أشرف أبوجلالة من القاهرة: إنجاز جراحي جديد من نوعه، نجح على أثره فريق من الأطباء الإنكليز في معالجة أحد المرضى المصابين بمرض التليف الكيسي بمراحله المتقدمة، بوساطة تقنية جراحية رائدة، أخضعوه خلالها لعملية زرع رئة تنطوي على رئتين تالفتين تم التبرع بهما، قبل أن يتم إنعاشهما في المختبر لجعلهما صالحتين للاستخدام. وفي هذا السياق، تلقي صحيفة "التايمز" اللندنية الضوء على ذلك التدخل الجراحي المثير، وتقول إن ذلك المريض، ويدعى جيمس فينلايسون، هو أول بريطاني يخضع لتلك العملية، التي وصفها العلماء بالخطوة التي سيكون من شأنها أن تتعامل مع مشكلة النقص الحاد في الجهات المانحة أو "المتبرعة" التي تعاني منها بريطانيا.
بعدها، تشير الصحيفة إلى أن فينلايسون، 24 عامًا، خرج من المستشفى نهاية الشهر الماضي بعد أن خضع للعملية على يد طاقم طبي في نيوكاسل. وأوضحت أن الرئتان لم تكونا صالحتين للاستعمال وقت التبرع بهما، لكن تم إصلاحهما بتقنية تُعرف بتقنية الرذاذ، تم خلالها ضخ محلول الأوكسجين عليهما. كما تكشف عن وجود ما يقرب من عشرة آلاف شخص ينتظرون الخضوع لعمليات جراحية مماثلة، تعينهم على إنقاذ حياتهم، لافتة في الوقت نفسه إلى تزايد ذلك الرقم بنسبة تقدر بحوالي 8 % كل عام. وتشير الصحيفة أيضًا إلى أن ما يقرب من ألف مريض من هؤلاء، إما أن يلقون حتفهم أثناء الانتظار، أو أن حالتهم المرضية تزداد سوءًا للدرجة التي لا تقوى فيها أجسامهم على الخضوع للعملية. وقد تبين – بحسب الصحيفة – أن نسبة تقدر بحوالي 80 % من الرئات التي يتم التبرع بها ترفض عمليات الزرع بسبب الالتهاب والتلف الذي يصيب العضو بعد وفاة الدماغ وكذلك مضاعفات العناية المركزة.
من جهتهم، يقول العلماء إن البحث، الذي أجراه طاقم طبي في إدارة مستشفيات ﻤﺩﻴﻨﺔ ﻨﻴﻭﻜﺎﺴل ﺃﺒﻭﻥ ﺘﺎﻴﻥ وجامعة نيوكاسل، لم يقدم فقط فرصة إنقاذ حياة المرضى الذين يعانون من أمراض الرئة، بل قد يتم استخدامه أيضًا للمساعدة في عمليات زرع القلب. وفي هذا السياق، يقول أندرو فيشر، الباحث الرئيسي بالدراسة ويعمل في معهد الطب الخلوي في نيوكاسل، إن نجاح تقنية الرذاذ الجديدة أظهر القدرات الاستثنائية التي تقدمها. وتابع بقوله :" من بين جميع أعضاء الجسم القابلة للزراعة ويتم الحصول عليها من جهات مانحة، تعتبر الرئتان هي الأكثر عرضة للتلف. وهو ما يجعلها غير صالحة للزراعة في غالبية الحالات. نحن سعداء بأننا تمكنا من إجراء عملية زرع رئة ثنائية باستخدام رئتين تم التبرع بهما بعد تحويلهما لأعضاء صالحة للاستعمال".
أما بول كوريس، المدير الأكاديمي لمعهد عمليات زرع الأعضاء في نيوكاسل، فيقول :" يمثل هذا الإجراء الجراحي الجديد فرصة حقيقية لعدد الأعضاء التي يمكننا أن نقدمها بصورة آمنة لعدد أكبر من المرضى، والحقيقة التي يمكننا التأكيد عليها هو أن عمليات زرع الأعضاء هذه يمكنها أن تغير حياة الأشخاص وتعمل على تبديلها رأسًا على عقب. وبالنسبة للرئتين اللتين قمنا باستخدامهما، فقد كانا سيدفنان أو سيحرقان مع جثة صاحبهما ( أو المتبرع )، لكن وبدلا ً من ذلك، تم إخراجهما، وإنعاشهما، ومن ثم استخدامهما لدى أحد الأفراد الذي كان يوشك على الموت".
وتشير الصحيفة من جانبها إلى أن تلك التقنية، التي لم تستخدم سوى حفنة قليلة من المرات، معظمها في كندا، تتضمن على إزالة الأعضاء المتبرع بها وحفظها عند درجة حرارة الجسم العادية. وبعدها، يتم ضخ محلول من الأوكسجين والبروتينات والمركبات الغذائية على الأنسجة التالفة، ما يتيح للخلايا فرصة البدء في إصلاح أنفسها. ويضيف د. كوريس بقوله إن التعاون مع باقي المراكز المتخصصة في عمليات زراعة الأعضاء، والذي سيبدأ في العام الجديد، سوف يضمن وصول تلك الجراحة إلى المرضى بأسرع صورة ممكنة. فيما يقوم الطاقم البحثي في جامعة نيوكاسل باستكشاف سبل استخدام العلاج الجيني لمكافحة التهاب الرئتين من الجهات المانحة.
وفي النهاية، يختم جون دارك، أستاذ جراحة القلب في جامعة نيوكاسل الذي أجرى تقنية الرذاذ والعملية الجراحية لفينلايسون، بإشارته إلى أن تلك الحالة أثارت احتمالية مضاعفة عدد عمليات زرع الرئة. وأضاف :" كما نتوقع أن تُقدِّم الرئات التي تعالج بهذا النحو أداء ً أفضل من كثير من الرئات التي يتم قبولها بالفعل. فمثل هذه الخطوة التحسينية لن تترجم فقط إلى زيادة عدد عمليات زرع الأعضاء، وإنما أيضًا إلى الاستشفاء بصورة أسرع، والبقاء لفترة أقصر في وحدة العناية المركزة، ومن ثم مغادرة المستشفى باكرًا".