حديث النفخة في اليوم الخامس عشر من رمضان إذا صادف يوم جمعة
السؤال: حديث قرأته وأتساءل فقط عما إذا كان صحيحا أم لا : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( في الخامس عشر من شهر رمضان ليلة الجمعة ستكون فزعة ( نفخة ) ، توقظ النائم ، وتفزع اليقظان ، وتخرج النساء من مخدعهن ، وفى هذا اليوم سيكون هناك الكثير من الزلازل ) آمل أن أتلقى ردا منكم إن شاء الله .
الجواب:
الحمد لله
هذا الحديث منكر لا يصح ، لم يرد بسند مقبول ، ولم يثبت من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، كما أن الواقع يكذبه ويرده ، فقد وافق في أعوام كثيرة سابقة مجيء يوم الجمعة في الخامس عشر من رمضان ، ولذلك حكم عليه العلماء بالوضع والكذب .
قال العقيلي رحمه الله :
" ليس لهذا الحديث أصل من حديث ثقة ، ولا من وجه يثبت " انتهى .
" الضعفاء الكبير " (3/52) .
وقال ابن الجوزي رحمه الله في باب خاص عقده باسم " باب ظهور الآيات في الشهور " :
" هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى .
" الموضوعات " (3/191)
وذكره العلامة ابن القيم رحمه الله في " المنار المنيف " (ص/98) في أحاديث لا تصح في التواريخ المستقبلية ، قال : " كحديث : يكون في رمضان هدة توقظ النائم ، وتقعد القائم ، وتخرج العواتق من خدورها ، وفي شوال مهمهة ، وفي ذي القعدة تميز القبائل بعضها من بعض ، وفي ذي الحجة تراق الدماء ، وحديث : يكون صوت في رمضان إذا كانت ليلة النصف منه ليلة جمعة ، يصعق له سبعون ألفا ، ويصم سبعون ألفا " انتهى .
وقال الشيخ الألباني رحمه الله :
" موضوع ، أخرجه نعيم بن حماد في "الفتن " (ق 160/1) ، ومن طريقه أبو عبد الله الحاكم (4/517 – 518) ، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان " (2/199) قال : حدثنا ابن وهب ، عن مسلمة بن علي ، عن قتادة ، عن ابن المسيب ، عن أبي هريرة …مرفوعاً .
وقال الحاكم : حديث غريب المتن ، ومسلمة ظن لا تقوم به الحجة .
وقال الذهبي : قلت : ذا موضوع ، ومسلمة ساقط متروك .
وقد روي هذا الحديث بأسانيد أخرى ، وقد ساقها السيوطي في "اللآلي " (2/387 – 388) ، وكلها معلولة ، بعضها مطول ، وبعضها مختصر ، وأطولها من حديث ابن مسعود . – ثم ساق الشيخ الألباني الحديث بلفظ آخر – ( يَكُونُ فِي رَمَضَانَ صَوْتٌ , قَالُوا: فِي أَوَّلِهِ أَو فِي وَسَطِهِ أَو فِي آخِرِهِ؟ قَالَ : لا ؛ بَلْ فِي النِّصْفِ مِنْ رَمَضَانَ ، إِذَا كَانَ لَيْلَةُ النِّصْفِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ؛ يَكُونُ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ يُصْعَقُ لَهُ سَبْعُونَ أَلْفاً ، وَيُخْرَسُ سَبْعُونَ أَلْفاً ، وَيُعْمَى سَبْعُونَ أَلْفاً ، وَيُصِمُّ سَبْعُونَ أَلْفاً . قَالُوا: فَمَنِ السَّالِمُ مِنْ أُمَّتِكَ؟ قَالَ : مَنْ لَزِمَ بَيْتَهُ ، وَتَعَوَّذَ بِالسُّجُودِ ، وَجَهَرَ بِالتَّكْبِيرِ لِلَّهِ . ثُمَّ يَتْبَعُهُ صَوْتٌ آخَرُ . وَالصَّوْتُ الأَوَّلُ صَوْتُ جِبْرِيلَ ، وَالثَّانِي صَوْتُ الشَّيْطَانِ. فَالصَّوْتُ فِي رَمَضَانَ ، وَالمَعْمَعَةُ فِي شَوَّالٍ ، وَتُمَيَّزُ الْقَبَائِلُ فِي ذِي الْقَعْدَةِ ، وَيُغَارُ عَلَى الْحُجَّاجِ فِي ذِي الْحِجَّةِ ، وَفِي الْمُحْرِمِ ، وَمَا الْمُحْرَّمُ؟ أَوَّلُهُ بَلاءٌ عَلَى أُمَّتِي ، وَآخِرُهُ فَرَحٌ لأُمَّتِي ، الرَّاحِلَةُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ بِقَتَبِهَا يَنْجُو عَلَيْهَا الْمُؤْمِنُ لَهُ مِنْ دَسْكَرَةٍ تَغُلُّ مِائَةَ أَلْفٍ ) – ثم قال الشيخ الألباني رحمه الله – : موضوع ، أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (18/332/853) ، ومن طريقه ابن الجوزي في "الموضوعات ، (3/ 191) من طريق عبد الوهاب بن الضحاك : ثنا إسماعيل بن عياش ، عن الأوزاعي ، عن عبدة بن أبي لبابة ، عن فيروز الديلمي …مرفوعاً . وقال ابن الجوزي : "هذا حديث لا يصح ، قال العقيلي : عبد الوهاب ليس بشيء . وقال ابن حبان : كان يسرق الحديث ؛ لا يحل الاحتجاج به . وقال الدارقطني : منكر الحديث . وأما إسماعيل : فضعيف . وعبدة لم ير فيروزاً ، وفيروز لم ير رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " انتهى باختصار.
" السلسلة الضعيفة " (رقم/6178، 6179) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
" بلغني أن بعض الجهال يوزع نشرة مشتملة على حديث مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم يتضمن هذا الحديث المكذوب ما نصه :
عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إذا كان صيحة في رمضان ، فإنه يكون معمعة في شوال ، وتميز القبائل في ذي القعدة ، وتسفك الدماء في ذي الحجة والمحرم ، وما المحرم ؟ يقولها ثلاث مرات ، هيهات هيهات ، يقتل الناس فيه هرجا هرجا ، قلنا : وما الصيحة يا رسول الله ؟ قال : هذه في النصف من رمضان ليلة الجمعة ، فتكون هدَّة توقظ النائم ، وتقعد القائم ، وتخرج العواتق من خدورهن في ليلة جمعة ، في سنة كثيرة الزلازل والبرد ، فإذا وافق شهر رمضان في تلك السنة ليلة الجمعة ، فإذا صليتم الفجر من يوم الجمعة في النصف من رمضان فادخلوا بيوتكم ، وأغلقوا
أبوابكم ، سدوا كواكم ، ودثروا أنفسكم ، وسدوا آذانكم ، فإذا أحسستم بالصحيحة فخروا لله سجدا ، وقولوا : سبحان القدوس ، سبحان القدوس ، ربنا القدوس ، فإنه من فعل ذلك نجا ومن لم يفعل هلك ) .
فهذا الحديث لا أساس له من الصحة ، بل هو باطل وكذب ، وقد مر على المسلمين أعوام كثيرة صادفت فيها ليلة الجمعة ليلة النصف من رمضان فلم تقع فيها بحمد الله ما ذكره هذا الكذب من الصيحة وغيرها مما ذكر ، وبذلك يعلم كل من يطلع على هذه الكلمة أنه لا يجوز ترويج هذا الحديث الباطل ، بل يجب تمزيق ذلك وإتلافه والتنبيه على بطلانه ، ومعلوم أنه يجب على كل مسلم أن يتقي الله في جميع الأوقات ، وأن يحذر ما نهى الله عنه حتى يتم أجله، كما قال سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) والمراد باليقين : الموت ، قال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه : ( اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تحمها ، وخالق الناس بخلق حسن ) .
والآيات والأحاديث في وجوب لزوم التقوى والاستقامة على الحق والحذر من كل ما نهى الله عنه في جميع الأوقات في رمضان وفي غيره كثيرة معلومة ، وفق الله المسلمين لما يرضيه ، ومنحهم الفقه في الدين ، وأعاذنا وإياهم من مضلات الفتن ، ومن شر دعاة الباطل ، إنه جواد كريم ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه " انتهى.
" مجموع فتاوى ابن باز " (26/339-341)
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب