العلاقة بينهما، وربما قالت أو قال لها: لا ترضي بهذا، أو هذا زوج مقصر، وطالبيه بكذا، ويؤجج نفسية الزوجة، وربما يزهد الزوج في زوجته، وهذا التدخلات السلبية التي ربما يكون عاقبتها الطلاق، ونحو ذلك من إساءة العلاقة، وانتهائها إلى طريق مسدود، فالشر الذي يأتي من الأقارب يكون من جهة إفساد العلاقات الزوجية أيضاً، وكذلك يجب أن يعمل الإنسان على تقوية العلاقات بين الأبناء وآبائهم بما يقدم من النصائح، وإن نصيحة يتلقاها ولدك من قريبك ينصحه فيها بطاعة أبيه، وحق أبيه، ونحو ذلك سيكون لها أثر عليه، خصوصاً أن المصدر كان من غيرك، وهذا يقوي ما تدعو إليه أنت، وإذا اجتمعت الأمور على الخير، والمصادر عليه أدت المفعول الطيب.
عباد الله:
لقد عانى النبي صلى الله عليه وسلم من سوء بعض أقاربه، فأبو لهب عمه أخو أبيه لم يسلم من شره، ولما جمعهم عليه الصلاة والسلام، ونادى في بطون قريش يا بني فلان، يا بني فلان، ((يا صباحاه))[7]، وهي كلمة إنذار للحرب عند العرب، فلما اجتمعوا، رقى سفح الجبل، وقال: ((أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي)) قالوا: نعم ما جربنا عليك إلا صدقاً، قال: ((فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد))، فقام أبو لهب، وهو أول من اعترض على الدعوة وقال:" تباً لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا، فنزلت: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ)(المسد:1)[8].
يقول ربيعة بن عباد الديلي: "إني لمع أبي رجل شاب أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبع القبائل، ووراءه رجل أحول وضيئ ذو جُمة- شعر-، يقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على القبيلة ويقول: ((يا بني فلان، إني رسول الله إليكم آمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وأن تصدقوني حتى أنفذ عن الله ما بعثني به)) فإذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من مقالته، قال الآخر من خلفه: يا بني فلان إن هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى، وحلفائكم من الحي، إلى ما جاء به من البدعة، والضلالة، فلا تسمعوا له، ولا تتبعوه، فقلت لأبي: من هذا؟ قال: عمه أبو لهب.[9] فالرسول عليه الصلاة والسلام يدعو من هنا، وذاك يخذل ويثبط ويفسد من الجهة الأخرى، فقد يبتلى الإنسان فعلاً ببعض أقاربه، ويكون حجر عثرة في طريق الدعوة، حجر في الساقية لا يشرب، ويعيق الآخرين عن الشرب، وهكذا نزل فيه وفي زوجته أم جميل التي كانت تقول: مذماً عصينا، بدلاً من محمد، (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ)(المسد:5)، أي: في عنقها حبل من نار.
اللهم إنا نسألك أن تقينا شر أنفسنا، وأن تعيننا على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادك، وأن تجعلنا من القائمين بصلة أرحامنا، القائمين بحقك فيما بينهم يا سميع الدعاء.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا الله، وسبحان الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، أشهد أنه هو الحي القيوم، ذو الجلال والإكرام، خالق السموات والأرضين، المنعم المتفضل علينا بأنواع النعم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله رحمة للعالمين، بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، وداعياً إلى سبيله سبحانه، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك، ونبيك محمد، صاحب المقام المحمود، ولواء الحمد، والشافع المشفع يوم الدين، اللهم صل عليه، وعلى آله، وصحبه، وذريته الطيبين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله:
عمٌّ يصد عن سبيل الله ويحول بينه وبين دعوته، عدو كافر، وعم نصره وآمن به، وهاجر وجاهد معه، وقتل شهيداً وهو حمزة رضي الله عنه، وعم تأخر إسلامه، لكن أسلم، وكان يدافع عنه وهو العباس، وعم كان يدافع عنه لكن لم يدخل في دينه ومات على الكفر وهو أبو طالب، فهؤلاء أقارب تنوعوا في الأحوال، والإنسان يبتلى بأنواع من الأقارب، فمنهم من يكون من أعداء الدين، ومنهم من يكون من الدعاة العاملين، فسبحان الله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، والمسلم يستعين بأقاربه الطيبين على دعوة الآخرين، فيوجه هذه الطاقات، ويدفع بتلك الشخصيات، ويذكر بالواجبات، والمسئوليات، ويحتشد الجميع لمواجهة المنكرات على مستوى العائلة، وكأن هنالك عقد تعاقدوا عليه، وهذه العقود، والأحلاف الأسرية العائلية في مواجهة المنكرات تصلح أن تكتب اليوم، وأن يجتمع عقلاء الأسرة ليكتبوا لها دستوراً لآل فلان، فيه القيام بكذا وكذا، والامتناع عن كذا وكذا، ويوقعوا عليه، وأنواع العهود والعقود هذه محبذة شرعاً؛ لأن فيها عقد الهمة، ومزيد من التحفيز، وأن يكون فيها أيضاً تناصر، وتذكر، وإعانة على الحق.
تعاون الأسر على الخير
وأحياناً تقوم بعض الأسر والعوائل بعمل صندوق خيري للجوائح، والمصائب، والإقراض، والحاجة، أفلا يرفق ذلك بشيء من التعاقد على نصرة الشريعة، ومنع الفساد، والمنكرات على مستوى العائلة، فإن الابتلاء كبير، ويحتاج إلى تكاتف الجهود على مستوى العائلة، كي يكونوا قوامين بالقسط شهداء لله، ولما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً))[10]، فإن هذا على مستوى هذه الجماعة، والأسرة، والعائلة؛ أقوى.
والنبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو: ((أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي))[11]، فالعافية على مستوى الأهل هي التي تجعل الدين قوياً، وما يخدشه يذهب ويضمحل، (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ)(النساء:135)، ولنكن هكذا، وأن تتداعى الأسرة للتفكير في مشكلات أفرادها، وما الذي يجب أن يقوم فيها لأجل مواجهة الشرور الكثيرة، بدلاً من أن يُخطف فلان، وتُخطف فلانة، وهذا وقع في الرذيلة، وهذا في المخدرات، والسمعة تلطخت، ومحاضر الشرطة حافلة، وهذا في سجن، وهذا مضيع، وهذا في الخارج ما عاد يسأل عن أحد لا عن الإسلام، ولا عن المسلمين.
إن الوضع يحتاج فعلاً إلى لملمة، وإعادة تجميع هؤلاء على الحق، وصاحب اللواء المبادر؛ له أجر عظيم، وصاحب الفكرة، والذي يدعو إليها في أوساط الأقارب، لا شك أن له مثل أجر من اتبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيء، والمسألة تحتاج إلى تحمل، وصبر، وعندما يقوم الإنسان مع كرم أخلاق، وطيب شيم بهذا، فإنه يُسمع له ويُطاع؛ لأن له رصيد من التعامل الحسن الذي يجعل الانجذاب لفكرته قائماً.
يعاتبني في الدين قومي وإنما *** ديوني في أشياء تكسبهم حمدا
وإن الذي بيني وبين بني أبي *** وبين بني عمي لمختلف جدا
إذا أكلوا لحمي وفرت لحوهم *** وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا
وإن ضيعوا غيبي حفظت غيوبهم *** وإن هم هووا غيي هويت لهم رشدا
وليسوا إلى نصري سراعاً وإن هم *** دعوني إلى نصر أتيتهم شدا
ولا أحمل الحقد القديم عليهم *** وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا
لهم جُل مالي إن تتابع لي غنى *** وإن قل مالي لم أكلفهم رفدا
وقضية الحقد القديم مع الأسف الشديد تخرب علاقات أفسدت كثيراً، والمشكلة أن بعض الآباء يورثها للأبناء، ويقول: وكأنها وصية مودع، وفلان لا تكلموه، ولا أرضى أن تكلموه، ومن كلمه أنا ساخط عليه إلى يوم القيامة، ولا أسامحه في الحياة، ولا بعد الممات، وا عجباً أين صلة الرحم؟! أين الرحم المضيع؟!
عباد الله:
إنها والله مسؤوليات شرعية ينبغي القيام بها، وأمور فطرية أصلاً، فلو لم يجىء الشرع بها، لكان من الفطرة، ومن الطبع الجميل أن يقام بها.
اللهم إنا نسألك أن تهيأ لنا من أمرنا رشدا، أعنا على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادك، أصلح أحوالنا، وبيوتنا، ونياتنا، وذرياتنا، ربنا اجعلنا مقيمي الصلاة ومن ذرياتنا، ربنا وتقبل دعاء، ربنا اغفر لنا، ولوالدينا، وللمؤمنين يوم يقوم الحساب، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، اللهم هيئ لأمة محمد صلى الله عليه وسلم أمراً رشيداً يُعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، اللهم إنا نسألك الفرج العاجل لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم عجل فرج المسلمين، عجل فرج المسلمين، عجل فرج المسلمين يا رب العالمين، اللهم وانصر هذه الأمة على المشركين وعلى أعداء الدين، اللهم إنا نسألك التقى، والهدى، والعفاف، والغنى، نسألك توبة نصوحاً، اللهم إنا نسألك حسن الخاتمة.
إن الله يأمر بالعدل، والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء، والمنكر، والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
********************
[1] رواه البخاري (6138).
[2] رواه ابن ماجه (3661) وأحمد (16736). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1924).
[3] رواه مسلم (2181).
[4] رواه البخاري (5990) ومسلم (215).
[5] رواه البخاري (893) ومسلم (1829).
[6] رواه أبو داود (2175). وصححه الألباني في صحيح الجامع (5436).
[7] رواه الترمذي (3186). وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
[8] رواه البخاري (4770) ومسلم (208).
[9] رواه أحمد (15595).
[10] رواه البخاري (2443).
[11] رواه أبو داود (5074). وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (659)