إن ما يدفعني إلى التعريف بهذه الشخصيات الأدبية الجزائرية ، ليس كونها غير معروفة ، فهي غنية عن كل تعريف ولا تحتاج العبد الفقير مثلي كي يعرف بها أو يقدمها إلى الناس وقراء منتديات المعلم . ولكنه العرفان والتقدير يدفعني إلى مثل هذه الكتابة على أمل أن تكون مختصرة وموجزة .. أعرض فيها أهم ما يميز هذه الشخصيات التي صنعت التاريخ الأدبي الجزائري في العصر الحديث .. وسيكون عرض هذه الشخصيات اعتباطا لا على أساس معين ، وإنما هكذا كيفما اتفق ، وحسب تقديراتي الخاصة ..
*****************************
مالك بن نبي( أستاذ الجيل) :
ولد في مدينة قسنطينة في الشرق الجزائري سنة 1905 م ، في أسرة فقيرة بين مجتمع جزائري محافظ تخرج بعد سنوات الدراسة الأربع، في مدرسته التي اعتبرها "سجناً يعلّم فيه كتابة "صك زواج أو طلاق" وتخرج سنة 1925م.
سافر بعدها مع أحد أصدقائه إلى فرنسا حيث كانت له تجربة فاشلة فعاد مجددا إلى مسقط رأسه. وبعد العودة تبدأ تجارب جديدة في الاهتداء إلى عمل، كان أهمها، عمله في محكمة (آفلو) حيث وصل في (مارس 1927م)، احتك أثناء هذه الفترة بالفئات البسيطة من الشعب فبدأ عقله يتفتح على حالة بلاده.
ثم أعاد الكرة سنة 1930م و لكن هذه كانت رحلة علمية. حاول أولا الإلتحاق بمعهد الدراسات الشرقية، إلا أنه لم يكن يسمح للجزائريين أمثاله بمزاولة مثل هذه الدراسات. تركت هذه الممارسات تأثيرا في نفسه. فاضطّر للتعديل في أهدافه وغاياته، فالتحق بمدرسة (اللاسلكي) للتخرج كمساعد مهندس، ممّا يجعل موضوعه تقنياً خالصاً، بطابعه العلمي الصرف، على العكس من المجال القضائي والسياسي.
ثم انغمس في الدراسة، وفي الحياة الفكرية، كما تزوج فرنسية واختار الإقامة في فرنسا وشرع يؤلف، في قضايا العالم الإسلامي كله، فكان سنة 1946 كتابه "الظاهرة القرآنية" ثم "شروط النهضة" 1948 الذي طرح فيه مفهوم القابلية للاستعمار و"وجهة العالم الإسلامي" 1954م.
انتقل إلى القاهرة بعد إعلان الثورة المسلحة في الجزائر سنة 1954م وهناك حظي باحترام، فكتب "فكرة الإفريقية الآسيوية" 1956. وتشرع أعماله الجادة تتوالى، وبعد استقلال (الجزائر) عاد إلى الوطن، فعين مديراً للتعليم العالي الذي كان محصوراً في (جامعة الجزائر) المركزية، حتى استقال سنة 1967 متفرغاً للكتابة، بادئاً هذه المرحلة بكتابة مذكراته، بعنوان عام"مذكرات شاهد القرن". قضى نحبه يوم 31 أكتوبر 1973م، في صمت معدماً، محاصراً منسياً. رحمك الله يا مالك بن نبي
وتعتبر (مذكرات شاهد القرن)، صورة عن نضال (مالك بن نبي) الشخصي في طلب العلم والمعرفة أولاً، والبحث في أسباب الهيمنة الأوروبية ونتائجها السلبية المختلفة وسياسة الاحتلال الفرنسي في الجزائر وآثاره، ممّا عكس صورة حية لسلوك المحتلين الفرنسيين أنفسهم في (الجزائر) ونتائج سياستهم، ووجوهها وآثارها المختلفة: الاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية.
أما آثاره الفكرية، فيمكن القول أنه لم يكف عن التأليف منذ سنة 1946 حيث ألَّف أول كتاب له وهو (الظاهرة القرآنية)، وتلاه برواية (لبَّيك) 1947 وهي رواية فلسفية، ثم (شروط النهضة) 1948 ؛ (وجهة العالم الإسلامي) ؛ (الفكرة الأفروآسيوية) 1956 ؛ (مشكلة الثقافة) 1959 ؛ (الصراع الفكري في البلاد المستعمرة) 1960 وهو أول كتاب كتبه مالك بن نبي بالعربية مباشرة بخلاف معظم كتبه التي ألّفها بالفرنسية.
وفي عام 1960 كتب أيضاً كتابه (فكرة كومنولث إسلامي) ؛ (ميلاد مجتمع) 1962 ؛ (إنتاج المستشرقين وأثره في الفكر الإسلامي) 1969؛ (مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي) ؛ (مذكرات شاهد القرن) 1970؛ (المسلم في عالم الاقتصاد)، ونشر له بعد وفاته كتب (دور المسلم ورسالته في القرن العشرين) 1977؛ (بين الرشاد والتيه) 1978، ولمالك بن نبي آثار فكرية لم تطبع وهي في صورة مخطوطات مثل: (دولة مجتمع إسلامي)؛ (العلاقات الاجتماعية وأثر الدين فيها)؛ (مجالس تفكير) وغيرها.
نموذج من كتاباته
ما الحضارة؟
(أهي من نور الكهرباء وصوت المذياع وما إلى هنالك من المنتجات الحضارية ؟ إنها ليست في شيء من ذلك وحده. ليست في أن أحل مشكلة هنا ببناء مدرسة ومشكلة أخرى ببناء مستشفى من غير أن يكون ذلك كله متوائماً مع توجيه لإمكاناتنا نحو البناء في كل مكان وفي أهم مكان، أعني نحو البناء من داخل النفس بأن تغير تلك النفس الساكنة المستكينة التي انفصلت عن المجتمع وأسلمته وأسلمت نفسها إلى الجهل الذي نراه اليوم بيننا متفشياً ونرى أنه ينفع في علاجه بناء مدرسة. والمرض الذي يتراءى لنا علاجه في بناء مستشفى الخ. فإن هذه المشاكل الأخيرة والملحّة كلها سوف لا تجد حلها ببناء مدرسة للأولى ومستشفى للثانية. إن حلّها بإصلاح الفساد في الرأس، ذلك المنبع الذي ما زال يشيع الجهل والمرض وهي النفس الإنسانية. وحينئذ سوف يؤدي المستشفى عمله على أتمه والمدرسة أيضاً.
مفدي زكريا :
هو الشيخ زكرياء بن سليمان بن يحيى بن الشيخ سليمان بن الحاج عيسى. الملقب بمفدي زكريا. ولد يوم الجمعة 12 جمادى الأولى 1326هـ، الموافق لـ: 12 يونيو 1908م، ببني يزقن ، بغرداية ,في جنوب البلاد.وفي بلدته تلقّى دروسه الأولى حيث حفظ القرآن الكريم ومبادئ اللغة العربيّة. ثم رحل إلى تونس والتحق ( بالمدرسة الخلدونية) ثم ( بجامع الزيتونة) وهناك تفتقت شاعريته. ونال شهادتها. وبعد عودته إلى أرض الوطن . انضم إلى صفوف العمل السياسي والوطني منذ أوائل الثلاثينات. فكان مناضلاً نشيطاً في صفوف جمعية طلبة شمال إفريقيا المسلمين.و كان عضواً نشيطاً في حزب نجمة إفريقيا الشمالية. وكان عضواً نشيطاً في حزب الشعب. ثم انضم إلى صفوف جبهة التحرير الوطني الجزائري. وشارك في النضا بقلمه فسجنته فرنسا بسبب ذلك خمس مرات، ابتداء من عام 1937م، وفر من السجن عام 1959م.والتحق بصفوف جبهة التحرير في الخارج و ساهم مساهمة فعالة في النشاط الأدبي والسياسي في كامل أوطان المغرب العربي. و ألهب الحماس بقصائده الوطنية التي تحث على الثورة والجهاد حتى لقب: بشاعر الثورة الجزائرية. فهو صاحب نشيد الثورة الجزائرية و النشيد الوطني الجزائري المعروف "قسما". انتقل إلى رحمة الله تعالى في أول رمضان عام 1397هـ الموافق 1977م بمدينة تونس.ونقلت جثمانه إلى أرض الوطن ودفن بمسقط رأسه.
من إنتاجه الأدبي تحت ظلال الزيتون (ديوان شعر) صدرت طبعته الأولى عام 1965م. واللهب المقدس (ديوان شعر) صدر في الجزائر عام 1983م صدرت طبعته الأولى في عام 1973م. و من وحي الأطلس (ديوان شعر). وإلياذة الجزائر (ديوان شعر).
وله عدد من دواوين الشعر لازالت مخطوطة تنتظر من يقوم بإحيائها. بالإضافة إلى عدد ما الكتب النثرية أشهرها: (الأدب العربي في الجزائر عبر التاريخ) في أربعة أجزاء . وكتــاب ( تاريخ الصحافة العربية في الجزائر).
وتعتبر الإلياذة أشهر ما أبدع الشاعر قدم من خلالها وصفا لحقائق التاريخ وتسجيلا لوقائع الأحداث، وتحذيرا من كثير من المغبات.. وقد بلغ عدد أبياتها ألفا نظمها في مائة مقطوعة ، وفي كل منها عشرة أبيات تنتهي بلازمة جميلة.
نموذج من شعره
المقطع الأول من الإلياذة:
جزائر يا مطلع المعجــزات ** و با حجة الله في الكائنــــات
و يابسمة الرب في أرضـــه ** و يا وجهه الضاحك القسمات
و يا لوحة في سجل الخلـو د ** تموج بها الصور الحالمــات
و يا قصة بث فيها الوجـــود ** معاني السمو بروع الحيــــاة
و يا صفحة خط فيها البقـــآء ** بنار و نور جهاد الأبــــــــاة
و يا للبطولات تغزو الدنــــا ** و تلهمها القيم الخـــــــالدات
و أسطورة رددتها القــــرون ** فهاجت بأعماقنا الذكريـــات
و يا تربة تاه فيها الجـــــلال ** فتاهت بها القمم الشامخـــات
و أهوى على قدميها الزمان ** فأهوى على قدميها الطفـــــاة
شغلنا الورَى ، و ملأنا الدنا
بشعر نرتله كالصٌلاة
تسَابيحه من حَنايَا الجزائر
الشهيد مصطفى بن بوالعيد " أسد الأوراس"
نشـــأته:
من مواليد فيفري 1917 بأريس ولاية باتنة وسط عائلة ثرية ومتشبعة بالقيم الإسلامية، تلقى تعليمه الأول بمسقط رأسه ثم بمدينة باتنة أين إلتحق بمدرسة الأهالي "الأنديجان" كما تلقى تعليما بمدرسة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بقسنطينة.
هاجر إلى فرنسا سنة 1937 وعرف عن قرب أوضاع الجزائريين هناك، وكون نقابة تدافع على حقوقهم، عام 1939 أدى الخدمة العسكرية الإجبارية، وأعيد تجنيد أثناء الحرب العالمية الثانية.
نشاطاته:
بدأ نشاطه السياسي في صفوف حزب الشعب منذ الأربعينات إذ كان من أنشط العناصر بالأوراس، وعند نشأة المنظمة الخاصة كان له نشاط دؤوب في تكوين الشبان سياسيا وتدريبهم عسكريا، وأنفق من ماله الخاص لتدريب وتسليح المناضلين.
شارك في إنتخاب المجلس الجزائري سنة 1948 وفاز فوزا سحيقا لكن السلطات الفرنسية زورت الإنتخابات. كان له دور كبير في انشاء المنظمة الخاصة ، وبعد أن أكتشف أمرها بدأ في توفير السلاح عن طريق شرائه من ليبيا كما ساهم في إيواء المناضلين المطاردين، أنشأ مع رفاقه اللجنة الثورية للوحدة و العمل وشارك في إجتماع الـ 22 في جوان 1954، وأصبح مسؤولا على المنطقة الأولى (الأوراس)، كما كان عضوافي لجنة الستة.
كما أشرف على توزيع الاسلحة على المناضلين بنفسه. سافر سنة 1955 إلى ليبيا لتزويد الثورة بالسلاح لكنه أعتقل في 11 فيفري 1955 وحوكم بالمحكمة العسكرية بقسنطينة في جوان 1955وحكم عليه بالإعدام…. إستطاع الفرارمن السجن رفقة الطاهر الزبيري في شهر نوفمبر 1955 وعاد من جديد إلى قيادة الثورة وخاض معركتي " إيفري البلح وأحمر خدو".
واصل الرجل الملقب بأسد الأوراس جهاده حتى إستشهد في 22 مارس 1956 إثر إنفجار مذياع مفخخ ألقته القوات الفرنسية الغاشمة.
الله أكبر
المجد و الخلود لشهدائنا الأبرار
و تحيــا الجزائر