[ أخرجه ابن المبارك في الزهد أنا الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ – و صوابه أبو العالية كما في الحلية فالربيع هو راوية أبي العالية -، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ … و أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف و أحمد في الزهد و أبي داود في الزهد و ابن بطة في الإبانة و اللالكائي في شرح أصول الاعتقاد و أبو نعيم في الحلية و سنده حسن ]
يقول الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ – حفظه الله – في شرح رسالة فضل الاسلام : "هذا الأثرُ رَواهُ عبدُ الله بن المبارك في كتابِه الزُّهد و الإمامُ أحمدٌ أيضاً و أبو نعيمٍ في الحلية، ووقعَ غلطٌ في إسنادِهِ في الزهد لعبدِ الله بنِ المبارك يُصَحَّحُ مِنَ الحلية.
و المقصُودُ مِن هذا الأثَرِ أنَّ منهجَ الصحابةِ رضوانُ الله عليهِم هو الحثُّ على لُزومِ السَّبيلِ و السُّنةِ، و بيانُ فضلِ الاستقامةِ على السَّبيلِ و السُّنةِ؛ و يعني بقولِ " عَلَيْكُمْ بِالسَّبِيلِ وَالسُّنَّةِ " الزموا السَّبيلَ و السُّنةَ، و السَّبيلُ المرادُ بِهِ سبيلُ محمدٍ صَلَّى الله عَلَيهِ و سَلَّم و سبيلُ صحابتِهِ رضي الله عنهُم، و هو المذكورُ في قولِهِ جَلَّ و عَلَا " وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) " [ الأنعام ] و هنا وحَّدَ الصِّراطَ فقالَ " وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا " فجَعَلَهُ صِراطاً واحداً و هوَ السَّبيلُ الواحدُ، و هو الذي يجمعُ أُمورَ الإسلامِ على تفاصِيلِها و أُمورَ السُنَّةِ على تفاصِيلِها، و أمَّا السُبُلُ الأُخرى و الأَهواءُ فعَلَى كلِّ سَبِيلٍ مِنهَا شَيطانٌ يَدعُو الناسَ إلى دُخُولِهِ، و هاهنا سؤالٌ معروفٌ و هو: أنَّ الله جلَّ وعَلَا قالَ في آخِرِ سورةِ العنكبوت " وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)" [ العنكبوت ] فهنا جَمَعَ السُّبُلَ، و في آيةِ الأنعامِ وحَّدَ الصِّراطَ، و هنا في أَثَرِ أبيّ وفي غيرِهِ من الأحاديثِ و الآثارِ يُفرِدُ السَّبِيلَ، فهل يُبَيِّنُ هذا تعارُضاً ؟
الجواب: لا، البابُ بابٌ واحدٌ؛ و لكِنِ السَّبِيلُ المقصُودُ بِهِ سبيلُ الإسلامِ و السنةِ، و هذا في داخِلِهِ فِيهِ تفاصِيلٌ، فَفِيهِ سبيلُ الصلاةِ، و فِيهِ سبيلُ الزَّكاةِ، و فِيهِ سبيلُ الصِّلَةِ، و فِيهِ سبيلُ أعمالِ القُلُوبِ التي تُصلِحُ القلبَ، و فِيهِ سبيلُ كذا وكذا مِمَّا يحتَاجُهُ النَّاسَ تَفصِيلاً في أُمُورِ دِينِهِم و مِمَّا يكونُ عليهِ أَحوالُهُم في العبادةِ العِلميَّةِ و العَمَلِيَّةِ و في عَمَلِ القَلبِ وعَمَلِ الجوارحِ.
فيكونُ إِذَن جَمْعُ السُّبُلَ في قولِهِ " وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا " المقصودُ بها تفاصيلُ السُبُلِ و هي كُلُّها سبيلٌ واحدٌ و صراطٌ واحدٌ دَلَّ عليهِ قولُهُ " اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) " [ الفاتحة ] و دَلَّ عليهِ قولُهُ " وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا " و دَلَّ عليهِ قولُ النبيِّ صَلَّى الله عليهِ وسَلَّم " عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي " و دَلََّ عليهِ أيضاً قولُ الله جَلَّ و عَلَا " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) " [ الأحزاب ]
و لَقَد أَحسَنَ العَلَّامةُ ابنُ القَيِّمِ رحمَهُ الله إِذ قَالَ في تقرِيرِ هذا :
" فَلِوَاحِدٍ كُن وَاحِداً فِي وَاحِدٍ … أعنِي سَبِيلَ الحَقِّ و الإِيمَانِ "
"فَلِوَاحِدٍ " يعني لله المقصُودِ والمعبُودِ لَهُ وَحده جَلَّ و عَلَا قَصداً و إِرَادَةً و تَوجِيهَاً و رَغَباً و رَهَباً, "لِوَاحِدٍ" جَلَّ جَلَالُهُ و تَقَدَّسَت أَسماؤُهُ، "كُن وَاحِداً" أنتَ في قَصدِهِ و إِرَادَتَكَ و تَوَجُّهِ قَلبِكَ لا تَتَشَعَّب عَلَيكَ الأَوهامُ في قَلبِكَ و لا في سُلُوكِكَ؛ بَل "كُن وَاحِداً" أَنتَ, "فِي وَاحِدٍ" يعني في سبيلٍ واحدٍ، قَالَ بَعدَها "أعنِي سَبِيلَ الحَقِّ و الإِيمَانِ" و هوَ سبيلُ السَّلَفِ الصَّالِحِ.
و هذا مِمَّا يُعَدُ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ أَن يَضبِطَ قَلبَهُ عَلَيهِ، أَو أَن يُلزِمَ نَفسَهُ بِهِ فَإِنَّهُ فِي الأَوَّلِ فَلِوَاحِدٍ قَد يَقصِدُ الله جَلَّ و عَلَا بِعِلمِهِ، و قَد يَأتِي مَرَّةً أُخرَى و يَقصِدُ غَيرَ الله جَلَّ و عَلَا إِمَّا الجَاهُ و إِمَّا الدُّنيا و إِمَّا رُؤيَةُ النَّاسِ و نَحو ذَلِكَ مِنَ الرِّياءِ و السُّمعَةِ، و قَلََّ مَن يَسلَمُ مِن أَنواعِ الشِّركِ الخَفِيِ.
قَالَ " كُن وَاحِداً " يعني أَنتَ لا تَتَشَعَّب فِي قَصدِكَ و إِرَادَتِكَ، فَاجمَع قَلبَكَ و إِرَادَتَكَ -هي التي يسميها أهلُ السُلوكِ الجمعية على الله جل وعلا- فَاجمَع قَلبَكَ و إِرَادَتَك َفِي الله جَلَّ و عَلَا، و لا تَلتَفِت عَنهُ جَلَّ و عَلَا فِي قَصدِكَ و إِرَادَتِكَ إِلى غَيرِهِ و اجعَل الأُمُورَ التي مَعَكَ وَسائِلَ لِجَمعِ قَلبَكَ عَلَى الله جَلَّ و عَلَا.
" فِي وَاحِدٍ " و هذا الابتِلاءُ الثالثُ أَنَّهُ لَيسَ ثَمَّ إِلَّا سَبِيلٌ وَاحِدٌ، و هذِهِ صَعبَةٌ إِلَّا مَن وَفَّقَهُ الله جَلَّ و عَلَا، فَكم مِن النَّاسِ أَكثَرَ مِن سَبِيلٍ، فِي سبيلٍ هُنَا و فِي سبيلٍ هُنَاك إِمَّا مِن جِهَةِ الاتِّبَاعِ، و إِمَّا مِن جِهَةِ المنهَجِ أَو مِن جِهَةِ الاستِقَامَةِ أَو مِن جِهَةِ الاعتِقَادِ و نَحو ذلك :
"فَإِن تَنجُو مِنهَا تَنجُو مِن ذِي عَظِيمَة و إلَّا فَإِنِّي لَا أَخَالكَ نَاجِيَاً"
قَالَ رَضِي الله عَنهُ هُنا " عَلَيْكُمْ بِالسَّبِيلِ وَالسُّنَّةِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ عَلَى سَبِيلٍ وَسُنَّةٍ ذَكَرَ الرَّحْمَنَ عَزَّ وَجَلَّ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَتَمَسَّهُ النَّارُ " ، يُرِيدُ بِذَلِك أَنَّ الفَضَائِلَ التِي جَاءَت فِي الأَحَادِيثِ إِنَّمَا يَحظَى بِهَا مَن كَانَ عَلَى السَّبِيلِ و السُنَّةِ، فَقَد جَاءَ عَنهُ عَلَيهِ الصَّلَاةُ و السَّلَامِ فِي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ : " عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ "
إِنَّمَا يَحظَى بِهَذا الفَضلِ مَن كَانَ عَلَى السَّبِيلِ و السُنَّةِ قَالَ : " وَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ عَلَى سَبِيلٍ وَسُنَّةٍ ذَكَرَ الرَّحْمَنَ فَاقْشَعَرَّ جِلْدُهُ مِنْ مَخَافَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا كَانَ مَثَلُهُ كَمَثَلِ شَجَرَةٍ يَبِسَ وَرَقُهَا " إلى آخِرِهِ .
يعني أَنَّ الذُنُوبَ تَحَاتَّت عَنهُ، و هَذَا كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيثِ " لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً "
فَإِنَّ هَذَا فَضلُ الذِّكرِ، و أَنَّهُ مَن قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَحده لَا شَرِيكَ لَهُ, لَهُ المُلكُ و لَهُ الحَمدُ و هُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ. فِي يَومٍ مائةَ مَرَّةٍ غُفِرَت لَهُ ذُنُوبُهُ و إِن كَانَت مِثلَ زَبَدِ البَحرِ, و مَن قَالَ: سُبحَانَ الله و بِحَمدِهِ… إِلى آخِرِ مَا وَرَدَ فِي الأَذكَارِ, إِذَا ذكرَ الله جَلَّ و عَلَا بِأَنوَاعِ الأَذكَارِ مَنِ الأَحَقُ بِالفَضلِ العَظِيمِ الَّذِي جَاءَ فِيهَا و هُوَ المَوعُودُ بِهِ؟ هُوَ مَن كَانَ عَلَى سَبِيلٍ و سُنَّةٍ ، قَالَ : " لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ عَلَى سَبِيلٍ وَسُنَّةٍ ذَكَرَ الرَّحْمَنَ … " الى آخره ؛ فَإِنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى عِظَمِ شَأنِ التِزَامِ المَنهَجِ الَّذِي خَصَّ الله جَلَّ و عَلَا بِهِ نَبِيَّهُ صَلَّى الله عَلَيهِ وسَلَّم، فَإِنَّهُ جَلَّ و عَلَا جَعَلَ لِكُلِّ نَبِيٍّ شِرعَةً و مِنهَاجاً، و المنهَجُ الَّذِي خُصَّ بِهِ عَلَيهِ الصَّلَاةُ و السَّلَامِ هُوَ السَّبِيلُ و السُنَّةُ و هُوَ الَّذِي كَانَ عَلَيهِ صَحَابَتُهُ – عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ – و أَتبَاعُ الصَّحَابَةِ و تَابِعُوهُم إِلَى يَومِ الدِّينِ.
و لِهَذَا لَمَّا اشتَبَهَت الطُّرُقُ و اختَلَفَت السُّبُلُ و تَنَوَّعَت الآرَاءُ و الأفهَامُ و الأَهوَاءُ مِن قَدِيمٍ، كَانَ النَّاجِي مَن رَجَعَ بِبَصَرِهِ و بَصِيرَتِهِ و قَلبِهِ إِلى مَا قَبلَ حُدُوثِ تِلكَ الفِرَقِ و الأَهوَاءِ، و هُوَ الزَّمَنُ الذي أَجمَعَ فِيهِ المُسلِمُونَ عَلَى العَقِيدَةِ و على السَّبِيلِ والسُنَّةِ ؛ و هو زَمَنُ الصَّحَابَةِ رِضوَانُ الله عَلَيهِم قَبلَ حُدُوثِ الاختِلافِ، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ رِضوَانُ الله عَلَيهِم لَيسَ فِيهِم مَن ابتَدَعَ بِدعَةً، و لَيسَ فِيهِم مَن أَحدَثَ حَدَثاً؛ بَل إِنَّ مَن أَحدَثَ الحَدَثَ و ابتدعَ البِدَعَ مَن أَتَى بَعدَهُم، و إِنَّمَا هُم نَجَّاهُم الله جَلَّ و عَلَا فَكَانُوا نُجُوماً يُهتَدَى بِهَا.
لِهَذا نَقُولُ لَكَ: إِنََّ مِن الأُمُورِ المُهِمَّةِ الَّتِي تَقَرَّرَ فِيهَا مِثلُ هَذَا أَن يَحرِصَ المُؤمِنُ عَلَى النَّجَاةِ، فَإِنَّهُ مَا استَقَامَ و لَا جَاهَدَ نَفسَهُ، و لا تَرَكَ مَا تَرَكَ مِنَ الشُّبُهَاتِ و الشَّهَوَاتِ و الرَّغَبَاتِ و اللذَّاتِ فِيَ هَذِهِ الدُّنيَا إِلَّا و هُوَ يُرِيدُ وَجهَ الله جَلَّ و عَلَا إِلَّا و هُوَ يُرِيدُ النَّجَاةَ إِلَّا و هُوَ يُرِيدُ السَّلامَةَ، فَإِذَا كَانَ يُرِيدُ ذَلِكَ فَليَأخُذ بِالطَّرِيقِ المَضمُونِ و هُوَ التِزَامُ السًّبِيلَ و السُنَّةَ؛ لِأَنَّ غَيرَ هَذَا الطَّرِيقِ مِن طُرُقِ الأَهواءِ.
والسبيلُ و السنةُ هِيَ الجَمَاعةُ، مَا هُوَ السبيلُ و السنةُ؟ هُو مَا كَانَت عَلَيهَ الجَمَاعةُ، بِهَذَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ : " وَإِنَّ هَذِهِ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا فِرْقَةً وَاحِدَةً"، فَقُلْنَا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مَنْ تِلْكَ الْفِرْقَةُ؟ قَالَ: "الْجَمَاعَةُ"
و قد سُئِلَ الإِمَامُ أَحمَد و جَمَاعة أهل العلم سُئِلُوا: مَن هِيَ الجَمَاعةُ قَالَ: إِن لَم يَكُونُوا أَهلَ الحَدِيثِ فَلَا أَدرِي مَن هُم؟ يعني أَنَّ أَهلَ الحَدِيثِ [يعني زمنه] هُم أَحَقُّ النَّاسِ بِهَذَا الوَصفِ؛ لأَنَّهُم لَزمُوا مَا كَانَ عَلَيهَ الصَّحَابَةُ قَبلَ الاختِلافِ، و لَزمُوا الأَثَرَ، و لَم يَأَتُوا بِأُصُولٍ و لَا اجتِهَادَاتٍ فِي الدِّينِ فِي العَقِيدَةِ لا فِي أُصُولِ الشَّرِيعَةِ و لا فِي التَلَقِّي و الدَّلِيلُ؛ بَل كَانُوا مُتَّبِعِينَ غَيرَ مُبتَدِعِينَ، لِهَذَا قَالَ: إِن لَم يَكُونُوا أَهلَ الحَدِيثِ فَلا أَدرِي مَن هُم.
و الإمامُ التِّرمِذِيّ رَحِمَهُ الله لَمَّا ذَكَرَ هَذَا الحَدِيثَ, قَالَ: الجمَاعةُ هُم أُهلُ العِلمِ.
و العِلمُ المَحمُودُ هُوَ:
"قَالَ الله قَالَ رَسُولُهُ قَالَ الصَّحَابَةُ هُم أُولُوا العرفَانِ."
العِلمُ المَحمُودُ هُوَ العِلمُ النَافِعُ الَّذِي يُخَالِفُ الرَّأيَ؛ بَل هُوَ العِلمُ الذي يكونُ مُستَنِداً عَلَى دَلِيلٍ و أَثَرٍ.
و إِذَا كَانَ كَذِلَكَ فَإِنَّهُ يُرِيدُ بِهم مَن كَانَ عَلَى هذا النَّهجِ، و لِهَذَا أَجمَعَ العُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ أَئِمَّةَ الإسلامِ يُهتَدَى بِهم؛ أعنِي أَئِمَّةَ أَهلِ الحَدِيثِ كَمَالِكٍ و الشَّافِعِيِّ و أَحمَدٍ و البُخَارِيِّ رحمه الله و سُفيَانَ الثَّورِيِّ و سُفيَانَ بن عُيَينَةَ كَالأَوزَاعِيِّ و نَحوِهِم و نُعَيمٍ و الدَّارِمِيِّ و مَن نَحَا نَحوَهُم و مَن كَتَبُوا عَقِيدَةَ المُسلِمِينَ و دَوَّنُوهَا فَأَخَذَهَا العُلَمَاءُ مِن بَعدِهِم.
والسَّبِيلُ و السُنَّةُ كَمَا أَنَّهُ يَكُونُ فِي المسَائِلِ العِلمِيَّةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ فِي المسَائِلِ العَمَلِيَّةِ، فَالبِدَعُ بِأَنوَاعِهَا مُبطَِلةٌ؛ لأَنَّهَا لَم تَكُن عَلَى السَّبِيلِ بِالنِسبَةِ.
و كُلُّ صَاحِبِ بِدعَةٍ أَحدَثَهَا فَيُقَالُ لَهُ: هَل كَانَ عَلَيهَا النَّاسُ فِي زَمَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ هَل كَانَ عَلَيهَا النَّاسُ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ؟ فَإِنَّهُ سَيُجِيبُ جَزماً لًا، لَكِن سَيَقُولُ: و لَكِن كَذَا وكَذَا.
إِذَا لَم يَكُن عَلَيهَا النَّاسُ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ، فَنَعلَمُ أَنَّهَا لَيسَت عَلَى السَّبِيلِ و السُنَّةِ.
وتذكرون أن مما ذُكر في قصة اندلاع المحنة في زمن؛ أعني بعد زمن الإمام أحمد رحمه الله تعالى، في الفتنة بخلق القرآن لما أتى أحد العلماء يناظر عند الخليفة المتوكل لما أتى يناظره -المتوكل أو الواثق- يناظر الداعية إلى البدعة إلى القول بخلق القرآن قال له يريد المناظرة، قال له: أبدأ أو تبدأ؟
فقال له المبتدع: ابدأ أنت.
فقال: هذا الذي تدعو الناس إليه هل دعا إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الناس وابتلى الناس به؟
فقال المبتدع: أقلني. فأقاله.
ثم قال له: ارجع على السؤال –اشتبهت علي القصة بعض الشيء؛ لكن هذا مختصر سياقها- قال: هذا الذي تدعو الناس إليه هل دعا إليه أبو بكر الصديق رضي الله عنه؟ ثم قال: هل دعا إليه عمر ؟ ثم قال: هل دعا إليه عثمان؟ ثم قال: هل دعا إليه علي؟ رضي الله عنهم، ثم قال: هل دعا إليه الصحابة ؟
فكان الجواب: أنهم لم يدعوا إلى هذا.
فقال هذا العالم للخليفة في زمنه قال: شيء لم يدع إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي، ولا صحابته، تدعو أنت الناس إليه؟
فلم يزل يردد هذه الكلمات حتى أمر برفع الفتنة؛ إلزام الناس بالقول بخلق القرآن وابتلائهم بذلك( 1 )
المَقصُودُ مِن هَذَا: أَنَّ هَذا الأَصلُ عَظِيمٌ، و يُحرِجُ كُلَّ مَن سَلَكَ سَبِيلاً مِن سُبُلِ البِدَعِ فِي المَسَائِلِ العِلمِيَّةِ أَو فِي المَسائِلِ العَمَلِيَّةِ، هَل كَانَ عَلَيهِ الزَّمَنُ الأَوَّل؟ فإِذَا قَالَ: لَا، فَيُقَالُ لَسنَا بِحَاجَةٍ إِلَيهِ دَعْنَا مَعَ مَا كَانَ عَليهِ النَّاسُ فِي الزَّمَنِ الأَوَّلِ فَإِنَّهُ كَافٍ.
قَالَ رَضِيَ الله عَنهُ بَعدَهَا : " وَإِنَّ اقْتِصَادًا فِي سَبِيلٍ وَسُنَّةٍ خَيْرٌ مِنَ اجْتِهَادٍ فِي خِلَافِ سَبِيلٍ وَسُنَّةٍ "
و ذَلِكَ: أَنَّ الله جَلَّ و عَلَا يُبَارِكُ فِي قَلِيلِ العَمَلِ إِذا كَانَ عَلَى سَبِيلٍ و سُنَّةٍ، إِذَا كَانَ عَلَى وِفقِ السُنَّةِ فَإِنَّ الله يُحِبَّ العَمَلَ و يُحِبَّ صَاحِبَهُ و يُثِيبَهُ و يُبَارِكَ لَهُ و يُنَمِّيَ لَهُ عَمَلَهُ، و أَمَّا إِذَا كَانَ عَلَى غَيرِ سَبِيلٍ و سُنَّةٍ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تَكُونُ مُحدَثَاتٍ و بِدَعٍ، فَيُؤَاخَذَ عَلَيهَا و يَكُونَ عَاصِياً لله جَلَّ و عَلَا بِهَا و مُتَّبِعَاً غَيرَ سَبِيلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، و مُتَّبِعَاً غَيرَ سَبِيلِ المُؤمِنِينَ، فَيكُونُ مَهمَا عَمَلَ مِن الأَعمَالِ الكَبِيرَةِ فَإِنَّهَا عَلَى غَيرِ هُدَى، و الله جَلَّ و عَلَا لا يَأجُرهُ عَلَى مَا أَفسَدَ فِيهِ، و إِنَّمَا يَأجُرُ مَن أَصَابَ فِي عَمَلِهِ و هذا مِنهُ رضِيَ الله عَنهُ دَلِيلٌ عَظِيمٌ عَلَى وُجُوبِ التَّحَرِّي؛ تَحَرِّي السُنَّةِ فِي الأَعمَالِ، و على وُجُوبِ مَعرِفَةِ العِلمِ بِأَنوَاعِهِ فِي مَسَائِلِ التَّوحِيدِ و في مَسَائِلِ العَمَلِ؛ لأَنَّهُ مَا ضَلَّ مَن ضَلَّ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ إِلَّا بِاتِّبَاعِهِ غَيرَ السَّبِيلِ و السُنَّةِ فِي مَسائِلِ العَقِيدَةِ و فِي مَسَائِلِ العَمَلِ.
و مُرَادُ الإِمَامِ المُصلِحِ رحمه الله – يقصد محمد بن عبد الوهاب – بِإِيرَادِ هذا الأَثَرِ و اختِيارِه لَهُ فِي هذا البابِ: أَنَّ الإسلامَ الصَّحِيحَ و هُوَ السَّبِيلُ فِي السُنَّةِ و الالتِزَامُ بِمَا كَانَ عَلَيهِ السَّلَفُ الصَّالِحُ، و الإسلامُ الَّذِي هُوَ فِي القُرآنِ و السُنَّةِ و كَانَ عَلَيهِ الصَّحَابَةُ – أَنَّ الالتِزَامَ بِذَلِك يُبَارِكُ الله جَلَّ و عَلَا في العَمَلِ و إِن كَانَ قَلِيلَاً، و يُضَاعِفُ لَهُ العَمَلَ و إِن كَانَ قَلِيلَاً، بِهَذَا يُضَاعِفُ الله جَلَّ و عَلَا الحَسَنَةَ لِلمُسلِمِ بِعَشرِ أَضعَافِهَا إِلى سَبعُمائةِ ضِعفٍ؛ يعني إِلى عِشرينَ ضِعفاً و ثَلَاثِينَ ضِعفاً إِلى مائةِ ضِعفٍ إِلى مائَتَين إلى سَبعُمائةِ ضِعفٍ، أَيضَا إلى أَضعَافٍ كَثِيرَةٍ، قَالَ العُلَمَاءُ: اختَلَفَ التَّضعِيفُ فِي العَمَلِ بِاختِلافِ صَوَابِ العَمَلِ و يَقِينِ صَاحِبِهِ فِي عَقِيدَتِهِ.
فَإِنَّهُ كُلَّمَا كَانَ أَتبَعَ ظَاهِراً و بَاطِناً كُلَّمَا كَانَ التَّضعِيفُ أَكثَرَ، فَلَا يَستَوِي مَن اقتَصَدَ فِي سُنَّةٍ مَعَ مَن خَالَفَ و أَتَى بِعِبَادَاتٍ كَثِيرَةٍ و جِهَادٍ عَظِيمٍ لَكِنَّهُ عَلَى غَيرِ سَبِيلٍ و سُنَّةٍ؛ لأَنَّ السَّبِيلَ و السُنَّةَ بِهَا يُضَاعِفُ الله جَلَّ و عَلَا أُجُورَ الأَعمَالِ إِلى سَبعِمائةِ ضِعفٍ إِلى أَضعَافٍ كَثِيرَةٍ، فَرُبما تَرَى هَذَا و هَذَا، هَذَا يَعمَلُ عَمَلاً قَلِيلَاً ذَاكَ يَعمَلُ عَمَلاً كَثِيرَاً؛ و لَكِن مَن عَمِلَ العَمَلَ القَلِيلَ أَعظَمُ عِندَ الله جَلَّ و عَلَا مِمَّن عَمَلَ العَمَلَ الكَثِيرَ؛ لأَنَّ ذَلِكَ صَاحَبَهُ إِخلَاصٌ و يَقِينٌ و سُنَّةٌ و حُسنُ قَصدٍ و رَغَبٍ و رَهَبٍ إِلى آخِرِ مَا يُضَاعِفُ الله جَلَّ و عَلَا بِهِ الأُجُورَ.
و قَد سُئِلَ أَبُو بَكر بن عَيَّاش – شعبة القارئ المعروف – عَن أَبِي بَكر الصدِّيق رَضِيَ الله عَنهُ فَقَالَ: مَا سَبَقَهُم أَبُو بَكر بِكَثرَةِ صَلاةٍ و لا صِيَامٍ و لَكِن بِشَيءٍ وَقَرَ فِي قَلبِهِ.
الصَّحَابَةُ هَل هُم مِثلُ مَن بَعدهُم؟
أَتَى مَن بَعدهُم مَن هُوَ مُتَعَبِّدٌ عِبَادَاتٍ كَثِيرَةٍ و عَظِيمَةٍ؛ لَكِن تَختَلِفُ المَنزِلَةُ عِندَ الله؛ لأَنَّ التَّضعِيفَ مُختَلِفٌ بِأَنَّ مَا فِي القَلبِ يَختَلِفُ، و لأَنَّ صَوَابَ العَمَلِ فِي ظَاهِرِهِ مُختَلِفٌ.
و قَد سُئِلَ الحَسَنُ البَصرِيّ رضي الله عنه أَيضَا و هُوَ الزَّاهِدُ العَالِمُ المَعرُوفُ لَمَ كَانَ الصَّحَابَةُ أَفضَلَ مَعَ أَنَّ مِنَ التَّابِعِينَ مَن هُم أَكثَرُ مِنهُم عِبَادَةً؟ فَقَالَ رحمه الله: أُولَئِكَ تَعَبَّدُوا و الآخِرَةُ في قُلُوبِهِم, و هَؤُلَاءِ تَعَبَّدُوا و الدُّنيَا فِي قُلُوبِهِم.
و هَذَا صَحِيحٌ، فَإِنَّ الله جَلَّ و عَلَا لَم يَبتَلِ النَّاسَ بِكَثرَةِ العَمَلِ و لَكِن ابتَلَاهُم بِحُسنِهِ " لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا " [ هود 7 ، الملك 2 ]
صَلاةُ الفَجرِ رَكعَتَان لَكِنَّهَا أَفضَلَ مِن صَلاةِ الظُّهرِ، و هَكَذَا فَإِنَّ كَثرَةَ العَمَلِ لا يَدُل على كَونِهِ مَقبُولاً؛ بَل قَد يَكُونُ العَمَلُ القَلِيلُ مِن صَاحِبِهِ أَعظَمَ مِن العَمَلِ الكَثِيرِ، و هَذَا هُوَ الَّذِي عَلَيهِ قَولُهُ هُنا " وَإِنَّ اقْتِصَادًا فِي سَبِيلٍ وَسُنَّةٍ خَيْرٌ مِنَ اجْتِهَادٍ فِي خِلَافِ سَبِيلٍ وَسُنَّةٍ "
[ نقلتها مع تصرف يسير بضبط و تنسيق النصوص .. و الحمد لله ]
المصدر : شرح كتاب فضل الإسلام للشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله .
تفريغ : سالم الجزائري ، أبو إسحاق سمير- جزاهما الله خيرا –
..المصدر: منتديات نور اليقين
————————
(1)[ هذه القصة رواها الآجري بلاغا قال : وَبَلَغَنِي عَنِ الْمَهْتَدِي رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ قَالَ: مَا فَظَّعَ أَبِي يَعْنِي الْوَاثِقَ إِلَّا شَيْخٌ جِيءَ بِهِ مِنَ الْمَصِيصَةِ، فَمَكَثَ فِي السِّجْنِ مُدَّةً، ثُمَّ إِنَّ أَبِي ذَكَرَهُ يَوْمًا، فَقَالَ: عَلَيَّ بِالشَّيْخِ، فَأُتِيَ بِهِ مُقَيَّدًا، فَلَمَّا أُوقِفَ بَيْنَ يَدَيْهِ سَلَّمَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ، فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا اسْتَعْمَلْتَ مَعِي أَدَبَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا أَدَبَ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا [ص:456] حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86] وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَدِّ السَّلَامِ، فَقَالَ لَهُ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ، ثُمَّ قَالَ لِابْنِ أَبِي دُؤَادٍ: سَلْهُ، فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَا مَحْبُوسٌ مُقَيَّدٌ، أُصَلِّي فِي الْحَبْسِ بِتَيَمُّمٍ، مُنِعْتُ الْمَاءَ فَمُرْ بِقُيُودِي تُحَلُّ، وَمُرْ لِي بِمَاءٍ أَتَطَهَّرُ وَأُصَلِّي، ثُمَّ سَلْنِي قَالَ: فَأَمَرَ، فَحَلَّ قَيْدَهُ وَأَمَرَ لَهُ بِمَاءٍ، فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ قَالَ: لِابْنِ أَبِي دُؤَادٍ: سَلْهُ، فَقَالَ الشَّيْخُ: الْمَسْأَلَةُ لِي، تَأْمُرُهُ أَنْ يُجِيبَنِي فَقَالَ: سَلْ، فَأَقْبَلَ الشَّيْخُ عَلَى ابْنِ أَبِي دُؤَادٍ فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ هَذَا الَّذِي تَدْعُو النَّاسَ إِلَيْهِ، أَشَيْءٌ دَعَا إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَشَيْءٌ دَعَا إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ بَعْدَهُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَشَيْءٌ دَعَا إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بَعْدَهُمَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَشَيْءٌ دَعَا إِلَيْهِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بَعْدَهُمْ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَشَيْءٌ دَعَا إِلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بَعْدَهُمْ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَشَيْءٌ لَمْ يَدْعُ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَبُو بَكْرٍ، وَلَا عُمَرُ وَلَا عُثْمَانُ، وَلَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُمَّ عَنْهُمْ [ص:457]، تَدْعُو أَنْتَ النَّاسَ إِلَيْهِ؟ لَيْسَ يَخْلُو أَنْ تَقُولَ: عَلِمُوهُ أَوْ جَهِلُوهُ، فَإِنْ قُلْتَ: عَلِمُوهُ، وَسَكَتُوا عَنْهُ، وَسِعَنَا وَإِيَّاكَ مَا وَسِعَ الْقَوْمَ مِنَ السُّكُوتِ، وَإِنْ قُلْتَ: جَهِلُوهُ وَعَلِمْتُهُ أَنَا، فَيَا لُكَعُ بْنَ لُكَعٍ، يَجْهَلُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ شَيْئًا تَعْلَمُهُ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ؟ قَالَ الْمُهْتَدِي: فَرَأَيْتُ أَبِي وَثَبَ قَائِمًا وَدَخَلَ الْحَبْزِي، وَجَعَلَ ثَوْبَهُ فِي فِيهِ، يَضْحَكُ؟ ثُمَّ جَعَلَ يَقُولُ: صَدَقَ، لَيْسَ يَخْلُو مِنْ أَنْ يَقُولَ: جَهِلُوهُ أَوْ عَلِمُوهُ، فَإِنْ قُلْنَا: عَلِمُوهُ وَسَكَتُوا عَنْهُ وَسِعَنَا مِنَ السُّكُوتِ مَا وَسِعَ الْقَوْمَ، وَإِنْ قُلْنَا: جَهِلُوهُ وَعَلِمْتَهُ أَنْتَ، فَيَا لُكَعُ بْنَ لُكَعٍ يَجْهَلُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ شَيْئًا تَعْلَمُهُ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ؟ ثُمَّ قَالَ: يَا أَحْمَدُ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ، قَالَ: لَسْتَ أَعْنِيكَ، إِنَّمَا أَعْنِي ابْنَ أَبِي دُؤَادٍ، فَوَثَبَ إِلَيْهِ فَقَالَ: أَعْطِ هَذَا الشَّيْخَ نَفَقَتَهُ وَأَخْرِجْهُ عَنْ بَلَدِنَا ]
جزاكى الله خيرا