ورمضان
الحمد لله رب العالمين .. والصلاة والسلام على نبيه الكريم وآله وصحبه أجمعين …
أما بعد
فلقد أرسل الله تعالى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ليخرج الناس من غياهب الظلمات،
وأكرمه سبحانه بالآيات البينات والمعجزات الباهرات،
وكان الكتاب المبارك أعظمها قدرا وأعلاها مكانة وفضلا ،
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
«ما من نبي من الأنبياء إلا قد أُعطي من الآيات ما آمن على مثله البشر،
وإنما الذي كان أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة»
متفق عليه .
إنه القرآن،
كتاب الله تعالى ووحيه المبارك ..
قال الشيخ صالح الفوزان :
(قال سبحانه {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا}،
والمقصود بالروح هنا القرآن الذي أوحاه الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم وهو روح القلب ،
وروح القلب أخص من روح الأبدان .
سماه الله روحا لأنه تحيا به القلوب ،
فإذا خالط هذا القرآن بشاشة القلب فإنه يحيا ويستنير ويعرف ربه ويعبد الله على بصيرة ،
ويخشاه ويتقيه ويخافه ويحبه ويجله ويعظمه لأن هذا القرآن روح تحرك القلب كالروح التي تحرك الأبدان والأجسام
)
.ا.هـ
قال تعالى :
{ أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها } ،
قال سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله :
( فحياة القلوب وصحتها ونورها وإشراقها وقوتها وثباتها على حسب إيمانها بالله ومحبتها وشوقها إلى لقائه،
وطاعته له ولرسوله صلى الله عليه و سلم .
وبإعراضها عن ذكره وتلاوة كتابه يستولي الشيطان على القلوب فيعدها ويمنيها ،
ويبذر فيها البذور الضارة التي تقضي على حياتها ونورها وتبعدها عن كل خير وتسوقها إلى كل شر ،
كما قال تعالى :
{ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين} )
أ.هـ
وقال صلى الله عليه وسلم:
«اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه»
رواه مسلم .
وقال ابن مسعود :
( من أحب أن يعلم أنه يحب الله فلينظر إلى القرآن ، فإن كان يحب القرآن فإنه يحب الله ورسوله ).
وقال عثمان:
( لو طهرت قلوبنا ما شبعنا من كلام ربنا ) .
فلنعد إلى كتاب الله مادمنا في زمن الإمكان والقدرة على التوبة والاستغفار،
ولنتب إلى الله توبة نصوحا من تقصيرنا في حق كتابه وتفريطنا في أداء حقوقه والقيام بواجباته .
ومن تأمل حالنا مع هذا الكتاب العظيم ليجد الفرق الشاسع بين ما نحن فيه وما يجب أن نكون عليه ..
فإهمال في الترتيل والتلاوة وتكاسل عن الحفظ والقراءة وغفلة عن التدبر والعمل ،
والأعجب من ذلك أن نرى كثيرا من النساء ضيعن أوقاتهن في مطالعة الصحف والمجلات ،
ومشاهدة المسلسلات وسماع الأغاني والملهيات ولا يجدن لكتاب الله في أوقاتهن نصيبا،
بل إن بعضهن إن قرأنه لم يحسنّ نطق ألفاظه ولا تدبر معانيه وفهم مراده،
فيمررن على الآيات التي طالما بكى منها الباكون وخشع لها الخاشعون فلا ترق قلوبهن ولا تخشع نفوسهن ولا تدمع عيونهن ،
بل إنهن لا يفهمن معانيها وكأن أمرها لا يعنيهن ..
ثم إنك لو سألت نفسك عن معاني الآيات التي تكررينها ولا تكررين غيرها – مع الأسف – لم تجدي جوابا !
فما معنى الصمد ؟ غاسق إذا وقب ؟ الخناس؟ سجيل ؟
لا يجد لها جوابا إلا القليل منا . أليس هذا هو الهجران ؟ بل هو الخسران .
فلا تنسي أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول
« والقرآن حجة لك أو عليك »
رواه مسلم.
ولي معك – أخت العقيدة – وقفات :
1- اغرسي النية الصادقة والعزيمة القوية على العودة إلى كتاب الله بإتقان تلاوته وتدبر معانيه،
ولا تنسي الإخلاص فهو أساس قبول كل عمل،
وتذكري أن من يقرأ القرآن ليقال قارئ يسحب على وجهه ويلقى في النار .
2- استشعري فضل قراءة القرآن وحفظه وتذكري أن القرآن يطيب به المخبر والمظهر،
فتكونين طيبة الباطن والظاهر .
3- لا يكن همك عدد الصفحات التي تنهين تلاوتها بل احرصي على التدبر والتفكر والخشوع أثناء التلاوة .
ولكن من النساء من تقول أحب الخير وأحب طاعة الله ولكني لا أخشع حين أتلو القرآن ولا أتأثر به ..
فنقول يا أخيه : يقول الله تعالى
{إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد}
إذاً احرصي أثناء تلاوة الآيات على تدبرها والتفكر فيها وأن تخشعي قلبك ،
وإن لم يحصل ذلك فارعي لها سمعك وإياك والانشغال عنها بأفكار أو كلام أو التفات ،
وأكثري من التلاوة وإذا مررت بآية وعد فاسألي الله من فضله ،
وبآية وعيد فاستعيذي ،
وبآية تسبيح فسبحي ،
وبسجدة فاسجدي،
ولا تنسي أنك في جهاد مع نفسك واسألي الله الإعانة والهداية ..
ثم أبشري فستجدي نفسك تتحسر إذا فاتتها التلاوة ،
ولا تُغفلي كل آية تقرئينها أو على الأقل الآيات التي لم تفهميها،
بل إن التفسير من أعظم المعينات والميسرات لحفظ كتاب الله .
4- ومن كانت لا تجيد قراءة القرآن فبشرها الحبيب صلى الله عليه وسلم بأجر أعظم بقدر تتعتعها في تلاوة الآيات ،
فلا يثبطنك الشيطان عن التلاوة بل إن من لا تعرف القرآن أصلا لا تحرم أجره ما دامت صادقة النية مع الله ،
ولعلها تعوض ذلك بكثرة سماع القرآن ففضل الله أعظم ورحمته واسعة،
حتى أن إحدانا إذا كان لها ورد يومي من القرآن وانتابها عذر مانع كحيض أو مرض كتب لها ما كانت تفعله من قبل .
5- يقول صلى الله عليه وسلم:
«خيركم من تعلم القرآن وعلمه»
رواه البخاري .
أتظنيين أنى وإياك نحرم هذه الخيرية إن لم نستطع التعلم والتعليم ؟!
كلا فربنا فضله واسع ومجالات الخير عظيمة ..
فمشاركتك في بناء دور تحفيظ القرآن الكريم وإتمام أمورها – ولو بأقل القليل –
يدخلك ضمن إطار تلك الخيرية بل لك بكل طالب أو طالبة تحفظ أجر.
6- احرصي على حفظ كتاب الله وعلى أقل الأحوال لا تُخلى جوفك منه ،
واعلمي أن حفظه يهبك إكرام الناس،
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزوج الرجل بما معه من القرآن ..
حتى إنه لما كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في الدفن يقول :
«أيهما اكثر أخذا للقرآن؟ فإن أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد»
رواه البخاري .
وكل ذلك والحفظة في حرز من الشيطان وكيده وفي مأمن من الدجال وفتنته .
وكما روى أبو داود والترمذي أن الرسول صلى الله عليه و سلم قال :
« يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها ».
وعلميه أبناءك واسعي إلى انضمامهم إلى دور وحلق تحفيظ القرآن ،
قال الرسول صلى الله عليه وسلم :
«من قرأ القرآن وتعلمه وعمل به أُلبس يوم القيامة تاجا من نور ضوءه مثل ضوء الشمس،
ويكسى والداه حلتين لا يقوم بهما الدنيا فيقولان : بم كسينا ؟ فيقال : بأخذ ولدكما القرآن»
صححه الحاكم ووافقه الذهبي.
7- ليكن لليلك نصيب وافر من قراءتك وقيامك فهو وقت الأخيار وغنيمة الأبرار .
يقول صلى الله عليه وسلم :
« لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار ….. الحديث »
متفق عليه.
واستغلي علو الهمم في هذا الشهر الكريم ـ
واحذري أن تكوني ممن يكون آخر عهدهن بالقرآن هو هذا الشهر ،
بل اجعليه خير معين لك على نهج الصواب مع كتاب الله تلاوة وتدبرا وحفظا ..
جعلنا الله من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته