التصنيفات
منوعات

نصرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 00للشيخ محمد المنجد حفظه الله

نصرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 00للشيخ محمد المنجد حفظه الله

نصرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

بيان بشأن تهجم الصحيفتين النرويجية والدنمركية على نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم

محمد صالح المنجد

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فإن من أعظم ما يفتخر به المسلم إيمانه ومحبته لرسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ، ومع أن المسلم يؤمن بالأنبياء جميعاً ـ عليهم الصلاة والسلام ـ، ولا يفرق بين أحد منهم؛ إلا أنه يعتبر النبي محمد ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ خاتمهم، وأفضلهم، وسيدهم، فهو الذي يُفتح به باب الجنة، وهو الطريق إلى هذه الأمة فلا يؤذن لأحد بدخول الجنة بعد بعثته؛ إلا أن يكون من المؤمنين به ـ عليه الصلاة والسلام ـ {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128]

ومما زادني شرفاً وتيهـــاً *** وكدت بأخمصي أطأ الثريـا

دخولي تحت قولك يا عبادي *** وأن صيّرت أحمد لي نبيــا

أيها المسلمون:

ترى ماذا نقول أمام ما نشرته صحيفة (جلاندز بوستن) الدانماركية يوم الثلاثاء 26/8/1426هـ (12) رسماً كاريكاتيرياً ساخر، بمن يا ترى؟! بأعظم رجل وطأت قدماه الثرى، بإمام النبيين، وقائد الغر المحجلين ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ.

صور آثمةٌ وقحةٌ وقاحة الكفر وأهله، أظهروا النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ في إحدى هذه الرسومات عليه عمامة تشبه قنبلة ملفوفة حول رأسه!! وكأنهم يريدون أن يقولوا إنه ـ مجرم حرب ـ {ألا ساء ما يزرون}.

ثم في هذه الأيام وفي يوم عيد الأضحى بالتحديد ـ إمعاناً في العداء ـ تأتي جريدة (ما جزينت) النرويجية لتنكأ الجراج وتشن الغارة من جديد، فتعيد نشر الرسوم ألوقحة التي نُشرت في المجلة الدنمركية قبل! {أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ}[ الذاريات53] [1]

بالله ماذا يبقى في الحياة من لذة يوم ينال من مقام محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم لا ينتصر له ولا يذاد عن حياضه. ماذا نقول تجاه هذا العداء السافر، والتهكم المكشوف.. هل نغمض أعيننا، ونصم آذاننا، ونطبق أفواهنا.. وفي القلب عرق ينبض. والذي كرم محمداً وأعلى مكانته لبطن الأرض أحب إلينا من ظاهرها إن عجزنا أن ننطق بالحق وندافع عن رسول الحق. ألا جفت أقلام وشُلت سواعد امتنعت عن تسطير أحرفٍ تذود بها عن حوضه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتدافع عن حرمته.

فإن أبي ووالده وعرضي *** لعرض محمد منكم فداء

مكانة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

أي عبارة تحيط ببعض نواحي تلك العظمة النبوية، وأي كلمة تتسع لأقطار هذه العظمة التي شملت كل قطر، وأحاطت بكل عصر، وكُتب لها الخلود أبد الدهر، وأي خطبة تكشف لك عن أسرارها وإن كُتب بحروف من النور، وكان مداده أشعة الشمس.

إنها العظمة الماثلة في كل قلب، المستقرة في كل نفس، يستشعرها القريب والبعيد، ويعترف بها العدو والصديق، وتهتف بها أعواد المنابر، وتهتز لها ذوائب المنائر.

ألم تر أن الله خلّـَد ذكــره *** إذ قال في الخمس المؤذن: أشهـد

وشـقّ له من اسمه ليجلــه *** فذو العرش محمود وهذا محمــد

إنه النبي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث الكمال الخُلقي بالذروة التي لا تُنال، والسمو الذي لا يُسامى، أوفر الناس عقلاً، وأسداهم رأيًا، وأصحهم فكرةً، أسخى القوم يدًا، وأنداهم راحة، وأجودهم نفسًا أجود بالخير من الريح المرسلة، يُعطي عطاء من لا يخشى الفقر، يبيت على الطوى وقد وُهب المئين، وجاد بالآلاف، لا يحبس شيئًا وينادي صاحبه: "أنفق يا بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالاً".

أرحب الناس صدرًا، وأوسعهم حلمًا، يحلم على من جهل عليه، ولا يزيده جهل الجاهلين إلا أخذًا بالعفو وأمرًا بالمعروف، يمسك بغرة النصر وينادي أسراه في كرم وإباء: "اذهبوا فأنتم الطلقاء".

أعظم الناس تواضعًا، يُخالط الفقير والمسكين، ويُجالس الشيخ والأرملة، وتذهب به الجارية إلى أقصى سكك المدينة فيذهب معها ويقضي حاجتها، ولا يتميز عن أصحابه بمظهر من مظاهر العظمة ولا برسم من رسوم الظهور.

ألين الناس عريكةً وأسهلهم طبعًا، ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن مُحرمًا، وهو مع هذا أحزمهم عند الواجب وأشدهم مع الحق، لا يغضب لنفسه، فإذا انتُهِكت حرمات الله لم يقم لغضبه شيء، وكأنما يُفقأ في وجهه حب الرمان من شدة الغضب.

أشجع الناس قلبًا وأقواهم إرادةً، يتلقى الناس بثبات وصبر، يخوض الغمار ويُنادي بأعلى صوته: ((أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب)).

وهو من شجاعة القلب بالمنزلة التي تجعل أصحابه إذا اشتد البأس يتقون برسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، ومن قوة الإرادة بالمنزلة التي لا ينثني معها عن واجب، ولا يلين في حق، ولا يتردد ولا يضعف أمام شدة.

أعف الناس لسانًا، وأوضحهم بيانًا، يسوق الألفاظ مُفصلة كالدر مشرقة كالنور، طاهر كالفضيلة في أسمى مراتب العفة وصدق اللهجة.

أعدلهم في الحكومة وأعظمهم إنصافًا في الخصومة يَقِيدُ من نفسه ويقضي لخصمه، يقيم الحدود على أقرب الناس، ويقسم بالذي نفسه بيده: " لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ".

أسمى الخليقة روحًا، وأعلاها نفسًا، وأزكاها وأعرفها بالله، وأشدها صلابة وقيامًا بحقه، وأقومها بفروض العبادة ولوازم الطاعة، مع تناسق غريب في أداء الواجبات، واستيعاب عجيب لقضاء الحقوق، يُؤتي كل ذي حق حقه، فلربه حقه، ولصاحبه حقه، ولزوجه حقها، ولدعوته حقها، أزهد الناس في المادة وأبعدهم عن التعلق بعرض هذه الدنيا، يطعم ما يقدم إليه فلا يرد موجوداً ولا يتكلف مفقودا، ينام على الحصير والأدم المحشو بالليف.

قضى زهرة شبابه مع امرأة من قريش تكبره بخمس عشرة سنة، قد تزوجت من قبله وقضت زهرة شبابها مع غيره، ولم يتزوج معها أحدًا وما تزوج بعدها لمتعة، وما كان في أزواجه الطاهرات بكرًا غير عائشة التي أعرس بها وسنها تسع سنين، يسرب إليها الولائد يلعبن معها بالدمي وعرائس القطن والنسيج.

أرفق الناس بالضعفاء وأعظمهم رحمة بالمساكين والبائسين، شملت رحمته وعطفه الإنسان والحيوان، ويحذر أصحابه، فيقول لهم: "إن امرأة دخلت النار بسبب هرة حبستها فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض".

لو لم يكن للنبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ من الفضل إلا أنه الواسطة في حمل هداية السماء إلى الأرض، وإيصال هذا القرآن الكريم إلى العالم لكان فضلاً لا يستقل العالم بشكره، ولا تقوم الإنسانية بكفائه، ولا يُوفى الناس حامله بعض جزائه.

ذلك قبس من نور النبوة، وشعاع من مشكاة الخلق المحمدي الطاهر، وإن في القول بعد لسعة وفي المقام تفصيلاً.

وسل التاريخ ينبئك هل مر به عظيم أعظم من النبي محمد ـصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ؛ فقد عُصم من النقائص، وعلا عن الهفوات، وجلّ مقامه عن أن تلصق به هفوة.

خُلقتَ مُبرءًا من كل عيب *** كأنك قد خُلقت كما تشاء

من أقوال الغربيين في النبي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

إن المنصفين من المشاهير المعاصرين عندما اطلعوا على سيرة رسول الله محمد لم يملكوا إلا الاعتراف له بالفضل والنبل والسيادة، وهذا طرفٌ من أقوال بعضهم:

1ـ يقول مايكل هارت في كتابه "الخالدون مئة" ص13، وقد جعل على رأس المئة سيدَنا محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقول:

"لقد اخترت محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أول هذه القائمة… لأن محمدا عليه السلام هو الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحا مطلقا على المستوى الديني والدنيوي، وهو قد دعا إلى الإسلام ونشره كواحد من أعظم الديانات وأصبح قائدا سياسيا وعسكريا ودينيا، وبعد 13 سنة من وفاته، فإن أثر محمد عليه السلام ما يزال قويا متجددا".

وقال ص 18: "ولما كان الرسول صلي الله عليه وسلم قوة جبارة لا يستهان بها فيمكن أن يقال أيضا إنه أعظم زعيم سياسي عرفه التاريخ".

2ـ برناردشو الإنكليزي، له مؤلف أسماه (محمد)، وقد أحرقته السلطة البريطانية، يقول:

"إن العالم أحوج ما يكون إلى رجلٍ في تفكير محمد، وإنّ رجال الدين في القرون الوسطى، ونتيجةً للجهل أو التعصّب، قد رسموا لدين محمدٍ صورةً قاتمةً، لقد كانوا يعتبرونه عدوًّا للمسيحية، لكنّني اطّلعت على أمر هذا الرجل، فوجدته أعجوبةً خارقةً، وتوصلت إلى أنّه لم يكن عدوًّا للمسيحية، بل يجب أنْ يسمّى منقذ البشرية، وفي رأيي أنّه لو تولّى أمر العالم اليوم، لوفّق في حلّ مشكلاتنا بما يؤمن السلام والسعادة التي يرنو البشر إليها".

3ـ ويقول آن بيزيت: "من المستحيل لأي شخص يدرس حياة وشخصية نبي العرب العظيم ويعرف كيف عاش هذا النبي وكيف علم الناس، إلا أن يشعر بتبجيل هذا النبي الجليل، أحد رسل الله العظماء:…

هل تقصد أن تخبرني أن رجلاً في عنفوان شبابه لم يتعد الرابعة والعشرين من عمره بعد أن تزوج من امرأة أكبر منه بكثير وظل وفياً لها طيلة 26 عاماً ثم عندما بلغ الخمسين من عمره ـ السن التي تخبو فيها شهوات الجسد ـ تزوج لإشباع رغباته وشهواته؟! ليس هكذا يكون الحكم على حياة الأشخاص."

4ـ تولستوي (الأديب العالمي): "يكفي محمداً فخراً أنّه خلّص أمةً ذليلةً دمويةً من مخالب شياطين العادات الذميمة، وفتح على وجوههم طريقَ الرُّقي والتقدم، وأنّ شريعةَ محمدٍ، ستسودُ العالم لانسجامها مع العقل والحكمة".

5ـ شبرك النمساوي: "إنّ البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد إليها، إذ إنّه رغم أُمّيته، استطاع قبل بضعة عشر قرنًا أنْ يأتي بتشريع، سنكونُ نحنُ الأوروبيين أسعد ما نكون، إذا توصلنا إلى قمّته".

6ـ الدكتور زويمر الكندي،مستشرق كندي: "إن محمداً كان ولا شك من أعظم القواد المسلمين الدينيين، ويصدق عليه القول أيضاً بأنه كان مصلحاً قديراً وبليغاً فصيحاً وجريئاً مغواراً، ومفكراً عظيماً، ولا يجوز أن ننسب إليه ما ينافي هذه الصفات، وهذا قرآنه الذي جاء به وتاريخه يشهدان بصحة هذا الادعاء".

7ـ الفيلسوف إدوار مونته الفرنسي: "عُرِف محمد بخلوص النية والملاطفة وإنصافه في الحكم، ونزاهة التعبير عن الفكر والتحقق".

8ـ الفيلسوف الإنجليزي توماس كارليل الحائز على جائزة نوبل يقول في كتابه الأبطال:

" لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد متحدث هذا العصر أن يصغي إلى ما يقال من أن دين الإسلام كذب، وأن محمداً خدّاع مزوِّر.

وقد رأيناه طول حياته راسخ المبدأ، صادق العزم بعيداً، كريماً بَرًّا، رؤوفاً، تقياً، فاضلاً، حراً، رجلاً، شديد الجد، مخلصاً، وهو مع ذلك سهل الجانب، ليِّن العريكة، جم البشر والطلاقة، حميد العشرة، حلو الإيناس، بل ربما مازح وداعب.

كان عادلاً، صادق النية، ذكي اللب، شهم الفؤاد، لوذعياً، كأنما بين جنبيه مصابيح كل ليل بهيم، ممتلئاً نوراً، رجلاً عظيماً بفطرته، لم تثقفه مدرسة، ولا هذبه معلم، وهو غني عن ذلك".

و بعد أن أفاض كارليل في إنصاف النبي محمد ختم حديثه بهذه الكلمات: "هكذا تكون العظمة، هكذا تكون البطولة، هكذا تكون العبقرية".

9ـ ويقول جوتة الأديب الألماني: "إننا أهل أوربة بجميع مفاهيمنا، لم نصل بعد إلى ما وصل إليه محمد، وسوف لا يتقدم عليه أحد، ولقد بحثت في التاريخ عن مثل أعلى لهذا الإنسان، فوجدته في النبي محمد … وهكذا وجب أن يظهر الحق ويعلو، كما نجح محمد الذي أخضع العالم كله بكلمة التوحيد".

10ـ وقال شاتليه الفرنسي: "إن رسالة محمد هي أفضل الرسالات التي جاء بها الأنبياء قبله".

11ـ يقول وليم المؤرخ الإنجليزي الكبير في كتابه ((حياة محمد)): " لقد امتاز محمد عليه السلام بوضوح كلامه ويسر دينه و قد أتم في الأعمال ما يدهش العقول و لم يعهد التاريخ مصلحا أيقظ النفوس أحيا الأخلاق و أرفع شأن الفضيلة في زمن قصير كما فعل نبي الإسلام محمد".

12ـ قالت الدكتورة زيجرد هونكة الألمانية: " أن محمد و الإسلام شمس الله على الغرب".

فإن كان ذلك كذلك فإن من واجب العالم كله – ولا محيص لهم عن ذلك – أن يجعل عظمة محمد ـصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ في الخلق جميعًا فوق كل عظمة، وفضله فوق كل فضل، وتقديره أكبر من كل تقدير، ولو لم يكن له ـصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ من مؤيدات نبوته وأدلة رسالته إلا سيرته المطهرة وتشريعه الخالد لكانا كافيين، لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

صدق نبوة النبي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

من كلام شيخ الإسلام:

ومعلوم أن مدعى الرسالة إما أن يكون من أفضل الخلق وأكملهم وإما أن يكون من أنقص الخلق وأرذلهم، ولهذا قال أحد أكابر ثقيف للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لما بلغهم الرسالة ودعاهم إلى الإسلام والله لا أقول لك كلمة واحدة إن كنت صادقا فأنت أجل في عيني من أن أرد عليك وإن كنت كاذبا فأنت أحقر من أن أرد عليك، فكيف يشتبه أفضل الخلق وأكملهم بأنقص الخلق وأرذلهم.

وما أحسن قول حسان ـ رضي الله عنه ـ:

لَو لَم تَكُن فيهِ آياتٌ مُبَيَّنَةٌ *** كانَت بَديهَتُهُ تُنبيكَ بِالخَبَرِ

وما من أحد ادعى النبوة من الكذابين إلا وقد ظهر عليه من الجهل والكذب والفجور واستحواذ الشياطين عليه ما ظهر لمن له أدنى تمييز.

وما من أحد ادعى النبوة من الصادقين إلا وقد ظهر عليه من العلم والصدق والبر وأنواع الخيرات ما ظهر لمن له أدنى تمييز، فإن الرسول لا بد أن يخبر الناس بأمور، ويأمرهم بأمور، ولا بد أن يفعل أمورا.

والكذاب يظهر في نفس ما يأمر به ويخبر عنه وما يفعله ما يبين به كذبه من وجوه كثيرة. والصادق يظهر في نفس ما يأمر به وما يخبر عنه ويفعله ما يظهر به صدقه من وجوه كثيرة.

ولهذا قال تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ(221)تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ(222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ(223)}.

والنبوة مشتملة على علوم وأعمال لا بد أن يتصف الرسول بها وهي أشرف العلوم وأشرف الأعمال فكيف يشتبه الصادق فيها بالكاذب ولا يتبين صدق الصادق وكذب الكاذب،ولهذا لما أنزل الوحي على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أول مرة، ونزلت عليه الآيات من أول سورة العلق، فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ فَقَالَ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ !!

قَالَ لِخَدِيجَةَ: ((أَيْ خَدِيجَةُ مَا لِي لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي فَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ قَالَتْ خَدِيجَةُ كَلَّا أَبْشِرْ فَوَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ)) !!

فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلٍ، فقال وَرَقَةُ:

هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى !!

فاشتملت هذه الواقعة على نوعين من طرق الاستدلال على صحة نبوته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعظيم قدره عند ربه، وأنه ليس ممن يخزيه الله تعالى:

النوع الأول: الاستدلال بأحواله وأخلاقه وأعماله، وبهذا استدلت خديجة رضي الله عنها.

والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلم الصدق من نفسه أكثر مما يعلمه غيره منه، وإنما خاف في أول الأمر أن يكون قد عرض له عارض سوء، فذكرت خديجة ما ينفي هذا ؛ وهو ما كان مجبولا عليه من مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم والأعمال ؛ وهو الصدق المستلزم للعدل، والإحسان إلى الخلق، ومن جمع فيه الصدق والعدل والإحسان لم يكن مما يخزيه الله، وصلة الرحم وقرى الضيف وحمل الكل وإعطاء المعدوم، والإعانة على نوائب الحق هي من أعظم أنواع البر والإحسان، وقد علم من سنة الله أن من جبله الله على الأخلاق المحمودة ونزهه عن الأخلاق المذمومة فإنه لا يخزيه.

وبهذه الطريقة ـ أيضا ـ استدل هرقل ملك الروم، فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لما كتب إليه كتابا يدعوه فيه إلى الإسلام، وكان أبو سفيان قد قدم في طائفة من قريش في تجارة إلى غزة، فطلبهم وسألهم عن أحوال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فطلب هرقل أبا سفيان، فَقَالَ: أَدْنُوهُ مِنِّي وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ، فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ قُلْ لَهُمْ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ !!

ثم سأله: كَيْفَ نَسَبُهُ فِيكُمْ ؟ فقال: قُلْتُ: هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ….، إلى آخر الأسئلة التي سأل أبا سفيان عنها.

ثم قال هرقل لترجمانه، بعد انتهاء ما عنده من الأسئلة، وسماع جواب أبي سفيان عنها:

قُلْ لَهُ سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا.

وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا الْقَوْلَ، فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، فَقُلْتُ لَوْ كَانَ أَحَدٌ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ لَقُلْتُ رَجُلٌ يَأْتَسِي بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ.

وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ، فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، قُلْتُ: فَلَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ قُلْتُ رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ أَبِيهِ.

وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ، فَذَكَرْتَ أَنْ لَا ؛ فَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ.

وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافُ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمْ اتَّبَعُوهُ وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ. وَسَأَلْتُكَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ أَمْرُ الْإِيمَانِ حَتَّى يَتِمَّ.

وَسَأَلْتُكَ أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ، فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ.

وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا تَغْدِرُ.

وَسَأَلْتُكَ بِمَا يَأْمُرُكُمْ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَيَنْهَاكُمْ عَنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ ؛ فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ، لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ، فَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ !!

قال شيخ الإسلام رحمه الله: ولهذا أخبرت الأنبياء المتقدمون أن المتنبىء الكذاب لا يدوم إلا مدة، يسيرة وهذه من بعض حجج ملوك النصارى الذين يقال إنهم من ولد قيصر هذا أو غيرهم، حيث رأى رجلا يسب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من رؤس النصارى، ويرميه بالكذب فجمع علماء النصارى وسألهم عن المتنبىء الكذاب: كم تبقى نبوته ؟

فأخبروه بما عندهم من النقل عن الأنبياء أن الكذاب المفتري لا يبقى إلا كذا وكذا سنة، لمدة قريبة إما ثلاثين سنة أو نحوها !!

فقال لهم: هذا دين محمد له أكثر من خمسمائة سنة، أو ستمائة سنة [ يعني: في أيام هذا الملك ]، وهو ظاهر مقبول متبوع، فكيف يكون هذا كذابا ؟؟

ثم ضرب عنق ذلك الرجل !!

والنوع الثاني: الاستدلال بالنظر في رسالته وما جاء به، ومقارنتها بما جاء به الرسل من قبله: وبهذا استدل ورقة بن نوفل على صحة نبوته لما سمع ما جاء به ؛ فالنبوة في الآدميين هي من عهد آدم عليه السلام.

وقد علم ما كانت عليه الرسل من الأقوال والأحوال على وجه العموم ؛ فالمدعي للرسالة، إذا أتى بما يظهر به مخالفته للرسل علم أنه ليس منهم، وإذا أتى بما هو من خصائص الرسل علم أنه منهم، لا سيما إذا علم أنه لا بد من رسول منتظر.

ولهذا قال الله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ(146)الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُمْتَرِينَ(147)}.

وبهذه الطريقة ـ أيضا ـ استدل النجاشي على صحة نبوة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وآمن به بعد ذلك، فإنه لما سألهم عما يخبر به، واستقرأهم القرآن فقرؤه عليه، قال: (إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة).

[ انظر: شرح العقيدة الأصفهانية، لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ].

الدفاع عن النبي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

إن من واجب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علينا أن نحبه ونجله ونبجله ونعظمه ونتبع سنته في الظاهر والباطن،وأن نذب عنه كيد الكائدين ومكر الماكرين.

وفي هذا العصر المليء بالفتن والشرور على الأمة الإسلامية؛ فإننا نجد حملة ضارية سيئة من عدد من الرهبان والقسس وضعاف النفوس وضعاف العقول على شخصية الرسول عليه الصلاة والسلام.

فيا لله كيف تنبري فرقة أومنظمة أوأفراد بالقدح أو الحط من قدر هذا النبي الخالد.

كذبتم وايم الله يبزى محمــد *** ولما نطاعن دونه ونناضــل

ونسلمه حتى نصرع حولــه *** ونذهل عن أبنائنا والحلائـل

إن الهجوم الإعلامي على الإسلام ذو جذور قديمة قدم الإسلام، وهو أحد الأساليب التي اتخذها الكفار للصد عن سبيل الله تعالى، بدأ من كفار قريش وحتى عصرنا الحاضر، وهذا الهجوم له ألوان كثيرة ولكنها في أغلبها كانت محصورة في نطاق الشبهات والمغالطات والطعون، لكن بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، انتقل الهجوم إلى لون جديد قذر لم يُعهد من قبل وهو التعرض لشخص الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والنيل من عرضه وذاته الكريمة، وقد اتسم هذا الهجوم بالبذاءة والسخرية والاستهزاء، مما يدل دلالة واضحة أن هذا التهجم له منظمات وله استراتيجيات خاصة، تتركز على استخدام وسائل الإعلام بل ويقومون به أناس متخصصون مدعومون من بعض قساوسة النصارى لا كلهم..

قال جيري فالويل: «أنا أعتقد أن محمداً كان إرهابياً»، «في اعتقادي.. المسيح وضع مثالاً للحب، كما فعل موسى، وأنا أعتقد أن محمداً وضع مثالاً عكسياً»، «إنه كان لصاً وقاطع طريق».

وقال بات روبرتسون: «كان مجرد متطرف ذو عيون متوحشة تتحرك عبثاً من الجنون».

وقال جيري فاينز: «شاذ يميل للأطفال، ويتملكه الشيطان».

وقال جيمي سوجارت: «إنه شاذ جنسياً»، «ضال انحرف عن طريق الصواب».

هذا غير تصويره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صراحة في الرسوم الكاريكاتورية في مواقف ساخرة وضيعة.

وهكذا انتقل الهجوم على الإسلام من طرح الشبهات إلى إلقاء القاذورات، ولم يجد المهاجمون في الإسلام ولا في شخص خاتم الأنبياء ما يرضي رغبتهم في التشويه، ووجدوا أن الشبهات والطعن الفكري من الأمور التي يسهل تفنيدها وكشف زيفها أمام قوة الحق في الإسلام، فلجئوا إلى التشويه الإعلامي، وخاصة أنهم يملكون نواصيه في الغرب.

هذه القضية تثير غيرة كل مسلم، وتدفعه إلى التساؤل عن أسباب هذه الهجمة، والأغراض الكامنة وراءها، ومدى تأثيرها.

العوامل الدافعة للنيل من شخصية النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

ـ سرعة انتشار الإسلام، والتي تثير غيرة كل المعادين للدين، سواء أكانوا من النصارى أو اليهود، أو من العلمانيين والملحدين.

ـ حسد القيادات وخصوصاً الدينية، فإن كثيراً من هؤلاء يغيظهم شخص الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بل حتى المنافقين في العالم الإسلامي، لما يرون من لمعان اسم النبي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كل الأرجاء وكثرة أتباعه وتوقير المسلمين الشديد لنبيهم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهذا ما يثير حسدهم.

ـ عامل الخوف، ليس الخوف من انتشار الإسلام في الغرب فحسب بل الخوف من عودة المسلمين في العالم الإسلامي إلى التمسك بدينهم، وهم الآن يستغلون ضعف المسلمين في كثير من الجوانب، مثل الجانب الاقتصادي والإعلامي، ويريدون أن يطفئوا هذا النور قبل أن ينتشر في العالم.

حكم من سب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

أجمع العلماء على أن من سب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المسلمين فهو كافر مرتد يجب قتله.

وهذا الإجماع قد حكاه غير واحد من أهل العلم كالإمام إسحاق بن راهويه وابن المنذر والقاضي عياض والخطابي وغيرهم. الصارم المسلول 2/13ـ16.

وقد دل على هذا الحكم الكتاب والسنة:

أما الكتاب؛ فقول الله تعالى: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} التوبة / 66.

فهذه الآية نص في أن الاستهزاء بالله وبآياته وبرسوله كفر، فالسب بطريق الأولى، وقد دلت الآية أيضاً على أن من تنقص رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد كفر، جاداً أو هازلاً.

وأما السنة؛ فروى أبو داود (4362) عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ يَهُودِيَّةً كَانَتْ تَشْتُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقَعُ فِيهِ، فَخَنَقَهَا رَجُلٌ حَتَّى مَاتَتْ، فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَمَهَا.

قال شيخ الإسلام في الصارم المسلول (2/126): وهذا الحديث جيد، وله شاهد من حديث ابن عباس وسيأتي اهـ.

وهذا الحديث نص في جواز قتلها لأجل شتم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وروى أبو داود (4361) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلاً أَعْمَى كَانَتْ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ تَشْتُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَقَعُ فِيهِ، فَيَنْهَاهَا فَلَا تَنْتَهِي، وَيَزْجُرُهَا فَلَا تَنْزَجِرُ، فَلَمَّا كَانَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ جَعَلَتْ تَقَعُ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَشْتُمُهُ، فَأَخَذَ الْمِغْوَلَ [سيف قصير] فَوَضَعَهُ فِي بَطْنِهَا وَاتَّكَأَ عَلَيْهَا فَقَتَلَهَا. فَلَمَّا أَصْبَحَ ذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَمَعَ النَّاسَ فَقَالَ: أَنْشُدُ اللَّهَ رَجُلًا فَعَلَ مَا فَعَلَ لِي عَلَيْهِ حَقٌّ إِلَّا قَامَ. فَقَامَ الْأَعْمَى فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا صَاحِبُهَا، كَانَتْ تَشْتُمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ فَأَنْهَاهَا فَلَا تَنْتَهِي، وَأَزْجُرُهَا فَلَا تَنْزَجِرُ، وَلِي مِنْهَا ابْنَانِ مِثْلُ اللُّؤْلُؤَتَيْنِ، وَكَانَتْ بِي رَفِيقَةً، فَلَمَّا كَانَ الْبَارِحَةَ جَعَلَتْ تَشْتُمُكَ وَتَقَعُ فِيكَ، فَأَخَذْتُ الْمِغْوَلَ فَوَضَعْتُهُ فِي بَطْنِهَا وَاتَّكَأْتُ عَلَيْهَا حَتَّى قَتَلْتُهَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَلا اشْهَدُوا أَنَّ دَمَهَا هَدَرٌ)). صححه الألباني في صحيح أبي داود (3655).

والظاهر من هذه المرأة أنها كانت كافرة ولم تكن مسلمة، فإن المسلمة لا يمكن أن تقدم على هذا الأمر الشنيع، ولأنها لو كانت مسلمة لكانت مرتدةً بذلك، وحينئذٍ لا يجوز لسيدها أن يمسكها ويكتفي بمجرد نهيها عن ذلك.

وروى النسائي (4071) عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: أَغْلَظَ رَجُلٌ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَقُلْتُ: أَقْتُلُهُ ؟ فَانْتَهَرَنِي، وَقَالَ: لَيْسَ هَذَا لِأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. صحيح النسائي (3795).

فعُلِم من هذا أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان له أن يقتل من سبه ومن أغلظ له، وهو بعمومه يشمل المسلم والكافر.

إذا تاب من سب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهل تقبل توبته أم لا ؟

اتفق العلماء على أنه إذا تاب توبة نصوحاً، وندم على ما فعل، أن هذه التوبة تنفعه يوم القيامة، فيغفر الله تعالى له.

واختلفوا في قبول توبته في الدنيا، وسقوط القتل عنه.

فذهب مالك وأحمد إلى أنها لا تقبل، فيقتل ولو تاب.واستدلوا على ذلك بالسنة والنظر الصحيح:

أما السنة فروى أبو داود (2683) عَنْ سَعْدٍ بن أبي وقاص قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ أَمَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ إِلَّا أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَسَمَّاهُمْ وَابْنُ أَبِي سَرْحٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ: وَأَمَّا ابْنُ أَبِي سَرْحٍ فَإِنَّهُ اخْتَبَأَ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَلَمَّا دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ جَاءَ بِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، بَايِعْ عَبْدَ اللَّهِ. فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثَلاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَأْبَى، فَبَايَعَهُ بَعْدَ ثَلاثٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: ((أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (يفطن لصواب الحكم) يَقُومُ إِلَى هَذَا حَيْثُ رَآنِي كَفَفْتُ يَدِي عَنْ بَيْعَتِهِ فَيَقْتُلُهُ ؟)) فَقَالُوا: مَا نَدْرِي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فِي نَفْسِكَ، أَلا أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ ؟ قَالَ: ((إِنَّهُ لا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الأَعْيُنِ)). صححه الألباني في صحيح أبي داود (2334).

وهذا نص في أن مثل هذا المرتد الطاعن لا يجب قبول توبته، بل يجوز قتله وإن جاء تائباً.

وكان عبد الله بن سعد من كتبة الوحي فارتد وزعم أنه يزيد في الوحي ما يشاء، وهذا كذب وافتراء على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو من أنواع السب. ثم أسلم وحسن إسلامه، فرضي الله عنه. (الصارم المسلول 115).

ذكر العظيم آبادي في شرح الحديث:

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: مَعْنَى الرَّشِيد هَهُنَا الْفِطْنَة، لِصَوَابِ الْحُكْم فِي قَتْله اِنْتَهَى.

وَفِيهِ أَنَّ التَّوْبَة عَنْ الْكُفْر فِي حَيَاته صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ مَوْقُوفَة عَلَى رِضَاهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ الَّذِي اِرْتَدَّ وَآذَاهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا آمَنَ سَقَطَ قَتْله قَالَهُ السِّنْدِيُّ ا هـ. من عون المعبود.

وأما النظر الصحيح:

فقالوا: إن سب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتعلق به حقان؛ حق لله، وحق لآدمي. فأما حق الله فظاهر، وهو القدح في رسالته وكتابه ودينه. وأما حق الآدمي فظاهر أيضا فإنه أدخل المَعَرَّة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهذا السب، وأناله بذلك غضاضة وعاراً. والعقوبة إذا تعلق بها حق الله وحق الآدمي لم تسقط بالتوبة، كعقوبة قاطع الطريق، فإنه إذا قَتَل تحتم قتله وصلبه، ثم لو تاب قبل القدرة عليه سقط حق الله من تحتم القتل والصلب، ولم يسقط حق الآدمي من القصاص، فكذلك هنا، إذا تاب الساب فقد سقط بتوبته حق الله تعالى، وبقي حق الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يسقط بالتوبة.

فإن قيل: ألا يمكن أن نعفو عنه، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد عفا في حياته عن كثير ممن سبوه ولم يقتلهم ؟.

فالجواب:كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تارة يختار العفو عمن سبه، وربما أمر بقتله إذا رأى المصلحة في ذلك، والآن قد تَعَذَّر عفوُه بموته، فبقي قتل الساب حقاًّ محضاً لله ولرسوله وللمؤمنين لم يعف عنه مستحقه، فيجب إقامته. الصارم المسلول 2/438.

وخلاصة القول:

أن سب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أعظم المحرمات، وهو كفر وردة عن الإسلام بإجماع العلماء، سواء فعل ذلك جاداًّ أم هازلاً. وأن فاعله يقتل ولو تاب، مسلما كان أم كافراً. ثم إن كان قد تاب توبة نصوحاً، وندم على ما فعل، فإن هذه التوبة تنفعه يوم القيامة، فيغفر الله له.

ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، كتاب نفيس في هذه المسألة وهو (الصارم المسلول على شاتم الرسول) ينبغي لكل مؤمن قراءته، لاسيما في هذه الأزمان التي تجرأ فيها كثير من المنافقين والملحدين على سب الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لما رأوا تهاون المسلمين، وقلة غيرتهم على دينهم ونبيهم، وعدم تطبيق العقوبة الشرعية التي تردع هؤلاء وأمثالهم عن ارتكاب هذا الكفر الصراح. نسأل الله تعالى أن يعز أهل طاعته، ويذل أهل معصيته.

عاقبة من سب رسول الله في الدنيا:

إن الله عز وجل يغار على دينه، ويغار على نبيه، ومن غيرته تعالى أنه ينتقم ممن آذى رسوله، لأن من آذى رسوله فقد آذى الله، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً} (الأحزاب:57).

والله تعالى قد تولى الدفاع عن نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا}، وأعلن عصمته له من الناس {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ} وأخبر أنه سيكفيه المستهزئين {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} سواء كانوا من قريش أو من غيرهم.

قال الشنقيطي رحمه الله: وذكر ـ الله ـ في مواضع أخرى أنه كفاه غيرهم كقوله في أهل الكتاب {فَسَيَكْفِيكَهُمْ اللَّهُ..} وقال {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ}.

وقال ابن سعدي رحمه الله: " وقد فعل تعالى، فما تظاهر أحد بالاستهزاء برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبما جاء به إلا أهلكه الله وقتله شر قتلة ".أهـ

أخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي وأبو نعيم كلاهما في الدلائل وابن مردويه بسند حسن والضياء في المختارة، عن ابن عباس في قوله {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} قال: المستهزئون، الوليد بن المغيرة والأسود بن عبد يغوث والأسود بن المطلب والحارث بن عبطل السهمي والعاص بن وائل، فأتاه جبريل فشكاهم إليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: أرني إياهم، فأراه كل واحد منهم، وجبريل يشير إلى كل واحد منهم في موضع من جسده ويقول: كَفَيْـتُكَهُ، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ما صنعت شيئا!. فأما الوليد، فمر برجل من خزاعة وهو يريش نبلاً فأصاب أكحله فقطعها. وأما الأسود بن المطلب، فنزل تحت سمرة فجعل يقول: يابنيّ، ألا تدفعون عني؟ قد هلكت وطُعنت بالشوك في عينيّ فجعلوا يقولون: ما نرى شيئاً فلم يزل كذلك حتى عتمت عيناه. وأما الأسود بن عبد يغوث، فخرج في رأسه قروح فمات منها. وأما الحارث فأخذه الماء الأصفر في بطنه حتى خرج خرؤه من فيه فمات منه. وأما العاص فركب إلى الطائف فربض على شبرقة فدخل من أخمص قدمه شوكة فقتلته (الدر المنثور 5/101).

قصة الرجل الذي كان يكتب لرسول الله:

عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (كَانَ رَجُلٌ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ وَقَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، فَكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَادَ نَصْرَانِيًّا، فَكَانَ يَقُولُ:" مَا يَدْرِي مُحَمَّدٌ إِلَّا مَا كَتَبْتُ لَهُ"، فَأَمَاتَهُ اللَّهُ فَدَفَنُوهُ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ، فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا فَأَلْقَوْهُ، فَحَفَرُوا لَهُ فَأَعْمَقُوا، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ، فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ فَأَلْقَوْهُ، فَحَفَرُوا لَهُ وَأَعْمَقُوا لَهُ فِي الْأَرْضِ مَا اسْتَطَاعُوا، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ النَّاسِ فَأَلْقَوْهُ) رواه البخاري ومسلم.

الصغيران اللذان قتلا أبا جهل الذي يسب رسول الله:

عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ (بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ فَنَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي فَإِذَا أَنَا بِغُلَامَيْنِ مِنْ الْأَنْصَارِ حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا فَقَالَ يَا عَمِّ هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ قُلْتُ نَعَمْ مَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي قَالَ أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ رَأَيْتُهُ لَا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الْأَعْجَلُ مِنَّا فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ فَغَمَزَنِي الْآخَرُ فَقَالَ لِي مِثْلَهَا فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَجُولُ فِي النَّاسِ قُلْتُ أَلَا إِنَّ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي سَأَلْتُمَانِي فَابْتَدَرَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا فَضَرَبَاهُ حَتَّى قَتَلَاهُ ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَاهُ فَقَالَ أَيُّكُمَا قَتَلَهُ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَا قَتَلْتُهُ فَقَالَ هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا قَالَا لَا فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ فَقَالَ كِلَاكُمَا قَتَلَهُ سَلَبُهُ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَكَانَا مُعَاذَ بْنَ عَفْرَاءَ وَمُعَاذَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الجَمُوحِ) رواه البخاري.

كانوا يستبشرون بهزيمة من سب رسول الله:

يقول شيخ الإسلام رحمه الله: " وإنَّ الله منتقمٌ لرسوله ممن طعن عليه وسَبَّه، ومُظْهِرٌ لِدِينِهِ ولِكَذِبِ الكاذب إذا لم يمكن الناس أن يقيموا عليه الحد، ونظير هذا ما حَدَّثَنَاه أعدادٌ من المسلمين العُدُول، أهل الفقه والخبرة، عمَّا جربوه مراتٍ متعددةٍ في حَصْرِ الحصون والمدائن التي بالسواحل الشامية، لما حصر المسلمون فيها بني الأصفر في زماننا، قالوا: كنا نحن نَحْصُرُ الحِصْنَ أو المدينة الشهر أو أكثر من الشهر وهو ممتنعٌ علينا حتى نكاد نيأس منه، حتى إذا تعرض أهلُهُ لِسَبِّ رسولِ الله والوقيعةِ في عرضِه تَعَجَّلنا فتحه وتيَسَّر، ولم يكد يتأخر إلا يوماً أو يومين أو نحو ذلك، ثم يفتح المكان عنوة، ويكون فيهم ملحمة عظيمة، قالوا: حتى إن كنا لَنَتَبَاشَرُ بتعجيل الفتح إذا سمعناهم يقعون فيه، مع امتلاء القلوب غيظاً عليهم بما قالوا فيه. وهكذا حدثني بعض أصحابنا الثقات أن المسلمين من أهل الغرب – يعني المغرب ـ حالهم مع النصارى كذلك.أهـ (الصارم المسلول ص 116ـ117)

استنصار بعض النصارى بكتاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

وبالمقابل فقد علم بعض ملوك النصارى أن إكرام كتاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقي فيه الملك ما شاء الله. ذكر السهيليُ أنه بلغه أن هرقل وضع الكتاب في قصبة من ذهب تعظيماً له، وأنهم لم يزالوا يتوارثونه حتى كان عند ملك الفرنج الذي تغلب على طليطلة، ثم كان عند سِبطه، فحدثني بعضُ أصحابنا أن عبد الملك بن سعد أحد قواد المسلمين اجتمع بذلك الملك فأخرج له الكتاب، فلما رآه استعبر، وسأل أن يمكِّنه من تقبيله فامتنع.

ثم ذكر ابن حجر عن سيف الدين فليح المنصوري أن ملك الفرنج أطلعه على صندوق مُصفَّح بذهب، فأخرج منه مقلمة ذهب، فأخرج منها كتاباً قد زالت أكثر حروفه، وقد التصقت عليه خِرقَة حرير، فقال: هذا كتاب نبيكم إلى جدي قيصر، ما زلنا نتوارثه إلى الآن، وأوصانا آباؤُنا أنه ما دام هذا الكتاب عندنا لا يزال الملك فينا، فنحن نحفظه غاية الحفظ، ونعظمه ونكتمه عن النصارى ليدوم الملك فينا " أهـ.

قصة الشيخ محمد شاكر مع خطيب الجمعة الذي سب رسول الله:

ذكر الشيخ أحمد شاكر أن والده الشيخ محمد شاكر وكيل الأزهر سابقاً كفّر أحد خطباء مصر، وكان فصيحاً متكلماً مقتدراً وأراد هذا الخطيب أن يمدح أحد أمراء مصر عندما أكرم طه حسين، فقال في خطبته: جاءه الأعمى فما عبس بوجهه وما تولى !.

وهو يريد بذلك التعريض برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حيث أن القرآن ذكر قصته مع الأعمى فقال تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى(1)أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى(2)}.

فبعد الخطبة أعلن الشيخ محمد شاكر الناس: صلاتهم باطلة، وأمرهم أن يعيدوا صلاتـهم لأن الخطيب كفر بهذه الكلمة التي تعتبر شتم لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تعريضاً لا تصريحاً.

هذا ولم يكن الشيخ محمد شاكر رحمه الله ممن يطلقون الأحكام جزافاً ولم يكن يفعل ذلك لمطلب دنيوي أو لمرضاة ذي سلطان، إذ لم تكن حالة الأزهر في زمانه مثل ما هي عليه في زماننا هذا.

عاقبة هذا المجرم:

ولكن الله لم يدع لهذا المجرم جرمه في الدنيا قبل أن يجزيه جزاءه في الآخرة.

قال الشيخ أحمد شاكر: (ولكن الله لم يدعْ لهذا المجرم جرمه في الدنيا، قبل أن يجزيه جزاءه في الأخرى، فأقسمُ بالله لقد رأيته بعيني رأسي ـ بعد بضع سنين وبعد أن كان عالياً منتفخاً، مستعزّاً بمَن لاذ بهم من العظماء والكبراء ـ رأيته مهيناً ذليلاً، خادماً على باب مسجد من مساجد القاهرة، يتلقى نعال المصلين يحفظها في ذلة وصغار، حتى لقد خجلت أن يراني، وأنا أعرفه وهو يعرفني، لا شفقة عليه، فما كان موضعاً للشفقة، ولا شماتة فيه ؛ فالرجل النبيل يسمو على الشماتة، ولكن لما رأيت من عبرة وعظة).

قصة الذي أراد الشهادة العليا، وسب رسول الله:

ذهب أحدهم لنيل شهادة عليا من خارج بلاده، فلما أتم دراسته وكانت تتعلق بسيرة النبي المصطفى صل الله عليه وسلم طلب منه أستاذه من النصارى أن يسجل في رسالته ما فيه انتقاص للنبي صل الله عليه وسلم وتعريض به ثمناً لتلك الشهادة.

فتردد الرجل بين القبول والرفض ولكنه فضل اختيار الدنيا على الآخرة، وأجابهم إلي ما أرادوا طمعاً في نيل تلك الشهادة الملوثة.

فلما عاد إلى بلده فوجئ بهلاك جميع أولاده وأهله في حادث مفاجئ، ولعذاب الآخرة اشد وأبقى.

واجبنا في نصرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

إن الله عز وجل يقول: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(الأعراف:157) فواجب علينا أيها الأحبة ! أن ننصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

هناك وسائل فردية يستطيع الفرد القيام بتحقيقها في حياته العلمية والعملية، ومن أهم تلك الوسائل العامة التي نبين فيها بجلاء نصرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما يلي:

ـ الاحتجاج على الصعيد الرسمي على اختلاف مستوياته، واستنكار هذا التهجم بقوة، وإننا نعجب أن الشجب والاستنكار الذي نحن أهله دائماً لم يستعمل هذه المرة، ونعجب أخرى أن يستنكر هذه الإساءة وزير خارجية بريطانيا، سابقاً بذلك آخرين كانوا أحق بها وأهلها.ـ الاحتجاج على مستوى الهيئات الشرعية الرسمية كوزارات الأوقاف، ودور الفتيا، والجامعات الإسلامية.

ـ الاحتجاج على مستوى الهيئات والمنظمات الشعبية الإسلامية وهي كثيرة.

ـ إعلان الاستنكار من الشخصيات العلمية والثقافية والفكرية والقيادات الشرعية، وإعلان هذا النكير من عتبات المنابر وأعلاها ذروة منبري الحرمين الشريفين.

ـ المواجهة على مستوى المراكز الإسلامية الموجودة في الغرب بالرد على هذه الحملة واستنكارها.

ـ المواجهة على المستوى الفردي، وذلك بإرسال الرسائل الإلكترونية المتضمنة الاحتجاج والرد والاستنكار إلى كل المنظمات والجامعات والأفراد المؤثرين في الغرب، ولو نفر المسلمون بإرسال ملايين الرسائل الرصينة القوية إلى المنظمات والأفراد فإن هذا سيكون له أثره اللافت قطعاً.

ـ استئجار ساعات لبرامج في المحطات الإذاعية والتلفزيونية تدافع عن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وتذب عن جنابه، ويستضاف فيها ذوو القدرة والرسوخ، والدراية بمخاطبة العقلية الغربية بإقناع، وهم بحمد الله كثر.

ـ كتابة المقالات القوية الرصينة لتنشر في المجلات والصحف ـولو كمادّة إعلانيةـ ونشرها على مواقع الإنترنت باللغات المتنوعة.
ـ إنتاج شريط فيديو عن طريق إحدى وكالات الإنتاج الإعلامي يعرض بشكل مشوق وبطريقة فنية ملخصاً تاريخياً للسيرة، وعرضاً للشمائل والأخلاق النبوية، ومناقشة لأهم الشبه المثارة حول سيرة المصطفى ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، وذلك بإخراج إعلامي متقن ومقنع.

ـ طباعة الكتب والمطويات التي تعرف بشخصية النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ويراعى في صياغتها معالجة الإشكالات الموجودة في الفكر الغربي.

ـ عقد اللقاءات، وإلقاء الكلمات في الجامعات والمنتديات والملتقيات العامة في أمريكا لمواجهة هذه الحملة.

ـ إصدار البيانات الاستنكارية من كل القطاعات المهنية والثقافية التي تستنكر وتحتج على هذه الإساءة والفحش في الإيذاء.

ـ إيجاد رد صريح من قبل العلماء الربانيين والتعليق عليه وتبيين الموقف الشرعي في قضية التعدي على الرسل والأنبياء والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مع إقامة مجموعة تنفيذية من العلماء المتخصصين وطلبة العلم للإجابة عن هذه الافتراءات خلال مواقع الانترنت وغيرها، ووالله لو قام العلماء في كل مكان في السعودية وفي مصر وفي الجزائر وفي المغرب العربي والعالم الإسلامي جميعا، ووجهوا لعامة الناس وخاصة في الغرب خطر هذه القضية وأن هذه الشائعات لا يرضاه أصلا أنبياؤهم كعيسى وموسى فضلا أن تكون في محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ـ إقامة معارض دولية متنقلة ودائمة في المطارات وفي الأسواق وفي الأماكن العامة بالتنسيق مع الجهات المسئولة حتى نبرز شيئا من شخصية النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حياته وأخلاقه وشمائله، وأيضا نبرء ذممنا أمام الله جل وعلا وأمام رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ـ إيجاد مؤلفات تحمل بين جنباتها حياة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسهولته وسماحته في الحياة بجميع اللغات، حتى يوضح للعالم حياة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من جهة، ومن جهة يرد على أولئك الذين تسلطوا على شخصيته وشرفه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ـ تبادل الأفكار المجدية في هذه القضية، وإضافة أفكار جديدة والتواصي بها، وسيجد كل محب لرسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ معظم لجنابه مجالاً لإظهار حبه وغيرته وتعظيمه، فهذا يأتي بفكرة، وذاك يكتب مقالة وآخر يترجم، وآخر يرسل، وآخر يمول في نفير عام لنصرة النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ.ـ

إعداد برامج للتعريف بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بحيث تتبنى كل مؤسسة أو جهة دينية مثلا برنامجا ويتم نشره في المجتمعات وخاصة الغربية التي تسممت أفكارهم بهذا الغزو الخبيث ضد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سواء كان ذلك عبر المجلات الإسلامية الهادفة والجرائد اليومية أو عبر القنوات الفضائية، أو حتى إيجاد برنامج متكاملة يتم إعدادها في أقراص كمبيوترية تبين شخصية النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشمائله حتى يتم استعمالها بسهولة.

ـ لو تم إصدار مجلة شهرية خاصة بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تبرز مواقف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أعدائه وكيف تعامل معهم على حسب فئاتهم لكان أجمل وأشمل وأفود خاصة ونحن نرى العالم الإسلامي يعج بكثير من المجلات الإسلامية فلو خُصص للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والدفاع عنه شيئا لكان واجبا علينا فعل ذلك.

ـ إنشاء مؤتمرات عالمية إسلامية توضح فيه سماحة الإسلام ويسر دين النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأن ما يوجه ضد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما هو من قبيل الكذب والافتراء، ولو أعلنت كل دولة إسلامية إيجاد مؤتمر إسلامي يعارض فيه ما وجه لنبيهم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإن هذا بحد ذاته رسالة للعالم مفادها أن شخصية النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شخصية فاصلة لا يمكن تجاوزها والعبث بها.

ـ إقامة مؤتمرات في أمريكا وأوروبا تعالج هذه القضية وتعرض للعالم نصاعة السيرة المشرفة وعظمة الرسول ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ.

ـ المطالبة بصياغة نموذج لرسالة استنكار وشجب باللغتين العربية والإنجليزية، تكون جاهزة للإرسال ومدعمة بعنوان سفارات الدانمارك والنرويج في شتى دول العالم الإسلامي، على أن تتضمن هذه الرسالة المطالب الآتية:

ـ المطالبة بسن القوانين التي من شأنها تفعيل احترام المؤسسات الدنمركية والنرويجية لكل ما يمس ديننا الحنيف.

ـ إيقاف الجريدة.

ـ إلزام الجريدة بالاعتذار للعالم الإسلامي ونشره على صفحات صحف تنتمي إلى العالم الإسلامي والأوروبي.

على مستوى العاملين في الشبكة العنكبوتية وأصحاب المواقع:

ـ إنشاء قاعدة بيانات على الشبكة العالمية الانترنت عن السيرة النبوية، بجميع اللغات وقد تم إيجاد مثل هذه البرامج عبر الانترنت من قبل اللجنة العالمية لنصرة خاتم الأنبياء صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولجنة مناصرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لكن برنامج أو برنامجين لا يكفي، بل لا بد من تكاتف الأمور حتى يسير هذا العمل أقوى بكثير.

ـ تكوين مجموعات تتولى إبراز محاسن هذا الدين ونظرة الإسلام لجميع الأنبياء بنفس الدرجة من المحبة وغيره من الموضوعات ذات العلاقة.

ـ ‌إنشاء مواقع أو منتديات أو تخصيص نوافذ في المواقع القائمة تهتم بسيرة المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتبرز رسالته العالمية.

ـ المشاركة في حوارات هادئة مع غير المسلمين ودعوتةم لدراسة شخصية الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والدين الذي جاء به.

ـ ‌تضمين أو تذييل الرسائل الإلكترونية التي ترسل إلى القوائم البريدية الخاصة ببعض الأحاديث والمواعظ النبوية.

ـ إعداد نشره إلكترونية ـ من حين إلى آخرـ عن شخصية الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودعوته وخاصة في المناسبات والأحداث الطارئة.

ـ ‌الإعلان في محركات البحث المشهورة عن بعض الكتب أو المحاضرات التي تتحدث عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

موقف في نصرة النبي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

قصة الشيخ محمد عبده مع حاخام يهودي وقسيس نصراني

جلس الثلاثة في حضرة الخديوي في قصر عابدين في مصر..

فقال لهم الخديوي مصر أنتم الثلاثة تمثلون الأديان الثلاثة وأريد أن يثبت كل واحد منكم أنه وأتباعه هم الذين سيدخلون الجنة..

قال حاخام اليهود: ليتكلم البطريارك أولا ً، وقال البطريارك: ليتكلم الإمام أولاً يعني الشيخ محمد عبده.

فقال الخديوي تكلم يا إمام..

فقال الإمام محمد عبده: يا خديوي..

إذا كان اليهود سيدخلون الجنة لكونهم آمنوا بموسى فنحن داخلوها لأننا آمنا بموسى

وإذا كان النصارى سيدخلون الجنة لكونهم آمنوا بعيسى فنحن داخلوها لأننا آمنا بعيسى

وإذا كنا داخليها فلن يدخلها هؤلاء ولا أولئك لأنهم لم يؤمنوا بمحمد صلي الله عليه وسلم فإيماننا إيمان شامل كامل.

قصيدة للشيخ جمال الدين الصرصري في مدح النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

يشيِّد ما أوهى الضلال ويصلـح
لداود أو لان الحديـد المصفـح
وإن الحصــا في كفه ليُسَبِّـح
فمن كفه قد أصبح المـاء يَطفح
سليمان لا تألـو تروح وتسرح
ورعبُ على شهر به الخصم يكلح
لـه الجن تسعى في رضاه وتكدح
أتته فرَدَّ الـــزاهد المترجِّـح
وموسى بتكليم على الطور يُمنح
وخصِّص بالرؤيا وبالحق أشـرح
ويشفع للعـاصين والنار تَلْفـح
عطـــاءً لعينيه أَقرُّ وأفـرح
مراتب أرباب المواهب تَلمــح
لــه بـابها قبل الخلائق يُفْتَتح

محمد المبعوث للنــاس رحمـةً
لئن سبَّحت صُمُّ الجبـال مجيبـةً
فإن الصخور الصمَّ لانت بكفـه
وإن كان موسى أنبع الماء بالعصا
وإن كانت الريح الرُّخاءُ مطيعـةً
فإن الصبـا كانت لنصر نبينــا
وإن أوتي الملكَ العظيم وسخِّرت
فإن مفاتيح الكنــوز بأسرهــا
وإن كـان إبراهيم أُعطـي خُلـةً
فهـذا حبيـب بـل خليل مكلَّـم
وخصص بالحوض الرَّواء وباللِّوا
وبالمقعد الأعلى المقرَّب نــاله
وبالرتبة العليـا الوسيلة دونهـا
ولَهْوَ إلى الجنات أولُ داخـــلٍ

محمد صالح المنجد

ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ

[1] تفسير القرطبي 54/17 قال: والطغيان: مجاوزة الحد في الكفر.

(*) خطبة الشيخ محمد صالح المنجد إمام وخطيب جامع عمر بن عبد العزيز بحي العقربية بالخبر المشرف العام على مجموعة مواقع الإسلام




اللهم صلو وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم

جزاكى الله خيرا حبيبتى




خليجية



ينقل للاسلامى



التصنيفات
منتدى اسلامي

الاساليب النبوية في التعامل مع الأخطاء_صالح المنجد

عـــدم التسرع في التخطئة
قد حدثت لعمر رضي الله عنه قصة رواها بنفسه فقال: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَمَعْتُ لِقِرَاءَتِهِ فَإِذَا هُوَ يَقْرَأُ عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ فِي الصَّلاةِ فَتَصَبَّرْتُ حَتَّى سَلَّمَ فَلَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ فَقُلْتُ مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ السُّورَةَ الَّتِي سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ قَالَ أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ كَذَبْتَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَقْرَأَنِيهَا عَلَى غَيْرِ مَا قَرَأْتَ فَانْطَلَقْتُ بِهِ أَقُودُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ بِسُورَةِ الْفُرْقَانِ عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسِلْهُ اقْرَأْ يَا هِشَامُ فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقِرَاءةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ ثُمَّ قَالَ اقْرَأْ يَا عُمَرُ فَقَرَأْتُ الْقِرَاءةَ الَّتِي أَقْرَأَنِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ رواه البخاري الفتح 4992

ومن الفوائد التربوية في هذه القصة ما يلي:

ـ أَمْر كل واحد منهما أن يقرأ أمام الآخر مع تصويبه أبلغ في تقرير صوابهما وعدم خطأ أيّ منهما.
ـ أمْر النبي صلى الله عليه وسلم عمر بإطلاق هشام بقوله: (أرسله يا عمر) كما في رواية الترمذي للقصة صحيح الترمذي 3/16 فيه تهيئة الخصمين للاستماع وهما في حال الهدوء وفيه إشارة إلى استعجال عمر رضي الله عنه.
ـ على طالب العلم أن لا يستعجل بتخطئة من حكى قولا يخالف ما يعرفه إلا بعد التثبت فربما يكون ذلك القول قولا معتبرا من أقوال أهل العلم.

ومما يتعلق بهذا الموضوع أيضا: عدم التسرع في العقوبة وفي القصة التالية شاهد:
روى النسائي رحمه الله عَنْ عَبَّادِ بْنِ شُرَحْبِيلَ رضي الله عنه قَالَ قَدِمْتُ مَعَ عُمُومَتِي الْمَدِينَةَ فَدَخَلْتُ حَائِطًا مِنْ حِيطَانِهَا فَفَرَكْتُ مِنْ سُنْبُلِهِ فَجَاءَ صَاحِبُ الْحَائِطِ فَأَخَذَ كِسَائِي وَضَرَبَنِي فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْتَعْدِي عَلَيْهِ فَأَرْسَلَ إِلَى الرَّجُلِ فَجَاءُوا بِهِ فَقَالَ مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ دَخَلَ حَائِطِي فَأَخَذَ مِنْ سُنْبُلِهِ فَفَرَكَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا عَلَّمْتَهُ إِذْ كَانَ جَاهِلا وَلا أَطْعَمْتَهُ إِذْ كَانَ جَائِعًا ارْدُدْ عَلَيْهِ كِسَاءهُ وَأَمَرَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَسْقٍ أَوْ نِصْفِ وَسْقٍ النسائي: المجتبى: كتاب آداب القضاة باب الاستعداء وهو في صحيح سنن النسائي رقم 4999
يُستفاد من هذه القصّة أنّ معرفة ظروف المخطئ أو المتعدي يوجّه إلى الطريقة السليمة في التعامل معه.
وكذلك يُلاحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُعاقب صاحب البستان لأنه صاحب حقّ وإنما خطّأه في أسلوبه ونبهه بأنّ تصرّفه مع من يجهل لم يكن بالتصرّف السليم في مثل ذلك الموقف ثمّ أرشده إلى التصرّف الصحيح وأمره بردّ ما أخذه من ثياب الجائع.

م/ن




جزاكـ الله خيــر يا أختي

بارك الله فيك




خليجية



التصنيفات
منوعات

فوائد قصيرة قيمة تخص الحج للشيخ محمد المنجد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ْْفوائد قصيرة قيمة تخص الحج للشيخ محمد المنجدْْْ

خليجية

الهدي للحجاج، والأضاحي لغيرهم من أهل البلدان.
فمن عزم على الحج والهدي فيه، وترك أضحية في بلده، فلا يأخذ من شعره وأظفاره من أول ذي الحجة حتى تذبح أضحيته، ما عدا المتمتع فيجب أن يأخذ من شعره للتحلل من العمرة.
أما من عزم على الهدي فقط، فيجوز له أن يأخذ من شعره وأظفاره ما شاء حتى يُحرم.
المنجد

خليجية

– لا يجوز للإنسان أن يحج عن غيره قبل حجه عن نفسه.
– يجوز لمن حج عن غيره أن يأخذ ما جعل له من الأجر، ولو كان أكثر مما أنفقه، إلا أن يشترط عليه رد الزائد فيرده.
– من قصد المال فقط فليس له عند الله نصيب، وإن أخذ الأجرة رغبة في شهود المشاعر، ونفع أخيه بأداء الحجة عنه فهو على خير عظيم ويرجى له من الأجر مثل أجر من حج عنه. (ابن باز)

خليجية

قال تعالى:{وأتموا الحج والعمرة لله}ومن إتمامهما:
– أداؤهما بشروطهما وأركانهما وواجباتهما وسننهما.
– إتقانهما وإحسانهما وفعلهما على الوجه الأكمل
– إخلاصهما لله تعالى فلا يقصد بهما ثناء ولا غيره
– عدم قطعهما قبل الإكمال فمن أحرم بأحدهما وجب عليه الإتمام ولو كان نفلاً.
ومن تمام الحج التفرغ الكامل فيه للعبادة وقطع العلائق عن الخلق.

خليجية


الهدي للحجاج، والأضاحي لغيرهم من أهل البلدان.
فمن عزم على الحج والهدي فيه، وترك أضحية في بلده، فلا يأخذ من شعره وأظفاره من أول ذي الحجة حتى تذبح أضحيته، ما عدا المتمتع فيجب أن يأخذ من شعره للتحلل من العمرة.
أما من عزم على الهدي فقط، فيجوز له أن يأخذ من شعره وأظفاره ما شاء حتى يُحرم.

خليجية

– التمتع عمرة يتحلل منها ثم يحرم بالحج، والإفراد حج فقط، والقران عمرة وحج بإحرام واحد.
– أفضل الأنساك التمتع، إلا لمن جاء بالهدي معه من خارج الحرم فيسن له القران، وليس توكيل المصارف والهيئات سوقا للهدي.
– الأفضل للمتمتع أن يكمل عمرته قبل اليوم الثامن.
– من لم يستطع الهدي فلا يمنع نفسه فضل التمتع فإن للهدي بدلا وهو الصيام.
خليجية

أركان الحج أربعة: الإحرام، الوقوف بعرفة، طواف الإفاضة، السعي
وواجباته سبعة: كون الإحرام من الميقات، البقاء في عرفة إلى الغروب، المبيت بمزدلفة، رمي الجمار، الحلق أو التقصير، المبيت بمنى ليالي التشريق، طواف الوداع
وسننه كثيرة وهي ماعدا الأركان والواجبات ومنها: التلبية، طواف القدوم، ركعتا الطواف، المبيت بمنى في اليوم الثامن..
خليجية

– من ترك ركنا من أركان الحج لم يتم حجه حتى يأتي به.
– من ترك واجبا من واجباته فعليه دم يذبح في الحرم للفقراء، فإن لم يجد صام عشرة أيام(اللجنة الدائمة)
– من ترك شيئا من السنن فلا شيء عليه، لكن فاته الكمال والفضيلة وعظيم ثوابها.
والموفق من حرص على هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الحج محبة واتباعا وتمثل قوله(خذوا عني مناسككم)

خليجية

(الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) ومن معاني الحج المبرور:
– الخالص لله الذي لا يريد به ثناء أو شيئا من الدنيا.
– ما كان موافقاً للسنة .
– ما كان من نفقة طيبة لأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا.
– ما اجتنب فيه عموم المعاصي والآثام والرفث والجدال.
قال ابن رجب: " هو ما اجتمع فيه أعمال البر مع اجتناب أعمال الإثم".

خليجية

-من توفي قبل أن يحج أو يعتمر بعد أن توفرت فيه شروط الحج فيحج عنه من ماله

-ومن كان مريضا مرضا لا يرجى شفاؤه فيجوز الحج عنه بإذنه فرضا وتطوعا
-والذي يرجى شفاؤه لا يحج عنه بل ينتظر حتى يشفى
-من كان صحيح البدن وليست عنده قدرة مالية فلا يجوز الحج عنه
-للمتمتع أن يجعل الحج لنفسه والعمرة عن غيره والعكس، إذا أدى فرضه فيهما(ابن عثيمين)

خليجية

الحيض لا يمنع من الحج، والواجب على الحائض:
– أن تحرم من الميقات، ولا يجوز تأخيره حتى تطهر.
– أن تأتي بجميع أفعال الحج من الوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة ومنى.
– ألا تطوف بالبيت ولا تسعى حتى تطهر وتغتسل.
– لو حاضت بعد انتهائها من الطواف جاز لها السعي؛ لأن السعي لا يشترط له الطهارة.



-المتمتعةإن طهرت قبل عرفة وأمكنها إتمام عمرتها أتمتها ثم أحرمت بالحج
-إن لم تطهر قبل عرفةأحرمت بالحج من مكانهاوصارت قارنة،فإذاطهرت طافت طوافاواحدا وسعياواحدا عن الحج والعمرة
-من اضطرت للسفر قبل طواف الإفاضة فإنها تبقى محرمة ويلزمهاالرجوع للطواف
-الأولى للمرأةتعجيل طواف الإفاضة يوم النحر خشيةالحيض
-يسقط عن الحائض طواف الوداع


أنواع الطواف في الحج:
– طواف القدوم، حين يصل الحاجإلى مكة، وهو سنة للمفرد والقارن، أما المتمتع فيلزمه طواف العمرة.
– طواف الإفاضة ويسمى طواف الزيارة، ويكون بعد الإفاضة من مزدلفة في يوم النحر أو بعده، وهو ركن من أركان الحج.
– طواف الوداع، ويكون بعد انتهاء أعمال الحج والعزم على الخروج من مكة، وهو واجب على كل حاج ما عدا الحائض.



– من خشي حصول ما يمنعه من إتمام الحج فيشرع له الاشتراط عند إحرامه كأن يقول: اللهم إن حبسني حابس فمحلي[ أي مكان تحللي من الإحرام] حيث حبستني.
– فإذا حصل له ما يمنعه من إتمام النسك كمرض ونحوه، فإنه يتحلل من إحرامه ولا شيء عليه.
– من لا يخشى حدوث ما يمنعه من إتمام الحج فلا يشرع له الاشتراط.
– لا يصح أن يشترط بعد الإحرام بمدة.


خدمة الحاج والمسافر لإخوانه من العبادات العظيمة، قال مجاهد: صحبت ابن عمر في السفر لأخدمه فكان يخدمني.
وصحب أحد السلف تاجرا موسرا في الحج، فلما رجعا قال التاجر: والله ما ظننت أن في الناس مثله، كان والله يتفضل علي في النفقة وهو معسر وأنا موسر، ويتفضل علي في الخدمة وهو شيخ ضعيف وأنا شاب، ويطبخ لي وهو صائم وأنا مفطر.
خليجية

من الأحكام الخاصة بالمرأة في الحج:
– ليس لإحرامها لباس خاص، غير أنها لا تلبس النقاب والقفازين.
– لا ترفع صوتها بالتلبية عند غير محارمها.
– لا ترمل في الطواف، ولا تسرع في السعي بين الميلين الأخضرين.
– لا تحلق رأسها بل تقصره قيد أنملة.
– لا تستلم الحجر لوجود الزحام بل تشير إليه.
– يسقط عنها طواف القدوم والوداع إذا كانت حائض.


خليجية

مما يلزم الحاج قبل سفره:
– قضاء ما عليه من ديون أو استئذان أصحابها
– التحري في رد المظالم واستسماح من أخطأ في حقهم
– كتابة الوصية وبيان ما له وما عليه من حقوق
– تأمين أهله فترة غيابه
– الأولى ترك ما يشغله الاهتمام بحفظه كالحلي والمبالغ الكبيرة
– تحري النفقة الحلال؛ فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا
– {وتزودا فإن خير الزاد التقوى}


خليجية
يستحب للرجل أن يحرم في إزار ورداء أبيضين نظيفين ولو كانا مستعملين.
لا بأس باستبدالهما أو بجعل الإزار رداء والعكس.
لا بأس بالإزار ذي الأشرطة اللاصقة كالحزام، أو وضع المشبك ونحوه، ولكن لا يحوّل لباس الإحرام إلى ما يشبه المخيط المفصل على الجسم كالقميص.
وعليه أن يحرص على الإحرام الثقيل الذي يستر العورة ولا يشف، ويقي من البرد.
خليجية
المحرمة لا تلبس النقاب ولو تحت الغطاء، ولا ما يشبهه مثل الغطاء المخفف من جهة العينين فقط (الشيخ صالح الفوزان).
وتغطي وجهها بالخمار عند الرجال الأجانب وتستر كفيها بأكمام العباءة.



خليجية

من محظورات الإحرام الخاصة بالرجال (لبس المخيط) وليس المقصود به ما كان فيه خياطة كما يظن بعض الناس، بل هو المفصل على قدر الجسم أو أحد أعضائه كالقميص والثوب والسراويل والجورب والقفاز والألبسة الداخلية.
ولذلك يجوز للمحرم أن يلبس حزاما أو حذاء أو ساعة في جلودها خياطة.

خليجية

-نية الإحرام تكون بالقلب، وقول:"لبيك الله حجا(أو عمرة)" ليس تلفظا بها وإنما هو ذكر مقارن لها
-من أخطأ فلبى بخلاف النسك الذي نواه فالعبرة بنيته لا بلفظه.
-من نسي التلبية بالنسك فإحرامه صحيح
-من حج عن غيره يقول: لبيك اللهم عن فلان، ولا يضره إذا نسي اسمه
-الصبي المميز يعلمه ويأمره وليه لينوي ويلبي بنفسه، وغير المميز ينوى عنه وليه.

خليجية

تغيير نية الإحرام:
– إن كان تغيير النية قبل الإحرام فلا حرج في ذلك.
– وأما بعد الإحرام فلا يجوز تغيير النية إلا للمفرد والقارن إن لم يسق الهدي فيستحب لهما تغيير النية إلى التمتع فقط.
– المتمتع إذا لم يتمكن من الاعتمار قبل الحج، فإنه يغير نيته إلى القران.
– لا يجوز لمن أحرم بالحج عن نفسه أو عن غيره تغيير النية إلى شخص آخر.


خليجية

الامتناع عن محظورات الإحرام من تعظيم شعائر الله وحرماته، فمن فعل شيئا منها متعمدا بغير حاجة فهو آثم وتلزمه الفدية.
وأما من احتاج لفعل شيء من المحظورات لمرض أو برد شديد ونحوه، فيجوز له ذلك ويسقط عنه الإثم، وعليه الفدية.
ومن فعل شيئا منها ناسيا أو جاهلا أو مكرها، فلا إثم عليه، ولا فدية، ويلزمه ترك المحظور فور تذكره أو علمه.

خليجية



-لا حرج في الطيب الباقي على البدن بعد الإحرام.

-ليس كل ماله رائحة طيبة ممنوعا على المحرم كالنعناع ورائحة الليمون، ولكن الممنوع ما هو طيب عرفا كالمسك والعود والزعفران
-البخاخات ومزيلات العرق والصابون الممزوجة بالعطر لا يستعملها المحرم، وأما مزيلات العرق غير المعطرة والشامبو برائحة الفواكه والصابون العادي فليست ممنوعة.
خليجية

تنطلق معظم حملات حج الداخل إلى بيت الله العتيق ويفاجأ كثير من الحجاج بزحام غير متوقع ويرون جموع الطائفين تتحرك ببطىء وضيق شديد فليوطن المسلم نفسه على تحمل المشقةفي سبيل،والحج نوع من الجهاد،وإكماله واجب لله،والأجر على قدر التعب،ولا بأس أن يطوف بعض الأشواط من تحت وبعضها من فوق،ويضبط البداية والنهايةوالعدد،ويخشع ماأمكنه ويدعو


خليجية

قد يطول الطريق في الحافلات من الميقات إلى مكة، فمن استغرق في النوم بحيث غاب عما حوله فإنه يعيد الوضوء قبل أن يشرع في الطواف.
الصفرة والكدرة بعد الطهر لا تمنع صحة طواف المرأة.

خليجية

رحلة الحج موعظة وتذكير:
– يتذكر الحاج بسفره الرحيل إلى الدار الآخرة.
– وبفراق أهله يتذكر خروجه من الدنيا ومفارقة المحبوبات.
– وبتزوده من المتاع يتذكر حاجته لزاد التقوى.
– وتعب السفر ونصبه يذكره كربات الموت وما في القبر والحشر والقيامة من الأهوال.

. خليجية

– يتذكر المحرم بتجرده من المخيط الزهد في متاع الحياة وزينتها
– وبتلبيته وجوب استجابته لربه في كل ما أمره ونهاه
– وبترك محظورات الإحرام يتذكر نعمة الله عليه بالمباحات التي منع منها مؤقتا ووجوب ترك المحرمات التي منع منها دائما
وباستحضار مثل هذه المعاني وامتثالها يحيا القلب ويطيب عيشه.

خليجية






بارك الله فيك



خليجية

خليجية

خليجية




بارك الله فيك



التصنيفات
منتدى اسلامي

فوائد قصيرة قيمة تخص " الحج " المنجد

خليجية

الهدي للحجاج، والأضاحي لغيرهم من أهل البلدان.
فمن عزم على الحج والهدي فيه، وترك أضحية في بلده، فلا يأخذ من شعره وأظفاره من أول ذي الحجة حتى تذبح أضحيته، ما عدا المتمتع فيجب أن يأخذ من شعره للتحلل من العمرة.
أما من عزم على الهدي فقط، فيجوز له أن يأخذ من شعره وأظفاره ما شاء حتى يُحرم.

المنجد

خليجية

– لا يجوز للإنسان أن يحج عن غيره قبل حجه عن نفسه.
– يجوز لمن حج عن غيره أن يأخذ ما جعل له من الأجر، ولو كان أكثر مما أنفقه، إلا أن يشترط عليه رد الزائد فيرده.
– من قصد المال فقط فليس له عند الله نصيب، وإن أخذ الأجرة رغبة في شهود المشاعر، ونفع أخيه بأداء الحجة عنه فهو على خير عظيم ويرجى له من الأجر مثل أجر من حج عنه. (ابن باز)

خليجية

قال تعالى:{وأتموا الحج والعمرة لله}ومن إتمامهما:
– أداؤهما بشروطهما وأركانهما وواجباتهما وسننهما.
– إتقانهما وإحسانهما وفعلهما على الوجه الأكمل
– إخلاصهما لله تعالى فلا يقصد بهما ثناء ولا غيره
– عدم قطعهما قبل الإكمال فمن أحرم بأحدهما وجب عليه الإتمام ولو كان نفلاً.
ومن تمام الحج التفرغ الكامل فيه للعبادة وقطع العلائق عن الخلق.
خليجية

الهدي للحجاج، والأضاحي لغيرهم من أهل البلدان.
فمن عزم على الحج والهدي فيه، وترك أضحية في بلده، فلا يأخذ من شعره وأظفاره من أول ذي الحجة حتى تذبح أضحيته، ما عدا المتمتع فيجب أن يأخذ من شعره للتحلل من العمرة.
أما من عزم على الهدي فقط، فيجوز له أن يأخذ من شعره وأظفاره ما شاء حتى يُحرم.

خليجية

– التمتع عمرة يتحلل منها ثم يحرم بالحج، والإفراد حج فقط، والقران عمرة وحج بإحرام واحد.
– أفضل الأنساك التمتع، إلا لمن جاء بالهدي معه من خارج الحرم فيسن له القران، وليس توكيل المصارف والهيئات سوقا للهدي.
– الأفضل للمتمتع أن يكمل عمرته قبل اليوم الثامن.
– من لم يستطع الهدي فلا يمنع نفسه فضل التمتع فإن للهدي بدلا وهو الصيام.

خليجية




بارك الله فيك اختي الغاليه و جزاك الله الفردوس الاعلى



التصنيفات
منوعات

محاضرة:فساد الأقارب .للشيخ/محمد صالح المنجد

فساد الأقارب
محمد صالح المنجد

عناصر الخطبة:
1. أهمية صلة الرحم، ومن هم الأرحام؟
2. حصول بعض الشرور من الأقارب.
3. هديه صلى الله عليه وسلم في مراقبة أهله.
4. عدم حضور حفلات المنكرات.
5. كيفية مقاومة الفساد في الأسر.
6. التزاور بين الأقارب.
7. خطورة التدخل بين الأقارب بالإفساد.
8. تعاون الأسر على الخير.

************
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
أهمية صلة الرحم، ومن هم الأرحام؟
فإن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه العزيز:(وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ)(سورة النساء:1)، وقال عز وجل: (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ)(سورة الرعد:21)، وأما الذين يقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض فأولئك لهم اللعنة، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم صلة الرحم من علامات الإيمان، فقال: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه))[1]، والأرحام من جهة الآباء والأمهات وإن علو، وأولاد الأولاد وإن نزلوا، ثم الإخوة والأخوات، ثم بنو الإخوة وبنات الإخوة، ثم الأعمام والعمات وهكذا، ويدخل في الرحم أخوال الأم، وخالاتها، وعماتها، وأعمامها، وأخوال الأب، وخالاته، وأعمامه، وعماته، وبما أن الرحم قد يكونون كثيرين فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله يوصيكم بأمهاتكم، إن الله يوصيكم بأمهاتكم، إن الله يوصيكم بأمهاتكم، إن الله يوصيكم بآبائكم، إن الله يوصيكم بالأقرب فالأقرب))[2]، وقد جعل العلماء الصلة ممتدة إلى الطبقة الرابعة من النسب، وأن كل هؤلاء يعتبرون رحماً.
حصول بعض الشرور من الأقارب
وبعض الأرحام قد يأتي منه شر، وإن انتشار الفساد في العالم؛ يطال القريب والبعيد، وبعض الأسر مخترقة بهذا الفساد الذي ضرب أطنابه في كل مكان، والإنسان يتأذى في كثير من الأحيان من بعض أقاربه في الشر، ويتعلم أبناؤه، أو بناته من الألفاظ البذيئة، أو العادات السيئة كالتدخين، أو التمرد على الأبوين وربما تصل القضية إلى العلاقات المحرمة والفواحش، فعلى الإنسان أن يحمي نفسه، والخطر في الأرحام أكثر؛ لأنهم يدخلون ويخرجون بحجة القرابة، وهي حجة قوية جداً، ولكن المسلم له انتباهه وفطنته، وتبقى له غيرته، وأشرف الناس، وأعلاهم قدراً وهمة؛ أشدهم غيرة على نفسه، وخاصته، وعموم الناس، ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان أغير الخلق على الأمة، والله أشد غيرة منه عز وجل.
وقد تشتد الغيرة فتحمل على إيقاع العقوبة من غير إعذار، ومن غير قبول العذر، وقد تضعف فلا يتحرك الإنسان لشيء، والممدوح هو اقتران الغيرة بالعذر، فيغار في محل الغيرة، ويعذر في موضع العذر، ومن كان هكذا فهو الممدوح حقاً.
هديه صلى الله عليه وسلم في مراقبة أهله
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم كان يراقب أحوال أهله، ومن معلوم أن غير أولي الإربة من الرجال، أي: الذين لا شهوة عندهم لفقدان عقل، أو كبر سن مفرط، أو لشيء في الخلقة كالذي بين الذكر والأنثى، وهو الذي يسمى عند أهل العلم بالخُنثى يجوز لهم أن تضع النساء عندهم الثياب، أي: الحجاب المعتاد، وتبقى متسترة ببقية ثيابها، ولكن إذا صار منهم شر فلابد من إخراجهم، فقد روى مسلم رحمه الله عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث فكانوا يعدونه من غير أولي الإربة، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم يوماً وهو عند بعض نسائه، وهو ينعت امرأة" أي: هذا الشخص، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألا أرى هذا يعرف ما هاهنا لا يدخلن عليكن))، قالت: فحجبوه"[3]، فلما ظهرت الريبة منع، ولو كان من غير أولي الإربة؛ لأنه لا يؤمن أن ينقل وصف النساء في المجالس.
عدم حضور حفلات المنكرات
فالغيرة هي الحمية، والحماسة التي تجعل الإنسان يغار على نسائه، وعلى أهله، ولولا هذه الغيرة لكان الفساد يعم كل مكان، ولكن بقيتها في نفوس العباد هي التي يدفع الله بها كثيراً من الشرور.
وهي التي تجعل الإنسان اليوم سواء كان زوجاً، أو أباً، أو أخاً يغار فلا يمكِّن محارمه، ولا يمكِّن الزوج زوجته من إتيان حفلات المنكرات، التي فيها أنواع التعري في الملابس، والتصوير، والاختلاط، ونحو ذلك؛ لأنه من الحرص على الأهل انطلاقاً من قوله تعالى: (قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ)(سورة التحريم:6).
وهي التي تجعل الإنسان يحول بين غشيان نساء أهل بيته وهذه الحفلات، ولو كانت لأقارب وما أكثرها، -والصيف قادم-، فإن الشر إذا صار في هذه الحفلات، فإنه لابد من الامتناع عن إتيانها، ومنع الأهل لما يحدث فيها من الفساد، والمسلم مطالب بأن يكون له موقف في المنكر، وإذا دُعي إلى مكان فيه منكر فإن عليه أن يأتيه لإنكاره، فإذا كان لا يمنع، ولا فائدة من حضوره، ولا من إنكاره؛ فإنه لا يجوز له أن يأتيه كما قال العلماء.
كيفية مقاومة الفساد في الأسر
وينبغي لمقاومة الشر والفساد الذي يحدث في بعض الأسر والعوائل؛ من الاهتمام بإصلاح ذات البين، والعمل على إصلاح الأوضاع الداخلية للعائلة، والأسرة بفروعها، واختيار الفرصة المناسبة للتذكير، واغتنام اجتماع الأقارب في آخر الأسبوع، أو آخر الشهر، أو في الإجازات لأجل هذا، وأن تطرح الموضوعات الشرعية التي فيها موعظة، وفيها علم، وفيها تبصير بالواقع على ضوء الشريعة.
إن ضرب الأمثلة، والقصص، وإيراد الفتاوى، وفتح الحوارات، واختيار المكان، والزمان، والموضوع، والأسلوب؛ مهم جداً في هذا الحال الذي نعيش فيه؛ لأن القضية ليست أن تفر فقط بأهلك منهم، وإنما أن تصلح، وتسعى في إدخال هذا الصلاح في أحوالهم؛ لأن من أعظم صلة الرحم أن تدعوهم إلى الله، فإن الله تعالى قال: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ)(سورة الشعراء:214)، فلنفكر على مستوى العائلة، وعلى مستوى الأسرة، وعلى مستوى هذه الجماعة التي ننتمي إليها نسبياً، من الذي يقصر في الصلاة منهم، ومن الذي ينتهك حدود الله، سواء كانوا صغاراً أم كباراً، شباباً أو شيوخاً، ذكوراً أو إناثاً، وما هو الموقف تجاههم، وكيف نقوم بدعوتهم.
إن إنذار العشيرة الأقربين أمر في غاية الأهمية، وإن إقامة حلق العلم، وأن يرد في هذه المجتمعات من أهل الدعوة إلى الله، وطلبة العلم، أو من هو في الأسرة عنده شيء من الإلمام والمشاركة في أعمال الدعوة، والعلم؛ ليقدم ما يمكن أن يقدمه في هذا، مع مشاركة الآخرين في نقاشات مفيدة، هو أمر في غاية الأهمية، ولهذا كانت بعض الأسر سباقة في إقامة البرامج العلمية، والمسابقات المفيدة، والكلمات الطيبة، والحماية من الداخل، والإتيان بالخير من الخارج، وقد قال عليه الصلاة والسلام مذكراً: ((إن آل أبي فلان ليسوا بأوليائي إنما ولي الله وصالح المؤمنين، ولكن لهم رحم أبلها ببلالها))[4]، أي: أصلها بصلتها، فيبقى لهم قرابة، وإن لم يكن لهم صلاح، ودين، وتبقى هذه الصلة، وهذه الشعرة علَّ الله أن يهديهم يوماً.
والولاية بين المؤمنين هي بين الصالحين، قال تعالى: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ) (سورة التوبة:24)، ولا يمكن للمؤمن أبداً أن يقدم العشيره، أو الأبناء، أو الإخوان، أو الآباء، أو الزوجات على محبة الله ورسوله مهما كانت الشفقة، والقرابة، فإن دين الله أولى.
عباد الله:
التزاور بين الأقارب
عندما يكون هنالك تزاور بين الأقارب انطلاقاً من صلة الرحم؛ فإن هذه الزيارات ينبغي أن تضبط بضوابط الشرع، وعندما نمنع الاختلاط المحرم، وجلسات الغيبة، وأنواع المعصية، أو الاجتماع على الشاشات التي فيها منكرات كما يحدث في كثير من الأحيان، يجتمع الأقارب فلا يتكلمون، ولا يتخاطبون، ولا يتبادلون الأخبار، ولا يفتحون المواضيع المفيدة، وإنما يعكفون على هذه الشاشات التي أشغلت مجالس الناس عن الكلام المفيد، وعن معرفة أخبارهم، وعن التداخل النفسي المطلوب، وعن فائدة الزيارة، وفائدة صلة الرحم، وفائدة الأخوة في الله، بل أشغلتهم حتى أحياناً عن إقام الصلاة، وعن كثير من الخير، ولذلك فإن المقصود من الزيارة، والصلة، والجلوس هو الانتفاع، وتمتين العلاقة، وليست رؤية البرامج، والأخبار التي يمكن رؤيتها في أي مكان آخر، أو أخذها من أي مصدر آخر.
إن وقت الزيارة ينبغي أن يُظنَّ به عن أن يصرف، أو يذهب في مثل هذا، وإن الانطلاق من المسئولية التي سيسألنا الله يوم القيامة عنها، ((كلكم راع وكل مسئول عن رعيته))[5]؛ هو الذي يدفع المسلم لهذا الاهتمام، إن الله سائل كل راع عما استرعاه، أحفظ ذلك أم ضيع، قال العلماء: الراعي هو الحافظ، المؤتمن، الملتزم صلاح ما قام عليه، أنت رب أسرة إذن أنت عليك التزامات، وأنت مسئول، وأنت مؤتمن على ما تحت نظرك، وعلى ما قمت عليه، وعلى ما توليته، ومطالب بالعدل فيه، وبالقيام بمصالحه دينياً ودنيوياً، وهذا يدل على أهمية التغذية الشرعية الدينية لأولادك، ولأهلك، ولأقاربك، فأنت مصدر خير، فأنت تنقل الفتاوى بدقة، وأنت تعظ، وتذكر، وتعلق على الأحداث، وتأمر بالخير، وتنهى عن الشر، إن هذا التحصين الذي يجعل الولد لو دخل إلى أفراد من العائلة وعندهم منكر أن يهرب منه، وأن يحذر، وأن يقول هذا حرام، وأن يقول اتقوا الله.
رأى شخص ولده قد أتلف علبة السجائر، فقدم له جائزة إنكار المنكر تشجيعاً له على ما فعل، فهذه من البوادر التي تبدر من بعض الأطفال لسلامة فطرتهم، فالولد إذا عُلم شيئاً مشى بموجبه، ومثل هذا لابد من تشجيعه؛ لأننا نريد أن تغرس البذر الطيبة، وأن تُرعى، وأن تنبت، وأن تعتدل وتستوي قائمة على أصولها، وعندما يشغل الناس بالطاعة عن المعصية؛ نكون قد ربحنا من جهتين.
وقد يغشى الإنسان مجلس قوم من أقاربه، وهو يستمعون، أو يرون منكراً، فيفتتح لهم حديثاً شيقاً، ويصرفهم عن ما هم عليه من سماع، أو رؤية المنكر بأسلوب حكيم، وطريقة جذابة، يحمدون معها هذا الطرح، وهذا الأسلوب، ويودون أن يكمل كلامه وأن لا يسكت.
خطورة التدخل بين الأقارب بالإفساد
وهناك أنواع من التدخلات السيئة التي تحدث من الأقارب، وربما تؤدي إلى الإفساد، وهذا من أنواع المحرمات التي تكون في العوائل والأسر، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من خبب امرأة على زوجها[6]، أي: أفسد العلاقة بينهما، وربما قالت أو قال لها: لا ترضي بهذا، أو هذا زوج مقصر، وطالبيه بكذا، ويؤجج نفسية الزوجة، وربما يزهد الزوج في زوجته، وهذا التدخلات السلبية التي ربما يكون عاقبتها الطلاق، ونحو ذلك من إساءة العلاقة، وانتهائها إلى طريق مسدود، فالشر الذي يأتي من الأقارب يكون من جهة إفساد العلاقات الزوجية أيضاً، وكذلك يجب أن يعمل الإنسان على تقوية العلاقات بين الأبناء وآبائهم بما يقدم من النصائح، وإن نصيحة يتلقاها ولدك من قريبك ينصحه فيها بطاعة أبيه، وحق أبيه، ونحو ذلك سيكون لها أثر عليه، خصوصاً أن المصدر كان من غيرك، وهذا يقوي ما تدعو إليه أنت، وإذا اجتمعت الأمور على الخير، والمصادر عليه أدت المفعول الطيب.
عباد الله:
لقد عانى النبي صلى الله عليه وسلم من سوء بعض أقاربه، فأبو لهب عمه أخو أبيه لم يسلم من شره، ولما جمعهم عليه الصلاة والسلام، ونادى في بطون قريش يا بني فلان، يا بني فلان، ((يا صباحاه))[7]، وهي كلمة إنذار للحرب عند العرب، فلما اجتمعوا، رقى سفح الجبل، وقال: ((أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي)) قالوا: نعم ما جربنا عليك إلا صدقاً، قال: ((فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد))، فقام أبو لهب، وهو أول من اعترض على الدعوة وقال:" تباً لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا، فنزلت: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ)(المسد:1)[8].
يقول ربيعة بن عباد الديلي: "إني لمع أبي رجل شاب أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبع القبائل، ووراءه رجل أحول وضيئ ذو جُمة- شعر-، يقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على القبيلة ويقول: ((يا بني فلان، إني رسول الله إليكم آمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وأن تصدقوني حتى أنفذ عن الله ما بعثني به)) فإذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من مقالته، قال الآخر من خلفه: يا بني فلان إن هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى، وحلفائكم من الحي، إلى ما جاء به من البدعة، والضلالة، فلا تسمعوا له، ولا تتبعوه، فقلت لأبي: من هذا؟ قال: عمه أبو لهب.[9] فالرسول عليه الصلاة والسلام يدعو من هنا، وذاك يخذل ويثبط ويفسد من الجهة الأخرى، فقد يبتلى الإنسان فعلاً ببعض أقاربه، ويكون حجر عثرة في طريق الدعوة، حجر في الساقية لا يشرب، ويعيق الآخرين عن الشرب، وهكذا نزل فيه وفي زوجته أم جميل التي كانت تقول: مذماً عصينا، بدلاً من محمد، (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ)(المسد:5)، أي: في عنقها حبل من نار.
اللهم إنا نسألك أن تقينا شر أنفسنا، وأن تعيننا على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادك، وأن تجعلنا من القائمين بصلة أرحامنا، القائمين بحقك فيما بينهم يا سميع الدعاء.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا الله، وسبحان الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، أشهد أنه هو الحي القيوم، ذو الجلال والإكرام، خالق السموات والأرضين، المنعم المتفضل علينا بأنواع النعم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله رحمة للعالمين، بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، وداعياً إلى سبيله سبحانه، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك، ونبيك محمد، صاحب المقام المحمود، ولواء الحمد، والشافع المشفع يوم الدين، اللهم صل عليه، وعلى آله، وصحبه، وذريته الطيبين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله:

عمٌّ يصد عن سبيل الله ويحول بينه وبين دعوته، عدو كافر، وعم نصره وآمن به، وهاجر وجاهد معه، وقتل شهيداً وهو حمزة رضي الله عنه، وعم تأخر إسلامه، لكن أسلم، وكان يدافع عنه وهو العباس، وعم كان يدافع عنه لكن لم يدخل في دينه ومات على الكفر وهو أبو طالب، فهؤلاء أقارب تنوعوا في الأحوال، والإنسان يبتلى بأنواع من الأقارب، فمنهم من يكون من أعداء الدين، ومنهم من يكون من الدعاة العاملين، فسبحان الله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، والمسلم يستعين بأقاربه الطيبين على دعوة الآخرين، فيوجه هذه الطاقات، ويدفع بتلك الشخصيات، ويذكر بالواجبات، والمسئوليات، ويحتشد الجميع لمواجهة المنكرات على مستوى العائلة، وكأن هنالك عقد تعاقدوا عليه، وهذه العقود، والأحلاف الأسرية العائلية في مواجهة المنكرات تصلح أن تكتب اليوم، وأن يجتمع عقلاء الأسرة ليكتبوا لها دستوراً لآل فلان، فيه القيام بكذا وكذا، والامتناع عن كذا وكذا، ويوقعوا عليه، وأنواع العهود والعقود هذه محبذة شرعاً؛ لأن فيها عقد الهمة، ومزيد من التحفيز، وأن يكون فيها أيضاً تناصر، وتذكر، وإعانة على الحق.
تعاون الأسر على الخير
وأحياناً تقوم بعض الأسر والعوائل بعمل صندوق خيري للجوائح، والمصائب، والإقراض، والحاجة، أفلا يرفق ذلك بشيء من التعاقد على نصرة الشريعة، ومنع الفساد، والمنكرات على مستوى العائلة، فإن الابتلاء كبير، ويحتاج إلى تكاتف الجهود على مستوى العائلة، كي يكونوا قوامين بالقسط شهداء لله، ولما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً))[10]، فإن هذا على مستوى هذه الجماعة، والأسرة، والعائلة؛ أقوى.
والنبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو: ((أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي))[11]، فالعافية على مستوى الأهل هي التي تجعل الدين قوياً، وما يخدشه يذهب ويضمحل، (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ)(النساء:135)، ولنكن هكذا، وأن تتداعى الأسرة للتفكير في مشكلات أفرادها، وما الذي يجب أن يقوم فيها لأجل مواجهة الشرور الكثيرة، بدلاً من أن يُخطف فلان، وتُخطف فلانة، وهذا وقع في الرذيلة، وهذا في المخدرات، والسمعة تلطخت، ومحاضر الشرطة حافلة، وهذا في سجن، وهذا مضيع، وهذا في الخارج ما عاد يسأل عن أحد لا عن الإسلام، ولا عن المسلمين.
إن الوضع يحتاج فعلاً إلى لملمة، وإعادة تجميع هؤلاء على الحق، وصاحب اللواء المبادر؛ له أجر عظيم، وصاحب الفكرة، والذي يدعو إليها في أوساط الأقارب، لا شك أن له مثل أجر من اتبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيء، والمسألة تحتاج إلى تحمل، وصبر، وعندما يقوم الإنسان مع كرم أخلاق، وطيب شيم بهذا، فإنه يُسمع له ويُطاع؛ لأن له رصيد من التعامل الحسن الذي يجعل الانجذاب لفكرته قائماً.
يعاتبني في الدين قومي وإنما *** ديوني في أشياء تكسبهم حمدا
وإن الذي بيني وبين بني أبي *** وبين بني عمي لمختلف جدا
إذا أكلوا لحمي وفرت لحوهم *** وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا
وإن ضيعوا غيبي حفظت غيوبهم *** وإن هم هووا غيي هويت لهم رشدا
وليسوا إلى نصري سراعاً وإن هم *** دعوني إلى نصر أتيتهم شدا
ولا أحمل الحقد القديم عليهم *** وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا
لهم جُل مالي إن تتابع لي غنى *** وإن قل مالي لم أكلفهم رفدا
وقضية الحقد القديم مع الأسف الشديد تخرب علاقات أفسدت كثيراً، والمشكلة أن بعض الآباء يورثها للأبناء، ويقول: وكأنها وصية مودع، وفلان لا تكلموه، ولا أرضى أن تكلموه، ومن كلمه أنا ساخط عليه إلى يوم القيامة، ولا أسامحه في الحياة، ولا بعد الممات، وا عجباً أين صلة الرحم؟! أين الرحم المضيع؟!
عباد الله:

إنها والله مسؤوليات شرعية ينبغي القيام بها، وأمور فطرية أصلاً، فلو لم يجىء الشرع بها، لكان من الفطرة، ومن الطبع الجميل أن يقام بها.
اللهم إنا نسألك أن تهيأ لنا من أمرنا رشدا، أعنا على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادك، أصلح أحوالنا، وبيوتنا، ونياتنا، وذرياتنا، ربنا اجعلنا مقيمي الصلاة ومن ذرياتنا، ربنا وتقبل دعاء، ربنا اغفر لنا، ولوالدينا، وللمؤمنين يوم يقوم الحساب، اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، اللهم هيئ لأمة محمد صلى الله عليه وسلم أمراً رشيداً يُعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، اللهم إنا نسألك الفرج العاجل لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم عجل فرج المسلمين، عجل فرج المسلمين، عجل فرج المسلمين يا رب العالمين، اللهم وانصر هذه الأمة على المشركين وعلى أعداء الدين، اللهم إنا نسألك التقى، والهدى، والعفاف، والغنى، نسألك توبة نصوحاً، اللهم إنا نسألك حسن الخاتمة.
إن الله يأمر بالعدل، والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء، والمنكر، والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

********************
[1] رواه البخاري (6138).
[2] رواه ابن ماجه (3661) وأحمد (16736). وصححه الألباني في صحيح الجامع (1924).
[3] رواه مسلم (2181).
[4] رواه البخاري (5990) ومسلم (215).
[5] رواه البخاري (893) ومسلم (1829).
[6] رواه أبو داود (2175). وصححه الألباني في صحيح الجامع (5436).
[7] رواه الترمذي (3186). وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
[8] رواه البخاري (4770) ومسلم (208).
[9] رواه أحمد (15595).
[10] رواه البخاري (2443).
[11] رواه أبو داود (5074). وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (659)




بارك الله فيك




بارك الله فيك
خليجية



التصنيفات
منوعات

معاتبة النفس ) للشيخ المنجد

( معاتبة النفس )

عناصر الموضوع :

1. حاجتنا إلى معاتبة النفس

2. الفارق بين السلف والخلف في حب الظهور

3. فرق بين السلف والخلف في حب المال

4. طلب الرئاسة بين السلف والخلف

5. عدم الانقياد للحق بسهولة

6. الفتوى السريعة في هدم الشريعة

7. عدم تعظيم كلام الله

8. قسوة القلوب

9. دوام المحاسبة

10. خطر السكوت عن المنكر

11. إهمالنا لأهل بيوتنا

12. السلبية القاتلة

13. التساهل في فتنة النساء

14. فلنراجع أخلاقنا

15. صلة الرحم وبر الوالدين

16. تضييع الأوقات

معاتبة النفس:

هذه المحاضرة تتحدث عن كثير من السلبيات التي نقع فيها، والتي لابد أن نراجع ونعاتب أنفسنا عليها، ومن هذه السلبيات: عدم الانقياد للحق بسهولة، وكذلك التجرؤ في الفتوى بدون علم، وعدم تعظيم كلام الله … إلخ. كما بين الشيخ الفرق بين السلف والخلف في حب المال، وحب الرئاسة، وكذلك حب الظهور. وحث الشيخ على مراجعة أخلاقنا مع الأهل والأقارب والأصدقاء ….

حاجتنا إلى معاتبة النفس:

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد وعلى آله وصحبه، ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * < وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [الحشر:18-19]. وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد:16]. أيها الإخوة .. تعالوا نعاتب أنفسنا، هذا هو موضوعنا في هذه الليلة، ما أشد حاجتنا إلى معاتبة النفس ومحاسبتها، إن هذه المعاتبة والمحاسبة هي التي تجعل النفس تتحرر من أسر الشهوات، وتتحرر من الظلمات، وبالمعاتبة والمحاسبة تقام النفس على الصراط المستقيم، فإن الله سبحانه وتعالى ندبنا إلى ذلك فقال: وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ [الحشر:18] وقد قال أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه: [حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا، فإن أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة:18]]. وكان رضي الله عنه يحاسب نفسه وهو أمير المؤمنين كما جاء عن أنس رضي الله عنه قال: [سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوماً وخرجت معه حتى دخل حائطاً فسمعته يقول وبيني وبينه جدار وهو في جوف الحائط: عمر بن الخطاب أمير المؤمنين بخٍ بخ، والله لتتقين الله يا بن الخطاب أو لعيذبنك] رجاله ثقات. وقال مالك بن دينار رحمه الله تعالى: [رحم الله عبداً قال لنفسه النفيسة: ألست صاحبة كذا؟ ألست صاحبة كذا؟ ثم ذمها ثم خطمها ثم ألزمها كتاب الله فكان لها قائدا]. وقال ميمون بن مهران رحمه الله: [التقي أشد محاسبة لنفسه من شريك شحيح] الذي يحاسب شريكه. وكانوا رحمهم الله تعالى يحاسبون أنفسهم، ونحن -أيها الإخوة- فينا عللٌ كثيرة، وفي أنفسنا أمراضٌ كثيرة تحتاج إلى علاج وإذا استمرت الأحوال دون تصحيح فإنه يخشى علينا -والله- من الهلكة. وإذا نظرت -أيها المسلم- فيما حولك تجد في بعض هذه الجموع التي جاءت إلى طريق الحق تريد الاستقامة خيراً كثيراً ولا شك، ولكننا -أيها الإخوة- لا نعتبر بالكثرة وإنما بالحقيقة، والحقيقة أنه يجب علينا أن نحاسب أنفسنا، وأن نعاتبها، هل فينا خوف من الله كما ينبغي؟ هل يوجد عندنا شيء مما كان يوجد عند السلف من البكاء من خشية الله تعالى؟ هل إذا تليت آيات الله حركت في أنفسنا ما يجب أن يتحرك، واقشعرت الجلود والنفوس والقلوب لذكر الله عز وجل ثم انقادت إلى طاعته ومرضاته؟: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ [الرعد:28].. اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر:23]. عن القاسم بن محمد قال: كنا نسافر مع ابن المبارك فكثيراً ما كان يخطر في بالي فأقول في نفسي: بأي شيء فضل الرجل علينا حتى اشتهر في الناس هذه الشهرة؟! إن كان يصلي إنا لنصلي، ولئن كان يصوم إنا لنصوم، وإن كان يغزو فإنا لنغزو، وإن كان يحج فإنا لنحج؟ حتى كنا في بعض مسيرنا في طريق الشام ليلة نتعشى في بيت إذ طفئ السراج فجأة، فقام بعضنا فأخذ السراج وخرج يبحث عن شيء لإصلاحه وإيقاده، فمكث هنيهة ثم جاء بالسراج، فنظرت إلى وجه ابن المبارك ولحيته قد ابتلت من الدموع، فقلت في نفسي: بهذه الخشية فضل هذا الرجل علينا، ولعله حين فقد السراج فصار إلى الظلمة ذكر القيامة. وقال المروذي لـأحمد رحمه الله: كيف أصبحت؟ قال: كيف أصبح من ربه يطالبه بأداء الفرائض، ونبيه يطالبه بأداء السنة، والملكان يطالبان بتصحيح العمل، ونفسه تطالبه بهواها، وإبليس يطالبه بالفحشاء، وملك الموت يراقب قبض روحه، وعياله يطالبونه بالنفقة؟ وكم مرة يأتي ذكر النار علينا، ونسمع ذلك كثيراً، فماذا حرك ذلك في أنفسنا؟ أليس فيها من الأهوال وأنواع العذاب ما لو نزل ذكره على جبل لصار خاشعاً متصدعاً من خشية الله؟! عبد الله بن مسعود يقول في قوله تبارك وتعالى: زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ الْعَذَابِ [النحل:88] [عقارب أنيابها كالنخل الطوال] إسناده صحيح، وقد جاء مرفوعاً عن البراء بن عازب : (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن قول الله تبارك وتعالى: زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ الْعَذَابِ [النحل:88] قال: عقارب أمثال النخل الطوال تنهشهم في جهنم) فإذاً هذا عذاب فكيف بالعذاب الأصلي؟! فلا شك أن المؤمن يعاتب نفسه على عدم تحرك الخشية أو الخوف من الله عز وجل في نفسه إذا تليت مثل هذه الآيات، وإذا حصل من التذكير بالله عز وجل، فلم تحرك في نفسه شيئاً فلا شك أنها تحتاج إلى معاتبة، لا شك أن نفوسنا من كثرة المعاصي والانشغال بالدنيا وكثرة الوقوع في الآفات قد قست.

الفارق بين السلف والخلف في حب الظهور:

نحن -أيها الإخوة- ما هو حالنا ونحن نعاتب أنفسنا؟ ما هو حالنا في إخفاء العمل؟ العمل واجب ومطلوب ولا شك في ذلك، لكن هل حاولنا إخفاء العمل كما كانوا -رحمهم الله- يخفونه؟ أليس الواحد منهم كان يحمل جراب الدقيق على ظهره ليعطيه فقراء أهل المدينة؟! أليس الواحد منهم كان إذا نشر مصحفه فدخل عليه رجل غطاه بثوبه حتى لا يراه وهو يقرأ؟! ما رئي الربيع متطوعاً في مسجد قومه قط إلا مرة واحدة، كان يجعل تطوعه كله في البيت حتى لا يرى، أما نحن فنحب الشهرة ونتطلع إليها، ونريد أن نذكر وأن يعلو اسم الواحد منا بين الناس، على عكس ما كانوا عليه رحمهم الله تعالى. خرج ابن مسعود ذات يوم فتبعه الناس فقال لهم: [ألكم حاجة؟ قالوا: لا. ولكن أردنا أن نمشي معك؟ قال: ارجعوا فإنها ذلة للتابع، وفتنة للمتبوع] نحن نرى لأنفسنا حقاً وشأناً ومكانة وهم كانوا رحمهم الله تعالى يغمطون أنفسهم ولا يرون لها حقاً، بل كانوا يحتقرونها حتى قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: [لو تعلمون ما أعلم من نفسي لحثيتم على رأسي التراب] وكان بكر بن عبد الله المزني إذا رأى شيخاً كبيراً في السن، قال: هذا خير مني، عبد الله قبلي، وإذا رأى شاباً قال: هذا خير مني ارتكبت من الذنوب أكثر مما ارتكب. فعندنا -أيها الإخوة- طربٌ إذا سمعنا ثناء الناس بخلاف السلف رحمهم الله تعالى. محمد بن واسع دخلوا عليه يعودونه وهو يقول: ما يغني عني ما يقول الناس إذا أخذ بيدي ورجلي فألقيت في النار. وكان يقول لجلسائه: لو كان للذنوب ريح ما قدر أحد أن يجلس إلي. نحن أصحاب المجاملات، ونحن الذين يتزين بعضنا لبعض ويخفي بعضنا عن بعض أشياء كثيرة، نحن لو قارنا حالنا بحال السلف الذين كان يقول قائلهم هذا الكلام لأفلحنا، ولكن نفعل أشياء من الذنوب كثيرة، ثم نتجمل أمام الناس بالمظهر الحسن ونتظاهر بلباس التقوى، وفي أحدنا من الذنوب ما الله به عليم. وقال رجل لـابن عمر: [لا نزال بخير ما أبقاك لنا الله، قال: ثكلتك أمك، وما يدريك ما يغلق عليك من أخيك بابه]. وإذا كان الواحد منا إذا أثني عليه في مجلس انتفش وانتفخ وأحس بنشوة وطرب فإنهم رحمهم الله كانوا بخلاف ذلك. قال أحدهم: رأيت أثر الغم في وجه أبي عبد الله -يعني الإمام أحمد- وقد أثنى عليه شخص وقيل له: جزاك الله عن الإسلام خيراً، قال: بل جزى الله الإسلام عنا خيراً ، ومن أنا؟ وما أنا؟ وفي أنفسنا نحن عجب كثير، يعجب الواحد بعمله، ويعجب برأيه، مع أن الإعجاب بالرأي مصيبة، وقد لا نفكر بالخوف على أنفسنا من هذا العجب رغم أنه يورد المهالك: (الشح المطاع، والهوى المتبع، وإعجاب كل ذي رأي برأيه) قال رجل لـابن عمر : [يا خير الناس وابن خير الناس! فقال: ما أنا بخير الناس ولا ابن خير الناس، ولكني عبد من عباد الله أرجو الله وأخافه، والله لن تزالوا بالرجل حتى تهلكوه]. كان الواحد منهم يرفض أن يثنى عليه، والواحد منا اليوم إذا سمع ثناءً لسان حاله يقول: هات الزيادة، وليثن غيرك ونحو ذلك، وهم رحمهم الله كانوا لا يرون أنفسهم شيئاً، يحتقرون أنفسهم غاية الاحتقار حتى كان الواحد منهم يقف في عرفة يُسمع بغير قصد وهو يقول: اللهم لا ترد هذا الجمع من أجلي، بل كانوا إذا لم يعرفوا سروا بذلك، كان للواحد منهم سمعة بغير قصد، فكان إذا جهل حاله في مكان أو بلد قدم إليه سراً في ذلك. قال الحسن : كنت مع ابن المبارك يوماً فأتينا على سقاية والناس يشربون منها، فدنا منها ليشرب ولم يعرفه الناس، فزحموه ودفعوه، فلما خرج لي قال: ما العيش إلا هكذا، يعني: حيث لم نعرف ونوقر. وبينما هو بـالكوفة يقرأ عليه كتاب المناسك انتهى إلى حديث وفيه قال عبد الله بن المبارك وبه نأخذ، مكتوب تعليق على الكتاب قال عبد الله بن المبارك وبه نأخذ، فقال: من كتب هذا من قولي؟ قلت: الكاتب الذي كتبه، فلم يزل يحكه بيده حتى درس وذهب، ثم قال: ومن أنا حتى يكتب قولي، هذا وهو من السلف رحمهم الله تعالى. إنهم كانوا حريصين على كسر الفخر وإذهاب العجب والرياء من أنفسهم، لا يمكن للواحد منهم أن يختال وأن يزدري الناس.

فرق بين السلف والخلف في حب المال:

وكذلك فإننا إذا نظرنا إلى أنفسنا في مسألة حرصنا على المال، نجد الواحد منا يفرح به فرح الأشرين، وربما حصل في نفسه الفرح في الدنيا والتعلق بها، والواحد منهم كان يأتيه المال فيفرقه يميناً وشمالاً، لما أرسل عمر رضي الله عنه إلى أبي عبيدة أربعمائة دينار، قال للغلام: [اذهب بها إلى أبي عبيدة ثم تله ساعة -تشاغل في البيت ساعة- حتى تنظر ما يصنع، قال: فذهب بها الغلام فقال: يقول لك أمير المؤمنين: خذ هذه، فقال: وصله الله ورحمه، ثم قال: يا جارية! اذهبي بهذه السبعة إلى فلان، وهذه الخمسة إلى فلان حتى أنفذها، فرجع الغلام إلى عمر فأخبره، فوجده قد أعد مثلها لـمعاذ بن جبل فأرسل بها إليه، فقال معاذ : وصله الله، يا جارية! اذهبي إلى بيت فلان بكذا، ولبيت فلان بكذا، فاطلعت امرأة معاذ فقالت: ونحن والله مساكين فأعطنا! ولم يبق في الخرقة إلا ديناران فدحى بهما إليها، ورجع الغلام فأخبر عمر فسر بذلك وقال: إنهم إخوة بعضهم من بعض] كيف لا يكونوا بعضاً من بعض قد رباهم النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك خرجت هذه النماذج -أيها الإخوة- متشابهة، زهدهم في الدنيا موجود، خوفهم من الله موجود، ليس في واحد منهم ما يقدح في إخلاصه أو في تقواه رضي الله تعالى عنهم، ولذلك أخبر الله أنه رضي عنهم: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [المائدة:119]. ولو نظرنا -أيها الإخوة- إلى ما أصاب الناس اليوم من جراء الاشتغال بالتجارة والبيع والشراء، دخل عددٌ من الناس في التجارات، دخلوا في أنواع من البيوع والشراء لكن دخولهم ما كان لله، أو أنهم دخلوا في البداية يحدثون أنفسهم أن دخولهم لله فإذا به ينقلب ويصبح انشغالاً بالدنيا فتعسوا فعلاً، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم). الواحد من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم لما كان يحتاج إلى العمل ويحتاج إلى الشغل، يحتاج عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يعمل في مزرعة، هل كان عمله في المزرعة شهوة للدنيا؟ الجواب: كلا. وإنما كان يعمل للحاجة، لا بد أن يكسب قوته وأن يكسب حاجته، ولكن هل كان عمله في الدنيا يمنعه أو يشغله عن طلب العلم؟ كلا. ولما عقد البخاري رحمه الله تعالى باباً في كتاب العلم بعنوان: التناوب في العلم، أتى بقصة عمر رضي الله عنه: [كنت أنا وجار لي من الأنصار ..] وذكر القصة وفيها أن واحداً منها كان يبقى ليعمل والثاني يذهب إلى المسجد، ليسمع الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم فيرجع إلى صاحبه فيخبره بما حصل وبما قيل، وبما حدث به النبي صلى الله عليه وسلم، طالب العلم لا يغفل عن النظر في أمر معاشه، ليستعين به على طلب العلم وغيره، ولكنه يأخذ بالحزم بالسؤال عما يفوته في يوم غيبته، هذه الفائدة العظيمة التي ذكرها ابن حجر رحمه الله تعالى. الآن بعض الشباب ربما جاءتهم بعض الخواطر للاشتغال في التجارة، فدخلوا فيها، وفتحوا محلات، وذهبوا يعملون في صفقات، ويذهبون في سفريات، ويستوردون البضائع، ويحضرون المعارض، ويأخذون وكالات ويشتغلون، وهذا أمر جيد إذا ما قيد بالضوابط الشرعية، لكن أيها الإخوة! هؤلاء الذين فتحوا المحلات وجلسوا يبيعون فيها أو راحوا في السفريات والأعمال كيف أصبح حالهم؟ لقد تدهور الكثيرون منهم تدهوراً شنيعاً، لقد اشتغلوا بالدنيا فقست قلوبهم، لقد أعرضوا عن مجالس ذكر كانوا يحضرونها، لقد تركوا كتب علمٍ كانوا يقرءون فيها، ولذلك باع بعضهم كتبه، أو قال: أهبها على استحياء، أو أجعلها وقفاً أو أجعلها في مسجد ونحو ذلك، تخلصوا من الكتب التي كانوا يقرءون فيها، وكان لهم صحبة طيبة يجلسون إليهم يتعلمون منهم ويستفيدون منهم فتركوا ذلك كله. كنت أحادث شخصاً قبل يومين بالهاتف وقد دخل في تجارة من هذه الأنواع، وكان الرجل من قبل من المبكرين إلى الصلاة في المسجد، الذين يحافظون على الجماعة، ويحضرون حلق العلم والذكر، وفيه شيء من الرقة، ثم ذهب الرجل في شيء من التجارة وسافر، ودخل في وكالات واستثمارات، واشتغل في أنواع من هذه الصفقات، فقلت له: هل لا زلت تحضر درساً في الأسبوع؟ قال: لا وللأسف، ما عدت أحضر شيئاً مطلقاً من الدروس، لا مع أصحابي ولا في المسجد؛ ولذلك فإن هؤلاء الذين ينـزلقون في متاهات الاشتغال بالتجارة ولا يقدرون أنفسهم حق قدرها، ولا ينضبطون بالضوابط الشرعية يكون ذلك وبالاً عليهم، ربما يدخل في التجارة يقول: أنا غرضي إفادة الإسلام، وسأجعل جزءاً من أرباحي في سبيل الله، وفعلاً قد يجعل أشياء من الصدقات، لكن لو نظر في النهاية إلى ما آل إليه أمره من قسوة القلب والابتعاد عن طلب العلم وعن الدعوة إلى الله وعن الأخوة الصالحة لوجد الفرق شاسعاً والبون عظيماً بين حاله الآن بعد اشتغاله وقبل ذلك. وما أحد يقول: إنه لا يمكن الجمع بين التجارة والعبادة والطاعة، لقد كان هناك من أهل العلم من يشتغل في التجارة، ومن أشهرهم ابن المبارك رحمه الله تعالى، قيل له: أنت تأمرنا بالزهد والتقلل والبلغة ونراك تأتي بالبضائع كيف ذا؟ فقال: يا أبا علي ! إنما أفعل ذا لأصون وجهي، وأكرم عرضي، وأستعين به على طاعة ربي، قال: يا بن المبارك ! ما أحسن ذا! وكان بعضهم يشتغل بالتجارة يقول: لولا المال لتمندل بنا هؤلاء. يعني: لتلاعب بنا السلاطين وأذنابهم، وصاروا يذهبون بنا يميناً وشمالاً، واحتجنا إليهم في طلب الأموال، ولذلك كانوا يستقلون بالتجارة، لكن هل كانوا ينغمسون فيها بالكلية؟ أو يقول الواحد كما يقول الواحد في هذا الزمان: أنا أحتاج فترة تأسيس، أنا أحتاج تفرغاً للعمل سنتين أو ثلاثاً ثم بعد ذلك أرجع إلى ما كنت فيه؟ ولكن في الحقيقة ينغمس ويتدرج في الانغماس حتى تذهب السنوات الثلاث والسبع والعشر وهو يتردى من أسفل إلى أسفل، وهكذا حال كثير منهم.

طلب الرئاسة بين السلف والخلف :

وفينا من العيوب أيضاً أيها الإخوة: طلب الرئاسة، والحرص عليها، والسعي إليها، وتمنيها، وبذل الغالي والنفيس من أجلها، ولا شك أن الذي يحرص على الرئاسة دون أن يكون هناك تقوى من الله فإنه يفسد دينه، فإن الحرص عليها يفسد الدين كما يفسد الذئب في زريبة الغنم إذا أفلت فيها وهو جائع كما دل عليه في حديث: (ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه) ما أفسد منها للدين، ما أفسد للدين من حرص الشخص على المال والشرف. عن يوسف بن أسباط سمعت سفيان يقول: ما رأيت الزهد في شيء أقل منه في الرئاسة، ترى الرجل يزهد في المطعم والمشرب والمال والثياب فإن نوزع الرئاسة حامى عليها وعادى. صارت هي المطمع، صار السعي إلى المنصب هو المطمع، حتى لو بذل دينه، حتى لو تنازل عن أشياء من الإسلام، حتى لو عمل مخالفات شرعية، همه الوصول إلى المنصب، حتى لو نافس غيره ممن هو أحق منه من المسلمين، يفعل ذلك، وليس الكلام موجهاً إلى من يتوجه لسد ثغرة يدرأ بها عن الإسلام وأهله شراً، ومن كان عنده استعداد لهذا النوع فهو مأجور إذا كان يعلم من نفسه القدرة والحكمة لفعل هذا ولا يطلبه للدنيا ويسعى إليه للفخر، ولكن كثيراً من الناس سعيهم ومسابقاتهم في الوظائف هي من جنس حب الرئاسة المذموم.

عدم الانقياد للحق بسهولة:

من العيوب التي فينا أيها الإخوة: أننا لا ننقاد إلى الحق بسهولة، وربما لا ننقاد إلى الحق أبداً، نبصر بعيوبنا فنكابر، والواحد ينصح فيدافع عن نفسه ويقول: ليس فيما تقول لي، لست بكذا ولست بكذا، ما قصدت هذا القصد، وهو في نفسه وفي قرارة نفسه يعلم يقيناً أن هذا قصده وهذه نيته، ولكنه يكابر ويأبى ويصر على تبرئة نفسه، وحتى في النقاشات العلمية بعضنا في المجالس إذا تبين له الدليل وعرف أنه ليس على شيء أصر على رأيه، إما تعصباً أو مكابرة أو حتى لا يقال إنه تراجع، ويعتبر أن التراجع ضعف ومهانة وذلة، فتقول له النفس الأمارة بالسوء: كيف تتراجع بالمجلس أمام فلان وفلان، لو تراجعت فقلت يا فلان جزاك الله خيراً بينت لي الحق أنا رجعت، أو يسكت لكن يعتبر أن السكوت أو التراجع ذل وأنه لا يصلح له أن يفعل ذلك فيكابر ويصر بغير دليل، ولا عنده حجة ولا برهان. عن أبي حنيفة عن ابن سماك وحدثه ابن أبي ذئب وكان من كبار الفقهاء بالحديث، فقال له: أتأخذ بهذا الحديث؟ فضرب صدري وصاح كثيراً ونال مني، وقال: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: تأخذ به، نعم آخذ به، وذلك الفرض علي وعلى كل من سمعه. وقد مضى قول الشافعي رحمه الله: ما كابرني أحد على الحق ودافع إلا سقط من عيني، وما قبله أحدٌ إلا هبته واعتقدت مودته. وقد ناظر الشافعي رحمه الله رجلاً من أهل العلم، انتهت المناظرة بأن رجع كل منهما إلى قول صاحبه، الشافعي ترك قوله واقتنع برأي الآخر، والآخر ترك قوله واقتنع برأي الشافعي ، يعني: أنهم رضي الله تعالى عنهم ما كان التعصب رائدهم، ولا كانوا يتناقشون ويتجادلون لإظهار النفس، أو أن ينتصر الشخص في المجلس أو يفحم الخصم أو يسكته، بل إنهم كانوا يتناظرون للوصول إلى الحق.

الفتوى السريعة في هدم الشريعة:

ومن البلايا التي فينا -أيها الإخوة- والطامات: تسرعنا في الكلام في الدين، والإفتاء، والإخبار بأن هذا حلال وهذا حرام، مخالفين أمر الله عز وجل أو نهي الله عز وجل: وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ [النحل:116] فترى الواحد منا في المجلس إذا طرحت مسألة علمية أو قضية سارع بالكلام فيها والجزم والإخبار عن الحكم مع أنه بعيد كل البعد عن المعرفة به، ولا عنده فيه لا دليل ولا قول عالم، لا عنده فتيا عالم ولا دليل، ومع ذلك يسارع إلى الجزم بالحكم والكلام به عن رأيه المجرد دون أن يكون عنده قاعدة أو يكون عنده أهلية للكلام في مثل هذه المسائل، هذه الجرأة على دين الله مذمومة، لو كانت المسألة في آلة من الآلات أو دواء من الأدوية لهان الخطب، ولكن المسألة في الدين ومع الأسف صار دين الله في المجالس عرضة لأن يدخل فيه كل الناس ويدلون بآرائهم، ولكن إذا صارت القضية في مسألة اقتصادية أو طبية سكتوا إلا أهل القراءة والخبرة أو العلم بهذا الفن، فصار دين الله عند الناس أرخص من الدنيا، صار يتكلم في دين الله كل واحد من أوساط المتعلمين والمثقفين والجهلة والعامة. عن نافع أن رجلاً سأل ابن عمر عن مسألة فطأطأ رأسه ولم يجبه، حتى ظن الناس أنه لم يسمعه فقال له: [يرحمك الله أما سمعت مسألتي؟ فقال: بلى. ولكنكم كأنكم ترون أن الله ليس بسائلنا عما تسألونا عنه، اتركنا يرحمك الله حتى نتفهم في مسألتك، فإن كان لها جواب عندنا وإلا أعلمناك أنه لا علم لنا بها] كانوا يتدافعون الفتيا كل واحد يدفعها إلى الآخر ويقولون: اسأل فلاناً حتى تعود إلى الأول، تدور الفتوى على عشرة أو أكثر ويأبون الكلام فيها للتحرج بأن الواحد منهم يعلم الإثم المترتب على أن يفتي بشيء لا علم له به: وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:169] هذا من أكبر الجرائم، (ومن أفتي بفتيا غير ثبت فإنما إثمه على من أفتاه) الإثم على من أفتاه كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.

عدم تعظيم كلام الله:

ومن عيوبنا أيضاً التي نعاتب أنفسا فيها: عدم احترامنا لكلام الله تعالى، لا يظهر على الواحد منا أثر الحفظ، الآن الحمد لله انتشر حفظ القرآن، وصار هناك أعداد من الذين يحفظون القرآن الكريم، وهذا شيء طيب ولا شك، ويثلج الصدر، ويشعر الإنسان ببرد في نفسه مما يرى من كثرة الحفاظ وتوالي المتخرجين من حلق التحفيظ. ولكن أيها الإخوة! هل ظهرت آثار هذا القرآن المخزون، أو هذا القرآن المحفوظ في النفس أو في القلب، هل ظهرت على نفوس الحفاظ وعلى محياهم؟! هل ظهرت في تصرفاتهم وأفعالهم؟! هل كان كلام عبد الله بن مسعود رضي الله عنه واقعاً فينا، وفي الذين يحفظون كتاب الله أو أجزاء كثيرة من كتاب الله؟! قال عبد الله بن مسعود : [ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون, وبنهاره إذا الناس مفطرون، وبحزنه إذا الناس يفرحون، وببكائه إذا الناس يضحكون، وبصمته إذا الناس يخلطون، وبخشوعه إلى الناس يختالون]. وينبغي لحامل القرآن أن يكون باكياً محزوناً، حليماً حكيماً سكيتاً، ولا ينبغي لحامل القرآن أن يكون جافياً ولا غافلاً ولا صخاباً -ليس بذيئاً- ولا صياحاً -غير مرتفع الصوت بالصياح- ولا حديداً -لا يكون وقحاً ولا يكون جلفاً- وإنما يكون سهلاً ليناً ينقاد، المؤمن كالجمل المربوط إذا أقيد انقاد، وإذا أنيخ على صخرة استناخ، المؤمن يألف ويؤلف، فهل ظهرت آثار حفظ القرآن على الذين يحفظونه؟ وهل ظهر الأدب الذي يتأدب به عليهم؟ هذا مما ينبغي أن نعاتب أنفسنا به كذلك.

قسوة القلوب:

من الأمراض التي أصبنا بها: قسوة القلب، عدم النشاط في العبادة، الفتور والتكاسل عن الطاعات، هذه ولا شك من عيوبنا، وإذا جاء الملك للإنسان منا بخاطرة عبادة، ولا شك أن كل خاطرة عبادة مبعثها الملك؛ لأن الشيطان مع الإنسان موكل به يأمره بالشر والملك يأمره بالخير، ما من خاطر خير في نفسك إلا ومبعثه من هذا الملك الذي هو معك مقترن بك، وخاطر الشر من الشيطان المقترن بك، كلما جاء الملك إلى الواحد منا بخاطرة من صدقة أو صلاة أو صيام أو تلاوة أو دعاء أو ذكر واستغفار ونحو ذلك من أنواع الطاعات والعبادات كالعمرة أو الحج، إلا وتجد النفس الأمارة بالسوء تتثبط وتثبط، وتأتي قضية لعل وعسى والتسويف، بخلاف ما كان عليه السلف رحمهم الله تعالى من النشاط في العبادة والمسارعة فيها. عن أسد بن الوداع عن شداد بن أوس أنه كان إذا دخل الفراش يتقلب على فراشه لا يأتيه النوم، فيقول: اللهم إن النار أذهبت مني النوم فيقوم فيصلي حتى يصبح، وكان الواحد منهم يطيل الصلاة ويطيل العبادة مما نتبرم منه نحن اليوم، نحن لو أطلنا شيئاً من إطالتهم لسئمنا أشد السأم وتبرمنا أشد التبرم. قالت بنت لجار منصور بن المعتمر : يا أبت! أين الخشبة التي كانت في سطح منصور قائمة لم أعد أراها؟ قال: يا بنية! ذاك منصور كان يقوم الليل ليس بخشبة، ذاك منصور كان يقوم الليل رحمه الله تعالى، لكن من قيامه وسكونه وخشوعه رضي الله تعالى عنه ورحمه حسبته البنت الصغيرة أنه خشبة، ونحن لا نصدق متى ننتهي من الركعات حتى نذهب ونندس للنوم، ولا شك -أيها الإخوة- أن هذا الداء الذي فينا أصابنا بسبب المعاصي والانغماس في الدنيا والبعد عن الله عز وجل، هذا من الصدأ الذي أصاب قلوبنا من دخان أنفاس بني آدم، ومن كثرة الأكل والنوم والخلطة والضحك والاهتمام بالدنيا، لا شك أن لهذه الأشياء آثاراً سلبية على النفوس. قال عاصم بن عصام البيهقي : بت ليلة عند أحمد بن حنبل فجاء بماء فوضعه لي، فلما أصبح نظر إلى الماء بحاله ما تغير، فقال: سبحان الله! رجل يطلب العلم لا يكون له ورد في الليل.. كيف يتفق هذا؟! فكان الحث منهم على العمل والنشاط والمسارعة؛ لأنهم امتثلوا أمر الله: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [آل عمران:133] .. سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [الحديد:21] عرضها كعرض السماء والأرض، هذا العرض فما بال الطول؟ يا جماعة! العرض كعرض السماء والأرض، ومعروف أن الطول أطول من العرض، الجنة عرضها كعرض السماء والأرض فما بالك بطولها؟! كان مطرف بن عبد الله يقول: يا إخوتاه! اجتهدوا في العمل فإن كان الأمر كما نرجو من رحمة الله وعفوه كانت لنا درجات الجنة، وإن يكن الأمر شديداً كما نخافه ونحذر لم نقل: رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ [فاطر:37] نقول: قد عملنا فلم ينفعنا ذلك، على الأقل ما نتندم ونقول: أرجعنا نعمل صالحاً، المهم أن نعمل.

دوام المحاسبة:

ومن الأشياء أيضاً التي نحن في سهو عنها: مسألة المحاسبة التي تنتج العمل، فإن مجرد أن يتذكر الإنسان بعض الأشياء دون أن يكون بعدها للعمل ليس أمراً مفيداً بالغاية المطلوبة، ونحن مع كثرة الخلطة ما صار الواحد فينا يجد مكاناً أو مجالاً لمحاسبة نفسه، صرنا في حال الخلطة مع الأصدقاء والأقرباء والزملاء في العمل وفي الدراسة وغيرها، ما عندنا مجال للخلوة بأنفسنا، فالواحد منا يكون مع أصحابه وكان مع أقربائه، أو كان مع أهله، أو كان مع جيرانه، كان مع الناس في الدكاكين، كان في الأسواق، وهذه الخلطة التي تمنع الإنسان من أن يجد لنفسه وقتاً يحاسب نفسه فيها لا شك أنه يخسر بذلك خسراناً عظيماً، وكانوا -رحمهم الله- لهم لحظات ساكنة يحاسبون فيها أنفسهم. قال إبراهيم التيمي : مثلت لنفسي في الجنة آكل من ثمارها، وأشرب من أنهارها، وأعانق أبكارها، ثم مثلت نفسي في النار آكل من زقومها، وأشرب من صديدها، وأعالج سلاسلها وأغلالها، فقلت لنفسي: أيْ نفس! أيُّ شيء تريدين؟ قالت: أريد أن أرد إلى الدنيا فأعمل صالحاً قال: فقلت: فأنت في الأمنية فاعملي. أنت الآن في الأمنية وهي أنك في الدنيا فاعملي. وكانت هذه المحاسبة مستمرة عندهم بحيث أنهم -رحمهم الله تعالى- كانوا يذكرون من فضلهم ومن سبقهم، كما مر بعضهم على خباب رضي الله عنه وهو يبني حائطاً له، خباب اكتوى سبع مرات، مما أصابه من العذاب في مكة ، اكتوى سبع مرات يعالج نفسه بعد ذلك والله سبحانه وتعالى مد له في الأجل، وجاءت الفتوحات ففتحت عليهم الدنيا، قال قيس : [أتيت خباباً وهو يبني حائطاً له، فقال: إن أصحابنا الذين مضوا لم تنقصهم الدنيا شيئاً، وإنا أصبنا من بعدهم شيئاً لا نجد له موضعاً إلا في التراب]. هذا المال نبني به شيء نجعله في التراب. وعن أبي وائل قال: [عدنا خباباً فقال: هاجرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نريد وجه الله، فوقع أجرنا على الله تعالى فمنا من مضى لم يأخذ من أجره شيئاً، منهم مصعب بن عمير ، قتل يوم أحد وترك نمرة فإذا غطينا رأسه بدت رجلاه، وإذا غطينا رجليه بدا رأسه، فأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نغطي رأسه ونجعل على رجليه من الإذخر، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها] مع أنهم كانوا يعملون في الحلال ولا أشغلتهم الدنيا عن طاعة الله، وإنما كانوا إذا نودي للجهاد قاموا وواصلوا الجهاد، مع أنهم قسموا الغنائم في المعركة التي قبلها، وعندهم أشياء كثيرة من الدنيا، لكن الدنيا ما قعدت بهم عن الجهاد في سبيل الله أبداً. كان عبد الرحمن بن عوف لا يعرف من بين عبيده من تواضعه، لباسه مثل لباس عبيده، ليس له فضل عليهم، فهذا العمل منه يذكر إخوانه الذين سبقوه بالإيمان وأنهم أفضل منه لأنهم ما أخذوا من الدنيا شيئاً. ولما قدم طعام الإفطار لأحدهم ذكر من مات من إخوانه الذين سبقوه أنهم ما أخذوا شيئاً، فبكى حتى ترك الطعام وقام عنه. إذاً هذه النفسية التي يحاسب الإنسان بها نفسه ويذكر أن هناك من إخوانه من ذهب وما أخذ شيئاً من الدنيا، فيحصل في نفسه من هذه الأشياء التي تنفعل في نفسه وتعتمل في نفسه ما يجعله يذكر الله عز وجل ويحاسب نفسه على هذه الأموال التي بين يديه، إن هذه النفسية لا تكون إلا وليدة كثرة العبادة وذكر الله والتضحية في سبيل هذا الدين، والتربية على هذا الدين هي التي تنتج هذه النماذج.

خطر السكوت عن المنكر:

من العيوب التي فينا أيها الإخوة ونحن نعاتب أنفسنا عليها: قضية السكوت عن المنكر، وعدم التغيير، رغم أننا نرى أمامنا المعصية تفعل، نرى أن المنكر قائم، نرى أمامنا حدود الله تنتهك، نعلم يقيناً أن هذا حرام، نعلمه يقيناً بالأدلة وبفتاوى العلماء ثم لا نغير شيئاً، ولا يلتفت أحدنا أو يهمس ببنت شفه في سبيل تغيير هذا المنكر، وربما لا يفكر أصلاً، أو لا يختلج في نفسه شيء من قضية التغيير، حتى التردد ربما لا يحصل، ويمر أمام المنكر وكأن شيئاً لم يكن. قال أبو عبد الرحمن العمري : إن من غفلتك وإعراضك عن الله بأن ترى ما يسخطه فتجاوزه، ولا تأمر ولا تنهى خوفاً ممن لا يملك ضراً ولا نفعاً. وقد ضرب السلف رحمهم الله المثل الأعلى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر والجرأة في الحق، فهذا الأوزاعي لما بعث به إلى عبد الله بن علي وكان من كبار السفاكين والسفاحين اشتد ذلك عليه، وقدم ودخل عليه والناس سماطان -فريقان- هناك حصل كلام واختلاف في قضية خروج عبد الله بن علي هذا وسعيه في الحكم والإمارة، فقال عبد الله بن علي للأوزاعي : ما تقول في مخرجنا وما نحن فيه؟ قال: فتفكرت ثم قلت: لأصدقن.. واستبسلت للموت؛ لأن هذا الشخص سفاح ليس عنده شيء أسهل من سفك الدماء وأن تطير الرءوس عن أجسادها، ثم رويت له عن يحيى بن سعيد حديث الأعمال: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله … الحديث) كأنه يقول له: إن كان خروجك لله فأنت على خير، وإن كان طلباً لملك أو طلباً لإمرة أو طلباً لدنيا فأنت ولك، وبيده قضيب ينبذ به، ثم قال: يا عبد الرحمن ! ما تقول في قتل أهل هذا البيت؟ قلت: حدثني محمد بن مروان عن مطرف بن الشخير عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل قتل مسلم إلا في ثلاث … وساق الحديث) فقال: أخبرني عن الخلافة وصية لنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقلت: لو كانت وصية من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترك علي رضي الله عنه أحداً يتقدمه. وهذا فيه رد على أهل البدع الذين يقولون: إن علياً عنده عهد من النبي عليه الصلاة والسلام في الخلافة من بعده، قال الأوزاعي لذلك الرجل: لو كانت وصية من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترك علي أحداً يتقدمه. قال: فما تقول في أموال بني أمية؟ قلت: إن كانت لهم حلالاً فهي عليك حرام، وإن كانت عليهم حراماً فهي عليك أحرم -إن كانت لهم حلالاً لا يجوز لك أن تأخذها فهي عليك حرام، وإن كانت عليهم حراماً أخذوها بغير وجه حق فهي عليك أحرم؛ لأنك ستأخذ المال الحرام وتضيف إليه إثماً آخر وهو الغصب- فأمر بي فأخرجت، قال الذهبي : قد كان عبد الله بن علي ملكاً جباراً سفاكاً للدماء صعب المراس، ومع هذا فالإمام الأوزاعي لصدعه بمر الحق كما ترى لا كخلق علماء السوء الذين يحسنون السوء للحكام فيقتحمون الظلم والعسف لأهل الجور، ويقلبون له الباطل حقاً قاتلهم الله، أو يسكتون مع القدرة على بيان الحق.

إهمالنا لأهل بيوتنا:

كذلك -أيها الإخوة- من الأشياء والعيوب التي عندنا مما يتعلق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: إهمالنا لأهل بيوتنا، إهمالنا للزوجات وعدم تعليمهن، إهمالنا للأولاد وعدم تربيتهم، ربما يكون أولاد الواحد يخرجون إلى الشوارع ويتعلمون الألفاظ البذيئة، وربما يمارسون الفواحش، ويكون المسئول عنه واحد ممن يظهر عليه آثار الالتزام والتدين، ومع ذلك هذا حال أولاده وإخوانه الصغار، فأين الإحساس بالمسئولية؟ وأين أثر قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ [التحريم:6]؟ أين هذا من إهمالنا نحن لحال أهلينا وحال أولادنا وزوجاتنا بل وآبائنا وأمهاتنا؟ وقد كانوا -رحمهم الله- يهتمون بذلك اهتماماً عظيماً، قال عبد الرحمن بن رستة : سألت ابن مهدي عن الرجل يبني بأهله -واحد يدخل بزوجته- هل يترك الجماعة أياماً -هل يجوز له ترك صلاة الجماعة؟ هل يجوز للعريس أن يترك صلاة الجماعة أياماً؛ لأنه إذا دخل بها فانشغل بزوجته وهو حديث عهد بها وبشهوته فربما تفوت عليه الصلوات ويصعب عليه إدراك الجماعة، هل ترخص لهذا العروس الجديد إذا دخل بزوجته أن يترك الجماعة أياماً؟ وهذا تراه شائعاً عند بعض الناس يقولون: أول فجر وأول جمعة وأول ثلاثة أيام يبتدعون من عندهم مقادير معينة للصلوات أنه لا يأتيها ولا يصليها ولا يركعها في جماعة، وهذه رخصة، يؤكدون أنها رخصة وأنه ليس عليه إثم إذا فعل ذلك، فيترك الجماعة أياماً- قال: لا. ولا صلاة واحدة. الآن العلاقة بقضية الأهل والأولاد، وحضرته صبيحة بنى بابنته، ابن مهدي يفتي أنه لا يجوز لهذا الشخص أن يتخلف عن صلاة الجماعة، بني في ابنته في الصباح خرج فأذن ثم مشى إلى بابهما؛ باب البنت وزوجها، فقال للجارية: قولي لهما يخرجان إلى الصلاة، الرجل في المسجد والمرأة تقوم تصلي في البيت، فخرج النساء والجواري فقلن: سبحان الله! أي شيء هذا؟ هذه أول ليلة وهذا أول فرض، فقال: لا أبرح حتى يخرجا إلى الصلاة. النبي صلى الله عليه وسلم كان يطرق بيت فاطمة و علي ليلاً على صلاة النافلة، على الصلاة المستحبة، ويأمرهما بالصلاة، فكيف بقضية إهمال الأهل والأولاد في الأمر بالصلاة الواجبة: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [طـه:132]؟ الحقيقة أننا كثيراً ما نقصر في أمر أهالينا بالصلاة، وهذا أمرٌ مما نعاتب أنفسنا به أشد المعاتبة، ذلك لأننا سنشترك الإثم لو سكتنا عن القضية. لو سكتنا عن محاربة المنكرات في البيوت سنأثم ولا شك، والآن المنكرات تزداد وتتنوع وتتشعب وتكثر، أصناف ألوان من المنكرات تغزو البيوت غزواً استعمارياً شديداً، وتسيطر على الأفكار، وتوقظ الشهوات في النفوس، وتلقي بضلال الشبهات في القلوب، هذه قضايا واقعة فما هو موقفنا تجاهها؟ أو ماذا فعلنا لأهلينا وأولادنا؟ هذه من الأشياء التي قصرنا فيها، ونعاتب أنفسنا فيها. ما هو موقفنا من الجهاد؟ هل يوجد واحد منا يتمنى أن يجاهد؟ هل الواحد منا يتمنى الشهادة؟ هل الواحد منا يحدث نفسه بالغزو؟ وجد أعذاراً في وضعه وحاله أنه لا يجب عليه الجهاد، ولكن هل يحدث نفسه بالغزو أو الشهادة، أو أن القضية بعيدة المنال بحيث أنها لا تخطر له على بال، ولا تأتي له على قلب مطلقاً؟ لو كنا صادقين في موقفنا من الجهاد لكنا نحدث أنفسنا على الأقل بفرضيته وأهميته وأجر الشهادة وفضل الشهادة ونتمنى الشهادة حتى إذا مات الواحد منا على فراشه نال أجر الشهادة، هذا خالد بن الوليد لما حضرته الوفاة رضي الله عنه قال: [لقد طلبت مظانه فلم يقدر لي إلا أن أموت على فراشي، وما من عمل شيء أرجى عندي بعد التوحيد من ليلة بتها وأنا متترس والسماء تهلني ننتظر الصبح حتى نغير على الكفار] يقول: هذا أرجى عمل، أحرس أنتظر والسماء تمطر وأنا أنتظر الصباح لنغير على الكفار، ثم قال: [إذا مت فانظروا إلى سلاحي وفرسي فاجعلوه عدة في سبيل الله]. و ابن أم مكتوم وهو أعمى معذور قال: [أي رب! أنزل عذري، فأنزلت: غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ [النساء:95] فكان بعد يغزو ويقول: ادفعوا إلي اللواء فإني أعمى لا أستطيع أن أفر وأقيموني بين الصفين]. يقول: أنتهز فرصة أني أعمى فلا أفر فضعوا اللواء عندي. حتى نساؤهم رضي الله عنهن، أم سليم اتخذت خنجراً يوم حنين ، فقال أبو طلحة : (هذه أم سليم معها خنجر، فقالت: يا رسول الله! إن دنا مني مشرك بقرت به بطنه، من أجل ذلك وضعت عندي هذا الخنجر). أبو طلحة قرأ قول الله تعالى: انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً [التوبة:41] فقال: [استنفرنا الله وأمرنا شيوخاً وشباباً جهزوني، فقال بنوه: يرحمك الله إنك قد غزوت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم و أبي بكر و عمر ونحن نغزو عنك الآن، قال: فغزا في البحر فمات، فلم يجدوا له جزيرة يدفنونه فيها إلا بعد سبعة أيام فلم يتغير] ما يتغير مثلما يتغير الموتى.

السلبية القاتلة:

ومن الأشياء التي نعاتب فيها قضية السلبية، السلبية القاتلة التي تمنعنا عن القيام بالأعمال، السلبية القاتلة التي تقعد بنا عن ممارسة الأدوار الإسلامية المطلوبة في الواقع، السلبية القاتلة التي تمنعنا حتى من تثبيت إنسان مسلم يتعرض لفتنة، الآن إخواننا الذين يتعرضون لفتن كثر، واحد يتعرض لفتنة المال، وواحد يتعرض لفتنة المنصب، وواحد يتعرض لفتنة النساء، وواحد يتعرض لمحنة اضطهاد، ما هو دورنا؟ ولا شك أن كل واحد فينا يعلم على الأقل ممن يبتلى أو يتعرض لفتنة أو محنة، ما هو دورنا في تثبيته؟ هل قمنا بأشياء في تثبيتهم؟ هل مددنا لهم يد العون الإسلامية بالتذكير والموعظة؟ كانت أبواب التثبيت متداولة في العصر الأول، لو واحد تعرض لمحنة يجد من إخوانه من يقف بجانبه، لو تعرض لشدة وكربة يجد من إخوانه من يساهم في تفريجها عنه، يجد الواحد على الحق أعواناً، والآن يتعرض الإنسان لمحن وأنواع من الفتن فلا يجد ممن حوله من يقف، ولو حتى بكلمة ينصحه بها ويثبته، ولذلك تكثر حالة الانتكاس. ومن أسباب الانتكاس: أن هناك سلبية من المحيطين بالشخص المنتكس، لقد أحسوا بتقهقر، لقد رأوا بوادر الشر، لقد لمسوا مواطن ضعف الشخص، لكنهم ما فعلوا شيئاً، ولذلك لو ناقشت بعض هؤلاء المنحرفين لقال لك: إن جزءاً من المسئولية يقع على عاتق أصحابي الأول، إنهم ما كانوا حولي لما حصل لي ما حصل من الضعف، ولا أحد جاء ونصحني ولا ثبتني ولا لازمني، هم يعرفون أنني أنحدر فما لازموني بل تركوني أنحدر إلى الهاوية لوحدي. الإمام أحمد رحمه الله لما حمل إلى المأمون أُخبر أبو جعفر رحمه الله قال: فعبرت الفرات مع أنه الإمام أحمد لكن ما قال: هذا الإمام أحمد لا يحتاج إلى تأثير ولا يحتاج نصراً، لا. لا بد من ممارسة دور حتى لو كان الإمام أحمد ، فإذا هو جالس في الخان فسلمت عليه، فقال: يا أبا جعفر ! تعنيت -أتعبت نفسك- فقلت: يا هذا! أنت اليوم رأس والناس يقتدون بك، فوالله لئن أجبت إلى خلق القرآن ليجيبن خلق، وإن أنت لم تجب ليمتنعن خلق من الناس كثير، -أي: كلهم ينتظرون كلمتك- ومع هذا فإن الرجل -يعني: الخليفة- إن لم يقتلك فأنت سوف تموت، فاتق الله ولا تجب، فجعل أحمد يبكي ويقول: ما شاء الله، ثم قال: يا أبا جعفر ! أعد علي فأعدت عليه وهو يقول: ما شاء الله ما شاء الله. حتى أن أعرابياً ممن كانوا يعملون الشعر في البادية لما سمع أن الإمام أحمد متوجه ومحمول إلى المأمون ، ذهب من مكان إلى مكان حتى وصل إلى مكان الإمام أحمد وهو أعرابي، وجلس يقول له كلاماً بالثبات على الحق، مع أنه أعرابي وهذا الإمام أحمد ، لكن ما منعه ذلك من أن يؤدي دوراً في الموضوع. حتى اللصوص في السجن كان أحدهم يقول للإمام أحمد : يا أحمد ! إني أصبر على الضرب وأنا على الباطل، أفلا تصبر عليه وأنت على الحق؟! ويقول واحد من أهل السجن للإمام أحمد : إنما هي ضربة أو ضربتان بالسوط ثم لا تدري أين يقع الباقي، قال: فسري ذلك وخفف عني. فالواحد عندما يكون في محنة ويجد من إخوانه من يقف بجانبه يسر بذلك، ويشعر بشعور عظيم ويشعر بتثبيت، واليوم نحن نتخلى عن أدوار مهمة جداً يمكن أن ينقذ الله بها أقواماً من الناس بسبب سلبيتنا القاتلة.

التساهل في فتنة النساء:

ومن الأمور -أيها الإخوة- التي نعاتب أنفسنا فيها في موضوع الفتن، هذا التساهل الذي يحدث منا في فتنة النساء، من النظرة المحرمة، مخالفين قول الله عز وجل: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30] ومخالفين قول حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تتبع النظرة النظرة) ولا شك أن النبي عليه الصلاة والسلام قد حذرنا من فتنة النساء، وقال: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء) وقال: (فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء). واليوم بفعل هذا التبرج الشائع، وهذه الملابس التي هي زينة في نفسها والتي جعلت الأمر أشد، وهذه الروائح والأطياب التي شاعت وانتشرت ووضعت مما جعل الأمر أنكى وأسوأ، وهذا الخروج من البيوت وأماكن الاختلاط وموضوع التصوير، وشيوع الأفلام جعلت من فتنة النساء اليوم أمراً عظيماً لا يثبت أمامه إلا من عصمه الله. ولا شك أننا في وضع لا نحسد عليه في هذه القضية، وكثيرون هم اليوم الذين يطلقون أبصارهم إلى ما حرم الله، ويقولون: نحن لم نفعل الفواحش، نعم لكنهم مصرون، لو فرضنا أن النظر من الصغائر فهم مصرون على الصغيرة والإصرار قد حولها إلى كبيرة. كان أحد السلف في بعض المغازي فتكشفت جارية فنظر إليها فرفع يده فلطم عينه وقال: لحاظة إلى ما يضرك؟ وقال عمرو بن مرة بعدما عمي: ما يسرني أني بصير، قد كنت نظرت نظرة وأنا شاب. وهو شاب حصل أنه نظر نظرة. وعن سعيد بن المسيب قال: [ما يئس الشيطان من شيء إلا أتاه من قبل النساء]. وقال لنا سعيد وهو ابن أربع وثمانين سنة قال: علي بن زيد وقد ذهبت إحدى عينيه وهو يعشو بالأخرى: ما من شيء أخوف عندي من النساء. هذا عمره أربعة وثمانون سنة، واحدة ذهبت والأخرى يعشو بها ويقول هذا! ونحن اليوم يحصل عندنا من التساهل في موضوع النساء أمر عظيم جداً، سواء في قضية أمرهن بالتستر والحجاب، أو التساهل في إخراجهن إلى أماكن الاختلاط والفساد، أو التساهل في النظر إليهن سواء كانت صوراً حية واقعية تتحرك في الشوارع والأسواق وعلى أبواب مدارس البنات والكليات وغيرها، أو كانت صوراً متحركة في أفلام، أو كانت صوراً مطبوعة في مجلات وأوراق، أقول: إن ما حصل من التساهل في هذا أمر عظيم جداً، قد جعل الكثيرين يقعون في المعاصي، وأمور تحركها الشهوات بسبب عدم غض البصر، ولربما وقع الواحد في فاحشة -والعياذ بالله- نتيجة تساهله، هذا التساهل الموجود عند بعض الناس في بعض القطاعات كما يوجد عند بعض الأطباء تساهل في النظر إلى المريضات، كما يحدث من تساهل بعض الباعة في النظر إلى النساء، وهم يعيشون بيئة من أسوأ البيئات، الباعة الذين هم في المحلات من كثرة ما يرون من الأجناس والأخلاط من هؤلاء المتبرجات أو السافرات المتعطرات الملعونات اللاتي لعنهن النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (العنوهن فإنهن ملعونات) والمقصود لعن الجنس وليس لعن المعين، لعن هذا الجنس: المائلات المميلات؛ رءوسهن كأسنمة البخت، هؤلاء الكاسيات العاريات؛ بأن تكون لابسة شيئاً قصيراً أو شفافاً أو ضيقاً، وهذا هو حال كثيرٍ من النساء، وهن متوعدات باللعنة وهي الطرد من رحمة الله، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (العنوهن فإنهن ملعونات). هذا التساهل الحاصل من قبل بعض هؤلاء الأطباء أو الباعة وغيرهم من الذين يتعاملون في أوساط فيها نسوة، أو الموظفين في بعض الشركات، أو بعض الذين يتساهلون فيمن يعمل بجانب سكرتيرة أو امرأة، ثم يقع بعد ذلك ما يقع، وهي تأتي في الصباح إلى العمل متبرجة متعطرة. كان يونس بن عبيد من السلف يقول: لا يخلون أحدكم مع امرأة ولو كان يعلمها القرآن، ولو كانت القراءة منه وليست منها فإنه لا يجوز له ذلك. لا يخلون أحدكم مع امرأة يقرأ عليها القرآن، فكيف بهؤلاء الذين يفعلون ما يفعلون من انتهاك المحرمات؟! فهذه قضية مهمة من القضايا التي تنبئ عن عيوبٍ خطيرة في أنفسنا.

فلنراجع أخلاقنا:

وإذا انتقلنا إلى مسألة الأخلاق، وجدنا أن عندنا تقصيراً عظيماً، وأننا نعاني من عيوب كبيرة في مسألة الأخلاق، فتجد الجبن والكذب والبخل؛ هذه ثلاثة من أسوأ الأخلاق، موجودة عند الكثيرين، أو يكون في النفوس نصيب من كل خلق سيئ من هذه الأخلاق. النبي عليه الصلاة والسلام في غزوة حنين أو بعد غزوة حنين لما جاء هوازن يطلبون نساءهم وأبناءهم وأموالهم قال: (يا أيها الناس! ردوا عليهم نساءهم وأبناءهم .. الحديث) ثم ركب راحلته وتعلق به الناس يقولون: اقسم علينا فيئنا حتى ألجئوه إلى سمرة فخطفت رداءه عليه الصلاة والسلام، فقال: (يا أيها الناس! ردوا علي ردائي، فوالله لو أن لي بعدد شجر تهامة نعماً لقسمته عليكم، ثم لا تلقوني بخيلاً ولا جباناً ولا كذوباً) حديث صحيح رواه أحمد و النسائي عن ابن عمرو رضي الله عنهما. فإذاً هذه ثلاثة من أسوأ الأخلاق: الجبن والبخل والكذب، وهي موجودة ومنتشرة ومتفشية. وكذلك فإن مما يبلغ بالسوء غايته أن يجعل الإنسان شعار التدين، ويكون في حال من التمسك بالظاهر لبعض السنن وتحدث منه أو تبدو منه هذه الأخلاق التي تدل الناس على شيء من الازدواجية التي يعاني منها هذا الشخص، أو مظهر من مظاهر النفاق ولا شك. قضية الكلام الفاحش من سوء الخلق، ولعن من لا يستحق اللعن، وهذه قضية منتشرة، والغيبة والنميمة التي صارت فاكهة المجالس، وكثير من الذين يعظون في الغيبة يقعون فيها، والسلف رحمهم الله كانوا يحاسبون أنفسهم على الكلمات، التي قد تبدو عادية لبعض الناس فكانت عندهم ذات شأن. عن مالك بن ضيغن قال: جاء رباح القيسي يسأل عن أبي بعد العصر، فقلنا: إنه نائم، فقال: أنوم هذه الساعة؟ ثم ولى منصرفاً، فأتبعناه رسولاً يذهب وراءه فقلنا: قل له: ألا نوقظه لك؟ فأبطأ علينا الرسول، ثم جاء وقد غربت الشمس، فقلنا: أبطأت جداً، فقال: هو أشغل من أن يفهم عني شيئاً، أدركته يدخل المقابر وهو يعاتب نفسه ويقول: أقلت: أنوم هذه الساعة؟ أفكان هذا عليك؟ ينام الرجل متى شاء وقلت هذا وقت نوم؟ وما يدريك أن هذا ليس بوقت نوم؟! ثم قال مخاطباً نفسه: تسألين عما لا يعنيك وتتكلمين بما لا يعنيك. هذا على كلام يبدو عادياً جداً عند بعضنا، ومع ذلك كانوا يحاسبون أنفسهم على هذه الأشياء.

صلة الرحم وبر الوالدين:

مما نعاتب به أنفسنا تقصيرنا في صلة الرحم، زيارة الأقرباء، وبر الوالدين على رأس صلة الرحم، بل أهم شيء في صلة الرحم بر الوالدين، ومع ذلك قصرنا فيه كثيراً، فالذي يكون والداه معه في البيت فهو في شيء من سوء الخلق وعصيانه، وعدم تلبية رغباتهم، وعدم الإحسان إليهم، وكلمة (أف) عنده عادية، مع أن الله سبحانه وتعالى قال: فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا [الإسراء:23] نهى عن الأذى بالكلام: فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ [الإسراء:23] ونهى عن الأذى بالفعل: وَلا تَنْهَرْهُمَا [الإسراء:23] وأمر بضد ذلك: وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً [الإسراء:23] بدلاً من (أف) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ [الإسراء:24] بدلاً من: وَلا تَنْهَرْهُمَا [الإسراء:23] فاكتمل للأبوين الفعل الطيب والكلام والطيب والنهي عن الفعل السيئ والكلام السيئ كما أمر الله عز وجل. والذي يكون معه والداه في البيت يفعل أشياء مشينة في هذا، وربما نفض يديه في وجههما، نفض الدين في الوجه، هذا يعتبر من أنواع العقوق، ولو كان الوالدان في بلد آخر لكان السؤال قليلاً والتفقد نادراً والوصل بهدية أو مال أو شيء أيضاً أمراً قليلاً، وربما قال: أنا أولى بذلك ونحو ذلك، وصار يجادل أباه على مال أو بيت ونحوه، ويفاوضه كأنه إنسان غريب أجنبي. عن ابن عون قال: دخل رجل على محمد بن سيرين عند أمه فقال: ما شأن محمد يشتكي شيئاً؟ فقالوا: لا، ولكن هكذا كان عند أمه مثل المريض. وعن ابن عون: أن أمه نادته فأجابها، فعلا صوته صوتها، فأعتق رقبتين، كيف يعلو صوته على صوتها؟ وكان الهذيل بن حفصة يجمع الحطب في الصيف فيقشره ويأخذ القصب فيفلقه، فإذا كان الشتاء جاء بالكانون قالت أمه: فيضعه خلفي وأنا في مصلاي ثم يقعد فيوقد بذلك الحطب المقشر وذلك القصب المفلق لا يؤذي دخانه ويدفئني، نمكث بذلك ما شاء الله، قالت: وعنده من يكفيه لو أراد ذلك، أي: هناك خادم لو أراد يأتي بخادم، لكنه يمارس ذلك بنفسه، قالت: وربما أردت أنصرف إليه فأقول: يا بني! ارجع إلى أهلك ثم أذكر ما يريد فأدعه. وكان واحد من كبار العلماء في المجلس تقول له أمه: يا فلان! وهو في المجلس وعنده طلبة العلم، وعنده ناس يكتبون الحديث، قم فألق الشعير للدجاج، فيترك الحلقة ويقوم ليلقي الشعير للدجاج، ويقوم ولا يقول: سكتوها، أو يتبرأ منها، ولست أنا المقصود. من قضايا الأخلاق والبر والصلة: معاملاتنا مع إخواننا، يوجد من الصدود والنفرة والشحناء والبغضاء والقطيعة والهجران والمعاملة السيئة والألفاظ الخشنة والتعامل الخشن مع إخواننا، ولا شك أن هذا منافٍ للبر، وهو من الأشياء التي نعاني منها كثيراً، كل واحد يعاني من الثاني، وكل واحد يشتكي من الآخر، والعيب مشترك، الخلل فينا جميعاً وليس أحدٌ مبرأ إلا من أبعده الله عز وجل عن هذه الأخلاق. حتى قضية الإنفاق على الإخوان من الأشياء التي صارت عزيزة، والواحد صار يؤثر نفسه على إخوانه بدلاً من أن يؤثر إخوانه على نفسه، كما قال الله: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [الحشر:9]. و ابن المبارك رحمه الله كان يأخذ الاشتراكات من أصحابه عند السفر، ثم ينفق عليهم طيلة الطريق، وإذا وردوا البلد يشتري لهم هدايا لأولادهم مما يشتهون ويتمنون، ويقول: ما أمرك عيالك أن تشتري لهم يا فلان ويا فلان ويشتري الهدايا، فيرجعون إلى أهليهم ثم يعيد إليهم نفقات الاشتراكات ويكون المال الذي صرفه عليهم في الرحلة كله من ماله، وهداياهم من كيسه، وهدايا أولادهم من كيسه. وكان ابن عمر يخدم أصحابه، وكان يرحل رواحل أصحابه، البعير إذا صار وقت المسير يحتاج إلى تجهيز، فكان يفعل ذلك، وكان يفعل ذلك لخدمه أيضاً. وكان بعض السلف يواسي أخاه في الحفاء، لما تنقطع نعله يحمل هو نعليه أيضاً ويمشي حافياً فيقول له صاحبه: ما حملك على ذلك رحمك الله؟ قال: أواسيك في الحفاء، أي: مادام أنك لا تريد أن تأخذ نعلي فسأمشي معك في الحفاء، فكان حسن التعامل موجوداً وقائماً. من الأشياء التي نعاني منها في علاقتنا الأخوية: سوء الظن، إذا رأى من أخيه تصرفاً حمله على أسوأ المحامل، وأول ما يتبادر للذهن الاحتمال السيئ، وليس الاحتمال الحسن، ولا نطبق القاعدة السلفية التي يقولها أبو قلابة : إذا بلغك عن أخيك شيئاً تكرهه فالتمس له العذر جهدك، فإن لم تجد له عذراً فقل في نفسك: لعل في أخي عذراً لا أعلمه. وكثيراً ما تكون هذه الصدامات بين الإخوان وبين الشباب سبباً لتفرقهم، والأشياء التي تزرع الشحناء والبغضاء في نفوسهم بسبب أن الواحد لا يعذر الآخر ويتصيد أخطاءه، ويقول الواحدة بالواحدة ويعامل بالمثل، مع أن الآخر ربما ما قصد الشر، لكن هذا يحملها على أنه قصد الشر ثم يعامله بالمثل، ويقول له: وجزاء سيئة بمثلها، من لم يؤاخِ إلا من لا عيب فيه قل صديقه، من الذي لا يوجد فيه عيب، ومن لم يرض من صديقه إلا بالإخلاص له دام سخطه، ومن عاتب إخوانه على كل ذنب كثر عدوه، وهذه من الآفات. إن بعضنا يعاتب أخاه على كل شيء، أي تصرف خاطئ لا يمره، لا بد أن يوقفه عند كل واحد، أنت فعلت كذا وأنت آذيتني بكذا، وضايقتني بكذا ونحو ذلك من الأشياء، ونتصيد ونجمع الأخطاء ثم تعتمد في نفوسنا وتتحول إلى شحناء وبغضاء، وإذا صار الانفجار يكون دفعة واحدة، ونسرد الأشياء سرداً، ولا عندنا صدر متسع لكي نتحمل أخطاء إخواننا علينا. وحتى اختلاف الرأي، كم يتسع الصدر منا للخلاف مع إخواننا؟ الخلاف في الرأي لا الخلاف المذموم كأن تكون على سنة وهو على بدعة، أو أنت على علم وهو على جهل؟ لا. الخلاف في الرأي. قال يونس الصدفي: ما رأيت أعقل من الشافعي ، ناظرته يوماً في مسألة ثم افترقنا، ولقيني فأخذ بيدي ثم قال: يا أبا موسى : ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة؟! لا يمكن أن يكون الناس على قلب رجل واحد في جميع الآراء.

تضييع الأوقات:

ثم -أيها الإخوة- من الأشياء التي نعاتب أنفسنا فيها جداً: قضية تضييع الأوقات، وتضييع الأوقات قد صار شعاراً لكثير من الناس، يضيعون الأوقات في التوافه، مع أن الوقت هو مخلوق لكي نملأه بالطاعات: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً [الفرقان:62] فالله جعل الليل والنهار لكي نملأه بالطاعات: خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً [الفرقان:62] الليل وراء النهار والنهار وراء الليل، يختلفان لكي نعمرهما بالطاعات، فماذا فعلنا في ذلك؟ قال الحسن : أدركت أقواماً كان أحدهم أشح على عمره منه على درهمه. كان هذا سيماهم رحمهم الله تعالى، يستغلون الأوقات بالعبادات أولاً، وبطلب العلم، يقول الرقاق : سألت عبد الرحمن بن أبي حاتم عن اتفاق كثرة السماع له وسؤالته لأبيه، فقال: ربما كان يأكل وأقرأ عليه، ويمشي وأقرأ عليه، ويدخل الخلاء وأقرأ عليه، ويدخل البيت في طلب شيء وأقرأ عليه، يستغل كل وقت وكل دقيقة يقرأ على أبيه ويستفيد منه ومن علمه، والآن تضيع الأوقات فلا طلب علم ولا شيء، ويصبح الجهل متفشياً. الشباب كانوا في سفر فجاءوا وقت صلاة المغرب لجمع المغرب مع العشاء فاختلفوا: هل تقصر صلاة المغرب أو لا؟ ثم استقر الرأي على أن تقصر وصلوا المغرب ركعتين، كيف يكون هذا؟ هذه من أبسط الأشياء، قصروا المغرب وصلوا ركعتين. وآخرين نزل المطر في جماعة في مسجد صلوا ركعتين في البلد، جمعوا وقصروا في المطر في البلد. وآخرون تأخر الخطيب فصلوا ظهراً أربع ركعات مباشرة، واحد يمسك مصحف ويخرج على المنبر ويقرأ آيات، يقول الشافعي : يقرأ آيات ويدعو. ما أحد يحسن أن يفعل هذا؟ ما أشد جهل الناس، وما أجبنهم في الحق! ولكن إذا صارت الدنيا قام كل واحد ينافح عن ماله وعن نفسه. فتضييع الأوقات بالأشياء التافهة، حفظ القصائد والأشعار ليست من الملح، كان بعض المحدثين يختم حلقته بملحة أو بطرفة، لكن اليوم صار كل الحلقة وكل المجالس في طرف ونكت وفوازير وصوت صفير البلبلِ، وهذا شغلهم عن حفظ الأهم، وليس أنهم يحفظون ليتهم يحفظون متوناً في طلب العلم أو الحديث أو الفقه، ونحو ذلك. صارت الأوقات تضيع بالخلطة وكثرة النوم والسهر على غير منفعة، وكثرة الكلام وهكذا، وتضيع أيضاً بطلب الدنيا، هذا معجب بالكفار، وهذا ينزل قبل الدوام ويطلع بعد الدوام بساعات ويفخر بأنه نشيط في العمل، ونحو ذلك: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم) إنما يكفي أحدكم ما كان في الدنيا مثل زاد الراكب، لا نقل: تأخر عن الدوام، واخرج قبل الدوام، لا. اجعل راتبك حلالاً لكن أن تكون عبداً للدنيا، تخرج من الصباح ولا ترجع إلا في الليل، وأعمال إضافية ما هذا؟ وكذلك هذه الزيارات الفارغة التي ليس فيها ذكر لله تعالى، مجالس ليس فيها صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ولا حتى كفارة المجلس، تضيع الأوقات بمرور هذا على هذا وهذا على هذا وجلوس هذا عند هذا والإسراف بالمال في الاهتمام بالمظهر وإنفاق الأموال فيه. ونجد عندنا كذلك مقابل الإسراف البخل بالصدقة، لو دعا داعي الصدقة تصدقنا بريالات، لكن لو دخل الواحد منا مطعماً أنفق العشرات، لا يحاسب نفسه عند الإنفاق في سوق ونحوه على ما ينفقه من المبالغ، لكن إذا أتت الصدقة وأخرج من جيبه بالغلط عشرين أرجع واحدة ووضع واحدة. فنحن عندنا إذاً -أيها الإخوة- شيء من البخل والشح ينبغي أن نحاسب أنفسنا عليه. عندنا توسع في الترفيه يصل إلى استخدام الأشياء المحرمة، عندنا مجاراة للأهل والأولاد إذا طلبوا منا أشياء محرمة كأنواع من الأفلام أو الألعاب المحرمة، إذا اشتهى شيئاً أعطيناه إياه، وجلبناه له، عندنا محبة للراحة والدعة والكسل، وانقلبت نقاشاتنا من أشياء مفيدة في طلب العلم إلى أشياء فيها أنواع من المباراة والمجادلة، لا يوجد شيء مبني على قراءة كلام العلماء، وإنما قضية ظنون وآراء شخصية. وكذلك فإننا نعاني من إنفاق الأموال في غير طاعة الله، والسفر إلى بلاد الكفار في السياحة، صار هذا ديدن كثير حتى من المنسوبين إلى الخير، يسافر في السياحة إلى بلاد الكفار، لا ضرورة ولا حاجة شرعية، لو أنه يقيم فيها هارباً مثلاً، أو يقيم فيها مؤقتاً للحاجة كعلاج أو نحوه لقلنا: ذلك متوجه، لكن يذهب للسياحة وإنفاق الأموال، وهو لا يعطي في سبيل الله إلا النزر اليسير، فهل يكون هذا شأن المسلم الجاد؟! وكذلك فإننا نحتاج إلى سؤال أنفسنا عن هذه الأموال التي ننفقها من أين اكتسبناها وفيم أنفقناها؟ ونحن من خلال عرض هذه الأشياء -أيها الإخوة- لا نريد القول بأنه ليس في أحد خير، كلا والله، بل إن هناك كثيراً من الناس واقعهم طيب، وكثيراً من المجالس فيها خير كثير وفيها ذكر وعلم، وهناك كثير من الناس يبذلون في سبيل الله ويعطون وينفقون، وآخرون من المسلمين حريصون على طلب العلم، ويجتهدون فيه، ويحفظون القرآن، ويحفظون من السنة، ويحفظون متون العلماء أشياء لا بأس بها، وهناك الكثيرون عندهم سخاء وعندهم حسن خلق وعندهم تعهدٌ لأولادهم وبعضهم أنجز إنجازات كبيرة جداً في بيوت من إخلائها من المنكرات، أو من جمع الأهل على طاعة الله، ونجح بعض الدعاة إلى الله في تغيير بيوت وليس بيتاً واحداً، وأثروا في جيرانهم وأهل حيهم، وجماعة مسجدهم، بل وصل بهم الأمر لتعدي النفع إلى البعيدين من مراسلة هؤلاء الذين يرسلون بالرسائل التافهة إلى ركن المعرفة أو التعارف في المجلات، فأرسلوا لهم الكتب النافعة، والأشرطة الطيبة، وصار ذلك من أسباب هداية الخلق ممن كانوا بعيدين عن شرع الله. أقول: إن هناك خيراً ولا شك من ذلك، ولا يمكن أبداً أن يكون الكلام السابق معناه الخروج بنظرة سوداوية عن الواقع، كلا والله، بل المقصود -أيها الإخوة- أن نعاتب أنفسنا، والإنسان إذا عاتب نفسه ذكر معايبها، ليست القضية الآن تقييماً للواقع، كان الكلام هو بعنوان: تعالوا نعاتب أنفسنا، أي: عن التقصيرات الموجودة عندنا، إذاً نحن نركز على السلبيات والمعايب، وننظر إليها لنصلح من شأنها، ونحن المقصودون بالكلام، وليس الكلام لغيرنا أو لأناس من غير الموجودين، إن المؤمن كما قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذُكَّر ذَكَر، ونحن إذا ذكرنا أنفسنا يجب أن نتذكر كلنا وأنا أولكم، ينبغي أن نحمل أنفسنا على الحق، وأن ننظر إلى العيوب التي عندنا فنشتغل بتصحيحها، وإلى الخلل فنشتغل بتسديده، ولا يصلح أبداً أن يبقى الإنسان المسلم على معصية، أو يبقى على عيب مع أنه قد وجه إليه وعرف به وهو مصر على إبقاء ما هو عليه. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.




خليجية



شكرلك



مشكورة
لاالة الا الله



شكرلكم



التصنيفات
منتدى اسلامي

الاخلاص لب العبادة للشيخ صالح المنجد

خليجية

خليجية

الاخلاص هو حقيقة الدين ومفتاح دعوة الرسل عليهم السلام
" وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء "
البينة :5
"أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ "
الزمر: 3

الإخلاص هو لب العبادة وروحها
قال ابن حزم:
النية سر العبودية وهي من الأعمال بمنزلة الروح من الجسد، ومحال أن يكون في العبودية عمل لا روح فيه، فهو جسد خراب.

والإخلاص هو أساس قبول الأعمال وردها فهو الذي يؤدي إلى الفوز أو الخسران، وهو الطريق إلى الجنة أو إلى النار، فإن الإخلال به يؤدي إلى النار وتحقيقه يؤدي إلى الجنة.

خليجية

معنى الإخلاص
خلص خلوصاً خلاصاً، أي صفى وزال عنه شوبه، وخلص الشيء صار خالصاً وخلصت إلى الشيء وصلت إليه، وخلاص السمن ما خلص منه. فكلمة الإخلاص تدل على الصفاء والنقاء والتنزه من الأخلاط والأوشاب. والشيء الخالص هو الصافي الذي ليس فيه شائبة مادية أو معنوية. وأخلص الدين لله قصد وجهه وترك الرياء. وقال الفيروز أبادي: أخلص لله ترك الرياء.
كلمة الإخلاص كلمة التوحيد، والمخلصون هم الموحدون والمختارون
وأما تعريف الإخلاص في الشرع فكما قال ابن القيم –رحمه الله -:
هو إفراد الحق سبحانه بالقصد في الطاعة أن تقصده وحده لا شريك له.

خليجية

وتنوعت عبارات السلف فيه، فقيل في الإخلاص:

– أن يكون العمل لله تعالى، لا نصيب لغير الله فيه.
– إفراد الحق سبحانه بالقصد في الطاعة.
– تصفية العمل عن ملاحظة المخلوقين.
– تصفية العمل من كل شائبة.

خليجية

المخلص هو الذي لا يبالي لو خرج كل قدر له في قلوب الناس من أجل صلاح قلبه مع الله خليجية، ولا يحب أن يطلع الناس على مثاقيل الذر من عمله. قال تعالى:
" وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء "
البينة :5
وقال لنبيه خليجية :
" قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي "
الزمر :14

" قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ, لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ "
الانعام :162 :163

قال تعالى:
" الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا "
الملك :2
"أَحْسَنُ عَمَلا "
الملك :2
:أي أخلصه وأصوبه.

قيل للفضيل بن عياض الذي ذكر هذا:
ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل وإن لم يكن خالصاً وكان صواباً لم يقبل، حتى يكون خالصاً صواباً، والخالص أن يكون لله ، والصواب أن يكون موافقاً للسنة ، ثم قرأ :
" فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا " الكهف :110 .

وقال تعالى:
" وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّه وَهُوَ مُحْسِنٌ "
النساء :125
يعني أخلص القصد والعمل لله ، والإحسان متابعة السنة، والذين يريدون وجه الله فليبشروا بالجزاء
" وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ " الكهف :28
" ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ "
الروم :38
"وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى ,الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ,وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى , إلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى , وَلَسَوْفَ يَرْضَى "
الليل




يارب تقبل منا اعماااالنا يار ب



جزاكى الله كل خير

خليجية




التصنيفات
منتدى اسلامي

كلام الشيخ محمد صالح المنجد عن حكم شراء المتابعين

دائما نقرأ في الردود على بعض التغريدات
من ينشر هاشتاقات لبيع المتابعين
أو يكون على شكل إعلان : لبيع المتابعين التواصل عن طريق …….

وهذا كلام الشيخ محمد صالح المنجد عن حكم شراء المتابعين
قال الشيخ حفظه الله :

الحمد لله…
شراء المتابعين نوعان:

شراء لمتابعين حقيقيين وشراء لمتابعين وهميين، والنية من وراء ذلك: حسنة وسيئة.

* فأما شراء المتابعين الوهميين فهو تكثّر مزوّر وتدليس،
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المتشبع بما لم يُعط كلابس ثوبي زور)،
وهذا تزيّن بالزور والكذب.

والذي يريد أن يكتسب مكانةً بين الناس ووزناً وأهميةً بمتابعين وهميين
يُخشى عليه من الدخول في قوله تعالى: (ويحبون أن يُحمدوا بما لم يفعلوا
فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب).

وأما ما ينطوي عليه هذا العمل من المخادعة، فهو ظنُّ الناس أنه لولا
أهمية ما يكتبه هذا المغرد ويفيد به ما كان لديه كل هذا العدد من المتابعين،
والخديعة في النار كما أخبر عليه الصلاة والسلام.

وبعض الذين يطلبون المتابعين الوهميين بالبرمجة أو بالشراء من المبرمجين،
يقصد حجز الاسم لزيادة عدد متابعيه؛ ليبيعه بسعر مرتفع
(حساب مع متابعين)، فهذا مخادع للمشتري وغاشّ له؛ لأن المشتري يظن
أنَّ هؤلاء متابعون حقيقيون، فيدفع أكثر.

وقد يُجري بعضهم ترتيبات معينة لاشتراك متابعين حقيقيين،
ثم لا يلبث هؤلاء أن ينفضوا وينسحبوا تدريجياً، وهذا غش محرم،
وفيه إضرار وتواطؤ على الخداع، وبعضهم يجذب بالمتابعين الوهميين
متابعين حقيقيين، فيجعلها كالمصيدة.

وبعضهم يتخذ من حسابه في تويتر مجالاً للدعاية والإعلان، فيستزيد
من هؤلاء الوهميين لكسب المُعلنين الذين يظنون أن الإعلان هنا
سيراه كل هذا العدد، بينما الحقيقة خلاف ذلك، وهذا غش وخداع
وتدليس أيضاً، وإضرارٌ بالمعلنين.

* وأما إذا قصد من زيادة عدد المتابعين الحقيقيين: أن تعم الفائدة وتصل
لعدد أكبر، فلا حرج في ذلك إذا صحّت نية المغرّد، وقصد وجه الله
واليوم الآخر، وانتفاع المسلمين ونشر العلم والخير للناس في دينهم
ودنياهم، وخصوصاً عندما يكون الاسم لجهة عامة، أو لشخص غير
معروف لا مجال لقصد الشهرة في حالته؛ لكونه عبداً لله خفياً،
ويكون توسيع دائرة المتابعين في هذه الحالة بالإعلان أو التسويق
ولو بالمال عملاً مباحاً أو مشروعاً.

* وأما إذا قصد الشخص بشراء المتابعين الحقيقيين أو الوهميين تحصيل الجاه
والمكانة والشعبية والجماهيرية .. ونحو ذلك، فهذا مذموم؛ لمنافاته
الإخلاص، وهو من ابتغاء الشهرة والتباهي المحرم، والفرح بهذا العمل
داخل في قوله تعالى: (إن الله لا يحب الفرحين).

وابتغاء الكثرة في هذه الحالة داخل في قوله تعالى: (ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر).

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (مَنْ ادَّعَى دَعْوَى كَاذِبَةً لِيَتَكَثَّرَ
بِهَا لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إِلَّا قِلَّةً) متفق عليه.

بالإضافة إلى أنه سيحاسب على المال الذي دفعه لتحقيق تلك الأمور الباطلة.

نسأل السلامة والعافية والإخلاص والنية الحسنة،
والله يعلم المفسد من المصلح وهو بصير بالعباد.




التصنيفات
اثاث و ديكور ديكورات جديدة

الأثات المنجد عصرية

خليجية

خليجية

خليجية

خليجية

خليجية

خليجية

خليجية

خليجية




مشكورة حبيبتي على الموضوع الرائع
والمجهود والطرح الاروع والابداع المتميز
دمتي في حفظ الله تعالى من كل مكروه
مع خالص حبي….
$>>الألماسة<<$



رائع
يعطيك الف عافية