كان الراكب بجانبي في الطائرة رجلاً كبيراً في السن، من بريطانيا.. عرف نفسه بأنه يعمل مستشاراً في واحدة من كبرى الشركات السعودية..
حينما عرفته بنفسي وأنني مهتم بالطفولة.. قال لي وهو يبتسم:
“سأخبرك إذن قصتي مع ولديّ”..
***
هذا الرجل لديه ابنان..
حينما كان ابناه في المرحلة الابتدائية العليا.. لاحظ عليهم قلة اهتمامهم بدروسهم..
فأخذ يوماً يتحدث معهما.. وكان يعرف شغفهما الشديد بالسيارات.. فسألهما عن السيارة التي يريدان اقتنائها عندما يكبران.. فهتف الاثنان سوية: “فيراري!”..
فقال لهما على الفور: “إذن ما رأيكما أن نذهب الآن ونشاهد السيارة الفيراري التي ستشتريانها؟”..
وطار الولدان من الفرحة.. وبالفعل أخذهما والدهما إلى معرض سيارات فيراري.. دخلوا المعرض.. واستقبلهم البائع.. وحين سأل الأب كيف يمكن أن يساعده أجابه الأب: “ولداي يريدان شراء سيارتي فيراري”..
قال لي الأب بأن الحظ ساعده يومها بأن البائع فهم الرسالة.. وتعامل بكل ود معهم.. فأخذ يعامل الولدان وكأنهما مشتريان حقيقيان.. قال لهما بأن يختارا السيارة التي يريدان.. وبالفعل اختار الولدان إحدى السيارات المعروضة.. وأخذا يتأملانها ويتلمسانها بكل شغف..
ثم عرض البائع عليهما أن يفتح السيارة وأن يجلسا فيها ويشاهداها من الداخل..
وكاد الولدان حينها أن يجنّا من الفرحة..
دخل الولدان سيارة الفيراري وهما لا يكادان يصدقان نفسيهما.. أخذا يتبادلان الجلوس خلف المقود ويمثلان وكأنهما يقودان السيارة..
كان يوماً لا ينسى..
ثم شكر الأب البائع.. وقبل أن يغادروا صالة الفيراري.. قال الأب لولديه: “لقد نسينا أن نسأل عن قيمة هذه السيارة”؟.. والتفتوا إلى البائع وسألوه عن السعر.. وسأله أيضاً عن قيمة القسط الشهري لو أرادوا شراء السيارة بالأقساط.. ثم طلب الأب من ولديه أن يسجلا هذه المعلومات على ورقة ويحتفظا بها..
***
حينما عادوا إلى المنزل.. كان الولدان يتحدثان طول الوقت عن السيارة التي شاهداها.. كانا مفعمين بالإثارة.. جلس حينها الأب معهما وبدأ في الحديث.. قال لهما أن هذه السيارة غالية الثمن.. وأنه إذا أرادا الحصول عليها أن يكونا في وظيفة مرموقة حينما يكبران، تدر عليهما دخلاً جيداً.. حتى يتمكنا من دفع القسط الشهري المرتفع..
وبحسبة بسيطة معهما حددوا سوية كم يجب أن يكون الراتب الشهري لمن يريد أن يشتري سيارة الفيراري..
***
في اليوم التالي.. اتجه الأب مع ولديه إلى المكتبة العامة..
هناك استعرضوا التقارير السنوية عن معدل دخل مختلف الوظائف في بريطانيا.. وقاموا بإلغاء كل وظيفة يقل دخلها عن الدخل الذي حددوه بالأمس لشراء سيارة أحلامهم.. وفي النهاية توصلوا إلى عدد قليل من الوظائف.. أوضح لهم الأب أن الحصول على إحدى هذه الوظائف سيضمن لهما الوصول لهدفهما..
ثم، وعن طريق المعلومات المتوفرة في المكتبة.. حددوا سوية كيف يمكن لأي شخص أن يصل إلى واحدة من هذه الوظائف، ما هي الشهادات المطلوبة.. وعن طريق أي كلية أو جامعة يمكن الحصول على هذه الشهادات.. وبالتالي كونوا قائمة أخرى بالجامعات والكليات مرتبطة بالقائمة الأولى..
بعد ذلك أخذوا يبحثون عن متطلبات القبول في هذه الجامعات والكليات، من معدل دراسي وما إلى ذلك.. وسجلوا كل ذلك في قائمة ثالثة..
ثم عادوا إلى المنزل..
جلس حينها أبوهم معهم.. وناقشهم في كل ما قاموا به.. وهو يغذي حلمهم الكبير.. ثم قال لهم أن أول خطوة عليهم أن يقوموا بها الآن ليصلوا إلى ما يريدون هو أن يتفوقوا في دراستهم ليحصلوا على الدرجات المطلوبة التي ستؤهلهم للدخول في الجامعات المذكورة في القائمة..
ثم تركهم أبوهم مع كل هذه القوائم التي أعدوها سوية..
***
ترى كيف كانت نتيجة كل هذه الحكاية الطويلة؟
قال لي أبوهم أن ولديه، ومنذ ذلك اليوم، التفتا إلى دراستهما بشكل غير معهود.. أصبحا يوليان دراستهما وواجباتهما اهتماماً كبيراً.. وكل ما كان يفعله هو بين لحظة وأخرى أن يشجعهما ويذكرهما بحلمهما الكبير..
وبالفعل تفوقا في دراستهما، تم قبولهما على الفور في الجامعات التي يريدان، وبدءا حياتهما العملية في القطاعات التي اختاراها من ضمن تلك القائمة..
والآن، هما في أواسط العشرينات، أصبح أحدهما مديراً للفرع البريطاني لواحدة من سلاسل المطاعم المشهورة، وهو على وشك الزواج، والثاني يعمل في وظيفة مرموقة في واحدة من الشركات الكبرى في الشرق الأوسط..
***
بعد أن أنهى جاري قصته.. سألته..
وهل حققا ما يريدان الآن؟ هل بلغا هدفهما واقتنيا سيارة الفيراري التي يريدان؟
أجابني ضاحكاً، بأن الابن الأكبر اقتنى سيارة بورش بعد أن أصبح معجباً بها أكثر، أما الثاني فهو لا يزال معجباً بالفيراري وسيقتنيها قريباً..
***
ترى من منا يناقش مع أولاده مستقبلهم في هذا العمر المبكر؟!..
لا أقصد هنا أن نسألهم السؤال المعهود: ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر؟.. ليجيب الطفل بجواب تم تلقينه إياه بأنه سيصبح مهندساً أو طبيباً..
بل أعني وضع أهداف واضحة لهم يعشقونها، ومن ثم رسم الطريق الذي سيصل بهم إلى هذه الأهداف، بداية من سنواتهم الأولى في الدراسة..
وأنا على يقين من أن التواصل مع أبنائنا بهذه الطريقة العملية، سيمنحهم مستقبلاً أفضل..
وأكثر روعة، ونجاحاً..
منــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــقول للفائده
عالقصة الحلوة متلك
سلمت يداك.