السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نبدأ
بسم الله الرحمن الرحيم
مختصر الــسيـرة النـبويـة
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
نسب النبي صلى الله عليه وسلم:
محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نذار بن معد بن عدنان . إلى هنا معلوم الصحة . وما فوق عدنان مختلف فيه . ولا خلاف أن عدنان من ولد إسماعيل وإسماعيل هو الذبيح على القول الصواب . والقول بأنه إسحاق باطل .
ولا خلاف أنه صلى الله عليه وسلم ولد بمكة عام الفيل . وكانت وقعة الفيل تقدمة قدمها الله لنبيه وبيته وإلا فأهل الفيل نصارى أهل كتاب دينهم خير من دين أهل مكة . لأنهم عباد أوثان . فنصرهم الله نصرا لا صنع للبشر فيه تقدمة للنبي الذي أخرجته قريش من مكة . وتعظيما للبلد الحرام .
………………………… ………………………… ………………………… …….
قصة الفيل:
وكان سبب قصة أصحاب الفيل – على ما ذكر محمد بن إسحاق – أن أبرهة بن الصباح كان عاملا للنجاشي ملك الحبشة على اليمن فرأى الناس يتجهزون أيام الموسم إلى مكة – شرفها الله – فبنى كنيسة بصنعاء . وكتب إلى النجاشي " إني بنيت لك كنيسة لم يبن مثلها ، ولست منتهيا حتى أصرف إليها حج العرب " فسمع به رجل من بني كنانة فدخلها ليلا . فلطخ قبلتها بالعذرة . فقال أبرهة من الذي اجترأ على هذا ؟ قيل رجل من أهل ذلك البيت سمع بالذي قلت . فحلف أبرهة ليسيرن إلى الكعبة حتى يهدمها . وكتب إلى النجاشي يخبره بذلك فسأله أن يبعث إليه بفيله . وكان له فيل يقال له محمود لم ير مثله عظما وجسما وقوة . فبعث به إليه . فخرج أبرهة سائرا إلى مكة . فسمعت العرب بذلك فأعظموه ورأوا جهاده حقا عليهم .
فخرج ملك من ملوك اليمن ، يقال له ذو نفر . فقاتله . فهزمه أبرهة وأخذه أسيرا ، فقال أيها الملك فاستبقني خيرا لك ، فاستبقاه وأوثقه .
وكان أبرهة رجلا حليما . فسار حتى إذا دنا من بلاد خثعم خرج إليه نفيل بن حبيب الخثعمي ، ومن اجتمع إليه من قبائل العرب . فقاتلوهم فهزمهم أبرهة . فأخذ نفيلا ، فقال له أيها الملك إنني دليلك بأرض العرب ، وهاتان يداي على قومي بالسمع والطاعة . فاستبقني خيرا لك . فاستبقاه . وخرج معه يدله على الطريق .
فلما مر بالطائف خرج إليه مسعود بن معتب في رجال من ثقيف . فقال له أيها الملك نحن عبيدك . ونحن نبعث معك من يدلك . فبعثوا معه بأبي رغال مولى لهم . فخرج حتى إذا كان بالمغمس مات أبو رغال ، وهو الذي يرجم قبره . وبعث أبرهة رجلا من الحبشة – يقال له الأسود بن مفصود – على مقدمة خيله وأمر بالغارة على نعم الناس . فجمع الأسود إليه أموال الحرم . وأصاب لعبد المطلب مائتي بعير .
ثم بعث رجلا من حمير إلى أهل مكة ، فقال أبلغ شريفها أنني لم آت لقتال بل جئت لأهدم البيت . فانطلق فقال لعبد المطلب ذلك .
فقال عبد المطلب : ما لنا به يدان . سنخلي بينه وبين ما جاء له . فإن هذا بيت الله وبيت خليله إبراهيم . فإن يمنعه فهو بيته وحرمه . وأن يخل بينه وبين ذلك فوالله ما لنا به من قوة .
قال فانطلق معي إلى الملك – وكان ذو نفر صديقا لعبد المطلب – فأتاه فقال يا ذا نفر هل عندك غناء فيما نزل بنا ؟ فقال ما غناء رجل أسير لا يأمن أن يقتل بكرة أو عشيا ، ولكن سأبعث إلى أنيس سائس الفيل فإنه لي صديق فأسأله أن يعظم خطرك عند الملك .
فأرسل إليه فقال لأبرهة إن هذا سيد قريش يستأذن عليك . وقد جاء غير ناصب لك ولا مخالف لأمرك ، وأنا أحب أن تأذن له .
وكان عبد المطلب رجلا جسيما وسيما . فلما رآه أبرهة أعظمه وأكرمه . وكره أن يجلس معه على سريره . وأن يجلس تحته . فهبط إلى البساط فدعاه فأجلسه معه . فطلب منه أن يرد عليه مائتي البعير التي أصابها من ماله .
فقال أبرهة لترجمانه قل له إنك كنت أعجبتني حين رأيتك . ولقد زهدت فيك . قال لم ؟ قال جئت إلى بيت – هو دينك ودين آبائك ، وشرفكم وعصمتكم – لأهدمه . فلم تكلمني فيه وتكلمني في مائتي بعير ؟ قال أنا رب الإبل . والبيت له رب يمنعه منك .
فقال ما كان ليمنعه مني . قال فأنت وذاك . فأمر بإبله فردت عليه . ثم خرج وأخبر قريشا الخبر . وأمرهم أن يتفرقوا في الشعاب ويتحرزوا في رءوس الجبال خوفا عليهم من معرة الجيش . ففعلوا . وأتى عبد المطلب البيت . فأخذ بحلقة الباب وجعل يقول
يا رب لا أرجو لهم سواكا
يا رب فامنع منهمو حماكا
إن عدو البيت من عاداكا
فامنعهمو أن يخربوا قراكا
وقال أيضا :
لا هم إن المرء يمنع رحله
وحلاله فامنع حلالك
لا يغلبن صليبهم
ومحالهم غدوا محالك
جروا جموعهم وبلادهم
والفيل كي يسبوا عيالك
إن كنت تاركهم وكعب
تنا فأمر ما بدا لك
ثم توجه في بعض تلك الوجوه مع قومه . وأصبح أبرهة بالمغمس قد تهيأ للدخول . وعبأ جيشه . وهيأ فيه . فأقبل نفيل إلى الفيل . فأخذ بأذنه . فقال ابرك محمود . فإنك في بلد الله الحرام . فبرك الفيل فبعثوه فأبى . فوجهوه إلى اليمن ، فقام يهرول . ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك . ووجهوه إلى المشرق ففعل ذلك . فصرفوه إلى الحرم فبرك . وخرج نفيل يشتد حتى صعد الجبل فأرسل الله طيرا من قبل البحر مع كل طائر ثلاثة أحجار . حجرين في رجليه وحجرا في منقاره . فلما غشيت القوم أرسلتها عليهم . فلم تصب تلك الحجارة أحدا إلا هلك . وليس كل القوم أصابت . فخرج البقية هاربين يسألون عن – 36 – نفيل ليدلهم على الطريق إلى اليمن . فماج بعضهم في بعض . يتساقطون بكل طريق ويهلكون على كل منهل . وبعث الله على أبرهة داء في جسده . فجعلت تساقط أنامله حتى انتهى إلى صنعاء وهو مثل الفرخ . وما مات حتى انصدع صدره عن قلبه ثم هلك .
………………………… ………………………… ……………………….
وفاة عبد الله والد رسول الله:
قد اختلف في وفاة أبيه هل توفي بعد ولادته أو قبلها ؟ الأكثر على أنه توفي وهو حمل . ولا خلاف أن أمه ماتت بين مكة والمدينة بالأبواء منصرفها من المدينة من زيارة أخواله . ولم يستكمل إذ ذاك ست سنين .
فكفله جده عبد المطلب . ورق عليه رقة لم يرقها على أولاده . فكان لا يفارقه . وما كان أحد من ولده يجلس على فراشه – إجلالا له – إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقدم مكة قوم من بني مدلج من القافة . فلما نظروا إليه قالوا لجده احتفظ به . فلم نجد قدما أشبه بالقدم الذي في المقام من قدمه . فقال لأبي طالب اسمع ما يقول هؤلاء واحتفظ به .
وتوفي جده في السنة الثامنة من مولده . وأوصى به إلى أبي طالب . وقيل إنه قال له
أوصيك يا عبد مناف بعدي
بمفرد بعد أبيه فرد
وكنت كالأم له في الوجد
تدنيه من أحشائها والكبد
فأنت من أرجى بني عندي
لرفع ضيم ولشد عضد
………………………… ………………………… ………………………… …
عبد المطلب جد رسول الله :
قال ابن إسحاق : وكان عبد المطلب من سادات قريش ، محافظا على العهود . متخلقا بمكارم الأخلاق . يحب المساكين ويقوم في خدمة الحجيج ويطعم في الأزمات . ويقمع الظالمين . وكان يطعم حتى الوحوش والطير في رءوس الجبال . وكان له أولاد أكبرهم الحارث . توفي في حياة أبيه . وأسلم من أولاد الحارث عبيدة . قتل ببدر وربيعة ، وأبو سفيان وعبد الله .
ومنهم الزبير بن عبد المطلب شقيق عبد الله . وكان رئيس بني هاشم وبني المطلب في حرب الفجار . شريفا شاعرا . ولم يدرك الإسلام . واسم من أولاده عبد الله . واستشهد بأجنادين . وضباعة ومجل وصفية وعاتكة .
وأسلم منهم حمزة بن عبد المطلب ، والعباس .
ومنهم أبو لهب مات عقيب بدر . وله من الولد عتيبة الذي دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقتله السبع . وله عتبة ومعتب . أسلما يوم الفتح . ومن بناته أروى . تزوجها كرز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس . فولدت له عامرا وأروى . فتزوج أروى عفان بن أبي العاص بن أمية . فولدت له عثمان ثم خلف عليها عقبة بن أبي معيط ، فولدت له الوليد بن عقبة ، وعاشت إلى خلافة ابنها عثمان .
ومنهن برة بنت عبد المطلب ، أم أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي .
ومنهن عاتكة أم عبد الله بن أبي أمية . وهي صاحبة المنام قبل يوم بدر . واختلف في إسلامها .
ومنهن صفية أم الزبير بن العوام . أسلمت وهاجرت .
وأروى أم آل جحش – عبد الله وأبي أحمد وعبيد الله وزينب وحمنة .
وأم عبد المطلب : هي سلمى بنت زيد من بني النجار ، تزوجها أبوه هاشم بن عبد مناف . فخرج إلى الشام – وهي عند أهلها ، وقد حملت بعبد المطلب – فمات بغزة . فرجع أبو رهم بن عبد العزى وأصحابه إلى المدينة بتركته . وولدت امرأته سلمى : عبد المطلب . وسمته شيبة الحمد . فأقام في أخواله مكرما . فبينما هو يناضل الصبيان فيقول أنا ابن هاشم سمعه رجل من قريش ، فقال لعمه المطلب إني مررت بدور بني قيلة فرأيت غلاما يعتزي إلى أخيك . وما ينبغي ترك مثله في الغربة . فرحل إلى المدينة في طلبه . فلما رآه فاضت عيناه وضمه إليه وأنشد شعرا :
عرفت شيبة والنجار قد جعلت
أبناءها حوله بالنبل تنتصل
عرفت أجلاده فينا وشيمته
ففاض مني عليه وابل هطل
فأردفه على راحلته فقال يا عم ذلك إلى الوالدة . فجاء إلى أمه . فسألها أن ترسل به معه فامتنعت . فقال لها : إنما يمضي إلى ملك أبيه وإلى حرم الله . فأذنت له . فقدم به مكة ، فقال الناس هذا عبد المطلب . فقال ويحكم إنما هو ابن أخي هاشم .
فأقام عنده حتى ترعرع . فسلم إليه ملك هاشم من أمر البيت والرفادة والسقاية وأمر الحجيج وغير ذلك .
وكان المطلب شريفا مطاعا جوادا ، وكانت قريش تسميه الفياض لسخائه . وهو الذي عقد الحلف بين قريش وبين النجاشي . وله من الولد الحارث ومخرمة وعباد وأنيس وأبو عمر وأبو رهم وغيرهم .
ولما مات وثب نوفل بن عبد مناف على أركاح شيبة . فغصبه إياها ، فسأل رجالا من قريش النصرة على عمه . فقالوا : لا ندخل بينك وبين عمك فكتب إلى أخواله من بني النجار أبياتا معها :
يا طول ليلي لأحزاني وإشغالي
هل من رسول إلى النجار أخوالي ؟
بني عدي ودينار ومازنها
ومالك عصمة الحيران عن حالي
قد كنت فيهم وما أخشى ظلامة ذي
ظلم عزيزا منيعا ناعم البال
حتى ارتحلت إلى قومي ، وأزعجني
لذاك مطلب عمي بترحالي
فغاب مطلب في قعر مظلمة
ثم انبرى نوفل يعدو على مالي
لما رأى رجلا غابت عمومته
وغاب أخواله عنه بلا والي
فاستنفروا وامنعوا ضيم ابن أختكم
لا تخذلوه فما أنتم بجذالي
فلما وقف خاله أبو سعد بن عدي بن النجار على كتابه بكى . وسار من المدينة في ثمانين راكبا ، حتى قدم مكة . فنزل بالأبطح فتلقاه عبد المطلب ، وقال المنزل يا خال . فقال لا والله حتى ألقى نوفلا . فقال تركته بالحجر جالسا في مشايخ قومه . فأقبل أبو سعد حتى وقف عليهم فقام نوفل قامئا ، فقال يا أبا سعد أنعم صباحا . فقال لا أنعم الله لك صباحا ، وسل سيفه . وقال ورب هذا البيت لئن لم ترد على ابن أختي أركاحه لأمكنن منك هذا السيف . فقال رددتها عليه . فأشهد عليه مشايخ قريش . ثم نزل على شيبة فأقام عنده ثلاثا . ثم اعتمر ورجع إلى المدينة . فقال عبد المطلب :
ويأبى مازن وأبو عدي
ودينار بن تيم الله ضيمي
بهم رد الإله علي ركحي
وكانوا في انتساب دون قومي
فلما جرى ذلك حالف نوفل بني عبد شمس بن عبد مناف على بني هاشم وحالفت بنو هاشم : خزاعة على بني عبد شمس ونوفل . فكان ذلك سببا لفتح مكة . كما سيأتي .
فلما رأت خزاعة نصر بني النجار لعبد المطلب قالوا : نحن ولدناه كما ولدتموه فنحن أحق بنصره . وذلك أن أم عبد مناف منهم . فدخلوا دار الندوة وتحالفوا وكتبوا بينهم كتابا .
………………………… ………………………… ………………………… …….
عبد الله والد رسول الله:
وأما عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم فهو الذبيح .
وسبب ذلك أن عبد المطلب أمر في المنام بحفر زمزم . ووصف له موضعها . وكانت جرهم قد غلبت آل إسماعيل على مكة ، وملكوها زمانا طويلا . ثم أفسدوا في حرم الله . فوقع بينهم وبين خزاعة حرب وخزاعة من قبائل اليمن ، من أهل سبأ . ولم يدخل بينهم بنو إسماعيل . فغلبتهم خزاعة . ونفت جرهما من مكة . وكانت جرهم قد دفنت الحجر الأسود ، والمقام وبئر زمزم . وظهر بعد ذلك قصي بن كلاب على مكة . ورجع إليه ميراث قريش . فأنزل بعضهم داخل مكة – وهم قريش الأباطح – و بعضهم خارجها – وهم قريش الظواهر – فبقيت زمزم مدفونة إلى عصر عبد المطلب . فرأى في المنام موضعها . فقام يحفر فوجد فيها سيوفا مدفونة وحليا ، وغزالا من ذهب مشنفا بالدر . فعلقه عبد المطلب على الكعبة . وليس مع عبد المطلب إلا ولده الحارث . فنازعته قريش ، وقالوا له أشركنا ، فقال ما أنا بفاعل . هذا أمر خصصت به . فاجعلوا بيني وبينكم من شئتم أحاكمكم إليه .
فنذر حينئذ عبد المطلب : لئن آتاه الله عشرة أولاد وبلغوا أن يمنعوه لينحرن أحدهم عند الكعبة . فلما تموا عشرة . وعرف أنهم يمنعونه أخبرهم بنذره فأطاعوه . وكتب كل منهم اسمه في قدح . وأعطوها القداح قيم هبل – وكان الذي يجيل القداح – فخرج القدح على عبد الله . وأخذ عبد المطلب المدية ليذبحه . فقامت إليه قريش من ناديها فمنعوه . فقال كيف أصنع بنذري ؟ فأشاروا عليه أن ينحر مكانه عشرا من الإبل . فأقرع بين عبد الله وبينها . فوقعت القرعة عليه . فاغتم عبد المطلب ، ثم لم يزل عشرا عشرا ، ولا تقع القرعة إلا عليه إلى أن بلغ مائة . فوقعت القرعة على الإبل . فنحرت عنه . فجرت سنة وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أنا ابن الذبيحين يعني إسماعيل عليه السلام وأباه عبد الله . ثم ترك عبد المطلب الإبل لا يرد عنها إنسانا ولا سبعا . فجرت الدية في قريش والعرب مائة من الإبل وأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام . وقالت صفية بنت عبد المطلب :
نحن حفرنا للحجيج زمزم
سقيا الخليل وابنه المكرم
جبريل الذي لم يذمم
شفاء سقم وطعام مطعم
………………………… ………………………… ………………………… ……
أبو طالب عم رسول الله :
وأما أبو طالب فهو الذي يتولى تربية رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعد جده كما تقدم ورق عليه رقة شديدة . وكان يقدمه على أولاده .
قال الواقدي : قام أبو طالب – من سنة ثمان من مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السنة العاشرة من النبوة ثلاث وأربعين – يحوطه ويقوم بأمره ويذب عنه . ويلطف به .
وقال أبومحمد بن قدامة : كان يقر بنبوة النبي صلى الله عليه وسلم . وله في ذلك أشعار . منها :
ألا أبلغا عني على ذات بيننا
لؤيا . وخصا من لؤي بني كعب
بأنا وجدنا في الكتاب محمدا
نبيا كموسى ، خط في أول الكتب
وأن عليه في العباد محبة
ولا خير ممن خصه الله بالحب
ومنها :
تعلم خيار الناس أن محمدا
وزيرا لموسى والمسيح ابن مريم
فلا تجعلوا لله ندا وأسلموا
فإن طريق الحق ليس بمظلم
ولكنه أبى أن يدين بذلك خشية العار . ولما حضرته الوفاة . دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية – فقال يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله فقالا له أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزل صلى الله عليه وسلم يرددها عليه وهما يرددان عليه حتى كان آخر كلمة قالها هو على ملة عبد المطلب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأستغفرن لك ما لم أنه عنك فأنزل الله تعالى ( 9 : 113 ) ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ونزل قوله تعالى ( 38 : 56 ) إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء – الآية .
قال ابن إسحاق : وقد رثاه ولده علي بأبيات منها :
أرقت لطير آخر الليل غردا
يذكرني شجوا عظيما مجددا
أبا طالب مأوى الصعاليك ذا الندى
جوادا إذا ما أصدر الأمر أوردا
فأمست قريش يفرحون بموته
ولست أرى حيا يكون مخلدا
أرادوا أمورا زيفتها حلومهم
ستوردهم يوما من الغي موردا
يرجون تكذيب النبي وقتله
وأن يفترى قدما عليه ويجحدا
كذبتم وبيت الله حتى نذيقكم
صدور العوالي والحسام المهندا
خلف أبو طالب أربعة ذكور وابنتين . فالذكور طالب وعقيل وجعفر وعلي ، وبين كل واحد عشر سنين . فطالب أسنهم ثم عقيل ثم جعفر ثم علي .
فأما طالب فأخرجه المشركون يوم بدر كرها . فلما انهزم الكفار طلب فلم يوجد في القتلى ، ولا في الأسرى ، ولا رجع إلى مكة ، وليس له عقب .
وأما عقيل فأسر ذلك اليوم . ولم يكن له مال . ففداه عمه العباس . ثم رجع إلى مكة . فأقام بها إلى السنة الثامنة . ثم هاجر إلى المدينة . فشهد مؤتة مع أخيه جعفر . وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم وهل ترك لنا عقيل من منزل ؟ واستمرت كفالة أبي طالب لرسول الله صلى الله عليه وسلم – كما ذكرنا –
فلما بلغ اثنتي عشرة سنة – وقيل تسعا خرج به أبو طالب إلى الشام في تجارة فرآه بحيري الراهب وأمر عمه أن لا يقدم به إلى الشام ، خوفا عليه من اليهود . فبعثه عمه مع بعض غلمانه إلى المدينة .
ووقع في الترمذي " أنه بعث معه بلالا " وهو غلط واضح . فإن بلالا إذ ذلك لعله لم يكن موجودا .
………………………… ………….
يتبعـــــــــــــــ
عدم كتابة اى ردود
تــــابعــــ مختصر السيرة النبوية
ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
خروجه إلى الشام وزواجه خديجة :
فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين سنة خرج إلى الشام في تجارة لخديجة رضي الله عنها ، ومعه ميسرة غلامها . فوصل بصرى .
ثم رجع فتزوج عقب رجوعه خديجة بنت خويلد . وهي أول امرأة تزوجها ، وأول امرأة ماتت من نسائه . ولم ينكح عليها غيرها . وأمره جبريل " أن يقرأ عليها السلام من ربها ويبشرها ببيت في الجنة من قصب " .
………………………… ………………………… ………………………… ….
تحنثه في غار حراء:
ثم حبب إليه الخلاء . والتعبد لربه فكان يخلو بغار حراء يتعبد فيه . وبغضت إليه الأوثان ودين قومه . فلم يكن شيء أبغض إليه من ذلك . وأنبته الله نباتا حسنا ، حتى كان أفضل قومه مروءة وأحسنهم خلقا ، وأعزهم جوارا ، وأعظمهم حلما ، وأصدقهم حديثا . وأحفظهم لأمانة . حتى سماه قومه " الأمين " لما جمع الله فيه من الأحوال الصالحة . والخصال الكريمة المرضية .
………………………… ………………………… ……………..
بناء الكعبة :
ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وثلاثين سنة قامت قريش في بناء الكعبة حين تضعضعت .
قال أهل السير كان أمر البيت – بعد إسماعيل عليه السلام – إلى ولده ثم غلبت جرهم عليه . فلم يزل في أيديهم حتى استحلوا حرمته . وأكلوا ما يهدى إليه . وظلموا من دخل مكة ثم وليت خزاعة البيت بعدهم إلا أنه كان إلى قبائل من مضر ثلاث خلال-
الإجازة بالناس من عرفة يوم الحج إلى مزدلفة ، تجيزهم صوفة .
والثانية الإفاضة من جمع ، غداة النحر إلى منى . وكان ذلك إلى يزيد بن عدوان ، وكان آخر من ولي ذلك منهم أبو سيارة .
والثالثة إنساء الأشهر الحرم . وكان إلى رجل من بني كنانة يقال له حذيفة ثم صار إلى جنادة بن عوف .
قال ابن إسحاق : ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وثلاثين سنة جمعت قريش لبنيان الكعبة . وكانوا يهمون بذلك ليسقفوها ، ويهابون هدمها ، وإنما كانت رضما فوق القامة فأرادوا رفعها وتسقيفها . وذلك أن قوما سرقوا كنز الكعبة وكان في بئر في جوف الكعبة . وكان البحر قد رمى سفينة إلى جدة لرجل من تجار الروم ، فتحطمت . فأخذوا خشبها فأعدوه لسقفها .
وكان بمكة رجل قبطي نجار . فهيأ لهم بعض ما كان يصلحها . وكانت حية تخرج من بئر الكعبة التي كان يطرح فيه ما يهدى لها كل يوم فتتشرق على جدار الكعبة ، وكانت مما يهابون . وذلك أنه كان لا يدنو منها أحد إلا اخزألت وكشت وفتحت فاها . فبينما هي ذات يوم تتشرق على جدار الكعبة ، بعث الله إليها طائرا فاختطفها . فذهب بها . فقالت قريش : إنا لنرجو أن يكون الله قد رضي ما أردنا . عندنا عامل رفيق وعندنا خشب . وقد كفانا الله الحية .
فلما أجمعوا أمرهم في هدمها وبنائها : قام أبو وهب بن عمرو بن عائذ المخزومي فتناول من الكعبة حجرا . فوثب من يده حتى رجع إلى موضعه فقال يا معشر قريش ، لا تدخلوا في بنيانها من كسبكم إلا طيبا ، لا يدخل فيها مهر بغي ولا بيع ربا . ولا مظلمة أحد من الناس .
ثم إن قريشا تجزأت الكعبة . فكان شق الباب لبني عبد مناف وزهرة . وما بين الركن الأسود واليماني – 44 – لبني مخزوم . وقبائل من قريش انضافت إليهم . وكان ظهر الكعبة : لبني جمح وبني سهم . وكان شق الحجر : لبني عبد الدار ولبني أسد بن عبد العزى ، ولبني عدي . وهو الحطيم .
ثم إن الناس هابوا هدمها . فقال الوليد بن المغيرة : أنا أبدؤكم في هدمها ، فأخذ المعول . ثم قام عليها . وهو يقول اللهم لا ترع – أو لم نزغ – اللهم إنا لا نريد إلا الخير . ثم هدم من ناحية الركنين . فتربص الناس تلك الليلة . وقالوا : إن أصيب لم نهدم منها شيئا . ورددناها كما كانت وإلا فقد رضي الله ما صنعنا . فأصبح الوليد من ليلته غاديا على عمله . فهدم وهدم الناس معه .
حتى إذا انتهى الهدم بهم إلى الأساس – أساس إبراهيم عليه السلام – أفضوا إلى حجارة خضر كالأسنة أخذ بعضها بعضا . فأدخل بعضهم عتلة بين حجرين منها ليقلع أحدهما . فلما تحرك الحجر : انتفضت مكة بأسرها . فانتهوا عند ذلك الأساس .
ثم إن القبائل من قريش جمعت الحجارة لبنائها ، كل قبيلة تجمع على حدة . ثم بنوها . حتى بلغ البنيان موضع الحجر الأسود . فاختصموا فيه كل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه حتى تحاوروا وتخالفوا وأعدوا للقتال فقربت بنو عبد الدار جفنة مملوءة دما . تعاهدوا – هم وبنو عدي بن كعب – على الموت وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم . فسموا " لعقة الدم " فمكثت قريش على ذلك أربع ليال . أو خمسا .
ثم إنهم اجتمعوا في المسجد . فتشاوروا وتناصفوا .
فزعم بعض أهل الرواية أن أبا أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم المخزومي – وكان يومئذ أسن قريش كلهم – قال اجعلوا بينكم أول من يدخل من باب المسجد . ففعلوا . فكان أول من دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما رأوه قالوا " هذا الأمين رضينا به هذا محمد " فلما انتهى إليهم أخبروه الخبر . فقال صلى الله عليه وسلم هلم إلي ثوبا " فأتي به . فأخذ الركن فوضعه فيه بيده . ثم قال لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب . ثم ارفعوا جميعا " ففعلوا ، حتى إذا بلغوا به موضعه وضعه هو بيده صلى الله عليه وسلم ثم بنى عليه .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل معهم الحجارة . وكانوا يرفعون أزرهم على عواتقهم ففعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلبط به – أي طاح على وجهه – ونودي " استر عورتك " فما رئيت له عورة بعد ذلك .
فلما بلغوا خمسة عشر ذراعا سقفوه على ستة أعمدة .
وكان البيت يكسى القباطي . تم البرود . وأول من كساه الديباج الحجاج بن يوسف .
وأخرجت قريش الحجر لقلة نفقتهم . ورفعوا بابها عن الأرض لئلا يدخلها إلا من أرادوا . وكانوا إذا أرادوا أن لا يدخلها أحد لا يريدون دخوله تركوه حتى يبلغ الباب ثم يرمونه .
فلما بلغ صلى الله عليه وسلم أربعين سنة بعثه الله بشيرا ونذيرا . وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا .
………………………… ………………………… ………………………… …..
بعض ما كان عليه أهل الجاهلية:
ونذكر قبل ذلك شيئا من أمور الجاهلية وما كانت عليه قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال قتادة : ذكر لنا : أنه كان بين آدم ونوح عشرة قرون . كلهم على الهدى ، وعلى شريعة من الحق . ثم اختلفوا بعد ذلك . فبعث الله نوحا عليه السلام . وكان أول رسول إلى أهل الأرض . قال ابن عباس في قوله تعالى ( 2 : 213 ) كان الناس أمة واحدة قال على الإسلام كلهم . وكان أول ما كادهم به الشيطان هو تعظيم الصالحين وذكر الله ذلك في كتابه في قوله ( 71 : 23 ) وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا قال ابن عباس : كان هؤلاء قوما صالحين . فلما ماتوا في شهر جزع عليهم أقاربهم . فصوروا صورهم .
وفي غير حديثه " قال أصحابهم لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة " قال فكان الرجل يأتي أخاه وابن عمه فيعظمه حتى ذهب ذلك القرن . ثم جاء قرن آخر . فعظموهم أشد من الأول . ثم جاء القرن الثالث فقالوا : ما عظم أولونا هؤلاء إلا وهم يرجون شفاعتهم عند الله فعبدوهم . فلما بعث الله إليهم نوحا – وغرق من غرق – أهبط الماء هذه الأصنام من أرض إلى أرض حتى قذفها إلى أرض جدة . فلما نضب الماء بقيت على الشط فسفت الريح عليها التراب حتى وارتها .
………………………… ………………………… …………………..
عمرو بن لحي أول من غير دين إبراهيم :
وكان عمرو بن لحي سيد خزاعة كاهنا وله رئي من الجن فأتاه . فقال " عجل السير والظعن من تهامة بالسعد والسلامة ائت جدة ، تجد أصناما معدة فأوردها تهامة ولا تهب وادع العرب إلى عبادتها تجب " فأتى جدة فاستثارها ، ثم حملها حتى أوردها تهامة .
وحضر الحج ، فدعا العرب إلى عبادتها . فأجابه عوف بن عذرة فدفع إليه ودا فحمله . فكان بوادي القرى بدومة الجندل . وسمى ابنه عبد ود فهو أول من سمي به . فلم يزل بنوه يسدنونه حتى جاء الإسلام . فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد لهدمه . فحالت بينه وبينه بنو عذرة ، وبنو عامر . فقاتلهم فقتلهم . ثم هدمه وجعله جذاذا .
وأجابت عمرو بن لحي بن مضر بن نزار . فدفع إلى رجل من هذيل سواعا ، فكان بأرض يقال لها : وهاط من بطن نخلة . يعبده من يليه من مضر . وفي ذلك قيل
تراهم حول قبلتهم عكوفا
كما عكفت هذيل على سواع
وأجابته مذحج . فدفع إلى نعيم بن عمر المرادي يغوث . وكان بأكمة باليمن تعبده مذحج ومن والاها .
وأجابته همدان فدفع إليهم يعوق فكان بقرية يقال لها خيوان . تعبده همدان ومن والاها من اليمن .
وأجابته حمير ، فدفع إليهم نسرا . فكان بموضع بسبأ تعبده حمير ومن والاها .
فلم تزل هذه الأصنام تعبد حتى بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم فكسرها .
وفي الصحيح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار . فكان أول من سيب السوائب وفي لفظ وغير دين إبراهيم وفي لفظ عن ابن إسحاق فكان أول من غير دين إبراهيم ونصب الأوثان
وكان أهل الجاهلية على ذلك فيهم بقايا من دين إبراهيم مثل تعظيم البيت والطواف به والحج والعمرة والوقوف بعرفة ومزدلفة ، وإهداء البدن . وكانت نزار تقول في إهلالها " لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك ، إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك " فأنزل الله ( 30 : 38 ) ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون
………………………… ………………………… ………………………… ……….
بدء الوحي :
في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت أول ما بدئ برسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة . فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء . فكان يخلو بغار حراء ، فيتحنث فيه – وهو التعبد – الليالي ذوات العدد . قبل أن ينزع إلى أهله . ويتزود لذلك . ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها ، حتى فجأه الحق ، وهو في غار حراء ، فجاءه الملك فقال اقرأ فقلت : ما أنا بقارئ . قال فأخذني فغطني ، حتى بلغ مني الجهد . ثم أرسلني . فقال اقرأ فقلت : ما أنا بقارئ . فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني . فقال اقرأ . فقلت : ما أنا بقارئ . فأخذني فغطني الثالثة . تم أرسلني ، فقال لي في الثالثة اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده حتى دخل على خديجة بنت خويلد . فقال زملوني ، زملوني ، فزملوه حتى ذهب عنه الروع . فقال لخديجة – وأخبرها الخبر – لقد خشيت على نفسي . فقالت خديجة كلا والله ما يخزيك الله أبدا . إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف وتكسب المعدوم وتعين على نوائب الحق . فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى – ابن عم خديجة – وكان قد تنصر في الجاهلية . وكان يكتب الكتاب العبراني . فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب وكان شيخا كبيرا قد عمي . فقالت له خديجة يا ابن عم اسمع من ابن أخيك . فقال له ورقة يا ابن أخي ، ماذا ترى ؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى . فقال له ورقة هذا الناموس الذي أنزل الله على موسى ، يا ليتني فيها جذعا ، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك ؟ قال أو مخرجي هم ؟ قال نعم لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي . وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا ثم أنشد ورقة
لججت ، وكنت في الذكرى لجوجا
لهم طالما بعث النشيجا
ووصف من خديجة بعد وصف
فقد طال انتظاري يا خديجا
ببطن المكتين على رجائي
حديثك أن أرى منه خروجا
بما خبرتنا من قول قس
من الرهبان أكره أن يعوجا
بأن محمدا سيسود قوما
ويخصم من يكون له حجيجا
ويظهر في البلاد ضياء نور
يقيم به البرية أن تموجا
فيلقى من يحاربه خسارا
ويلقى من يسالمه فلوجا
فيا ليتي إذا ما كان ذا كم
شهدت وكنت أولهم ولوجا
ولوجا بالذي كرهت قريش
ولو عجت بمكتها عجيجا
أرجي بالذي كرهوا جميعا
إلى ذي العرش – إن سفلوا – عروجا
وهل أمر السفالة غير كفر
بمن يختار من سمك البروجا
فإن يبقوا وأبق تكن أمور
يضج الكافرون لها ضجيجا
وإن أهلك فكل فتى سيلقى
من الأقدار متلفة خروجا
فلم يلبث ورقة أن توفي وفتر الوحي حتى حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم حزنا شديدا . حتى كان يذهب إلى رءوس شواهق الجبال يريد أن يلقي بنفسه منها ، كلما أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل عليه السلام ، فقال " يا محمد إنك رسول الله حقا " فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه فيرجع فإذا طال عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك فإذا أوفى بذروة تبدى له جبريل فيقول له ذلك . فبينما هو يوما يمشي إذ سمع صوتا من السماء . قال " فرفعت بصري . فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فرعبت منه فرجعت إلى أهلي ، فقلت : دثروني . دثروني . فأنزل الله ( 73 : 1 ، 2 ) يا أيها المدثر قم فأنذر فحمي الوحي وتتابع "
………………………… ………………………… ………………………… ……………..
أول من آمن :
ولما دعا إلى الله استجاب له عباد من كل قبيلة . فكان حائز السبق صديق الأمة أبا بكر رضي الله عنه . فوازره في دين الله . ودعا معه إلى الله . فاستجاب لأبي بكر عثمان وطلحة وسعد رضي الله عنهم .
وبادر إلى استجابته أيضا صديقة النساء خديجة رضي الله عنها . وبادر إلى الإسلام علي بن أبي طالب رضي الله عنه . وكان ابن ثمان سنين وقيل أكثر إذ كان في كفالة رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذه من عمه .
………………………… ………………………… ………………………… ……..
يتبعـــــــــــــــــ
عدم كتابة اى ردود
تــابعــــــــــ السيرة النبوية
ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
سمية أول شهيدة :
ومر أبو جهل بسمية – أم عمار رضي الله عنهما – وهي تعذب وزوجها وابنها . فطعنها بحربة في فرجها فقتلها .
وكان الصديق إذا مر بأحد من العبيد يعذب اشتراه وأعتقه . منهم بلال . فإنه عذب في الله أشد العذاب . ومنهم عامر بن فهيرة ، وجارية لبني عدي كان عمر يعذبها على الإسلام . فقال أبو قحافة – عثمان بن عامر – لابنه أبي بكر يا بني أراك تعتق رقابا ضعافا . فلو أعتقت قوما جلدا يمنعونك ؟ فقال إني أريد ما أريد . وكان بلال كلما اشتد به العذاب يقول أحد ، أحد .
………………………… ………………………… ………………
ابتداء الدعوة :
وقال الزهري : لما ظهر الإسلام أتى جماعة من كفار قريش إلى من آمن من عشائرهم فعذبوهم وسجنوهم وأرادوا أن يفتنوهم عن دينهم . قال الترمذي حدثني محمد بن صالح عن عاصم بن عمر بن قتادة ويزيد بن رومان وغيرهم . قالوا " قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاث سنين مستخفيا " . تم أعلن في الرابعة . فدعا الناس عشر سنين يوافي المواسم كل عام يتبع الناس في منازلهم . وفي المواسم بعكاظ ومجنة ، وذي المجاز يدعوهم أن يمنعوه حتى يبلغ رسالات ربه . ولهم الجنة فلا يجد أحدا ينصره ويحميه . حتى ليسأل عن القبائل ومنازلها قبيلة قبيلة فيقول أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا وتملكوا بها العرب ، وتدين لكم بها العجم . فإذا متم كنتم ملوكا في الجنة وأبو لهب وراءه يقول لا تطيعوه . فإنه صابئ كذاب . فيردون على رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبح الرد . ويؤذونه ويقولون عشيرتك أعلم بك حيث لم يتبعوك . وهو يقول اللهم لو شئت لم يكونوا هكذا ولما نزل عليه قوله تعالى ( 36 : 214 ) وأنذر عشيرتك الأقربين صعد الصفا فنادى واصباحاه فلما اجتمعوا إليه قال لو أخبرتكم أن خيلا تريد أن تخرج عليكم من سفح هذا الجبل أكنتم مصدقي ؟ قالوا : نعم ما جربنا عليك كذبا . قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب تبا لك ، ما جمعتنا إلا لهذا ؟ فأنزل الله قوله تعالى تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب
قال ابن القيم رحمه الله دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الله مستخفيا ثلاث سنين ثم نزل عليه ( 15 : 94 ) فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين
………………………… ………………………… ………………………… …..
الهجرة الأولى إلى الحبشة :
وفي السنة الخامسة أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالهجرة إلى الحبشة لما اشتد عليهم العذاب والأذى . وقال إن فيها رجلا لا يظلم الناس عنده
وكانت الحبشة متجر قريش . وكان أهل هذه الهجرة الأولى : اثني عشر رجلا وأربع نسوة . وكان أول من هاجر إليها : عثمان بن عفان رضي الله عنه ومعه زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم . وستر قوم إسلامهم .
وممن خرج الزبير وعبد الرحمن بن عوف وابن مسعود وأبو سلمة وامرأته رضي الله عنهم . خرجوا متسللين سرا ، فوفق الله لهم ساعة وصولهم إلى الساحل سفينتين للتجار . فحملوهم إلى الحبشة . وخرجت قريش في آثارهم حتى جاءوا البحر . فلم يدركوا منهم أحدا . وكان خروجهم في رجب . فأقاموا بالحبشة شعبان ورمضان . ثم رجعوا إلى مكة في شوال لما بلغهم أن قريشا صافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفوا عنه .
وكان سبب ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم . فلما بلغ ( 53 : 18 ، 19 ) أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألقى الشيطان على لسانه تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى فقال المشركون ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم . وقد علمنا أن الله يخلق ويرزق ويحيي ويميت ولكن آلهتنا تشفع عنده . فلما بلغ السجدة سجد وسجد معه المسلمون والمشركون كلهم . إلا شيخا من قريش . رفع إلى جبهته كفا من حصى فسجد عليه . وقال يكفيني هذا . فحزن النبي صلى الله عليه وسلم حزنا شديدا ، وخاف من الله خوفا عظيما ، فأنزل الله ( 22 : 52 – 55 ) وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته – الآيات ولما استمر النبي صلى الله عليه وسلم على سب آلهتهم عادوا إلى شر مما كانوا عليه وازدادوا شدة على من أسلم .
………………………… ………………………… ………………………… …….
الهجرة الثانية إلى الحبشة :
فلما قرب مهاجرة الحبشة من مكة ، وبلغهم أمرهم توقفوا عن الدخول . ثم دخل كل رجل في جوار رجل من قريش . ثم اشتد عليهم البلاء والعذاب من قريش وسطت بهم عشائرهم وصعب عليهم ما بلغهم عن النجاشي من حسن جواره . فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخروج إلى الحبشة مرة ثانية . فخرجوا .
وكان عدة من خرج في المرة الثانية ثلاثة وثمانين رجلا – إن كان فيهم عمار ابن ياسر – ومن النساء تسعة عشر امرأة .
فلما سمعوا بمهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة : رجع منهم ثلاثة وثلاثون رجلا ، ومن النساء ثمان . ومات منهم رجلان بمكة . وحبس سبعة . وشهد بدرا منهم أربعة وعشرون رجلا .
………………………… ………………………… ………………………… ……….
كتاب رسول الله إلى النجاشي يزوجه أم حبيبة :
فلما كان شهر ربيع سنة سبع من الهجرة . كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا إلى النجاشي يدعوه إلى الإسلام . وكتب إليه أن يزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان . وكانت مهاجرة زوجها عبد الله بن جحش . فتنصر هناك ومات نصرانيا .
وكتب إليه أيضا : أن يبعث إليه من بقي من أصحابه . فلما قرأ الكتاب أسلم . وقال لو قدرت أن آتيه لأتيته . وزوجه أم حبيبة وأصدقها عنه أربعمائة دينار . وحمل بقية أصحابه في سفينتين . فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر وقد فتحها .
………………………… ………………………… ………………………… ……….
بعث قريش إلى النجاشي تطلب إرجاع المسلمين :
ولما كان بعد بدر اجتمعت قريش في دار الندوة . وقالوا : إن لنا في الذين عند النجاشي ثأرا . فاجمعوا مالا . واهدوه إلى النجاشي ، لعله يدفع إليكم من عنده ولتنتدب لذلك رجلين من أهل رأيكم . فبعثوا عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد مع الهدي . فركبا البحر . فلما دخلا ، على النجاشي سجدا ، وسلما عليه . وقالا : قوما لك ناصحون . وإنهم بعثونا إليك لنحذرك هؤلاء الذين قدموا عليك لأنهم قوم اتبعوا رجلا كذابا . خرج فينا يزعم أنه رسول الله ولم يتبعه إلا السفهاء فضيقنا عليهم وألجأناهم إلى شعب بأرضنا ، لا يخرج منهم أحد ولا يدخل عليهم أحد . فقتلهم الجوع والعطش . فلما اشتد عليهم الأمر بعث إليك ابن عمه ليفسد عليك دينك وملكك . فاحذرهم . وادفعهم إلينا لنكفيكهم وآية ذلك أنهم إذا دخلوا عليك لا يسجدون لك ، ولا يحيونك بالتحية التي تحيي بها ، رغبة عن دينك .
فدعاهم النجاشي . فلما حضروا . صاح جعفر بن أبي طالب بالباب " يستأذن عليك حزب الله " فقال النجاشي : مروا هذا الصائح فليعد كلامه . ففعل . قال نعم . فليدخلوا بإذن الله وذمته . فدخلوا ولم يسجدوا له . فقال ما منعكم أن تسجدوا لي ؟ قالوا : إنما نسجد لله الذي خلقك وملكك ، وإنما كانت تلك التحية لنا ونحن نعبد الأوثان . فبعث الله فينا نبيا صادقا . وأمرنا بالتحية التي رضيها الله . وهي " السلام " تحية أهل الجنة .
فعرف النجاشي أن ذلك حق . وأنه في التوراة والإنجيل .
فقال أيكم الهاتف يستأذن ؟ فقال جعفر أنا . قال فتكلم .
قال إنك ملك لا يصلح عندك كثرة الكلام ولا الظلم . وأنا أحب أن أجيب عن أصحابي . فأمر هذين الرجلين فليتكلم أحدهما ، فتسمع محاورتنا .
فقال عمرو لجعفر تكلم . فقال جعفر للنجاشي سله أعبيد نحن أم أحرار ؟ فإن كنا عبيدا أبقنا من أربابنا فارددنا إليهم . فقال عمرو : بل أحرار كرام .
فقال هل أهرقنا دما بغير حق فيقتص منا ؟ قال عمرو : ولا قطرة .
فقال هل أخذنا أموال الناس بغير حق فعلينا قضاؤها ؟ فقال عمرو : ولا قيراط .
فقال النجاشي : فما تطلبون منه ؟ قال كنا نحن وهم على أمر واحد على دين آبائنا . فتركوا ذلك واتبعوا غيره .
فقال النجاشي : ما هذا الذي كنتم عليه . وما الذي اتبعتموه ؟ قل واصدقني .
فقال جعفر أما الذي كنا عليه فتركناه وهو دين الشيطان . كنا نكفر بالله ونعبد الحجارة . وأما الذي تحولنا إليه فدين الله الإسلام جاءنا به من الله رسول وكتاب مثل كتاب ابن مريم موافقا له .
فقال تكلمت بأمر عظيم . فعلى رسلك .
ثم أمر بضرب الناقوس . فاجتمع إليه كل قسيس وراهب . فقال لهم أنشدكم الله الذي أنزل الإنجيل على عيسى ، هل تجدون بين عيسى وبين يوم القيامة نبيا ؟ قالوا : اللهم نعم . قد بشرنا به عيسى ، وقال من آمن به فقد آمن بي ، ومن كفر به فقد كفر بي .
فقال النجاشي لجعفر رضي الله عنه ماذا يقول لكم هذا الرجل ؟ وما يأمركم به ؟ وما ينهاكم عنه ؟ .
فقال يقرأ علينا كتاب الله ويأمرنا بالمعروف وينهانا عن المنكر . ويأمرنا بحسن الجوار وصلة الرحم وبر اليتيم . ويأمرنا بأن نعبد الله وحده لا شريك له .
فقال اقرأ مما يقرأ عليكم . فقرأ سورتي العنكبوت والروم . ففاضت عينا النجاشي من الدمع . وقال زدنا من هذا الحديث الطيب . فقرأ عليهم سورة الكهف .
فأراد عمرو أن يغضب النجاشي . فقال إنهم يشتمون عيسى وأمه .
فقال ما تقولون في عيسى وأمه ؟ فقرأ عليهم سورة مريم . فلما أتى على ذكر عيسى وأمه رفع النجاشي بقشة من سواكه قدر ما يقذي العين . فقال والله ما زاد المسيح على ما تقولون نقيرا .
وفيه نزل قول الله تعالى ( 5 : 83 – 85 ) وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق – الآيات .
فأقبل النجاشي على جعفر . ثم قال اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي – والسيوم الآمنون – من سبكم غرم . فلا هوادة اليوم على حزب إبراهيم .
………………………… ………………………… …………………………
موت النجاشي:
ولما مات النجاشي خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى عليه كما يصلي على الجنائز . فقال المنافقون يصلي على علج مات بأرض الحبشة . فأنزل الله تعالى ( 3 : 199 ) وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله الآية .
وقيل إن إرسال قريش في طلبهم كان قبل الهجرة إلى المدينة ، وفي سنة خمس من النبوة استتر رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم بن أبي الأرقم .
………………………… ………………………… ……………………….
إسلام حمزة بن عبد المطلب:
وفي السنة السادسة أسلم حمزة بن عبد المطلب وعمر .
قال ابن إسحاق : مر أبو جهل برسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصفا : فآذاه ونال منه ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت . فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل المسجد . وكانت مولاة لعبد الله بن جعدان في مسكن لها على الصفا ، تسمع ما يقول أبو جهل . وأقبل حمزة من القنص متوشحا قوسه . وكان يسمى : أعز قريش . فأخبرته مولاة ابن جدعان بما سمعت من أبي جهل . فغضب . ودخل المسجد – وأبو جهل جالس في نادي قومه – فقال له حمزة يا مصفر استه . تشتم ابن أخي وأنا على دينه ؟ ثم ضربه بالقوس فشجه موضحة . فثار رجال من بني مخزوم . وثار بنو هاشم . فقال أبو جهل دعوا أبا عمارة . فإني سببت ابن أخيه سبا قبيحا . فعلمت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عز . فكفوا عنه بعض ما كانوا ينالون منه .
………………………… ………………………… ………………………… ………………
إسلام عمر رضي الله عنه :
وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك : إما عمر بن الخطاب . أو أبي جهل بن هشام فكان أحبهما إلى الله عمر رضي الله عنه .
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما : أنه قال لعمر رضي الله عنه لم سميت الفاروق ؟ فقال أسلم حمزة قبلي بثلاثة أيام . ثم شرح الله صدري للإسلام . وأول شيء سمعته من القرآن ووقر في صدري ( 20 : 8 ) الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى فما في الأرض نسمة أحب إلي من نسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم . فسألت عنه ؟ فقيل لي : هو في دار الأرقم . فأتيت الدار – وحمزة في أصحابه جلوسا في الدار . ورسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت – فضربت الباب فاستجمع القوم . فقال لهم حمزة ما لكم ؟ فقالوا : عمر فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأخذ بمجامع ثيابي . ثم نترني نترة لم أتمالك أن وقعت على ركبتي . فقال ما أنت بمنته يا عمر ؟ فقلت : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله فكبر أهل الدار تكبيرة سمعها أهل المسجد . فقلت : يا رسول الله ألسنا على الحق إن متنا أو حيينا ؟ قال بلى . فقلت : ففيم الاختفاء ؟ والذي بعثك بالحق لتخرجن ، فخرجنا في صفين . حمزة في صف . وأنا في صف – له كديد ككديد الطحن – حتى دخلنا المسجد . فلما نظرت إلينا قريش أصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها قط . فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاروق .
وقال صهيب لما أسلم عمر رضي الله عنه جلسنا حول البيت حلقا ، فطفنا واستنصفنا مما غلظ علينا .
………………………… ………………………… ………………………… ……………
حماية أبي طالب لرسول الله :
ولما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزايد أمره ويقوى ، ورأوا ما صنع أبو طالب به . مشوا إليه بعمارة بن الوليد . فقالوا : يا أبا طالب ، هذا أنهد فتى في قريش وأجمله . فخذه وادفع إلينا هذا الذي خالف دينك ودين آبائك فنقتله فإنما هو رجل برجل . فقال بئسما تسومونني ، تعطوني ابنكم أربيه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه ؟ فقال المطعم بن عدي بن نوفل : يا أبا طالب قد أنصفك قومك ، وجهدوا على التخلص منك بكل طريق . قال والله ما أنصفتموني ، ولكنك أجمعت على خذلاني . فاصنع ما بدا لك .
وقال أشراف مكة لأبي طالب إما أن تخلي بيننا وبينه فنكفيكه . فإنك على مثل ما نحن عليه أو أجمع لحربنا . فإنا لسنا بتاركي ابن أخيك على هذا ، حتى نهلكه أو يكف عنا ، فقد طلبنا التخلص من حربك بكل ما نظن أنه يخلص . فبعث أبو طالب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له يا ابن أخي ، إن قومك جاءوني ، وقالوا كذا وكذا ، فأبق علي وعلى نفسك ، ولا تحملني ما لا أطيق أنا ولا أنت . فاكفف عن قومك ما يكرهون من قولك . فقال صلى الله عليه وسلم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري ، ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك في طلبه فقال امض على أمرك ، فوالله لا أسلمك أبدا ودعا أبو طالب أقاربه إلى نصرته فأجابه بنو هاشم وبنو المطلب ، غير أبي لهب ، وقال أبو طالب
والله لن يصلوا إليك بجمعهم
حتى أوسد في التراب دفينا
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة
وأبشر وقر بذاك منك عيونا
ودعوتني ، وعرفت أنك ناصحي
ولقد صدقت ، وكنت ثم أمينا
وعرضت دينا قد عرفت بأنه
من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذار مسبة
لوجدتني سمحا بذاك مبينا
………………………… ………………………… …………………
حصار بني هاشم في الشعب:
ولما اجتمعوا – مؤمنهم وكافرهم – على منع رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمعت قريش . فأجمعوا أمرهم على أن لا يجالسوهم ولا يبايعوهم ولا يدخلوا بيوتهم . حتى يسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتل . وكتبوا بذلك صحيفة فيها عهود ومواثيق " أن لا يقبلوا من بني هاشم صلحا أبدا ، ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموه للقتل " فأمرهم أبو طالب أن يدخلوا . شعبه فلبثوا فيه ثلاث سنين . واشتد عليهم البلاء وقطعوا عنهم الأسواق . فلا يتركون طعاما يدخل مكة ، ولا بيعا إلا بادروا فاشتروه .
ومنعوه أن يصل شيء منه إلى بني هاشم . حتى كان يسمع أصوات نسائهم يتضاغون من وراء الشعب من الجوع . واشتدوا على من أسلم ممن لم يدخل الشعب ، فأوثقهم . وعظمت الفتنة وزلزلوا زلزالا شديدا ، وكان أبو طالب إذا أخذ الناس مضاجعهم . أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضطجع على فراشه حتى يرى ذلك من أراد اغتياله .
فإذا نام الناس أمر أحد بنيه أو إخوته أو بني عمه فاضطجع على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأمره أن يأتي أحد فرشهم . وفي ذلك عمل أبو طالب قصيدته اللامية المشهورة التي قال فيها
ولما رأيت القوم لا ود فيهمو
وقد قطعوا كل العرى والوسائل
وقد صارحونا بالعداوة والأذى
وقد طاوعوا أمر العدو المزايل
صرت لهم نفسي بسمراء سمحة
وأبيض عضب من تراث المقاول
وأحضرت عند البيت رهطي وأسرتي
وأمسكت من أثوابه بالوصائل
أعوذ برب الناس من كل طاعن
علينا بسوء أو ملح بباطل
ومن كاشح يسعى لنا بمغيظة
ومن ملحق في الدين ما لم يحاول
وثور ومن أرسى ثبيرا مكانه
وراق ليرقى في حراء ونازل
وبالبيت – حق البيت – من بطن مكة
وبالله إن الله ليس بغافل
وبالحجر المسود إذ يمسحونه
إذا اكتنفوه بالضحى والأصائل
وموطئ إبراهيم في الصخر رطبة
على قدميه حافيا غير ناعل
وأشواط بين المروتين إلى الصفا
وما فيهما من صورة وتماثل
وبالمشعر الأقصى ، إذا عمدوا له
الإل إلى مفضى الشراج القوابل
ومن حج بيت الله من كل راكب
ومن كل ذي نذر ومن كل راجل
وليلة جمع والمنازل من منى
وهل فوقها من حرمة ومنازل ؟
فهل بعد هذا من معاذ لعائذ ؟
وهل من معيذ يتقي الله عادل ؟
كذبتم وبيت الله نترك مكة
ونظعن إلا أمركم في بلابل
كذبتم وبيت الله نبزى محمدا
ولما نطاعن دونه ونناضل
ونسلمه حتى نصرع حوله
ونذهل عن آبائنا والحلائل
وينهض قوم في الحديد إليكمو
نهوض الروايا تحت ذات الصلاصل
وإنا لعمر الله إن جد ما أرى
لتلتبسن أسيافنا بالأماثل
بكفي فتى مثل الشهاب سميدع
أخي ثقو حامي الحقيقة باسل
وما ترك قوم – لا أبا لك – سيدا
يحوط الذمار غير ذرب مواكل
وأبيض يستسقي الغمام بوجهه
ربيع اليتامى عصمة للأرامل
يلوذ به الهلاك من آل هاشم
فهم عنده في حرمة وفواضل
فعتبة لا تسمع بنا قول كاشح
حسود كذوب مبغض ذي دغائل
ومر أبو سفيان عني معرضا
كما مر قيل من عظام المقاول
تفر إلى نجد وبرد مياهه
وتزعم أني لست عنك بغافل
أمطعم لم أخذلك في يوم نجدة
ولا معظم عند الأمور الجلائل
أمطعم إن القوم ساموك خطة
وإني متى أوكل فلست بآكلي
جزى الله عنا عبد شمس ونوفلا
عقوبة شر عاجلا غير آجل
فعبد مناف أنتمو خير قومكم
فلا تشركوا في أمركم كل واغل
وكنتم حديثا حطب قدر فأنتمو
الآن حطاب أقدر ومراجل
فكل صديق وابن أخت نعده
لعمري وجدنا غبه غير طائل
سوى أن رهطا من كلاب بن مرة
براء إلينا من معقة خاذل
ونعم ابن أخت القوم غير مكذب
زهيرا حساما مفردا من حمائل
لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد
وإخوته دأب المحب المواصل
فمن مثله في الناس أي مؤمل
إذا قاسه الحكام عند التفاضل ؟
حليم رشيد عادل غير طائش
يوالي إلها ليس عنه بغافل
فوالله لولا أن أجيء بسبة
تجر على أشياخنا في المحافل
لكنا اتبعناه على كل حالة
من الدهر جدا ، غير قول التهازل
لقد علموا أن ابننا لا مكذب
لدينا ، ولا يعنى بقول الأباطل
حدبت بنفسي دونه وحميته
ودافعت عنه بالذرى والكلاكل
………………………… ………………………… …………………….
نقض الصحيفة :
ثم بعد ذلك مشى هشام بن عمرو من بني عامر بن لؤي . وكان يصل بني هاشم في الشعب خفية بالليل بالطعام – مشى إلى زهير بن أبي أمية المخزومي – وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب – وقال يا زهير أرضيت أن تأكل الطعام وتشرب الشراب وأخوالك بحيث تعلم ؟ فقال ويحك ، فما أصنع وأنا رجل واحد ؟ أما والله لو كان معي رجل آخر لقمت في نقضها . قال أنا . قال أبغنا ثالثا . قال أبو البختري بن هشام . قال ابغنا رابعا . قال زمعة بن الأسود . قال أبغنا خامسا . قال المطعم بن عدي . قال فاجتمعوا عند الحجون ، وتعاقدوا على القيام بنقض الصحيفة . فقال زهير أنا أبدأ بها .
فجاءوا إلى الكعبة – وقريش محدقة بها – فنادى زهير يا أهل مكة ، إنا نأكل الطعام . ونشرب الشراب ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكى . والله لا أقعد حتى تشق الصحيفة القاطعة الظالمة . فقال أبو جهل : كذبت . والله لا تشق . فقال زمعة أنت والله أكذب . ما رضينا كتابتها حين كتبت . وقال أبو البختري صدق زمعة لا نرضى ما كتب فيها ولا نقار عليه . فقال المطعم بن عدي . وكذب من قال غير ذلك . نبرأ إلى الله منها ومما كتب فيها . وقال هشام بن عمر في ذلك . فقال أبو جهل هذا أمر قد قضي بليل تشوور فيه بغير هذا المكان .
وبعث الله على صحيفتهم الأرضة فلم تترك اسما لله إلا لحسته و بقي ما فيها من شرك وظلم وقطيعة وأطلع الله رسوله على الذي صنع بصحيفتهم . فذكر ذلك لعمه . فقال لا ، والثواقب ما كذبتني . فانطلق يمشي بعصابة من بني عبد المطلب ، حتى أتى المسجد وهو حافل في قريش . فلما رأوهم ظنوا أنهم خرجوا من شدة الحصار وأتوا ليعطوهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكلم أبو طالب . فقال قد حدث أمر . لعله أن يكون بيننا وبينكم صلحا . فأتوا بصحيفتكم – وإنما قال ذلك خشية أن ينظروا فيها قبل أن يأتوا بها ، فلا يأتون بها – فأتوا بها معجبين . لا يشكون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مدفوع إليهم قالوا : قد آن لكم أن تفيئوا وترجعوا خطرا لهلكة قومكم .
فقال أبو طالب : لأعطينكم أمرا فيه نصف . إن ابني أخبرني – ولم يكذبني – أن الله عز وجل بريء من هذه الصحيفة التي في أيديكم وأنه محا كل اسم له فيها ، وترك فيها غدركم وقطيعتكم . فإن كان ما قال حقا ، فوالله لا نسلمه إليكم حتى نموت عن آخرنا . وإن كان الذي يقول باطلا ، دفعناه إليكم فقتلتموه . أو استحييتموه . قالوا : قد رضينا . ففتحوا الصحيفة فوجدوها كما أخبر . فقالوا : هذا سحر من صاحبكم فارتكسوا وعادوا إلى شر ما هم عليه . فتكلم عند ذلك النفر الذين تعاقدوا – كما تقدم – وقال أبو طالب شعرا يمدح النفر الذين تعاقدوا على نقض الصحيفة . ويمدح النجاشي ، منه
جزى الله رهطا بالحجون تتابعوا
على ملأ يهدى بحزم ويرشد
أعان عليها كل صقر كأنه
إذا ما مشى في رفرف الدرع أجرد
قعودا لدى جنب الحجون كأنهم
مقاولة بل هم أعز وأمجد
وأسلم هشام بن عمرو يوم الفتح . وخرج بنو هاشم من شعبهم وخالطوا الناس . وكان خروجهم في سنة عشر من النبوة . مات أبو طالب بعد ذلك بستة أشهر .
………………………… ………………………… ………………………… …………
يتبعـــــــــــــــ
عدم كتابة اى ردود
تــابعـــــــ السيرة النبوية
ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
موت خديجة وأبي طالب :
وماتت خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها بعد موت أبي طالب بأيام . فاشتد البلاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم من قومه بعد موت خديجة وعمه وتجرءوا عليه وكاشفوه بالأذى . وأرادوا قتله . فمنعهم الله من ذلك .
قال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما " حضرتهم . وقد اجتمع أشرافهم في الحجر . فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقالوا : ما رأينا مثل صبرنا عليه سفه أحلامنا . وشتم آباءنا . وفرق جماعتنا ، فبينما هم في ذلك . إذ أقبل . فاستلم الركن . فلما مر بهم غمزوه " . وفي حديث أنه قال لهم في الثانية لقد جئتكم بالذبح وأنهم قالوا له يا أبا القاسم ما كنت جهولا . فانصرف راشدا .
فلما كان من الغد اجتمعوا فقالوا : ذكرتم ما بلغ منكم حتى إذا أتاكم بما تكرهون تركتموه . فبينما هم كذلك . إذ طلع عليهم فقالوا : قوموا إليه وثبة رجل واحد . فلقد رأيت عقبة بن أبي معيط آخذا بمجامع ردائه وقام أبو بكر دونه وهو يبكي . يقول أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ؟ . وفي حديث أسماء فأتى الصريخ إلى أبي بكر . فقالوا : أدرك صاحبك ، فخرج من عندنا وله غدائر أربع فخرج وهو يقول ويلكم أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ؟ فلهوا عنه وأقبلوا على أبي بكر . فرجع إلينا لا يمس شيئا من غدائر إلا رجع معه .
ومرة كان يصلي عند البيت ، ورهط من أشرافهم يرونه فأتى أحدهم بسلا جزور . فرماه على ظهره . وكانوا يعلمون صدقه وأمانته . وأن ما جاء به هو الحق . لكنهم كما قال الله تعالى ( 6 : 33 ) فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون
وذكر الزهري : أن أبا جهل . وجماعة معه وفيهم الأخنس بن شريق ، استمعوا قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليل فقال الأخنس لأبي جهل يا أبا الحكم : ما رأيك فيما سمعت من محمد ؟ فقال تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف أطعموا فأطعمنا . وحملوا فحملنا . وأعطوا فأعطينا . حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان . قالوا : ما نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك هذا ؟ والله لا نسمع له أبدا . ولا نصدقه أبدا " .
وفي رواية " إني لأعلم أن ما يقول حق ، ولكن بني قصي قالوا : فينا الندوة فقلنا : نعم . قالوا : وفينا الحجابة فقلنا : نعم . قالوا : فينا السقاية . فقلنا : نعم . وذكر نحوه " .
………………………… ………………………… ………………………… ……………
سؤال المشركين عن الروح وأهل الكهف :
وكانوا يرسلون إلى أهل الكتاب يسألونهم عن أمره ؟ قال ابن إسحاق عن ابن عباس : بعثت قريش النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط ، إلى أحبار اليهود بالمدينة ، فقالوا لهما : سلاهم عن محمد وصفا لهم صفته . فإنهم أهل الكتاب . وعنده ما ليس عندنا من علم الأنبياء .
فخرجا حتى قدما المدينة ، فسألاهم عنه ؟ ووصفا لهم أمره . فقالت لهما أحبار اليهود : سلوه عن ثلاث . فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل وإلا فهو رجل منقول . سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان أمرهم ؟ فإنه قد كان لهم حديث عجيب . وسلوه عن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها . فما كان نبؤه ؟ وسلوه عن الروح ما هو ؟ فأقبلا ، حتى قدما مكة . فقالوا : قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد . قد أخبرنا أحبار يهود أن نسأله عن أشياء أمرونا بها .
فجاءوا رسول الله فسألوه عما أخبرهم أحبار يهود . فجاءه جبريل بسورة الكهف فيها خبر ما سألوه عنه . من الفتية والرجل الطواف . وجاءه بقوله ( 17 : 85) ويسألونك عن الروح – الآية .
قال ابن إسحاق : فافتتح السورة بحمده وذكر نبوة رسوله لما أنكروا عليه من ذلك . فقال ( 18 : 1 ) الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب يعني أنك رسول مني ، أي تحقيق ما سألوه عنه من نبوتك ولم يجعل له عوجا أي أنزله معتدلا . لا خلاف فيه – وذكر تفسير السورة – إلى أن قال ( 18 : 9 ) أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا أي ما رأوا من قدرتي في أمر الخلائق ، وفيما وضعت على العباد من حججي ما هو أعظم من ذلك وأعجب .
وعن ابن عباس : الذي آتيتك من الكتاب والسنة أعظم من شأن أصحاب الكهف . قال ابن عباس : والأمر على ما ذكروا . فإن مكثهم نياما ثلاثمائة سنة آية دالة على قدرة الله ومشيئته
وهي آية دالة على معاد الأبدان كما قال تعالى : ( 18 : 21 ) وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها وكان الناس قد تنازعوا في زمانهم هل تعاد الأرواح وحدها ؟ أم الأرواح والأبدان ؟ فجعلهم الله آية دالة على معاد الأبدان وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقصتهم . من غير أن يعلمه بشر . آية دالة على نبوته . فكانت قصتهم آية دالة على الأصول الثلاثة الإيمان بالله . ورسوله واليوم الآخر .
ومع هذا : فمن آيات الله ما هو أعجب من ذلك . وقد ذكر الله سبحانه وتعالى سؤالهم عن هذه الآيات التي سألوه عنها ليعلموا : هل هو نبي صادق . أو كاذب ؟ فقال ( 18 : 83 – 100 ) ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا – إلى قوله – وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا وقوله ( 13 : 7 – 103 ) لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين – إلى قوله – إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون والقرآن مملوء من إخباره بالغيب الماضي . الذي لا يعلمه أحد من البشر . إلا من جهة الأنبياء . لا من جهة الأولياء ولا من جهة غيرها .
وقد عرفوا أنه صلى الله عليه وسلم لا يتعلم هذا من بشر . ففيه آية وبرهان قاطع على صدقه ونبوته .
………………………… ………………………… …………………………
قول الوليد بن المغيرة في القرآن سحر :
وعن ابن عباس قال إن الوليد بن المغيرة ، جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم . فقال اقرأ علي . فقرأ عليه ( 16 : 90 ) إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى الآية فقال أعد . فأعاد . فقال والله إن له لحلاوة . وإن عليه لطلاوة . وإن أعلاه لمثمر . وإن أسفله لمغدق . وإنه ليعلو ولا يعلى عليه . وإنه ليحطم ما تحته . وما يقول هذا بشر .
وفي رواية " وبلغ ذلك أبا جهل ، فأتاه . فقال يا عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا . قال ولم ؟ قال آتيت محمدا لتعوض مما قبله . قال قد علمت قريش أني من أكثرها مالا . قال فقل فيه قولا يبلغ قومك : إنك منكر له . قال ماذا أقول ؟ فوالله ما فيكم أعلم بالأشعار مني إلخ " .
وفي رواية أن الوليد بن المغيرة قال لهم – وقد حضر الموسم – " ستقدم عليكم وفود العرب من كل جانب وقد سمعوا بأمر صاحبكم . فأجمعوا فيه رأيا ، ولا تختلفوا ، فيكذب بعضكم بعضا . فقالوا : فأنت فقل . فقال بل قولوا وأنا أسمع . قالوا : نقول كاهن . قال ما هو بزمرة الكهان ولا سجعهم . قالوا نقول مجنون قال ما هو بمجنون . لقد رأينا الجنون وعرفناه . فما هو بخنقه ولا وسوسته ولا تخالجه . قالوا : نقول شاعر . قال ما هو بشاعر . لقد عرفنا الشعر رجزه وهزجه وقريضه . ومقبوضه ومبسوطه قالوا : نقول ساحر قال ما هو بساحر . لقد رأينا السحرة وسحرهم فما هو بعقدهم ولا نفثهم قالوا : فما نقول يا أبا عبد شمس ؟ قال ما نقول من شيء من هذا إلا عرف أنه باطل وإن أقرب القول أن تقولوا : ساحر يفرق بين المرء وأخيه وبين المرء وزوجه وبين المرء وعشيرته فتفرقوا عنه بذلك . فجعلوا يجلسون للناس لا يمر بهم أحد إلا حذروه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فأنزل الله في الوليد بن المغيرة ( 74 : 11 – 26 ) ذرني ومن خلقت وحيدا – إلى قوله – سأصليه سقر . ونزل في النفر الذين كانوا معه يصنفون القول في رسول الله وفيما جاء به من عند الله ( 15 : 91 ) الذين جعلوا القرآن عضين أي أصنافا . وكانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم الآيات فمنها ما يأتيهم الله به لحكمة أرادها الله سبحانه .
………………………… ………………………… ………………………… ……………..
انشقاق القمر :
فمن ذلك أنهم سألوه أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر . وأنزل قوله ( 54 : 1 – 3 ) اقتربت الساعة وانشق القمر الآيات إلى قوله وكل أمر مستقر فقالوا : سحركم انظروا إلى السفار فإن كانوا رأوا مثل ما رأيتم فقد صدق . فقدموا من كل وجه . فقالوا : رأينا . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما طلب من الآيات – التي يقترحون – رغبة منه في إيمانهم فيجاب بأنها : لا تستلزم الهدى . بل توجب عذاب الاستئصال لمن كذب بها .
………………………… ………………………… ………………………… .
سؤال المشركين النبى ان يريهم الايات:
والله سبحانه قد يظهر الآيات الكثيرة . مع طبعه على قلب الكافر كفرعون قال تعالى ( 6 : 109 – 111 ) وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها – إلى قوله – ولكن أكثرهم يجهلون وقال تعالى ( 17 : 59 ) وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون الآية .
بين سبحانه وتعالى : أنه إنما منعه أن يرسل بها إلا أن كذب بها الأولون فإذ كذب هؤلاء كذلك استحقوا عذاب الاستئصال . وروى أهل التفسير وأهل الحديث عن ابن عباس . قال " سأله أهل مكة أن يجعل لهم الصفا ذهبا ، وأن ينحي عنهم الجبال حتى يزرعوا . فقيل له إن شئت نستأني بهم وإن شئت أن نؤتيهم الذي سألوا ، فإن كفروا هلكوا ، كما هلك من قبلهم . فقال بل أستأني بهم فأنزل الله وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون الآية .
وروى ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية . قال رحمة لكم أيها الأمة إنا لو أرسلنا بالآيات فكذبتم بها : أصابكم ما أصاب من قبلكم . وكانت الآيات تأتيهم آية بعد آية . فلا يؤمنون بها قال تعالى ( 6 : 4 – 6 ) وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين الآيات .
أخبر سبحانه بأن الآيات تأتيهم فيعرضون عنها ، وأنهم سيرون صدق ما جاءت به الرسل كما أهلك الله من كان قبلهم بالذنوب التي هي تكذيب الرسل فإن الله سبحانه وتعالى يقول ( 38 : 59 ) وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا الآية وأخبر بشدة كفرهم بأنهم لو أنزل عليهم كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لكذبوا به وبين سبحانه أنه لو جعل الرسول ملكا لجعله على صورة الرجل . إذ كانوا لا يستطيعون أن يروا الملائكة في صورهم التي خلقوا عليها . وحينئذ يقع اللبس عليهم لظنهم الرسول بشرا لا ملكا .
وقال تعالى ( 17 : 90 – 96 ) وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا الآيات . وهذه الآيات لو أجيبوا إليها ، ثم لم يؤمنوا : لأتاهم عذاب الاستئصال وهي لا توجب الإيمان بل إقامة للحجة والحجة قائمة بغيرها . وهي أيضا مما لا يصلح فإن قولهم حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا يقتضي تفجيرها بمكة فيصير واديا ذا زرع والله سبحانه وتعالى قضى بسابق حكمته أن جعل بيته بواد غير ذي زرع لئلا يكون عنده ما ترغب النفوس فيه من الدنيا . فيكون حجهم للدنيا .
وإذا كان له جنة من نخيل وعنب كان في هذا من التوسع في الدنيا ما يقتضي نقص درجته . وكذلك إذا كان له قصر من زخرف . وهو الذهب . أما إسقاط السماء كسفا : فهذا لا يكون إلا يوم القيامة . وأما الإتيان بالله والملائكة قبيلا ، : فهذا لما سأل قوم موسى موسى ما هو دونه أخذتهم الصاعقة . وقال تعالى ( 4 : 153 – 161 ) يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء الآيات .
بين سبحانه أن المشركين وأهل الكتاب سألوه إنزال كتاب من السماء وبين أن الطائفتين لا يؤمنون إذا جاءهم ذلك وأنهم إنما سألوه تعنتا ، فقال عن المشركين ( 6 : 7 ) ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس الآية .
وقال عن أهل الكتاب ( 4 : 153 ) فقد سألوا موسى أكبر من ذلك – إلى قوله – ميثاقا غليظا فهم – مع هذا – نقضوا الميثاق وكفروا بآيات الله وقتلوا النبيين . فكان فيه من الاعتبار أن الذين لا يهتدون إذا جاءتهم الآيات المقترحة لم يكن في مجيئها منفعة لهم بل فيها وجوب عقوبة عذاب الاستئصال إذا لم يؤمنوا ، وتغليظ الأمر عليهم . كما قال تعالى ( 4 : 160 ) فبظلم من الذين هادوا الآية . فكان في إنزال مثل هذه أعظم رحمة وحكمة .
ولما طلب الحواريون من المسيح المائدة كانت من الآيات الموجبة لمن كفر بها عذابا ، لم يعذب الله به أحدا من العالمين . وكان قبل نزول التوراة يهلك الله المكذبين بالرسل بعذاب الاستئصال عاجلا . وأظهر آيات كثيرة لما أرسل موسى ليبقى ذكرها في الأرض . إذ كان بعد نزول التوراة لم يهلك أمة بعذاب الاستئصال . كما قال تعالى ( 28 : 43 ) ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بل كان بنو إسرائيل لما كانوا يفعلون ما يفعلون – من الكفر والمعاصي – يعذب الله بعضهم ويبقي بعضهم إذ كانوا لا يتفقون على الكفر ولم يزل في الأرض منهم أمة باقية على الصلاح . قال تعالى ( 7 : 168 ) وقطعناهم في الأرض أمما منهم الصالحون ومنهم دون ذلك الآية وقال ( 3 : 113 ، 114 ) من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون الآيتين .
وكان من حكمته تعالى ورحمته – لما أرسل محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم المرسلين – أن لا يهلك قومه بعذاب الاستئصال بل عذب بعضهم بأنواع العذاب كالمستهزئين الذين قال الله فيهم ( 15 : 95 ، 96 ) إنا كفيناك المستهزئين الآيات . والذي دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يسلط عليه كلبا من كلابه فافترسه الأسد كما قال تعالى ( 9 : 52 ) قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده الآية . فأخبر سبحانه أنه يعذب الكفار تارة بأيدي المؤمنين بالجهاد والحدود وتارة بغير ذلك .
فكان ذلك مما يوجب إيمان أكثرهم كما جرى لقريش وغيرهم . فإنه لو أهلكهم لبادوا ، وانقطعت المنفعة بهم ولم يبق لهم ذرية تؤمن بخلاف ما عذبهم به من الإذلال والقهر فإن في ذلك ما يوجب عجزهم والنفوس إذا كانت قادرة على كمال أغراضها ، فلا تكاد تنصرف عنها . بخلاف عجزها عنها . فإنه يدعوها إلى التوبة كما قيل من العصمة أن لا تقدر ولهذا آمن عامتهم . وقد ذكر الله في التوراة لموسى
" إني أقسي قلب فرعون . فلا يؤمن بك لتظهر آياتي وعجائبي " .
بين أن في ذلك من الحكمة انتشار آياته الدالة على صدق أنبيائه في الأرض إذ كان موسى أخبر بتكليم الله له وبكتابة التوراة له فأظهر له من الآيات ما يبقى ذكره في الأرض . وكان في ضمن ذلك من تقسية قلب فرعون ما أوجب هلاكه وهلاك قومه . وفرعون كان جاحدا للصانع . فلذلك أوتي موسى من الآيات ما يناسب حاله .
وأما بنو إسرائيل – مع المسيح – فكانوا مقرين بالكتاب الأول . فلم يحتاجوا إلى مثل ما احتاج إليه موسى . ولم يكن محتاجا إلى جنس تقرير النبوة إذ كانت الرسل قبله جاءت بما يثبت ذلك . وإنما الحاجة إلى تثبيت نبوته . ومع هذا فقد أظهر الله على يديه من الآيات مثل آيات من قبله وأعظم ومع هذا لم يأت بآيات الاستئصال . بل بين الله في القرآن أنها لا تنفعهم بل تضرهم . لأنه علم أن قلوبهم كقلوب الأولين . كما قال تعالى ( 51 : 52 ، 53 ) كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون أتواصوا به الآية وقال تعالى ( 2 : 118 ) كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم الآية وقال تعالى ( 54 : 43 ) أكفاركم خير من أولئكم ؟ الآية وسورة اقتربت التي ذكر فيها انشقاق القمر وإعراضهم عن الآيات وقولهم سحر مستمر وقال فيها ( 54 : 4 ) ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر أي يزجرهم عن الكفر زجرا شديدا ، إذ كان في تلك الأنباء صدق الرسل والإنذار بالعذاب الذي وقع بالمتقدمين . ولهذا يقول عقيب كل قصة فكيف كان عذابي ونذر أي عذابي لمن كذب رسلي ، وإنذاري لهم بذلك قبل مجيئه .
ثم قال أكفاركم أيتها الأمة خير من أولئكم الذي كذبوا الرسل من قبلكم أم لكم براءة في الزبر ؟ أم يقولون نحن جميع منتصر ؟ وذلك أن كونكم تعذبون مثلهم . إما لكونكم لا تستحقون ما استحقوا ، أو لكون الله أخبر أنه لا يعذبكم فهذا بالنظر إلى فعل الله . وأما بالنظر إلى قوة الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه . فيقولون نحن جميع منتصر فإنهم أكثر وأقوى ، كما قالوا ( 19 : 73 ) أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا – إلى قوله – أثاثا ورئيا أي أموالا ومنظرا .
فقال تعالى ( 54 : 45 ) سيهزم الجمع ويولون الدبر أخبر رسوله صلى الله عليه وسلم بهزيمتهم وهو بمكة في قلة الأتباع وضعف منهم . ولا يظن أحد – قبل أن يهاجر – بالعادة المعروفة أن أمره يعلو ، ويقاتلهم . فكان كما أخبر . وذلك ببدر وتلك سنة الله . كما قال تعالى ( 48 : 33 ) سنة الله التي قد خلت من قبل الآية . وحيث يظهر الكفار ويغلبون فإنما يكون ذلك لذنوب المؤمنين التي أوجبت نقص إيمانهم فإذا تابوا نصرهم الله كما قال تعالى ( 3 : 139 ) ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين فإذا كان من تمام الحكمة والرحمة أن لا يهلكهم بالاستئصال كالذين من قبلهم قال تعالى أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر كان لا يأتي بموجب ذلك مع إتيانه سبحانه بما يقيم الحجة أكمل في الحكمة والرحمة إذ كان ما أتى به حصل به كمال الهدى والحجة وما امتنع منه دفع من عذاب الاستئصال ما أوجب بقاء جمهور الأمة حتى يهتدوا ويؤمنوا .
وكان في إرسال خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم من الحكمة البالغة والمنن السابغة ما لم يكن في رسالة غيره . صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .
………………………… ………………………… ………………………… ….
خروجه صلى الله عليه وسلم إلى الطائف:
ولما اشتد البلاء من قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موت عمه خرج إلى الطائف ، رجاء أن يؤوه وينصروه على قومه ويمنعوه منهم حتى يبلغ رسالة ربه . ودعاهم إلى الله عز وجل فلم ير من يؤوي ولم ير ناصرا ، وآذوه أشد الأذى . ونالوا منه ما لم ينل قومه . وكان معه زيد بن حارثة مولاه . فأقام بينهم عشرة أيام . لا يدع أحدا من أشرافهم إلا كلمه فقالوا : اخرج من بلدنا . وأغروا به سفهاءهم . فوقفوا له سماطين . وجعلوا يرمونه بالحجارة وبكلمات من السفه هي أشد وقعا من الحجارة . حتى دميت قدماه وزيد بن حارثة يقيه بنفسه حتى أصابه شجاج في رأسه فانصرف إلى مكة محزونا .
وفي مرجعه دعا بالدعاء المشهور اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس أنت رب المستضعفين وأنت ربي ، إلى من تكلني ؟ إلى بعيد يتجهمني ، أو إلى عدو ملكته أمري ؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ، غير أن عافيتك هي أوسع لي . أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحل علي غضبك ، أو ينزل بي سخطك . لك العتبى حتى ترضى . ولا حول ولا قوة إلا بك فأرسل ربه تبارك وتعالى إليه ملك الجبال يستأمره أن يطبق الأخشبين على أهل مكة – وهما جبلاها اللذان هي بينهما – فقال بل أستأني بهم . لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده لا يشرك به شيئا
فلما نزل بنخلة في مرجعه قام يصلي من الليل ما شاء الله فصرف الله إليه نفرا من الجن . فاستمعوا قراءته ولم يشعر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل عليه ( 46 : 28 – 32 ) وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن – إلى قوله – أولئك في ضلال مبين وأقام بنخلة أياما . فقال زيد بن حارثة رضي الله عنه كيف تدخل عليهم وقد أخرجوك ؟ – يعني قريشا – فقال يا زيد إن الله جاعل لما ترى فرجا ومخرجا . وإن الله ناصر دينه ومظهر نبيه .
ثم انتهى إلى مكة . فأرسل رجلا من خزاعة إلى المطعم بن عدي أدخل في جوارك ؟ فقال نعم . فدعا المطعم بنيه وقومه فقال البسوا السلاح وكونوا عند أركان البيت . فإني قد أجرت محمدا . فلا يهجه أحد . فانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الركن فاستلمه . وصلى ركعتين . وانصرف إلى بيته والمطعم بن عدي وولده محدقون به في السلاح حتى دخل بيته .
………………………… ………………………… ………………………… …………….
يتبعـــــــــــ
عدم كتابة اى ردود
تـابعــــ السيرة النبوية
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
الإسراء والمعراج :
ثم أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت القدس راكبا على البراق صحبة جبريل عليه السلام . فنزل هناك . وصلى بالأنبياء إماما . وربط البراق بحلقة باب المسجد . ثم عرج به إلى السماء الدنيا . فرأى فيها آدم . ورأى أرواح السعداء عن يمينه والأشقياء عن شماله . ثم إلى الثانية . فرأى فيها عيسى ويحيى . ثم إلى الثالثة . فرأى فيها يوسف . ثم إلى الرابعة . فرأى فيها إدريس . ثم إلى الخامسة . فرأى فيها هارون . ثم إلى السادسة . فرأى فيها موسى . فلما جاوزه بكى . فقيل له ما يبكيك ؟ قال أبكي أن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي . ثم عرج به إلى السماء السابعة . فلقي فيها إبراهيم . ثم إلى سدرة المنتهى . ثم رفع إلى البيت المعمور . فرأى هناك جبريل في صورته له ستمائة جناح وهو قوله تعالى ( 53 : 13 – 14 ) ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى وكلمه ربه وأعطاه ما أعطاه . وأعطاه الصلاة . فكانت قرة عين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم في قومه وأخبرهم اشتد تكذيبهم له وسألوه أن يصف لهم بيت المقدس . فجلاه الله له حتى عاينه . وجعل يخبرهم به . ولا يستطيعون أن يردوا عليه شيئا . وأخبرهم عن عيرهم التي رآها في مسراه ومرجعه وعن وقت قدومها ، وعن البعير الذي يقدمها . فكان كما قال . فلم يزدهم ذلك إلا ثبورا . وأبى الظالمون إلا كفورا .
………………………… ………………………… ………………
فصل في الهجرة :
قد ذكرنا أنه صلى الله عليه وسلم كان يوافي الموسم كل عام يتبع الحاج في منازلهم وفي عكاظ وغيرها . يدعوهم إلى الله . فلم يجبه أحد منهم . ولم يؤوه . فكان ممن صنع الله لرسوله أن الأوس والخزرج كانوا يسمعون من حلفائهم يهود المدينة : أن نبيا يبعث في هذا الزمان فنتبعه ونقتلكم معه قتل عاد .
وكانت الأنصار تحج ، كغيرها من العرب ، دون اليهود . فلما رأى الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى الله . وتأملوا أحواله . قال بعضهم لبعض تعلمون والله يا قوم أن هذا الذي توعدكم به اليهود . فلا يسبقنكم إليه وقدر الله بعد ذلك . أن اليهود يكفرون به . فهو قوله تعالى ( 2 : 89 ) ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين والآية بعدها .
………………………… ………………………… ………………………… …….
بيعة العقبة الأولى :
فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم عند العقبة : ستة نفر من الأنصار كلهم من الخزرج . منهم أسعد بن زرارة وجابر بن عبد الله بن رئاب السلمي . فدعاهم إلى الإسلام فأسلموا . ثم رجعوا إلى المدينة ، فدعوا إلى الإسلام . فنشأ الإسلام فيها ، حتى لم تبق دار إلا ودخلها . فلما كان العام المقبل جاء منهم اثني عشر رجلا – الستة الأول . خلا جابرا – ومعهم عبادة بن الصامت ، وأبو الهيثم بن التيهان ، وغيرهم . الجميع اثنا عشر رجلا .
وكان الستة الأولون قد قالوا له – لما أسلموا – إن بين قومنا من العداوة والشر ما بينهم . وعسى الله أن يجمعهم بك ، وسندعوهم إلى أمرك . فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعز منك ، وكان الأوس والخزرج أخوان لأم وأب . أصلهم من اليمن من سبأ . وأمهم قيلة بنت كاهل – امرأة من قضاعة – ويقال لهم لذلك أبناء قيلة . قال الشاعر .
بهاليل من أولاد قيلة لم يجد
عليهم خليط في مخالطة عتبا
فوقعت بينهم العداوة بسبب قتيل فلبثت بينهم الحرب مائة وعشرين سنة إلى أن أطفأها الله بالإسلام . وألف بينهم برسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك قوله ( 3 : 103 ) واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا – الآية .
فلما جاءه الاثني عشر رجلا العام الآتي – الذين ذكرنا – ومنهم اثنان من الأوس : أبو الهيثم وعويم بن ساعدة والباقي من الخزرج .
فلما انصرفوا بعث معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير ، وأمره أن يقرئهم القرآن ويعلمهم الإسلام . فنزل على أبي أمامة – أسعد بن زرارة – فخرج بمصعب – في إحدى خرجاته – فدخل حائطا من حيطان بني ظفر . فجلسا فيه واجتمع إليهما رجال ممن أسلم .
………………………… ………………………… ……………………….
إسلام سعد بن معاذ ، وأسيد بن حضير:
فقال سعد بن معاذ – سيد الأوس – لأسيد بن حضير اذهب إلى هذين اللذين قد أتيا ليسفها ضعفاءنا ، فازجرهما . فإن أسعد بن زرارة ابن خالتي ، ولولا ذلك لكفيتك ذلك . وكان سعد وأسيد سيدي قومهما . فأخذ أسيد حربته . ثم أقبل إليهما . فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب هذا سيد قومه قد جاءك . فاصدق الله فيه . قال مصعب إن يكلمني أكلمه . فوقف عليهما . فقال ما جاء بكما إلينا ؟ تسفهان ضعفاءنا ؟ اعتزلا ، إن كان لكما في أنفسكما حاجة . فقال له مصعب أو تجلس فتسمع . فإن رضيت أمرا قبلته ، وإن كرهته كف عنك ما تكره . فقال أنصفت . ثم ركز حربته وجلس فكلمه مصعب بالإسلام وتلا عليه القرآن . قال فوالله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم في إشراقه وتهلله .
ثم قال ما أحسن هذا وما أجمله كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين ؟ . قالا له تغتسل وتطهر ثوبك . ثم تشهد شهادة الحق . ثم تصلي ركعتين فقام واغتسل . وطهر ثوبه . وتشهد وصلى ركعتين . ثم قال إن ورائي رجلا إن تبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه . وسأرشده إليكما الآن – سعد بن معاذ – ثم أخذ حربته وانصرف إلى سعد في قومه وهم جلوس في ناديهم .
فقال سعد أحلف بالله لقد جاءكم بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم . فلما وقف على النادي . قال له سعد ما فعلت ؟ فقال كلمت الرجلين . فوالله ما رأيت بهما بأسا . وقد نهيتهما ، فقالا : نفعل ما أحببت .
وقد حدثت : أن بني حارثة خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه – وذلك أنهم عرفوا أنه ابن خالتك – ليخفروك . فقام سعد مغضبا ، للذي ذكر له . فأخذ حربته فلما رآهما مطمئنين عرف أن أسيدا إنما أراد أن يسمع منهما ، فوقف عليهما متشتما . ثم قال لأسعد بن زرارة والله يا أبا أمامة . لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا مني ، تغشانا في دارنا بما نكره ؟ .
وقد كان أسعد قال لمصعب جاءك والله سيد من ورائه قومه . إن يتبعك لم يتخلف عنك منهم أحد .
فقال له مصعب أو تقعد فتسمع ؟ فإن رضيت أمرا قبلته ، وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره قال قد أنصفت . ثم ركز حربته فجلس .
فعرض عليه الإسلام وقرأ عليه القرآن . قال فعرفنا والله في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم في إشراقه وتهلله . ثم قال كيف تصنعون إذا أسلمتم ؟ قالا : تغتسل وتطهر ثوبك ثم تشهد شهادة الحق . ثم تصلي ركعتين ففعل ذلك . ثم أخذ حربته . فأقبل إلى نادي قومه . فلما رأوه قالوا : نحلف بالله لقد رجع بغير الوجه الذي ذهب به فقال يا بني عبد الأشهل كيف أمرى فيكم ؟ قالوا : سيدنا . وابن سيدنا ، وأفضلنا رأيا ، وأيمننا نقيبة . قال فإن كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله . فما أمسى فيهم رجل ولا امرأة إلا أسلموا ، إلا الأصيرم . فإنه تأخر إسلامه إلى يوم أحد .
فأسلم وقاتل وقتل ولم يسجد لله سجدة . فقال النبي صلى الله عليه وسلم عمل قليلا وأجر كثيرا فأقام مصعب في منزل أسعد يدعو الناس إلى الإسلام حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون إلا ما كان من دار بني أمية بن زيد وخطمة ووائل وواقف .
وذلك أنهم كان فيهم قيس بن الأسلت الشاعر . وكانوا يسمعون منه فوقف بهم عن الإسلام حتى كان عام الخندق ، بعد أن هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فلما كان من العام المقبل . وجاء موسم الحج . قال من أسلم من الأنصار : حتى متى نترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يطرد في جبال مكة ويخاف ؟ فخرجوا مع مشركي قومهم حجاجا .
………………………… ………………………… ………………………
بيعة العقبة الثانية :
فلما وصلوا واعدوه العقبة ، من أواسط أيام التشريق للبيعة بعد ما انقضى حجهم . فقال له العباس ما أدري ما هؤلاء القوم الذين جاءوك ؟ إني ذو معرفة بأهل يثرب . فلما كان الليل تسللوا من رحالهم مختفين ومعهم عبد الله بن عمرو بن حرام – أبو جابر – وهو مشرك وكانوا يكاتمونه الأمر . فلما كانت الليلة التي واعدوا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : يا أبا جابر ، إنك شريف من أشرافنا . وإنا نرغب بك أن تكون حطبا للنار غدا ، قال وما ذلك ؟ فأخبروه الخبر . فأسلم وشهد العقبة وكان نقيبا .
فلما مضى ثلث الليل خرجوا للميعاد حتى اجتمع عنده من رجل ورجلين ومعه عمه العباس – وهو يومئذ على دين قومه – ولكنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثق له .
فلما نظر العباس في وجوههم قال هؤلاء قوم لا نعرفهم هؤلاء أحداث وكان أول من تكلم . فقال يا معشر الخزرج – وكانت العرب تسمي الجميع الخزرج – إن محمدا منا حيث علمتم وقد منعناه من قومنا وهو في منعة في بلده إلا أنه أبى إلا الانقطاع إليكم واللحوق بكم . فإن كنتم ترون أنكم وافون بما دعوتموه إليه ومانعوه ممن خالفه فأنتم وما تحملتم . وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه – بعد خروجه إليكم – فمن الآن فدعوه . فإنه في عز ومنعة .
قالوا : قد سمعنا ما قلت . فتكلم يا رسول الله وخذ لنفسك ولربك ما شئت .
فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أبايعكم على أن تمنعوني – إذا قدمت عليكم – مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم . ولكم الجنة
فكان أول من بايعه البراء بن معرور . فقال والذي بعثك بالحق لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا . فبايعنا يا رسول الله . فنحن أهل الحرب والحلقة ورثناها صاغرا عن كابر . فاعترضه أبو الهيثم بن التيهان ، وقال إن بيننا وبين الناس حبالا ونحن قاطعوها ، فهل عسيت – إن أظهرك الله – أن ترجع إلى قومك وتدعنا ؟ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال لا والله بل الدم الدم والهدم الهدم ، أنتم مني وأنا منكم . أحارب من حاربتم . وأسالم من سالمتم
فلما قدموا يبايعونه أخذ بيده أصغرهم – أسعد بن زرارة – فقال رويدا يا أهل يثرب ، إنا لم نضرب إليه أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله وإن إخراجه اليوم مفارقة للعرب كافة وقتل خياركم وأن تعضكم السيوف . فإما أنتم تصبرون على ذلك . فخذوه وأجركم على الله وإما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه . فهو أعذر لكم عند الله . فقالوا : أمط عنا يدك ، فوالله ما نذر هذه البيعة ولا نستقيلها .
فقاموا إليه رجلا رجلا يأخذ منهم ويعطيهم بذلك الجنة ثم كثر اللغط فقال العباس على رسلكم . فإن علينا عيونا .
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيبا كفلاء على قومهم ككفالة الحواريين لعيسى ابن مريم . وأنا كفيل على قومي "وفي رواية " أن موسى اتخذ من قومه اثني عشر نقيبا
فكان نقيب بني النجار : أسعد بن زرارة . ونقيب بني سلمة : البراء بن معرور ، وعبد الله بن عمرو بن حرام . ونقيب بني ساعدة : سعد بن عبادة ، والمنذر بن عمرو . ونقيب بني زريق : رافع بن مالك بن عجلان . ونقيب بني الحارث بن الخزرج : عبد الله بن رواحة ، وسعد بن الربيع ونقيب القوافل عبادة بن الصامت . ونقيب الأوس : أسيد بن حضير وأبو الهيثم بن التيهان . ونقيب بني عوف سعد بن خيثمة .
وكان جميع أهل العقبة : سبعين رجلا وامرأتين .
فلما بايعوه صرخ الشيطان بأنفذ صوت سمع قط : يا أهل الأخاشب ، هل لكم في محمد والصبأة معه ؟ قد اجتمعوا على حربكم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا أزب العقبة ، أما والله يا عدو الله لأفرغن لك " تم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ارفضوا إلى رحالكم
فقال العباس بن عبادة بن نضلة : والذي بعثك بالحق إن شئت لنميلن على أهل مكة غدا بأسيافنا . فقال " لم نؤمر بذلك ولكن ارجعوا إلى رحالكم " فرجعوا
فلما أصبحوا غدت عليهم جلة قريش . فقالوا : إنه بلغنا أنكم جئتم صاحبنا البارحة تستخرجونه من بين أظهرنا ، وتبايعونه على حربنا . وإن الله ما من حي من العرب أبغض إلينا من أن تنشب الحرب بيننا وبينهم منكم . فانبعث رجال – ممن لم يعلم – يحلفون لهم بالله ما كان من هذا شيء والذين يشهدون ينظر بعضهم إلى بعض . وجعل عبد الله بن أبي ابن سلول يقول هذا باطل . ما كان هذا . وما كان قومي ليفتاتوا علي بمثل هذا . لو كنت بيثرب ما صنع قومي هذا . حتى يؤامروني .
فقام القوم – وفيهم الحارث بن هشام – وعليه نعلان جديدان . فقال كعب بن مالك : كلمة – كأنه يريد أن يشرك القوم فيما قالوا – فقال يا آبا جابر ما تستطيع أن تتخذ – وأنت سيد من سادتنا – مثل نعلي هذا الفتى ؟ فسمعها الحارث . فجعلها من رجليه . ثم رمى بهما إليه . وقال والله لتنتعلنهما . فقال أبو جابر مه ؟ أحفظت الفتى . فاردد إليه نعليه ؟ فقال لا أردهما إليه والله فأل صالح . لئن صدق الفأل لأسلبنه .
فلما انفصلت الأنصار عن مكة : صح الخبر عند قريش . فخرجوا في طلبهم فأدركوا سعد بن عبادة ، والمنذر بن عمرو . فأعجزهم المنذر ومضى . وأما سعد فقالوا له أنت على دين محمد ؟ قال نعم فربطوا يديه إلى عنقه بنسعة رحله . وجعلوا يسحبونه بشعره ويضربوه – وكان ذا جمة – حتى أدخلوه مكة ، فجاء المطعم بن عدي والحارث بن حرب بن أمية . فخلصاه من أيديهم .
وتشاورت الأنصار أن يكروا إليه . فإذا هو قد طلع عليهم . فرحلوا إلى المدينة .
وكان الذي أسره ضرار بن الخطاب الفهري وقال
تداركت سعدا عنوة فأسرته
وكان شفائي ، لو تداركت منذرا
ولو نلته طلت هناك جراحة
أحق دماء أن تهان وتهدرا
فأجابه حسان بن ثابت رضي الله عنه
فخرت بسعد الخير حين أسرته
وقلت : شفائي لو تداركت منذرا
وإن امرأ يهدي القصائد نحونا
كمستبضع تمرا إلى أهل خيبرا
فلا تك كالشاة التي كان حتفها
بحفر ذراعيها . فلم ترض محفرا
ولا تك كالوسنان يحلم أنه
بقرية كسرى ، أو بقرية قيصرا
ولا تك كالثكلى ، وكانت بمعزل
عن الثكل . لو أن الفؤاد تفكرا
ولا تك كالعاوي ، وأقبل نحره
ولم يخشه سهم من النبل مضمرا
أتفخر بالكتان لما لبسته
وقد يلبس الأنباط ريطا مقصرا
فلولا أبو وهب لمرت قصائد
على شرف البيداء يهوين حسرا
وسمعت قريش قائلا يقول بالليل على أبى قبيس
فإن يسلم السعدان يصبح محمد
بمكة لا يخشى خلاف المخالف
قالوا : من هما ؟ قال أبه سفيان أسعد بن بكر أم سعد بن هزيم ؟ فلما كانت الليلة القابلة سمعوه يقول
فيا سعد – سعد الأوس – كن أنت ناصرا
ويا سعد – سعد الخزرجين – الغطارف
أجيبا إلى داعي الهدى . وتمنيا
على الله في الفردوس منة عارف
فإن ثواب الله للطالب الهدى
جنان من الفردوس ذات رفارف
فقال أبو سفيان هذا والله سعد بن عبادة ، وسعد بن معاذ .
………………………… ………………………… ………………………… …………..
الهجرة إلى المدينة :
وأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين في الهجرة إلى المدينة . فبادروا إليها . وأول من خرج أبو سلمة بن عبد الأسد ، وزوجته أم سلمة . ولكنها حبست عنه سنة وحيل بينها وبين ولدها . ثم خرجت بعد هي وولدها إلى المدينة .
ثم خرجوا أرسالا ، يتبع بعضهم بعضا . ولم يبق منهم بمكة أحد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعلي – أقاما بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لهما – وإلا من احتبسه المشركون كرها .
وأعد رسول الله صلى الله عليه وسلم جهازه ينتظر متى يؤمر بالخروج . وأعد أبو بكر جهازه .
………………………… ………………………… …………………………
تآمر قريش بدار الندوة على قتل رسول الله :
فلما رأى المشركون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تجهزوا وخرجوا بأهليهم إلى المدينة : عرفوا أن الدار دار منعة وأن القوم أهل حلقة وبأس فخافوا خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيشتد أمره عليهم . فاجتمعوا في دار الندوة . وحضرهم إبليس في صورة شيخ من أهل نجد .
فتذاكروا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار كل منهم برأي والشيخ يرده ولا يرضاه إلى أن قال أبو جهل قد فرق لي فيه برأي ما أراكم وقعتم عليه قالوا : ما هو ؟ قال أرى أن نأخذ من كل قبيلة من قريش غلاما جلدا . ثم نعطيه سيفا صارما ، ثم يضربونه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه في القبائل . فلا تدري بنو عبد مناف بعد ذلك ما تصنع ولا يمكنها معاداة القبائل كلها ، ونسوق ديته .
فقال الشيخ لله در هذا الفتى . هذا والله الرأي . فتفرقوا على ذلك .
فجاء جبريل فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك . وأمره أن لا ينام في مضجعه تلك الليلة .
وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر نصف النهار – في ساعة لم يكن يأتيه فيها – متقنعا ، فقال " أخرج من عندك " فقال إنما هم أهلك يا رسول الله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله قد أذن لي في الخروج " فقال أبو بكر الصحبة يا رسول الله . قال " نعم " فقال أبو بكر فخذ – بأبي أنت وأمي – إحدى راحلتي هاتين فقال " بالثمن
وأمر عليا أن يبيت تلك الليلة على فراشه .
واجتمع أولئك النفر يتطلعون من صير الباب ويرصدونه يريدون بياته ويأتمرون أيهم يكون أشقاها ؟ فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم . فأخذ حفنة من البطحاء فذرها على رءوسهم وهو يتلو ( 36 : 9 ) وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون وأنزل الله ( 8 : 30 ) وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين
ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت أبي بكر . فخرجا من خوخة في بيت أبي بكر ليلا . فجاء رجل فرأى القوم ببابه فقال ما تنتظرون ؟ قالوا : محمدا . قال خبتم وخسرتم قد والله مر بكم وذر على رءوسكم التراب . قالوا : والله ما أبصرناه وقاموا ينفضون التراب عن رءوسهم .
فلما أصبحوا : قام علي رضي الله عنه عن الفراش فسألوه عن محمد ؟ فقال لا علم لي به . ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى غار ثور ، فنسجت العنكبوت على بابه .
وكانا قد استأجرا عبد الله بن أريقط الليثي وكان هاديا ماهرا – وكان على دين قومه – وأمناه على ذلك وسلما إليه راحلتيهما ، وواعداه غار ثور بعد ثلاث .
وجدت قريش في طلبهما ، وأخذوا معهم القافة حتى انتهوا إلى باب الغار . فوقفوا عليه . فقال أبو بكر يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى ما تحت قدميه لأبصرنا . فقال " ما ظنك باثنين الله ثالثهما ؟ لا تحزن إن الله معنا
وكانا يسمعان كلامهم إلا أن الله عمى عليهم أمرهما .
وعامر بن فهيرة يرعى غنما لأبي بكر ويتسمع ما يقال عنهما بمكة . ثم يأتيهما بالخبر ليلا . فإذا كان السحر سرح مع الناس .
قالت عائشة فجهزناهما أحث الجهاز . وصنعنا لهما سفرة في جراب . فقطعت أسماء بنت أبي بكر . قطعة من نطاقها ، فأوكت به فم الجراب وقطعت الأخرى عصاما للقربة . فبذلك لقبت " ذات النطاقين " .
ومكثا في الغار ثلاثا . حتى خمدت نار الطلب . فجاءهما ابن أريقط بالراحلتين فارتحلا ، . وأردف أبو بكر عامر بن فهيرة .
………………………… ………………………… ……………………..
قصة سراقة بن مالك :
فلما آيس المشركون منهما جعلوا لمن جاء فيها دية كل واحد منهما ، لمن يأتي بهما أو بأحدهما . فجد الناس في الطلب . والله غالب على أمره .
فلما مروا بحي من مدلج مصعدين من قديد . بصر بهم رجل فوقف على الحي . فقال لقد رأيت آنفا بالساحل أسودة ما أراها إلا محمدا وأصحابه .
ففطن بالأمر سراقة بن مالك ، فأراد أن يكون الظفر له . وشد سبق له من الظفر ما لم يكن في حسابه . فقال بل هما فلان وفلان خرجا في طلب حاجة لهما . ثم مكث قليلا . ثم قام فدخل خباءه وقال لجاريته اخرجي بالفرس من وراء الخباء وموعدك وراء الأكمة . ثم أخذ رمحه وخفض عاليه يخط به الأرض حتى ركب فرسه . فلما قرب منهم وسمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم – وأبو بكر يكثر الالتفات ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلتفت – قال أبو بكر يا رسول الله هذا سراقة بن مالك قد رهقنا . فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فساخت يدا فرسه في الأرض .
فقال قد علمت أن الذي أصابني بدعائكما . فادعوا الله لي ، ولكما أن أرد الناس عنكما ، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم فخلصت يدا فرسه . فانطلق . وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب له كتابا ، فكتب له أبو بكر بأمره في أديم . وكان الكتاب معه إلى يوم فتح مكة . فجاء به فوفى له رسول الله صلى الله عليه وسلم . فرجع . فوجد الناس في الطلب فجعل يقول قد استبرأت لكم الخبر ، وقد كفيتم ما ههنا . فكان أول النهار جاهدا عليهما . وكان آخره حارسا لهما .
………………………… ………………………… ……………….
قصة أم معبد :
ثم مروا بخيمة أم معبد الخزاعية ، وكانت امرأة برزة جلدة تحتبي بفناء الخيمة ثم تطعم وتسقي من مر بها ، يسألاها : هل عندها شيء يشترونه ؟ فقالت والله لو عندنا شيء ما أعوزكم القرى . والشاء عازب – وكانت سنة شهباء – فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كسر الخيمة فقال " ما هذه الشاة ؟ " قالت خلفها الجهد عن الغنم . فقال " هل بها من لبن ؟ " قالت هي أجهد من ذلك . قال " أتأذنين لي أن أحلبها ؟ " قالت نعم – بأبي أنت وأمي – إن رأيت بها حليبا فاحلبها .
فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ضرعها ، وسمى الله ودعا ، فتفاجت عليه ودرت . فدعا بإناء لها يربض الرهط فحلب فيه حتى علته الرغوة فسقاها فشربت حتى رويت وسقى أصحابه حتى رووا . ثم شرب هو . وحلب فيه ثانيا فملأ الإناء . ثم غادره عندها وارتحلوا .
فقل ما لبثت أن جاء زوجها يسوق أعنزا عجافا يتساوكن هزالا . فلما رأى اللبن قال من أين هذا ؟ والشاء عازب . ولا حلوبة في البيت .
قالت لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك ومن حديثه كيت وكيت قال والله إني لأراه صاحب قريش الذي تطلبه . صفيه لي يا أم معبد .
قالت ظاهر الوضاءة أبلج الوجه حسن الخلق لم تعبه ثجلة ولم تزر به صعلة وسيم قسيم في عينيه دعج وفي أشفاره وطف وفي صورته صحل وفي عنقه سطع . وفي لحيته كثاثة أحور أكحل أزج أقرن شديد سواد الشعر إذا صمت علاه الوقار وإذا تكلم علاه البهاء أجمل الناس وأبهاه من بعيد وأحسنه وأحلاه من قريب . حلو المنطق . لا نذر ولا هذر كأن منطقه خرزات نظم يتحدون ربعة لا تقتحمه عين من قصر ولا تشنؤه من طول . غصن بين غصنين فهو أنضر الثلاثة منظرا ، وأحسنهم قدرا . له رفقاء يحفون به . إذا قال استمعوا لقوله . واذا أمر تبادروا إلى أمره محفود محشود . لا عابس ولا مفند .
قال أبو معبد هذا – والله صاحب – قريش الذي تطلبه . ولقد هممت أن أصحبه ولأفعلن ، إن وجدت إلى ذلك سبيلا . وأصبح صوت عال بمكة يسمعونه ولا يرون القائل يقول
جزى الله رب الناس خير جزائه
رفيقين حلا خيمتي أم معبد
هما نزلا بالبر وارتحلا به
فأفلح من أمسى رفيق محمد
فيا لقصي ما زوى الله عنكمو
به من فخار . لا يحاذى وسؤدد
وقد غادرت وهنا لديها بحالب
يرد بها في مصدر ثم مورد
سلوا أختكم عن شاتها وإنائها
فإنكموا إن تسألوا الشاة تشهد
دعاها بشاة حائل فتحلبت
له بصريح ضرة الشاة مزيد
لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم
وقدس من يسري إليه ويغتدي
ترحل عن قوم . فزالت عقولهم
وحل على قوم بنور مجدد
هداهم به – بعد الضلالة – ربهم
وأرشدهم من يتبع الحق يرشد
وقد نزلت منه على أهل يثرب
ركاب هدى ، حلت عليهم بأسعد
نبي يرى ما لا يرى الناس حوله
ويتلو كتاب الله في كل مشهد
وإن قال في يوم مقالة غائب
فتصديقها في ضحوة اليوم أو غد
ليهن أبا بكر سعادة جده
بصحبته من يسعد الله يسعد
ويهن بني كعب مكان فتاتهم
ويقعدها للمؤمنين بمرصد
قالت أسماء بنت أبي بكر . مكثنا ثلاث ليال لا ندري : أين توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ إذ أقبل رجل من الجن من أسفل مكة يتغنى بأبيات غناء العرب ، والناس يتبعونه ويسمعون منه ولا يرونه حتى خرج من أعلى مكة فعرفنا أين توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قالت ولما خرج أبو بكر احتمل معه ماله . فدخل علينا جدي أبو قحافة – وقد ذهب بصره – فقال إني والله لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه . قلت : كلا والله قد ترك لنا خيرا . وأخذت حجارة فوضعتها في كوة البيت . وقلت : ضع يدك على المال . فوضعها ، وقال لا بأس . إن كان قد ترك لكم هذا فقد أحسن قالت والله ما ترك لنا شيئا وإنما أردت أن أسكت الشيخ .
………………………… ………………………… ………………..
دخول رسول الله المدينة :
ولما بلغ الأنصار مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة . كانوا يخرجون كل يوم إلى الحرة ينتظرونه . فإذا اشتد حر الشمس رجعوا إلى منازلهم . فلما كان يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول على رأس ثلاث عشرة سنة من نبوته . فخرجوا على عادتهم . فلما حميت الشمس رجعوا ، فصعد رجل من اليهود على أطم من آطام المدينة . فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب . فصرخ بأعلى صوته يا بني قيلة هذا صاحبكم قد جاء هذا جدكم الذي تنتظرونه . فثار الأنصار إلى السلام ليتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وسمعت الوجبة والتكبير في بني عمرو بن عوف . وكبر المسلمون فرحا بقدومه . وخرجوا للقائه فتلقوه وحيوه بتحية النبوة . وأحدقوا به مطيفين حوله .
فلما أتى المدينة ، عدل ذات اليمين حتى نزل بقباء في بني عمرو بن عوف ، ونزل على كلثوم بن الهدم – أو على سعد بن خيثمة – فأقام في بني عمرو بن عوف أربع عشرة ليلة . وأسس مسجد قباء . وهو أول مسجد أسس بعد النبوة .
فلما كان يوم الجمعة ركب . فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف . فجمع بهم في المسجد الذي في بطن الوادي . ثم ركب . فأخذوا بخطام راحلته يقولون . هلم إلى القوة والمنعة والسلاح . فيقول خلوا سبيلها ، فإنها مأمورة فلم تزل ناقته سائرة لا يمر بدار من دور الأنصار ، إلا رغبوا إليه في النزول عليهم فيقول دعوها فإنها مأمورة فسارت حتى وصلت إلى موضع مسجده اليوم فبركت ولم ينزل عنها ، حتى نهضت وسارت قليلا . ثم رجعت وبركت في موضعها الأول . فنزل عنها .
وذلك في بني النجار ، أخواله صلى الله عليه وسلم .
وكان من توفيق الله لها . فإنه أحب أن ينزل على أخواله يكرمهم . فجعل الناس يكلمونه في النزول عليهم . وبادر أبو أيوب خالد بن زيد إلى رحله فأدخله بيته . فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول المرء مع رحله وجاء أسعد بن زرارة فأخذ بخطام ناقته . فكانت عنده . وأصبح كما قال قيس بن صرمة – وكان ابن عباس يختلف إليه ليحفظها عنه .
ثوى في قريش بضع عشرة حجة
يذكر لو يلقى حبيبا مواتيا
ويعرض في أهل المواسم نفسه
فلم ير من يؤوى ولم ير داعيا
فلما أتانا واستقر به النوى
وأصبح مسرورا بطيبة راضيا
وأصبح لا يخشى ظلامة ظالم
بعيد ولا يخشى من الناس باغيا
بذلنا له الأموال من جل مالنا
وأنفسنا عند الوغى والتآسيا
نعادي الذي عادى من الناس كلهم
جميعا . وإن كان الحبيب المصافيا
ونعلم أن الله لا رب غيره
وأن كتاب الله أصبح هاديا
وكما قال حسان بن ثابت رضي الله عنه .
قومي الذين هموا آووا نبيهمو
وصدقوه وأهل الأرض كفار
إلا خصائص أقوام همو تبع
في الصالحين مع الأنصار أنصار
مستبشرين بقسم الله . قولهمو
لما أتاهم كريم الأصل مختار
أهلا وسهلا . ففي أمن وفي سعة
نعم النبي . ونعم القسم والجار
فأنزلوه بدار لا يخاف بها
من كان جارهمو . دار هي الدار
وقاسموه بها الأموال إذ قدموا
مهاجرين . وقسم الجاحد النار
وكما قال
نصرنا وآوينا النبي محمدا
على أنف راض من معد وراغم
قال ابن عباس : كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فأمر بالهجرة . وأنزل الله عليه ( 17 : 80 ) وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا والنبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن لا طاقة له بهذا الأمر إلا بسلطان . فسأل الله سلطانا نصيرا ، فأعطاه . قال البراء . : أول من قدم علينا : مصعب بن عمير ، وابن أم مكتوم ، فجعلا يقرآن الناس القرآن . ثم جاء عمار بن ياسر ، وبلال وسعد ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين راكبا . ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم . فما رأيت الناس فرحوا بشيء فرحهم به حتى جعل النساء والصبيان والإماء يقلن قدم رسول الله جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال أنس شهدته يوم دخل المدينة ، فما رأيت يوما قط كان أحسن ولا أضوأ من اليوم الذي دخل المدينة علينا . وشهدته يوم مات . فما رأيت يوما قط كان أقبح ولا أظلم من يوم مات
فأقام في بيت أبي أيوب حتى بنى حجره ومسجده .
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم – وهو في منزل أبي أيوب – زيد بن حارثة وأبا رافع . وأعطاهما بعيرين وخمسمائة درهم إلى مكة ، فقدما عليه بفاطمة وأم كلثوم ابنتيه . وسودة بنت زمعة زوجه وأسامة بن زيد ، وأم أيمن . وأما زينب فلم يمكنها زوجها أبو العاص بن الربيع من الخروج وخرج عبد الله بن أبي بكر بعيال أبي بكر . وفيهم عائشة .
………………………… ………………………… …………….
بناء المسجد:
قال الزهري : بركت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موضع مسجده وكان مريدا لسهل وسهيل غلامين يتيمين من الأنصار ، كانا في حجر أسعد بن زرارة . فساوم رسول الله صلى الله عليه وسلم الغلامين بالمربد ليتخذه مسجدا فقالا : بل نهبه لك يا رسول الله . فأبى رسول الله فاشتراه منهما بعشرة دنانير .
وفي الصحيح أنه قال يا بني النجار ، ثامنوني بحائطكم . قالوا : لا ، والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله وكان فيه شجر غرقد ونخل ، وقبور للمشركين . فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقبور فنبشت وبالنخيل والشجر فقطع . وصفت في قبلة المسجد . وجعل طوله مما يلي القبلة إلى مؤخرة مائة ذراع . وفي الجانبين مثل ذلك أو دونه . وأساسه قريبا من ثلاثة أذرع . ثم بنوه باللبن . وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يبني معهم وينقل اللبن والحجارة بنفسه ويقول
اللهم إن العيش عيش الآخرة
فاغفر للأنصار والمهاجرة
وكان يقول
هذا الحمال لا حمال خيبر
هذا أبر ربنا وأطهر
وجعلوا يرتجزون ويقول أحدهم في رجزه
ولئن قعدنا والرسول يعمل
لذاك منا العمل المضلل
وجعل قبلته إلى بيت المقدس . وجعل له ثلاثة أبواب باب في مؤخرة وباب يقال له باب الرحمة . والباب الذي يدخل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم . وجعل عمده الجذوع . وسقفه الجريد . وقيل له ألا تسقفه ؟ قال " عريش كعريش موسى " وبنى بيوت نسائه إلى جانبيه . بيوت الحجر باللبن وسقفها بالجذوع والجريد .
………………………… ………………………… ………………
بناؤه بعائشة :
فلما فرغ من البناء بنى بعائشة في البيت الذي بناه لها شرقي المسجد . وكان بناؤه بها في شوال من السنة الأولى ، وكان بعض الناس . يكره البناء في شوال . قيل إن أصله أن طاعونا وقع في الجاهلية وكانت عائشة تتحرى أن تدخل نساءها في شوال وتخالفهم . وجعل لسودة بيتا آخر .
………………………… ………………………… ………………………… …………..
المؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين:
ثم آخى بين المهاجرين والأنصار ، وكانوا تسعين رجلا . نصفهم من المهاجرين ، ونصفهم من الأنصار ، آخى بينهم على المواساة وعلى أن يتوارثوا بعد الموت دون ذوي الأرحام . إلى وقعة بدر . فلما أنزل الله ( 8 : 75 ) وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله . والتوارث إلى الأرحام .
وقيل إنه آخى بين المهاجرين بعضهم مع بعض مؤاخاة ثانية . واتخذ عليا أخا لنفسه والأثبت الأول .
وفي الصحيح عن عائشة قالت " قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهي وبيئة . فمرض أبو بكر . وكان يقول إذا أخذته الحمى .
كل امرئ مصبح في أهله
والموت أدنى من شراك نعله
وكان بلال إذا أقلعت عنه الحمى يرفع عقيرته ويقول
ألا ليت شعري . هل أبيتن ليلة
بواد وحولي إذخر وجليل ؟
وهل أردن يوما مياه مجنة ؟
وهل يبدون لي شامة وطفيل ؟
اللهم العن ابن ربيعة ، وأمية بن خلف ، وشيبة بن ربيعة . كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء .
فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد . اللهم صححها . وبارك لنا في صاعها ومدها وانقل جماها إلى الجحفة . قالت فكان المولود يولد في الجحفة . فلا يبلغ الحلم حتى تصرعه الحمى " .
………………………… ………………………… …………..
حوادث السنة الأولى :
وفي السنة الأولى : زيد في صلاة الحضر ركعتين . فصارت أربع ركعات .
وفيها : نزل أهل الصفة المسجد . وكانت مكانا في المسجد ينزل فيه فقراء المهاجرين الذي لا أهل لهم ولا مال . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفرقهم في أصحابه إذا جاء الليل ويتعشى طائفة منهم معه حتى جاء الله بالغنى .
وهذه السنة الرابعة عشر من النبوة هي الأولى من الهجرة كما تقدم . ومنها أرخ التاريخ .
وتوفي فيها من الأعيان أسعد بن زرارة قبل أن يفرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بناء المسجد . وتوفي البراء بن معرور في صفر قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة . وهو أول من مات من النقباء . وفيها : توفي ضمرة بن جندب . وكان قد مرض بمكة . فقال لبنيه اخرجوا بي منها فخرجوا به يريد الهجرة . فلما بلغ أضاة بني عقار – أو التنعيم – مات . فأنزل الله تعالى ( 4 : 100 ) ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله – الآية .
وكلثوم بن الهدم الذي نزل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم . وفيها : وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة من اليهود . وكتب بينه وبينهم كتابا .
………………………… ………………………… ………………………… ……..
إسلام عبد الله بن سلام :
وبادر عالم اليهود وحبرهم عبد الله بن سلام فأسلم . وأبى عامتهم إلا الكفر وكانوا ثلاث قبائل قينقاع والنضير وقريظة . فنقض الثلاث العهد . وحاربهم .
فمن على بني قينقاع وأجلى بني النضير . وقتل بني قريظة . ونزلت سورة الحشر في بني النضير وسورة الأحزاب في بني قريظة .
………………………… ………………………… …………………………
حوادث السنة الثانية :
وفي السنة الثانية رأى عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأذان فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلقيه على بلال .
وفيها : فرض صوم رمضان . ونسخ صوم عاشوراء . وبقي صومه مستحبا .
وفيها : زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا فاطمة رضي الله عنها .
وفيها : صرف الله عز وجل القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة .
………………………… ………………………… ………………………… ………………….
يتبعــــــــــــــــــ
عدم كتابة اى ردود