بالرغم من العمل الشاق والطويل الذي نبذله، إلا أننا نظل نواجه بعض الصعوبات، وربما أدى بنا ذلك إلى الشعور بالإرهاق ونحن نتخطى العقبة تلو
الأخرى لكي نجد عقبات أخرى أمامنا تعيق تقدمنا.
ولكن إذا استطاعت الحياة أن تطرحنا أرضاً في لحظة مواجهتنا للمصاعب الجمة، فأرجو ألا يؤدي ذلك إلى إحباطنا بشكل كلي؛ لأن العقبات قد تكون
الباب الذي يؤدي للنجاح؛ ولأننا بعد ذلك سوف نحقِّق نجاحاً يتجاوز حتى ما كنا نحلم به أو نتوقعه!
يقول "هاريت ستوي: إذا وجدت نفسك محشوراً في وضع صعب وكل شيء يبدو ضدك إلى أن تشعر أنك لا تستطيع الاستمرار في ذلك ولو لدقيقة واحدة، فلا تتراجع أبداً عندئذ؛ لأن تلك اللحظة الحرجة سوف تشهد مولد النجاح".. ألا توافق معي بأن هذه نصيحة حكيمة.. إذن طبقها.
ولكن كثيراً من الناس ينظرون إلى العوائق أو الإحباطات على أنها صعوبات كبيرة لا يستطيعون تخطيها أو التغلب عليها،
ولهذا فإنهم يستسلمون بسهولة (أحياناً وهم على بعد خطوات قليلة من هدفهم)، ثم يقضون معظم حياتهم في تلك المرحلة.
وإن من المُحزن أن كثيراً من الناس يفتقرون إلى المثابرة والشجاعة والإيمان في البقاء والتصميم لتحقيق أحلامهم،
ولهذا نستطيع أن نقرر أننا نستطيع أن نحصد ثمار أية محنة تمر بنا فقط إذا استطعنا أن نصمد لقليل من الوقت الإضافي،
وذلك كله بعد توفيق الله وإعانته.
يقول "نابليون": "إن كل محنة وكل قلب مُحطَّم وكل فشل يحمل في طياته بذور سعادة مساوية لتلك المحنة أو أكبر منها".
ويقول الإمام حسن البنا يرحمه الله موصياً إخوانه: "لا تيأسوا، فليس اليأس من أخلاق المسلمين، وحقائق اليوم أحلام الأمس،
وأحلام اليوم حقائق الغد، وما زال في الوقت متسع، وما زالت عناصر السلامة قوية عظيمة في نفوس شعوبكم المؤمنة رغم طغيان مظاهر الفساد..
والضعيف لا يظل ضعيفاً طول حياته، والقوي لا تدوم قوته أبد الآبدين: (ونُريدُ أن نُمنّ عَلى الذينَ استُضْعفُوا في الأرض وَنجَعَلَهُم أئمّةً وَنَجْعَلَهُمُ
الوارِثينَ* ونُمَكّن لَهُمْ في الأرض)
إن الزمان سيتمخض عن كثير من الحوادث الجسام، وإن الفرص ستسنح للأعمال العظيمة، وإن العالم ينتظر دعوتكم؛
دعوة الهداية والفوز والسلام لتخلصه مما هو فيه من آلام، وإن الدور عليكم في قيادة الأمم وسيادة الشعوب،
وتلك الأيّام نداولها بين الناس ، وترجون من الله ما لا يرجون، فاستعدوا واعملوا اليوم،
فقد تعجزون عن العمل غداً، لقد خاطبت المتحمسين منكم أن يتريثوا وينتظروا دورة الزمان،
وإني لأخاطب المتقاعدين أن ينهضوا ويعملوا فليس مع الجهاد راحة:
(والذين جاهَدُوا فينا لَنَهْدِيَنّهُم سُبُلَنا وإنّ الله لمعَ المُحْسِنينَ) وإلى الأمام دائماً.
إن على صناع الحياة عند مواجهتهم للمحن والمصائب والابتلاءات أن يشحنوا أنفسهم بالإيمان والصبر،
وأن يستمدوا العون من الله تعالى ليتحدُّوا الفشل، وليسيروا في طريق التأثير والنجاح،
وفي ذلك يقول الله تعالى: (يا أيُّها الذينَ آمَنُوا اصبِرُوا وصابِرُوا وَرابِطُوا واتّقُوا اللهَ لَعَلكُم تُفْلِحُونَ)
ويقول الشيخ محمد الغزالي يرحمه الله:
أعرف رجلاً قُطعت قدمه في جراحة أجريت له، فذهبتُ إليه لأواسيه، وكان عاقلاً عالماً، وعزمت أن أقول له: إن الأمة لا تنتظر منك أن تكون عدّاء
ماهراً، ولا مصارعاً غالباً، إنما تنتظر منك الرأي السديد والفكر النير، وقد بقي هذا عندك ولله الحمد. وعندما عُدته
قال لي: الحمد لله، لقد صحبتني رجلي هذه عشرات السنين صحبة حسنة، وفي سلامة الدين ما يُرضي الفؤاد.
ويقول الشيخ محمد الغزالي يرحمه الله أيضاً: إذا استحكمت الأزمات وتعقدت حبالها، وترادفت الضوائق وطال ليلها،
فالصبر وحده هو الذي يشع للمسلم النور العاصم من التخبط، والهداية الواقية من القنوط، والصبر فضيلة يحتاج إليها المسلم في دينه ودنياه، ولابدّ أن يبني عليها أعماله وآماله وإلا كان هازلاً؛
يجب أن يوطن نفسه على احتمال المكاره دون ضجر، وانتظار النتائج مهما بعدت، ومواجهة الأعباء مهما ثقلت، بقلب لم تعلق به ريبة،
وعقل لا تطيش به كربة، يجب أن يظل موفور الثقة بادي الثبات، لا يرتاع لغيمة تظهر في الأفق ولو تبعتها أخرى وأخرى،
بل يبقى موقتناً بأن بوادر الصفو لابدّ آتية، وأن من الحكمة ارتقابها في سكون ويقين. وقد أكد الله أن ابتلاء الناس لا محيص عنه، حتى يأخذوا أهبتهم
للنوازل المتوقعة، فلا تذهلهم المفاجآت ويضرعوا لها، قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنّكُم حَتّى نَعْلَمَ المُجاهدينَ منكمْ والصّابرينَ وَنَبْلُوَ أخْبارَكُمْ)