التصنيفات
منوعات

أعظم أنواع الهجرة

الحمد لله ذي الفضل والإحسان، شرع لعباده هجرة القلوب، وهجرة الأبدان، وجعل هاتين الهجرتين باقيتين على مر الزمان، وليكن لنا في سيرة نبيكم صلى الله عليه وسلم خير أسوة، وذلك بترسم خطاه والسير على نهجه والإقتداء به في أقواله وأفعاله وأخلاقه كما أمركم الله بذلك فقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21].

في أول شهر المحرم يكثر الناس من التحدث عن هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم في الخطب والمحاضرات وسائل الإعلام، ولا يعدو حديثهم في الغالب أن يكون قصصاً تاريخياً يملؤون به الفراغ في أيام معدودات ثم يُترك وينسى دون أن يكون له أثر في النفوس أو قدوة في الأعمال والأخلاق، بل لا يعدو أن يكون ذلك عادة سنوية تت على الألسنة دون فقه لمعنى الهجرة وعمل بمدلولها.

إن الهجرة معناها لغةً:

مفارقة الإنسان غيره بدنه أو بلسانه أو بقلبه.

ومعناها شرعاً:

مفارقة بلاد الكفر أو مفارقة الأشرار أو مفارقة الأعمال السيئة والخصال المذمومة.

وهي من ملة إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام حيث قال: {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الصافات:99] أي مهاجر من أرض الكفر إلى الإيمان، وقد هاجر عليه الصلاة والسلام بعض ذريته إلى الشام حيث البلاد المقدسة والمسجد الأقصى، والبعض الآخر إلى بلاد الحجاز حيث البلد الحرام والبيت العتيق، كما جاء في دعائه لربه: {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} [إبراهيم:37].

والهجرة من شريعة محمد صلى الله عليه وسلم

حيث أمر الصحابة بالهجرة إلى الحبشة لمّا اشتد عليهم الأذى من الكفار في مكة فخرجوا إلى أرض الحبشة مرتين فراراً بدينهم، وبقى النبي صلى الله عليه وسلم في مكة يدعو إلى الله ويلاقي من الناس أشد الأذى، وهو يقول: {رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً} [الإسراء:80]، فأذن الله له بالهجرة إلى المدينة وأذن لأصحابه بالهجرة إليها، فبادروا إلى ذلك فراراً بدينهم وقد تركوا ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله، وقد أثنى الله عليهم ومدحهم وعدهم جزيل الأجر والثواب، وصارت الهجرة قرينة الجهاد في كتاب الله عز وجل، وصار المهاجرون أفضل الصحابة حيث فرّوا بدينهم وتركوا أعزّ ما يملكون من الديار والأموال والأقارب والعشيرة، وباعوا ذلك لله عز وجل وفي سبيله وابتغاء مرضاته.

وصار ذلك شريعة ثابتة إلى أن تقوم الساعة فقد جاء في الحديث: «لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تخرج الشمس من مغربها»، فكل من لم يستطع إظهار دينه في بلد فإنه يجب عليه أن ينتقل منها إلى بلد يستطيع فيه إظهار دينه.

وقد توعد الله من قدر على الهجرة فلم يهاجر قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً (97) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98) فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوّاً غَفُوراً} [النساء:97-99].

فهذا وعيد شديد لمن ترك الهجرة بدون عذر، وهذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة وليس متمكناً من إقامة الدين، وأنه ظالم لنفسه مرتكب حراماً بالإجماع وبنص هذه الآية حيث يقول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} أي يترك الهجرة {قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ} أي لا نقدر على الخروج من البلد ولا الذهاب في الأرض، وهذا اعتذار منهم غير صحيح لأنهم كانوا يقدرون على الهجرة فتركوها، ولهذا قالت لهم الملائكة توبيخاً لهم: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا}.

فمن لم يستطع إظهار دينه في بلد وجب عليه الخروج إلى بلد يستطيع فيها ذلك، فإن بلاد الله واسعة ولا تخلو من بلاد صالحة، قال تعالى: {وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً} [النساء:100] أي مكاناً يتحصن فيه من أذى الكفار، وسعة في الرزق، ويعوضه الله بها عما ترك في بلده من المال، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [النحل:41-42].

ومن أنواع الهجرة هجر المعاصي من الكفر والشرك والنفاق وسائر الأعمال السيئة والخصال الذميمة والأخلاق الوخيمة، قال تعالى لنبيه: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر:5]، الرجز: الأصنام. وهجرتها: تركها والبراءة منها ومن أهلها.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه». أي ترك ما نهى الله عنه من الأعمال والأخلاق والأقوال والمآكل والمشارب المحرمة والنظر المحرم والسماع، كل هذه الأمور يجب هجرها والابتعاد عنها.

ومن أنواع الهجرة هجر العصاة من الكفار والمشركين والمنافقين والفساق وذلك بالإبتعاد عنهم، قال الله تعالى: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} [المزمل:10] أي: اصبر على ما يقوله من كَذَّبك من سفهاء قومك: {وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً} [المزمل:10] أي اتركهم تركاً لا عتاب معه.

ومن أعظم أنواع الهجرة هجرة القلوب إلى الله تعالى بإخلاص العباده له في السر والعلانية، حتى لا يقصد المؤمن بقوله وعمله إلا وجه الله، ولا يحب إلا الله ومن يحبه الله، وكذلك الهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم باتباعه وتقديم طاعته والعمل بما جاء به.

وبالجملة فهذه الهجرة هجرة إلى الكتاب والسنة من الشركيات والبدع والخرافات والمقالات والمذاهب المخالفة للكتاب والسنة.

فتبين من هذا أن الهجرة أنواع هي:

هجر أمكنة الكفر… وهجر الأشخاص الضالين… وهجر الأعمال والأقوال الباطلة.. وهجر المذاهب والأقوال والآراء المخالفة للكتاب والسنة.

فليس المقصود التحدث عن الهجرة بأسلوب قصصي وسرد تاريخي، أو تقام لمناسبتها طقوس واحتفالات ثم تنسى ولا يكون لها أثر في النفوس أو تأثير في السلوك، فإن كثيراً ممن يتحدثون عن الهجرة على رأس السنة لا يفقهون معناها ولا يعلمون بمقتضاها بل يخالفونها في سلوكهم وأعمالهم؛ فهم يتحدثون عن هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتركهم أوطان الكفر إلى وطن الإيمان، وهم مقيمون في بلاد الكفر أو يسافرون إليه لقضاء الإجازة أو للنزهة أو لقضاء شهر العسل كما يسمونه بعد الزواج!!

يتحدثون عن الهجرة وهم لا يهجرون عبادة القبور والأضرحة، بل يعبدونها من دون الله كما تعبد الأصنام أو أشد. يتحدثون عن الهجرة وهم لا يهجرون المذاهب الباطلة والآراء المضلة بل يجعلونها مكان الشريعة الإسلامية. يتحدثون عن الهجرة وهم لا يهجرون المعاصي والأخلاق الرذيلة. يتحدثون عن الهجرة وهم لا يهجرون عادات الكفار وتقاليدهم بل يتشبهون بهم، فأين هي معاني الهجرة وأنواعها من تصرفات هؤلاء؟

فاتقوا الله عباد الله، واقتبسوا من الهجرة وغيرها من أحداث السيرة النبوية دروساً تنهجونها في حياتكم، ولا يكن تحدثكم عن الهجرة مجرد أقوال على الألسنة أو حبراً على الأوراق.

قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال:74].

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

صالح بن فوزان الفوزان




شكرلكم



بارك الله فيك



جزاك الله خير



شكرلكم



التصنيفات
منوعات

أعظــم أنواع الهجرة – هجرة القلوب

خليجية

أعظم أنواع الهجرة – هجرة القلوب

الحمد لله ذي الفضل والإحسان، شرع لعباده هجرة القلوب، وهجرة الأبدان،
وجعل هاتين الهجرتين باقيتين على مر الزمان،
وليكن لنا في سيرة نبيكم خير أسوة، وذلك بترسم خطاه والسير على نهجه والإقتداء به في أقواله وأفعاله وأخلاقه كما أمركم الله بذلك فقال:
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً
[الأحزاب:21].

في أول شهر المحرم يكثر الناس من التحدث عن هجرة الرسول في الخطب والمحاضرات ووسائل الإعلام،
ولا يعدو حديثهم في الغالب أن يكون قصصاً تاريخياً يملؤون به الفراغ في أيام معدودات ثم يُترك وينسى دون أن يكون له أثر في النفوس أو قدوة في الأعمال والأخلاق،
بل لا يعدو أن يكون ذلك عادة سنوية تتردد على الألسنة دون فقه لمعنى الهجرة وعمل بمدلولها.

خليجية

إن الهجرة معناها لغةً:

مفارقة الإنسان غيره ببدنه أو بلسانه أو بقلبه.

ومعناها شرعاً:

مفارقة بلاد الكفر أو مفارقة الأشرار أو مفارقة الأعمال السيئة والخصال المذمومة.

وهي من ملة إبراهيم الخليل خليجية حيث قال:
إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ
[الصافات:99]
أي مهاجر من أرض الكفر إلى الإيمان، وقد هاجر خليجية ببعض ذريته إلى الشام حيث البلاد المقدسة والمسجد الأقصى،
والبعض الآخر إلى بلاد الحجاز حيث البلد الحرام والبيت العتيق،
كما جاء في دعائه لربه:
رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ
[إبراهيم:37].

خليجية

والهجرة من شريعة محمد خليجية

حيث أمر الصحابة بالهجرة إلى الحبشة لمّا اشتد عليهم الأذى من الكفار في مكة فخرجوا إلى أرض الحبشة مرتين فراراً بدينهم،
وبقى النبي في مكة يدعو إلى الله ويلاقي من الناس أشد الأذى، وهو يقول:
رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً
[الإسراء:80]،
فأذن الله له بالهجرة إلى المدينة وأذن لأصحابه بالهجرة إليها،
فبادروا إلى ذلك فراراً بدينهم وقد تركوا ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله،
وقد أثنى الله عليهم ومدحهم ووعدهم جزيل الأجر والثواب،
وصارت الهجرة قرينة الجهاد في كتاب الله خليجية،
وصار المهاجرون أفضل الصحابة حيث فرّوا بدينهم وتركوا أعزّ ما يملكون من الديار والأموال والأقارب والعشيرة، وباعوا ذلك لله خليجية وفي سبيله وابتغاء مرضاته.

وصار ذلك شريعة ثابتة إلى أن تقوم الساعة فقد جاء في الحديث:
{ لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تخرج الشمس من مغربها }،
فكل من لم يستطع إظهار دينه في بلد فإنه يجب عليه أن ينتقل منها إلى بلد يستطيع فيه إظهار دينه.

خليجية

وقد توعد الله من قدر على الهجرة فلم يهاجر،
قال تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً (97) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98) فَأُوْلَـئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوّاً غَفُوراً
[النساء:97-99].

فهذا وعيد شديد لمن ترك الهجرة بدون عذر،

وهذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة وليس متمكناً من إقامة الدين،
وأنه ظالم لنفسه مرتكب حراماً بالإجماع وبنص هذه الآية حيث يقول تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ أي يترك الهجرة قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ أي لا نقدر على الخروج من البلد ولا الذهاب في الأرض، وهذا اعتذار منهم غير صحيح لأنهم كانوا يقدرون على الهجرة فتركوها، ولهذا قالت لهم الملائكة توبيخاً لهم: أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا .

فمن لم يستطع إظهار دينه في بلد وجب عليه الخروج إلى بلد يستطيع فيها ذلك،
فإن بلاد الله واسعة ولا تخلو من بلاد صالحة،
قال تعالى:
وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً
[النساء:100]
أي مكاناً يتحصن فيه من أذى الكفار، وسعة في الرزق، ويعوضه الله بها عما ترك في بلده من المال، كما قال تعالى:
وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
[النحل:42،41].

خليجية

ومن أنواع الهجرةهجر المعاصي من الكفر والشرك والنفاق وسائر الأعمال السيئة والخصال الذميمة والأخلاق الوخيمة، قال تعالى لنبيه خليجية:
وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ [المدثر:5]،
الرجز: الأصنام.
وهجرتها: تركها والبراءة منها ومن أهلها.

وقال النبي خليجية:
{المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه }.

أي ترك ما نهى الله عنه من الأعمال والأخلاق والأقوال والمآكل والمشارب المحرمة والنظر المحرم والسماع، كل هذه الأمور يجب هجرها والابتعاد عنها.

خليجية

ومن أنواع الهجرة هجر العصاة من الكفار والمشركين والمنافقين والفساق وذلك بالإبتعاد عنهم،
قال الله تعالى:
وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ [المزمل:10]
أي: اصبر على ما يقوله من كَذَّبك من سفهاء قومك:
وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً [المزمل:10] أي اتركهم تركاً لا عتاب معه.

خليجية

ومن أعظم أنواع الهجرة هجرة القلوب إلى الله تعالى بإخلاص العباده له في السر والعلانية،
حتى لا يقصد المؤمن بقوله وعمله إلا وجه الله، ولا يحب إلا الله ومن يحبه الله،
وكذلك الهجرة إلى رسول الله باتباعه وتقديم طاعته والعمل بما جاء به.

وبالجملة فهذه الهجرة هجرة إلى الكتاب والسنة من الشركيات والبدع والخرافات والمقالات والمذاهب المخالفة للكتاب والسنة.

خليجية

فتبين من هذا أن الهجرة أنواع هي:

هجر أمكنة الكفر…
وهجر الأشخاص الضالين…
وهجر الأعمال والأقوال الباطلة..
وهجر المذاهب والأقوال والآراء المخالفة للكتاب والسنة.

فليس المقصود التحدث عن الهجرة بأسلوب قصصي وسرد تاريخي،
أو تقام لمناسبتها طقوس واحتفالات ثم تنسى ولا يكون لها أثر في النفوس أو تأثير في السلوك، فإن كثيراً ممن يتحدثون عن الهجرة على رأس السنة لا يفقهون معناها ولا يعلمون بمقتضاها بل يخالفونها في سلوكهم وأعمالهم؛
فهم يتحدثون عن هجرة الرسول وأصحابه وتركهم أوطان الكفر إلى وطن الإيمان،
وهم مقيمون في بلاد الكفر أو يسافرون إليه لقضاء الإجازة أو للنزهة أو لقضاء شهر العسل كما يسمونه بعد الزواج!!

خليجية

يتحدثون عن الهجرة وهم لا يهجرون عبادة القبور والأضرحة،
بل يعبدونها من دون الله كما تعبد الأصنام أو أشد.
يتحدثون عن الهجرة وهم لا يهجرون المذاهب الباطلة والآراء المضلة بل يجعلونها مكان الشريعة الإسلامية.
يتحدثون عن الهجرة وهم لا يهجرون المعاصي والأخلاق الرذيلة.
يتحدثون عن الهجرة وهم لا يهجرون عادات الكفار وتقاليدهم بل يتشبهون بهم،

فأين هي معاني الهجرة وأنواعها من تصرفات هؤلاء؟

فاتقوا الله عباد الله، واقتبسوا من الهجرة وغيرها من أحداث السيرة النبوية دروساً تنهجونها في حياتكم، ولا يكن تحدثكم عن الهجرة مجرد أقوال على الألسنة أو حبراً على الأوراق.

قال تعالى:
وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ
[الأنفال:74].

خليجية

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

فضيلة الشيخ
صالح بن فوزان الفوزان




التصنيفات
منوعات

ماذا علمني محمد – صلى الله عليه وسلم – من الهجرة ؟

ماذا علمني محمد – صلى الله عليه وسلم – من الهجرة ؟

الحديث عن القادة شيء ممتع ويبعث على الرغبة في مواصلة القراءة والإستمتاع حتى آخر كلمة, لكن الحديث عن محمد – صلى الله عليه وسلم – فهو شيء آخر, ويبعث على الفرح والسرور النفسي, ويزيدك طمأنينة وراحة بال.
ما أحب أن أتحدث به في مقالي المتواضع أمام حبيبي محمد – صلى الله عليه وسلم – هو الشيء اليسير أمام عبقريته الفذة في القيادة, ولماذا لا نقتدي به فعلاً ؟ إن كنا نعتقد بأنه القدوة الفعلية والعملية لنا في مسيرة حياتنا, لماذا ندّعي الحب الخالص والمجرد لرسولنا الكريم بينما لا تلامس سيرته حياتنا, وهي بعيدة كثيراً عن الروح التي علمنا إياها في سيرته العطرة.

ما أود التركيز عليه هو أن الرسول – عليه الصلاة والسلام – النموذج التطبيقي لنا في حياتنا القصيرة التي نعيشها, وهو القدوة لنا في نجاحنا الحقيقي في هذه الحياة, فإذا ما أردنا التطوّر فهو من سيعرفنا الطريق, وإذا ما أردنا أن نعيش كما يحب الله, فعلينا أن نسير على خطاه, وأن نحبه كما علمنا عندما قال للفاروق عمر : " ومن نفسك يا عمر, فقال الفاروق : ومن نفسي يا رسول الله ".

علمني حبيبي محمد – صلى الله عليه وسلم – أن أكون واقعياً :
فمعرفة الواقع الذي تعيشه هو بداية الطريق للنجاح, عندما قرر محمد – صلى الله عليه وسلم – أن لا فائدة من الدعوة في مكة, اتخذ قرار الهجرة, لأنه يعلم يقيناً أن الدولة لن تقوم من دون أن يأمن أصحابه من غدر أعدائهم, فيستريحوا قليلاً من الأذى لينظروا لبناء الدولة التي سيشع نورها على العالمين, كان رسول البشرية يدرك ذلك جيداً, وإنما اتخذ الأسباب الدنيوية في الدعوة في بيئة يغلب على طابعها الإحتكام للسلاح كحل وحيد لحل مشاكلهم, فلم يكن من المجدي أن يقوم بمزيد من المحاولة, بعد أن عرض نفسه على الوفود الكثيرة التي كانت تحج لبيت الله الحرام, طمعاً في النصرة, وبعدما سافر للطائف لنفس الغرض فلقي من الأذى النفسي والمادي ما لا يحتمله إلا الرجال العظماء, وذاك هو محمد – صلى الله عليه وسلم-.

ما نتعلمه من ذلك ليكون لنا درساً عملياً هو أن نعرف أين نقف الآن؟ وإلى أيّ وجهة نسير؟ وما هي رؤيتنا للحياة التي ننشدها؟ عندما ندرس مواقفنا ندرك مدى الفجوة العميقة بين ما نريد أن نحقق, وأين نقف الآن مما نريد, فليس النجاح بالتمني ولكن هو المحاولة والمحاولة والمحاولة حتى نحسن من أداء ما نقوم به, فأن تخطأ وتقع على الأرض, لا يعد خطأً في حدّ ذاته, لأنك بذلك ستكون قد تعلمت أن هناك طرقاً لا تصلح لنسلكها, وإنما الطامة الكبرى أن لا نتقبل الخطأ ونتخذه شماعة للتوقف عن التقدم, والتوقف عن معرفة ما الذي نريده.

علمني حبيبي محمد – صلى الله عليه وسلم – أن قيمة المشروع أكبر من قيمة العواطف :
إذ أن الفكرة أكبر من العواطف, كان رسول الإنسانية يدرك أن قرار الإبتعاد عن مكة, فيه من الظلم الكثير لمشاعره ومشاعر أصحابه, لكنه مؤمن بفكرته وعازم على أن يدافع عنها أو يهلك دونها, فلم يكن للعواطف متسع أمام مفارقة الديار والأهل, فهو القائد ذو البصيرة النافذة, عليه أن يبحث عن موطيء قدم له ولأصحابه, ليتمكن من بناء الدولة, حتى لو على حساب مشاعره.

علمنا محمد – صلى الله عليه وسلم – أن ندافع عن أفكارنا, وعن ما نعتقد, فما قيمة الإنسان إذا عاش في عباءة الآخرين, يتكلم كما يتكلمون, وينفعل كما ينفعلون, هكذا, وبدون أدنى قوة داخلية تدفعه للتوقف ليكون غيره, إلا أن يكون إمّعة مع نفسه ومجتمعه, فما قيمة المرء إن كان لا يحسن قيمة العيش مع نفسه ومجتمعه, وما الذي تطمح لتغييره في إنسان مغيّب عن واقعه, لا يملك أحلاماً يدافع عنها, ولا فكرة يضحي من أجلها, وما أعنيه أننا جميعاً لدينا مشاريع فليس من العدل أن نقتلها في مهدها, ونجلس بلا فكرة تراودنا أو أحلام نعشقها.

علمني حبيبي محمد – الله عليه وسلم – أن للقائد خيارات متعددة :
فليس من العدل إذا أوصدت الأبواب أمامك أن لا تفكر في خيارات أخرى, وهذا ما فعله رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عندما قرر الذهاب للطائف لعله أن يجد النصرة منهم, وهذه حكمة منه, وعندما أوصدت الأبواب لتبليغ دعوته, كان عليه التفكير ملياً في خيارات أخرى, لينقذ بها دعوته وأصحابه الكرام, فذهب للطائف لكنه صلى الله عليه وسلم لم يجد آذاناً صاغية ولا قلوباً تتلمس الحق, فعاد مرة أخرى لمكة مستجيراً بمشرك, وعندما أرسل سيدنا مصعب بن العمير مع ستة من الأنصار للمدينة, كان هدفه استشراف الأرض الجديدة ومدى ملائمتها لتكون منطلقاً للدعوة وبناء الدولة.

وهكذا هي الحياة, إذا لم تكن مرناً في تفاصيلها, فلن تجد باباً يفتح أمامك, فهناك من يحدد مسبقاً أن طريقته في فهم الإسلام هي الطريقة المثلى ليقتدي بها الناس, فيأخذهم بالإكراه مرة وبالتعنيف مرات, من دون أن يعلم أن رسولنا الكريم, لم يكن ليوصد باباً للتعريف بالحق, ولم تكن خياراته تنفذ في سبيل إيصال هذا الحق للناس, حتى مع من خالفوه في الدين فما بالك بمن خالفوه في الرأي, لا توصد أبواب الخير, فأحب الخلق إلى الله أنفعهم لخلقه.




جزاكى الله كل خير وجعلة فى ميزان حسناتك