د.سامر سقاأميني
علم العالم المادي أفراده أن لا يؤمنوا إلا بالمحسوس، وبالتالي كي تؤمن بالشيء يجب أن تراه أو تسمعه أو تذوقه أو تلمسه أو تشمه.
ومن بين المواضيع التي أراد الماديون إخضاعها لهذه القاعدة هي الروحانيات والغيبيات، فأرادوا إثباتها أو نفيها اعتمادا على دراستها في أنابيب الاختبار وتحت عدسات المجاهر.
كيف أجروا دراسات في عدة مراكز أبحاث أمريكية على الصلاة والدعاء، وقوموها ماديا بإجراء اختبارات طبية ومخبرية. وكان عنوان المقالة( الصلاة في أنابيب الاختبار).
وقد تطرق العلماء حديثا إلى بحث الفطرة،ذلك الشعور العفوي الذي يجعلك في حال من دوام البحث عن الخالق المدبر.
هناك أناس حافظوا على نقاء الفطرة لديهم، فعاشوا حياتهم في حال من التوافق مع الدنيا وأحداثها، وفي حال من التوازن بين المادة والروح، وكذلك بين العقل والقلب والجسد والروح.
وهناك أناس سمحوا لطبقات مختلفة السماكة من الران أن تترسب على فطرتهم، فتضاءل تأثيرها، وغابت عن السطح. ولكن سرعان ما تعاود هذه الفطرة المثبطة نشاطها، وتستعيد أنفاسها تحت تأثير الابتلاءات والمحن، فما إن تهتز الطائرة في الجو حتى ينادي الجميع
(يا الله)
وهناك – للأسف- من خنق فطرته تحت ثقل ركام من المعاصي والتكبر والظلم والأذى، فأصبح قاسي القلب، متحجر الضمير، مفتخرا بإلحاده وانطماس فطرته.
إن الفطرة دفعت الناس منذ بدء الخليقة إلى البحث عن تلك القوة الجبارة التي تنظم الكون وشؤونه. ففي فترات النبوات كانوا يهتدون إلى الخالق جل وعلا، وأما في فترات الضلال فكانوا يتخيلون إلههم في شمس أو قمر أو صنم أو حيوان أو……..
وقد أراد فريق من علماء الأعصاب من جامعة BETHESDA في الولايات المتحدة الأمريكية، البحث عن هذه الفطرة وأماكن توضع مراكزها في الدماغ.
تم إجراء الدراسة على عينات منتقاة حسب شروط محددة بدقة، وتم إجراء دراسة تقييم لأفراد العينة بواسطة اختبارات نفسية معينة، من أجل تقييم إيمان هؤلاء الأشخاص.
وقد وجد العلماء أن هناك ثلاثة عوامل تتداخل في مفهوم الفطرة:
– الاعتقاد بوجود قوة( فوق الطبيعة) تسهر على وجودنا، وتقود خطانا.
– الاعتقاد أن هذه القوة تتعامل معنا بمشاعر تتراوح من الحب إلى الغضب( الذي يصل إلى العقاب).
– الثقافة الدينية المكتسبة بالتعلم أو بالالتزام.
ثم قام العلماء بإجراء دراسة بالرنين المغناطيسي ليجدوا أن لكل عامل مما سبق مركز يتفعل بشدة عند عمله.
ففكرة وجود قوة قاهرة مسيرة للكون تتوضع في التلفيف الجبهي السفلي في نصفي الكرة الدماغية، وهو المركز المسؤول عادة عن تفهمنا لما يقوم به الآخر.
وأما فكرة تعامل هذه القوة معنا بالحب فهي تتوضع في التلفيف الجبهي المتوسط، والمنطقة 11 لبرودمان في النصف الدماغي الأيمن.
وبالمقابل ففي التلفيف الصدغي المتوسط والمنطقة 21 لبرودمان في النصف الدماغي الأيسر يكون التفعيل على أشده عندما نفكر بغضب الله علينا.
أما الثقافة الدينية بشكل عام فهي تفعل مناطق دماغية مختلفة في نصفي الكرة الدماغية.
ولكن الأمر المثير للدهشة أن هذه المراكز الدماغية تتألق في صور الرنين المغناطيسي سواء عند المؤمنين أو عند الملحدين.
لذا يختتم الباحثون دراستهم بقولهم:
سواء أقبلنا وجودها أم لا
ومهما يكن الاسم الذي نعطيه لها
فإن الشعور بقوة عظمى موجود فينا وفي تلا فيف دماغنا
( إن الله موجود في الدماغ)
المرجع: le quotidien de pharmacien (19-3-2009)