وهي في معظم الأحيان مرتبطة ارتباطا طرديا بضيق التنفس. والمؤلم حقا هو ما نراه من إهمال كبير للأطفال المصابين بمثل تلك المشكلات، على الرغم من تأثيراتها السلبية على كثير من الوظائف.
وسوف نتطرق إلى هذا المشكلات، التي يعاني منها كثير من الأطفال، وهي مشكلات التنفس. ويعود الاهتمام بهذه المشكلة إلى تأثير ذلك على نمو الطفل، وخاصة نمو الوجه والفكين وصحة الفم والأسنان.
هناك كثير من الأطفال، الذين نراهم من حولنا، أفواههم مفتوحة معظم الوقت بطريقة لا إرادية، وتراهم صغار الأجسام ذو أوجه شاحبة ولديهم ازرقاق حول العينين، وإذا نظرنا إلى أفواههم لرأينا العجب العجاب، من عضة مفتوحة، وجفاف والتهاب في اللثة، وضيق في الفك العلوي.
إن التنفس عن طريق الفم هو من أحد الأعراض المصاحبة لضيق التنفس، وتستوجب هذه الحالة الرعاية والانتباه الشديدين، لأنها لا تؤثر فقط في نوعية الهواء الداخل إلى الرئتين.
كلنا مشتركون في هذا الإهمال. فالآباء لا يراقبون نمو وصحة أبنائهم، فمثلا، يتعرض أطفال كثيرون إلى إصابات في الوجه في سن مبكرة، قد تؤدي إلى انحراف في الأنف أو الفك، الذي غالبا ما يكون غير ملحوظ، وخاصة في الأنف، لكونه لا يزال صغيرا في هذه السن، وقد يتسبب ذلك في صعوبة التنفس، ويذهب الآباء إلى إعطائهم الأدوية من دون استشارة الطبيب.
وأحيانا تلتهب اللوزتان فترات طويلة، ويعيش بها الطفل من دون أي زيارة لطبيب. وهذا ما سنتطرق إليه بالتفصيل في هذا الموضوع.
ضيق التنفس
يجب أن نعرف أن الطريقة الصحية للتنفس هي عن طريق الأنف، حيث يتم تنقية الهواء الداخل إلى الرئتين عن طريق الشعيرات الهوائية، والتنفس بواسطة الأنف هو أول وظيفة فسيولوجية للطفل الحديث الولادة، ومن ثم تتوسع الرئة لتحوي الأكسجين، والتنفس عن طريق الفم يعتبر وظيفة ثانوية يتم اللجوء إليها عند وجود خلل في الوظيفة الأساسية.
هناك أسباب كثيرة قد تتسبب في ضيق التنفس، وبالتالي التنفس عن طريق الفم، ومنها الاعوجاج في عظمة الأنف «nasal septum»، مما يؤدي إلى صعوبة أخذ الهواء عن طريق فتحتي الأنف والتهابات الجيوب الأنفية، وأيضا التهاب اللوزتين ولحمية الأنف، وكلها أسباب تؤدي إلى صعوبات في التنفس، ويعاني الطفل المصاب من صعوبات في النوم، حيث تكثر الشكوى من الاستيقاظ المتكرر أثناء الليل، بسبب انقطاع النفس حين يحاول الطفل التنفس عن طريق الأنف بصورته الطبيعية، وقد يصاحب ذلك أيضا الشخير أثناء النوم، هذا بالإضافة إلى التنفس المزمن عن طريق الفم.
نمو الوجه والفكين
أما السؤال الذي يجب طرحه فهو، ما هي العلاقة بين التنفس بواسطة الفم ونمو الوجه والفكين؟ الجواب: أنه هنالك علاقة وطيدة بينهما، لأن عادة التنفس عن طريق الفم تستوجب من الشخص إبقاء فمه مفتوحا طوال الوقت، وهذا ما يؤدي إلى تغير في نمط نمو الفكين لديه، حيث ينمو الفك السفلي إلى الأسفل والخلف.
وإبقاء الفم مفتوحا يؤدي إلى نمو الأضراس الخلفية في الفك العلوي إلى الأسفل مما يؤدي إلى نشوء العضة المفتوحة. وهي العضة التي لا تتطابق فيها الأسنان الأمامية بعضها مع بعض.
ولهذا السبب نرى اللسان دائما في الفتحة التي بين الأسنان الأمامية، وجوده بصورة دائمة في هذه المنطقة يؤدي إلى بروز الأسنان الأمامية، وذلك بسبب ضغط اللسان المستمر عليها.
ومن أعراض التنفس عن طريق الفم أيضا، ضيق حجم الفك العلوي بسبب ضغط عضلات الخدين، أثناء فتح الفم، وهذا ما يؤدي إلى نشوء العضة المعكوسة، وهي أن تكون الأسنان العلوية مائلة إلى الداخل، مقارنة بالأسنان السفلية.
وبالطبع فإن علاج هذه المشكلات في الفكين والأسنان يستوجب أولا علاج السبب الرئيسي فيها، ألا وهو المجرى التنفسي، حيث من الملاحظ دائما لدى أخصائي تقويم الأسنان تحويل المريض الذي لديه هذا النوع من العضة إلى أخصائي الأنف والأذن والحنجرة لمعرفة سبب الانسداد في مجرى الأنف، ومن ثم علاجه.
وبعدها تبدأ سلسلة العلاج بأجهزة تقويم الأسنان، وتعتمد في البداية على عمر المريض، حيث إن العلاج في المراحل المبكرة يعتبر أفضل، حتى لا تتفاقم المشكلة مع الكبر. ومن الملاحظ أيضا أنه بمجرد علاج مشكلات التنفس لدى الصغار، ومن ثم لجوؤهم إلى التنفس عن طريق الأنف بصورة طبيعية، يبدأ الفكان في الرجوع إلى وضعهما الطبيعي. أما إذا اكتشفت المشكلات في مرحلة متأخرة، فيكون العلاج بواسطة أجهزة التقويم، التي يكون الهدف منها توسيع الفك العلوي إذا كان ضيقا، وعلاج العضة المفتوحة وبروز الأسنان.
أما في الحالات المتقدمة والشديدة فقد يكون الحل هو الجراحة كحل نهائي، ويكون هذا الحل في الغالب لدى البالغين أو الكبار.
وفي دراسة، قام بها فريق طبي تركي، وتم نشرها في «مجلة تقويم الأسنان الأميركية»، وجد أن اللجوء إلى توسيع الفك في حالات صعوبات التنفس يعتبر حلا فعالا للعلاج، لأنه يؤدي إلى رجوع اللسان إلى مكانه الطبيعي في سقف الحلق خلف الأسنان الأمامية، كما أن هذا التوسيع في الفك يؤدي إلى توسيع قاعدة الأنف أيضا، وهذا ما يؤدي إلى علاج المشكلة.
التنفس عن طريق الفم
ولا تعتبر مشكلات إطباق الأسنان ونمو الفكين هي الأعراض الوحيدة للتنفس عن طريق الفم، بل نضيف إلى ذلك مشكلات اللثة والأنسجة المحيطة بالأسنان. فإبقاء الفم مفتوحا مدة طويلة جراء التنفس عن طريق الفم يؤدي إلى جفاف اللثة والتهابها المزمن، وتزيد تلك الالتهابات أيضا من سرعة تراكم طبقات الجير على الأسنان واللثة، مما يؤدي إلى تفاقم الالتهابات المزمنة في الأنسجة المحيطة بالأسنان، التي غالبا ما تكون في السطوح الأمامية والخلفية للأسنا العلوية، وبالأخص انحسار في اللثة. كما أن ذلك يكون سببا في كثرة التسوس ونشوء رائحة الفم الكريهة.
كما أن هنالك دراسات أخرى ترى وجود علاقة بين التنفس عن طريق الفم ومشكلات في الفك الصدغي، حيث إن وضع الفك المفتوح مدة طويلة يؤدي إلى وضع الفك السفلي إلى الأسفل والخلف، وبالتالي يؤثر في مفصل الفك الصدغي، ومن ثم إلى تشنجات وتعب في عضلات الفك.
لذا، تعتبر مشكلة التنفس عن طريق الفم من المشكلات الخطيرة، التي تستوجب الاهتمام بها، ويجب تشخيصها بصورة دقيقة وسريعة، لما يترتب عليها من مشكلات أخرى، أهمها التغيرات في نمو الفكين، وبالتالي نمو الوجه، إضافة إلى المشكلات العضوية في جهاز التنفس.
ومن المهم أيضا أن يكون هنالك تعاون بين أخصائي تقويم الأسنان وأخصائي الأنف والأذن والحنجرة، حيث لا يجب إهمال أي انسداد في مجرى التنفس أو أي كسور أو اعوجاج في الأنف بسبب الحوادث، وبالأخص لدى الأطفال، حيث يصعب في كثير من الأحيان تشخيص اعوجاج الأنف بسبب صغرهم. ويجب الأخذ بعين الاعتبار أن إهمال علاج ما نعتبره مشكلات صغيرة قد يؤدي إلى تفاقمها لاحقا عند النمو.