فضل العفو و التسامح
من فضائل هذا الدين ومن محاسن أخلاقه ومن المقامات التي يؤجر فيها العبد أجرا عظيما جل وعلا, والجزاء من جنس العمل, العفو عن الناس, العفو ممن أخطأ علينا, هذه المرتبة وهذا الفضل أمرنا به, بل هو كرم من المكارم وخلق يجعل الإنسان يعيش عزيز بين الناس, لا ذليل كما يظن بعض الناس, ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:" ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزّ" يعز الله عزّ وجل أؤلائك, الذين يعفون عن من أخطأ عليهم والله جلّ وعلا يقولون في القرآن: { وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }التغابن14
إذا عفى الإنسان عن غيره من البشر عفا الله عز وجل عنه, إن صفح وغفر للناس أخطاءهم, غفر الله عزّ وجل له. { وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ }النور22
من أراد أن يغفر الله له فليعف عن البشر, وإسمعوا لهذا الحديث, يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" يأتي العبد يوم القيامة ليس لديه أعمال كثيرة أعماله بسيطة, فيسأله الله عزّ وجل وتسأله الملائكة, ماذا عملت, ما العمل الذي ترجو به رحمة الله عزّ وجل قال لاشيء. إلا أني كنت أتجاوز عن المعسر وأيسر على الموسر, يعني إنسان أطالبه ما عنده أسامحه, إنسان حل الدين له لكن لا يستطيع أن يدفع أعفو عنه, هكذا كان يتعامل مع البشر, يقول الله عزّ وجل له يوم القيامة ويقول الله للملائكة أنا أحق بذلك من عبدي, قد عفوت عنه وأدخلته الجنة, { وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى }البقرة237
إذا أراد الإنسان أن يعفى عنه فليعفوا عن البشر, النبي صلى الله عليه وآله وسلم كم حاربه قومه, كم آذوه كم طاردوه, بل أدموه ونزف الدم من وجهه, فمسح الدم وهو يقول" اللهم إغفر لقومي فإنهم لا يعلمون, اللهم إغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" { وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }آل عمران134
كم أخطئ علينا من البشر, يجوز لك أن تأخذ حقك, الحق حق, والعدل أن تقتص ممن ظلمك ويجوز لك أن تدعو حتى على من ظلمك لكن المرتبة الأعلى والأقرب للتقوى والفضل الكبير, أن يعفو الإنسان عن من ظلمه, إذا كان يقدر على أن يأخذ حقه, فعفى عنه, هذه من أعظم الأعمال جلّ وعلا, إنظروا لهذا الحديث الذي ضحك منه النبي صلى الله عليه وآله وسلم الرسول يضحك من حديث, معجب بهذا الحديث
قال يأتي رجلان فيجثيان عن ربهما عزّ وجل, هذه من مشاهد يوم القيامة, يجثوا رجلان عند الله جل وعلا يوم القيامة, فيقول أحدهما يا ربي خذ لي بحقي منه, هذا المظلوم وذاك ظالم, يقول المظلوم يا ربي خذ لي بحقي منه, وكان قد أخذ من الحسنات حتى فنيت حسناته, لكن إلى الآن إلى الآن, ما إستوفى حقه, فيقول هذا المظلوم يا رب, خذ من أوزاري وضعها علي, يهلك, إنتهى الأمر, الأمر يوم القيامة حسنات وسيئات, يقول الله عزّ وجل لهذا المظلوم إنظر إلى الجنة فنظر فإذا هي القصور والمدائن والأنهار والجنان يقول العبد يوم القيامة بعد ما يرى هذا النعيم, يارب, لأي نبي هذا, لأي صديق هذا, لأي شهيد هذا, هذا ملك عظيم ونعيم كبير, فيقول الله عزّ وجل هذا لمن أعطى الثمن, قال ومن يملك الثمن يا رب, قال أنت تملكه, قال وأين أملك هذا الثمن يا رب وكيف قال بعوفك عن أخيك, إذا عفوت عنه دخلت الجنة, فيقول العبد مباشرة, يا ربي قد عفوت عنه, يعني يجوز أن يأخذ من الحسنات ويضع من السيئات عليه هذا من العدل, لكن أعظم منه تلك الجنان العظيمة, لمن عفى قال عفوت عنه يا رب, يقول الله عزّ وجل:" خذ بيد أخيك وإدخل معه إلى الجنة"
{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ }الأعراف199
كانت من عادة النبي صلى الله عليه وسلم.
{أذان صلاة المغرب}
أن يعفو عن من ظلمه, أكثر أهل قريش ظلموه, هاجر من مكة بسببهم, كم قتلوا من أحبابه وأصحابه, لما قدر عليهم ماذا فعل وماذا صنع, النبي عليه الصلاة والسلام عفى عن أهل مكة كلهم, قال" إذهبوا فأنتم الطلقاء, لا تثريب عليكم اليوم" إنها أخلاق الأنبياء { وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ }النور22
إذا أردت الدرجات العلى, إذا أردت تلك الكرامة عند الله, إذا اردت أن يعفوا الله عنك كما عفوت عن الناس, تذكر من ظلمك وإعفو عنهم, سبك أحدهم شتمك أحدهم تكلم عنك أحدهم, عرفته أو لم تعرفه أطلقها من قلبك صريحة قل يا ربي عفوت عنهم جميعا رجاء عفوك ومغفرتك ومن عفا.
{ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ }الشورى40
قد يخطأ الناس علينا كثير وقد نظلم أحيانا لكن من الفضائل ان يعفو الإنسان عن من ظلمه, عن يعفو الإنسان عن من أخطأ عليه, والعفو من أعلى مراتب الأخلاق في هذا الدين, ولمن عفى عن من ظلمه أو أخطأ عليه أو أجرم بحقه فحقه عند الله عزّ وجل, بل إن الله تعالى قد وصف أهل التقوى وقال { وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }آل عمران134
كان من أخلاق الأولين, أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, وكذلك التابعون وتابعوهم, خلق العفو, كانت علامة للرجولة, وللمروءة ولتقوى الله عزّ وجل, هذا أبو بكر الصديق, لما أخطى عليه مسطح بن أثافة, وكان هذا الرجل ممن ينفق عليه أبو بكر, أنزل الله عزّ وجل لأنه أطعن في إبنته عائشة, فأنزل الله عزّ وجل لأبي بكر { وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ }النور22
من أراد أن يعفو الله عنه فليعفوا عن البشر من أراد أن يغفر الله له, فليغفر عن الناس, ولينسى أخطاءهم وما فعلوه بحقهم من ظلم وإجرام, يقص النبي صلى الله عليه وسلم قصة رجلين جثيا عند رب العالمين يوم القيامة, وإسمعوا للقصة العجيبة التي ضحك النبي في نهايتها وإن كان قد حزن في بدايتهاقصة رجلين جثيان على ركبتيهما عند الله جلّ وعلا فقال أحدهما يا رب, يا رب خذ لي بحقي منه, خذ لي بحقي منه, هذا الرجل أخطأ على هذا الرجل في الدنيا, ولهذا طلب منه أن يأخذ حقه يوم القيامة, فقال الله عزّ وجل أعطه من الحسنات, فقال الظالم يا رب, يا رب قد فنيت حسناتي, فقال المظلوم يا رب خذ من سيئاتي فإطرحها عليه.
هنا تأثر النبي وحزن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجل من أمته يدخل النار بسبب خطأ على أخيه, فيقول الله جل وعلا لهذا المظلوم الذي يريد الآن أن يقتص من أخيه, يقول الله عز ّوجل له إدخل إلى الجنة, فتكشف له الجنة , يرى فيها القصور والمدائن والجنان والأنهار فيعجب الرجل فيقول يا رب لأي نبي هذا, لأي شهيد هذا, لأي صديق هذا.
هذا لمراتب عالية من الناس, فيقول الله عزّ وجل هذا لمن أعطا الثمن, فيقول هذا الرجل يا ربي ومن يملك الثمن, فيقول الله أنت تملك الثمن, قال وما الثمن يا رب, قال أن تعفو عن أخيك, قال عفوت عن أخي.
فيقول الله عزّ وجل خذ بيد أخيك وإدخل معه إلى الجنة, فضحك النبي فرحا.
{ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }آل عمران134