وما يجري داخله من تأثيرات وتفاعلات متنوعة، وانسجام الأسرة داخلياً، وخارجياً مع باقي الوحدات التي تشكل المجتمع يعطيها قوة وتآلفاً تستطيع من خلاله البقاء والتكيف ضمن هذا الجسم الواحد، والاستجابة بشكل صحيح ومنظم لتأثيراته المختلفة على أولئك الأفراد الذين يشكلون هذه الخلية.
ولعل التخطيط العائلي أحد تلك الموازين والضوابط التي تنتجها الأسرة لكي تستطيع أن تمتص المؤثرات الاجتماعية الخارجية أو أن تصدر مؤثراتها التفاعلية الداخلية إلى المجتمع المحيط.
فالتخطيط هو تنظيم للذات وللفكر بشكل منطقي، وترتيب للخطوات التي نرغب في تنفيذها من أجل الوصول إلى أهدافنا وغاياتنا وأحلامنا.
وما من شك في أن لكل عائلة أهدافاً وأحلاماً وتطلعات مستقبلية تسعى للوصول إليها، فالتخطيط العائلي يساعد الأسرة على الوصول إلى تلك الأهداف وبالطرق المبرمجة والسليمة.
وتأتي أهمية التخطيط العائلي من ارتباطه بأولويات العائلة وقضاياها المصيرية ومتطلباتها القادمة، ويمكن القول باختصار إن أهمية التخطيط نابعة من كونه مرتبطاً بأحلام العائلة المتنوعة، سواء أكانت هذه الأحلام أحلاماً في تربية الأبناء أم أحلاماً في السعادة العائلية أم في الثراء أم في تحقيق الطموحات الشخصية للوصول إلى منصب معين، أو موقع معين أو شهرة أو امتلاك أشياء أو أجهزة كمالية تستفيد منها العائلة وتستمتع بها، وقد تكون أساسية كشراء منزل أو مزرعة أو السفر إلى البلدان الأخرى. فالتخطيط يمس كل هذه الأمور، وهو في غاية الأهمية بالنسبة لكل أسرة.
غياب التخطيط :
إذا كان وجود التخطيط يسهل مهمة العائلة في الحياة ويساعدها على الوصول إلى غاياتها وأهدافها وأحلامها، فإن غياب التخطيط يؤدي إلى عكس ذلك تماماً، ولا يتصور أحدنا أن وجود التخطيط العائلي يعني إلغاء المشاكل الأسرية نهائياً، أو أن غياب التخطيط العائلي يفتح الباب على مصراعيه للمشاكل فتتدفق إلى الأسرة.
المشاكل موجودة في كلتا الحالتين، ولكن عند وجود التخطيط العائلي تأخذ المشاكل طابعاً آخر. وتنحو منحنى آخر، يختلف تماماً عنه في حال غياب التخطيط، لأن التخطيط يساعد الأسرة على أن تمشي في خط تغيير متوقع، ومتنبأ به بشكل مسبق، وموضوعة له التصورات المسبقة.
فعندما يحدث هذا التغيير فعلاً تكون الأسرة قد اتخذت جميع الاحتياطات اللازمة لمواجهة ذلك التغيير وقد يحدث التغيير في نطاق الأسرة بشكل مفاجئ.
وفي هذه الحالة فإن غياب التخطيط قد يربك الأسرة، ويشل قدراتها على المواجهة عندما تصبح في نطاق ظرف جديد، فقد تصاب الأسرة مثلاً بخسارة مالية مفاجئة.
بينما يخفف وجود التخطيط من تلك المفاجآت، وتجهيز بعض المال عبر مدة التخطيط قد يجعل آثر المفاجأة أقل وطأة مما لو كانت الأسرة لا تملك شيئاً مطلقاً، وقد يختفي أحد أفراد الأسرة كأن يسافر مثلا إلى بلد آخر لإتمام تحصيله العلمي أو بغرض التجارة، وقد تحدث تغيرات أسرية داخلية، هذه التغيرات تستدعي التخطيط، فقد يتزوج أحد الأبناء من أسرة غير مرغوب فيها بالنسبة لأسرته، وقد يتجه الأبناء اتجاهاً مهنياً أو تعليمياً غير مرغوب فيه بالنسبة للأسرة، ولكن وجود التخطيط وتوجيه الأولاد منذ الصغر نحو أهداف وغايات نبيلة، يساعدهم في تجنب هؤلاء الأولاد الوقوع في الخطأ نوعاً ما في المستقبل، ويساعد التخطيط أفراد الأسرة بشكل عام على الوئام والتلاؤم، ويشجع على قيام حوار متبادل فيما بينهم، وبالتالي جر جميع الأطراف المتحاورة من أفراد الأسرة إلى نوع من التفاهم، لا أن يشرد كل طرف باتجاه ويتمسك برأيه ولا يقبل التنازل عنه، إن تشتت الآراء وعدم الوفاق في الأسرة الواحدة يؤدي إلى تشتت أهدافها ومبادئها، وبالتالي يكون من الصعوبة بمكان أن تصل هذه الأسرة إلى منالها، وتحقيق أحلامها، وربما يشتعل الشقاق والخلاف فيها فيؤدي بذلك إلى أن يهجر أحد الأبناء الأسرة مثلا، وقد يكون ذلك سبباً من أسباب الانحراف الاجتماعي بكل ما تعنيه الكلمة. وبالتالي ليست الأسرة وحدها هي التي تخسر هذا الفرد، بل سيخسره المجتمع بأسره، سيخسره عمله أو مدرسته أو مؤسسته اجتماعية كانت أو ثقافية أو علمية.
فوائد التخطيط العائلي
إن وجود التخطيط العائلي يسمح للأسرة بأن تتعامل وبتعقل مع المستجدات التي تحدث في نطاق العائلة، ويمكن تشبيه الإنسان الذي يواجه مشكلة لأول مرة بذلك الذي يحضر إلى المدينة للمرة الأولى، فهو لا يعرف شوارعها ولا اتجاهاتها ولا مراكزها الأساسية، أما الأسرة التي يوجد لديها خطة، فالفرد فيها أمام المشكلة الذي يعرف المدينة التي حضر إليها ويعرف شوارعها وزواياها واتجاهاتها كلها.
فالتخطيط يشعر الإنسان بقدر كبير من الاطمئنان والأمل في التعامل مع المشاكل من حوله، لأن التخطيط ما هو إلا عملية توقع مدروسة وبشكل علمي، للكيفية التي يستطيع الإنسان معها أن يتعامل مع مشاكله الداخلية والخارجية على نطاق الأسرة وعلى نطاق العمل، وأن يتحرك ضمن ما تمليه هذه المشاكل من مستجدات في وسط المحيط به، ويعطي التخطيط الأبناء نوعاً من الثقة بالنفس، بحيث يصبح الفرد منهم على دراية بتحديد مستقبله، فلو سأل الوالد أحد أبنائه مثلاً عن الكلية التي يريد الدراسة فيها في الجامعة فإنه سيجد أن ابنه قد حدد هدفه وحدد اتجاهه العلمي والثقافي دن خوف عليه أو قلق مع وجود بعض التوجهات التي لابد منها.
وتقبلي مروري