أكداس من الجرائد مكومة في صالة المنزل، أو عشرات من القطط التي تعيش في أوضاع مزرية داخل أحد المنازل، أو أكوام من مختلف الأشياء تشوه المنظر في الحديقة .. كلها علامات لمشكلة التخزين القهري.
التخزين القهري
ورغم أن الطبعة الرابعة للدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض العقلية (DSM–IV) لا تشير في قوائمها إلى التخزين القهري compulsive hoarding بوصفه واحدا من الاضطرابات العقلية، فإن هذا النوع من السلوك كان ينظر إليه، تقليديا، بأنه فرع من فروع اضطرابات الوسواس القهري.
ويظهر سلوك التخزين القهري لدى نحو ما بين 25 و30 في المائة من المصابين باضطرابات الوسواس القهري – أي 0.4 في المائة من سكان الولايات المتحدة.
إلا أن الأبحاث تفترض أن هذه المشكلة قد تكون أكثر انتشارا. فقد تظهر أعراض التخزين على المصابين بالتوحد، الشيزوفرينيا (انفصام الشخصية)، العته، أو التخلف العقلي، إضافة إلى ظهورها لدى الأشخاص الأصحاء.
كما تشير نتائج الاستطلاعات في مناطق السكان المحلية إلى أن 5 في المائة من سكان الولايات المتحدة قد يكتسبون هذا الشكل من السلوك.
وإضافة إلى ذلك، فإن أنواع العلاج التي تستخدم بشكل فعال في اضطرابات الوسواس القهري – مثل: مثبطات استرداد أو استرجاع السيروتونين الانتقائية (selective serotonin reuptake inhibitors) (SSRIs) أو العلاج السلوكي المعرفي (الإدراكي) – لا تساعد المصابين بالتخزين القهري في الغالب.
كما تفترض الدراسات الأولية للتصوير العصبي أن كلا من التخزين القهري واضطرابات الوسواس القهري تنشط مناطق مختلفة في الدماغ – الأمر الذي يقدم دلائل أكثر على أن الحالتين لهما أعراض متمايزة.
أعراض سلوكية
قدم الدكتوران راندي أو فروست وتمارا إل هارت في كلية سميث، عام 1996 أول تعريف منهجي للتخزين القهري، وهو التعريف الذي أصبح مقبولا الآن على نطاق واسع.
فقد وصفا ثلاثة من الملامح الأساسية للتخزين القهري: مراكمة أعداد كبيرة من المقتنيات، التي تبدو للآخرين غير ذات فائدة، تكديس الأشياء في مواقع العيش بشكل يصعب استعمال تلك المواقع، والاضطراب الملموس الناجم عن السلوك التخزيني.
ووفقا لهذا النموذج فإن الأشخاص المصابين بالتخزين القهري هم كذلك أشخاص معرضون لأن يكونوا من الأشخاص غير الحازمين، غير المنظمين، الذين يمارسون التسويف، ومن الذين يتجنبون الآخرين.
إلا أن الأمر الذي يظل مبهما هو: لماذا يصبح بعض الأشخاص الذين يمتلكون مثل هذه الصفات من المصابين بالتخزين القهري فيما لا يصبح البعض الآخر منهم، مصابين به؟ وتشير الأبحاث إلى أن سلوك التخزين يظهر في العادة في عمر 12 أو 13 سنة، ثم يزداد سوءا مع العمر.
إلا أن المشكلة لا تظهر للعيان إلا عندما يكون الإنسان كبيرا في السن، عندما يعاني من مشكلات صحية ويتعرض للسقوط، ولحوادث الحرائق أو للشكاوى من الجيران، وحينها يتم اكتشاف أمره من قبل المختصين.
وفي أحيان قليلة يبدأ التخزين القهري بعد التعرض إلى أضرار في الدماغ أو إلى أضرار عصبية في منطقة لحاء المخ التي تشرف على عمليات اتخاذ القرارات.
وعادة ما تكون هذه المشكلة شائعة بين أفراد العائلة الواحدة. إذ إن نحو 85 في المائة من المصابين بالتخزين القهري أفادوا بأن واحدا من أقاربهم من الدرجة الأولى مصاب به: الآباء أو الأطفال أو الإخوة.
خيارات العلاج
إن علاج التخزين القهري لا يزال يواجه التحديات، وغير مشجع، ذلك أن الأبحاث لم تتجاوز نطاق دراسة اضطرابات الوسواس القهري.
إلا أن دراسة صغيرة غالبا ما تجري الإشارة إليها، قارنت بين تناول دواء باروكسيتين (paroxetine) (باكسيل Paxil) وبين تناول الحبوب الوهمية لمدة 12 أسبوعا من قبل 38 مصابا بالوسواس القهري (17 منهم كانوا مصابين بالتخزين القهري).
وقد وجد الباحثون أنه وفيما استجاب 67 في المائة من الذين لم يكونوا مصابين بالتخزين القهري للعلاج بالدواء أو للعلاج السلوكي المعرفي بشكل جيد، فإن 18 في المائة من المصابين فقط كانوا من ضمن المستجيبين الجيدين لهما.
الأدويــــة
أدوية مثبطات استرداد أو استرجاع السيروتونين الانتقائية (SSRIs): إن كانت توصف للمصابين بالتخزين القهري، فإن غالبية الدراسات توصلت إلى الاستنتاج بأنها ليست فعالة.
فمثلا، وجدت دراسات مراقبة باستخدام الحبوب الوهمية على المصابين باضطراب الوسواس القهري، أن الأشخاص الذين لديهم سلوك التخزين هم أقل استجابة لهذه الأدوية من الأشخاص الذين ليس لديهم ذلك السلوك.
إلا أن دراسة صغيرة واحدة فقط أفادت بأن المصابين بأعراض التخزين استجابوا بشكل جيد لهذه الأدوية، مثل جودة استجابة المصابين باضطرابات الوسواس القهري.
وشملت الدراسة 79 مصابا باضطرابات الوسواس القهري – كان 32 منهم من المصابين بالتخزين القهري، فيما لم يعان منه 47 آخرون. وقد تناول الجميع دواء باروكسيتين لمدة 12 أسبوعا.
وبنهاية الدراسة استجاب نحو ثلث المشاركين في كلتا المجموعتين وظهر التحسن في الأعراض بشكل متطابق لدى أفرادهما.
ومع ذلك فقد أشار منتقدو الدراسة إلى أن استجابة المصابين باضطراب الوسواس القهري للعلاج بدواء SSRI، كانت أقل من استجابتهم التي توصلت إليها دراسات أخرى.
العلاج السلوكي المعرفي
كما وجدت الدراسات أن الأشخاص المصابين بالتخزين القهري هم في الغالب أقل استجابة للعلاج السلوكي المعرفي مقارنة بغير المصابين به، وأنهم ينهون هذا العلاج في وقت أبكر على الأكثر.
فمثلا وجدت دراسة أن 31 في المائة من المصابين بالتخزين القهري استجابوا للعلاج، مقارنة بما بين 46 إلى 76 في المائة من المصابين باضطراب الوسواس القهري الذين لم يعانوا من التخزين القهري.
وقد حاول بعض الخبراء وضع نماذج للعلاج السلوكي المعرفي خاصة، ويكون أكثر فاعلية للمصابين بالتخزين القهري.
ففي دراسة استدلالية صغيرة قيم باحثون في جامعة بوسطن طريقة لعلاج فردي، يتألف من 26 جلسة فردية خلال 12 شهريا.
كما اقترح الباحثون إجراء زيارات منزلية ومساعدة المصابين في التخلص من الأشياء المتراكمة.
وبنهاية الدراسة توصل الباحثون إلى نتيجة مفادها أن أحوال 5 من 10 مصابين شملتهم الدراسة وأنهوا سلسلة العلاج قد تحسنت كثيرا أو كثيرا جدا.
وفي دراسة متابعة لتلك الدراسة قيم الباحثون أنفسهم العلاج السلوكي المعرفي، ولكن الجماعي هذه المرة، الذي يمتد فترة 16 إلى 20 أسبوعا لجلسات تمتد ساعتين.
كما تمت زيارة المصابين منزليا مرتين، لمدة 90 دقيقة في كل مرة. إلا أن هذه المنطلقات كانت أقل فاعلية بالنصف في تخفيف الأعراض مقارنة بفاعلية العلاج الفردي المكثف.
تدخل ناجح
وتفترض دراسة صغيرة أن دمج أشكال من طرق العلاج السلوكي المعرفي مع الأدوية ربما يحسن استجابة المصابين للعلاج.
وقد شملت الدراسة 190 من المصابين باضطراب الوسواس القهري، كان 20 منهم مصابون بأعراض التخزين القهري.
وأمضى كل المشاركين فترة 6 أسابيع في العلاج السلوكي المعرفي المكثف يوميا، فيما تناول أكثرهم الأدوية.
وبنهاية الدراسة ظهر أن 45 في المائة من المعانين من التخزين القهري استجابوا للعلاج، رغم أنهم لم يستفيدوا منه بنفس قدر استفادة الآخرين غير المعانين من التخزين القهري.
إلا أن المشكلة تكمن في صعوبة إقناع المعانين من التخزين القهري لكي يتجهوا إلى العلاج.
وهكذا، وحاليا، يجب على أفراد العائلة والأصدقاء والأطباء القلقين على شخص يعاني من التخزين القهري مراقبة الحالة الصحية العامة له ومساعدته.
وإن حدث وظهرت تطورات لمشاكل تهدد الحياة، فإن عليهم طلب المساعدة أو الإسعاف.