حكم الأغاني و الموسيقى
" قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ "
الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه المصطفى وآله المستكملين الشرفا، ثم أما بعد:
إن مما يحزن المسلمَ الغيورَ على دينه أن يبحث بعض المسلمين عن السعادة في غيره، ويبحثون عن البهجة فيما عداه، يضعون السموم مواضع الدواء، طالبين العافية والشفاء في الشهوات والأهواء. ومن ذلك عكوف كثير من الناس اليوم على استماع آلات الملاهي والغناء، حتى صار ذلك سلواهم وديدنهم، متعللين بعلل واهية وأقوال زائفة، تبيح الغناء وليس لها مستند صحيح، يقوم على ترويجها قوم فُتنوا باتباع الشهوات واستماع المغنيات.
وكما نرى بعضهم يروج للموسيقى بأنها ترقق القلوب والشعور، وتنمي العاطفة، وهذا ليس صحيحاً، فهي مثيرة للشهوات والأهواء، ولو كانت تفعل ما قالوا لرققت قلوب الموسيقيين وهذبت أخلاقهم، وأكثرهم ممن نعلم انحرافهم وسوء سلوكهم.
عباد الله من كان في شك من تحريم الأغاني والمعازف، فليزل الشك باليقين من قول رب العالمين، ورسوله صلى الله عليه وسلم الأمين، في تحريمها وبيان أضرارها، فالنصوص كثيرة من الكتاب والسنة تدل على تحريم الأغاني والوعيد لمن استحل ذلك أو أصر عليه، والمؤمن يكفيه دليل واحد من كتاب الله أو صحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف إذا تكاثرت وتعاضدت الأدلة على ذلك. ولقد قال سبحانه و تعالى في كتابه العزيز:
" وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً"
ونظراً لخطورة الأغاني، وأنها سبب من أسباب فتنة الناس وإفسادهم وخاصة الشباب منهم، أحببت أن أجمع لكم هذا البحث المختصر والذي يحتوي على موقف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأئمة أهل العلم من الغناء والموسيقى. وهذه المادة هي محاولة أردت بها خدمة دين الله عز وجل، ومنفعة المسلمين، سائلاً الله تبارك وتعالى أن ينفع بها وأن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وهو حسبنا و نعم الوكيل.
قوله تعالى: "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ" (سورة لقمان: 6)
[size="5"]قال حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنهما: هو الغناء، وقال مجاهد رحمه الله: اللهو الطبل
وقال الحسن البصري رحمه الله: "نزلت هذه الآية في الغناء والمزامير"
قال ابن القيم رحمه الله: "ويكفي تفسير الصحابة والتابعين للهو الحديث بأنه الغناء فقد صح ذلك عن ابن عباس وابن مسعود، قال أبو الصهباء: سألت ابن مسعود عن قوله تعالى: "ومن الناس من يشتري لهو الحديث"
فقال: والله الذي لا إله غيره هو الغناء – يرددها ثلاث مرات -، وصح عن ابن عمر رضي الله عنهما أيضا أنه الغناء. وكذلك قال جابر وعكرمة وسعيد بن جبير ومكحول وميمون بن مهران وعمرو بن شعيب وعلي بن بديمة و غيرهم في تفسير هذه الآية الكريمة. قال الواحدي رحمه الله: وهذه الآية على هذا التفسير تدل على تحريم الغناء . ولقد قال الحاكم في مستدركه عن تفسير الصحابي: "ليعلم طالب هذا العلم أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي و التنزيل عند الشيخين حديث مسند".
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه إغاثة اللهفان معلقاً على كلام الحاكم:
"وهذا وإن كان فيه نظر فلا ريب أنه أولى بالقبول من تفسير مَن بعدهم، فهم أعلم الأمة بمراد الله من كتابه، فعليهم نزل وهم أول من خوطب به من الأمة، وقد شاهدوا تفسيره من الرسول علماً وعملاً، وهم العرب الفصحاء على الحقيقة فلا يعدل عن تفسيرهم ما وجد إليه سبيل".
[/size]
وقال تعالى: "وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا" (سورة الإسراء:64)
جاء في تفسير الجلالين: (واستفزز): استخف، (صوتك): بدعائك بالغناء والمزامير وكل داع إلى المعصية و هذا أيضا ما ذكره ابن كثير والطبري عن مجاهد. وقال القرطبي في تفسيره: "في الآية ما يدل على تحريم المزامير والغناء واللهو..وما كان من صوت الشيطان أو فعله وما يستحسنه فواجب التنزه عنه".
و قال الله عز وجل:
"وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا" (الفرقان: 72).
[color="darkgreen"]وقد ذكر ابن كثير في تفسيره ما جاء عن محمد بن الحنفية أنه قال: الزور هنا الغناء، وجاء عند القرطبي والطبري عن مجاهد في قوله تعالى:
"والذين لا يشهدون الزور"
قال: لا يسمعون الغناء. وجاء عن الطبري في تفسيره: "قال أبو جعفر: وأصل الزور تحسين الشيء، ووصفه بخلاف صفته، حتى يخيل إلى من يسمعه أو يراه، أنه خلاف ما هو به، والشرك قد يدخل في ذلك لأنه محسن لأهله، حتى قد ظنوا أنه حق وهو باطل، ويدخل فيه الغناء لأنه أيضا مما يحسنه ترجيع الصوت حتى يستحلي سامعه سماعه" (تفسير الطبري).
[/color]وفي قوله عز وجل: "و إذا مروا باللغو مروا كراما"
قال الإمام الطبري في تفسيره: "وإذا مروا بالباطل فسمعوه أو رأوه، مروا كراما. مرورهم كراما في بعض ذلك بأن لا يسمعوه، وذلك كالغناء".
أدلة التحريم من السنة النبوية الشريفة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر و الحرير و الخمر و المعازف، و لينزلن أقوام إلى جنب علم، يروح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم لحاجة، فيقولون: ارجع إلينا غدا، فيبيتهم الله، ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة"
(وقد أقر بصحة هذا الحديث أكابر أهل العلم منهم الإمام ابن حبان، والإسماعيلي، وابن صلاح، وابن حجر العسقلاني، وشيخ الإسلام ابن تيمية، والطحاوي، وابن القيم، والصنعاني، وغيرهم كثير. الألباب في .
"وفي الحديث دليل على تحريم آلات العزف والطرب من وجهين؛ أولهما قوله صلى الله عليه وسلم: "يستحلون"، فإنه صريح بأن المذكورات ومنها المعازف هي في الشرع محرمة، فيستحلها أولئك القوم. ثانيا: قرن المعازف مع ما تم حرمته وهو الزنا والخمر والحرير، ولو لم تكن محرمة – أى المعازف – لما قرنها معها" (السلسلة الصحيحة للألباني 1/140-141 بتصرف). قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فدل هذا الحديث على تحريم المعازف، والمعازف هي آلات اللهو عند أهل اللغة، وهذا اسم يتناول هذه الآلات كلها" (المجموع).
وروى الترمذي في سننه عن جابر رضي الله عنه قال:
"خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن بن عوف إلى النخيل، فإذا ابنه إبراهيم يجود بنفسه، فوضعه في حجره ففاضت عيناه، فقال عبد الرحمن: أتبكي وأنت تنهى عن البكاء؟ قال: إني لم أنه عن البكاء، وإنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير شيطان، وصوت عند مصيبة: خمش وجوه وشق جيوب ورنَّة" (قال الترمذي: هذا الحديث حسن، وحسنه الألباني صحيح الجامع 5194).
وقال صلى الله عليه و سلم:
"صوتان ملعونان، صوت مزمار عند نعمة، و صوت ويل عند مصيبة"
(إسناده حسن، السلسلة الصحيحة 427)
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"ليكونن في هذه الأمة خسف، وقذف، ومسخ، وذلك إذا شربوا الخمور، واتخذوا القينات، وضربوا بالمعازف"
(صحيح بمجموع طرقه، السلسلة الصحيحة 2203)
قال صلى الله عليه وسلم:
"إن الله حرم على أمتي الخمر، والميسر، والمزر، والكوبة، والقنين، وزادني صلاة الوتر"
(صحيح، صحيح الجامع 1708).
الكوبة هي الطبل، أما القنين هو الطنبور بالحبشية (غذاء الألباب).
وروى أبي داوود في سننه عن نافع أنه قال:
"سمع ابن عمر مزماراً، قال: فوضع أصبعيه على أذنيه، ونأى عن الطريق، وقال لي: يا نافع هل تسمع شيئاً؟ قال: فقلت: لا! قال: فرفع أصبعيه من أذنيه، وقال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فسمع مثل هذا! فصنع مثل هذا"
(حديث صحيح، صحيح أبي داوود 4116). و علق على هذا الحديث الإمام القرطبي قائلاً: "قال علماؤنا: إذا كان هذا فعلهم في حق صوت لا يخرج عن الاعتدال، فكيف بغناء أهل هذا الزمان وزمرهم؟!" (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي).
أقوال أئمة أهل العلم:
قال الإمام عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه: الغناء مبدؤه من الشيطان وعاقبته سخط الرحمن ولقد نقل الإجماع على حرمة الاستماع إلى الموسيقى والمعازف جمع من العلماء منهم: الإمام القرطبي وابن الصلاح وابن رجب الحنبلي.
فقال الإمام أبو العباس القرطبي: الغناء ممنوع بالكتاب والسنة وقال أيضا:
"أما المزامير والأوتار والكوبة (الطبل) فلا يختلف في تحريم استماعها ولم أسمع عن أحد ممن يعتبر قوله من السلف وأئمة الخلف من يبيح ذلك، وكيف لا يحرم وهو شعار أهل الخمور والفسوق ومهيج الشهوات والفساد والمجون؟ وما كان كذلك لم يشك في تحريمه ولا تفسيق فاعله وتأثيمه"
وقال ابن الصلاح: الإجماع على تحريمه ولم يثبت عن أحد ممن يعتد بقوله في الإجماع والاختلاف أنه أباح الغناء..
قال القاسم بن محمد رحمه الله: الغناء باطل، والباطل في النار.
وقال الحسن البصري رحمه الله: إن كان في الوليمة لهو –أى غناء و لعب-، فلا دعوة لهم
قال النحاس رحمه الله: هو ممنوع بالكتاب والسنة، وقال الطبري: وقد أجمع علماء الأمصار على كراهة الغناء، والمنع منه. و يقول الإمام الأوزاعي رحمه الله: لا تدخل وليمة فيها طبل ومعازف.
قال ابن القيم رحمه الله في بيان مذهب الإمام أبي حنيفة:
"وقد صرح أصحابه بتحريم سماع الملاهي كلها كالمزمار والدف، حتى الضرب بالقضيب، وصرحوا بأنه معصية توجب الفسق وترد بها الشهادة، وأبلغ من ذلك قالوا:
إن السماع فسق والتلذذ به كفر، وورد في ذلك حديث لا يصح رفعه، قالوا ويجب عليه أن يجتهد في أن لا يسمعه إذا مر به أو كان في جواره" وروي عن الإمام أبي حنيفة أنه قال:
الغناء من أكبر الذنوب التي يجب تركها فوراً. وقد قال الإمام السفاريني في كتابه غذاء الألباب معلقاً على مذهب الإمام أبو حنيفة:
"وأما أبو حنيفة فإنه يكره الغناء ويجعله من الذنوب، وكذلك مذهب أهل الكوفة سفيان وحماد وإبراهيم والشعبي وغيرهم لا اختلاف بينهم في ذلك، ولا نعلم خلافا بين أهل البصرة في المنع منه".
وقد قال القاضي أبو يوسف تلميذ الإمام أبى حنيفة حينما سُئِل عن رجل سمع صوت المزامير من داخل أحد البيوت فقال: "ادخل عليهم بغير إذنهم لأن النهي عن المنكر فرض".
أما الإمام مالك فإنه نهى عن الغناء و عن استماعه، وقال رحمه الله عندما سُئِل عن الغناء و الضرب على المعازف: "هل من عاقل يقول بأن الغناء حق؟ إنما يفعله عندنا الفساق" . والفاسق في حكم الإسلام لا تُقبَل له شهادة ولا يصلي عليه الأخيار إن مات، بل يصلي عليه غوغاء الناس وعامتهم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "مذهب الأئمة الأربعة أن آلات اللهو كلها حرام…ولم يذكر أحد من أتباع الأئمة في آلات اللهو نزاعا"
قال الألباني رحمه الله: "اتفقت المذاهب الأربعة على تحريم آلات الطرب كلها"
و بذلك يتبين لنا أقوال أئمة العلماء واقرارهم على حرمية الغناء والموسيقى والمنع منهما.
الاستثناء:
ويستثنى من ذلك الدف – بغير خلخال- في الأعياد والنكاح للنساء، وقد دلت عليه الأدلة الصحيحة،
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "ولكن رخص النبي صلى الله عليه وسلم في أنواع من اللهو في العرس ونحوه كما رخص للنساء أن يضربن بالدف في الأعراس والأفراح، وأما الرجال على عهده فلم يكن أحد على عهده يضرب بدف ولا يصفق بكف،
بل ثبت عنه في الصحيح أنه قال: التصفيق للنساء والتسبيح للرجال، ولعن المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء"
(المجموع). وأيضا من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "دخل علي أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار في يوم بعاث قالت وليستا بمغنيتين فقال أبو بكر أبمزمور الشيطان في بيت النبي صلى الله عليه وسلم وذلك في يوم عيد الفطر فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا" (صحيح، صحيح ابن ماجه 1540).
الرد على من استدل بحديث الجاريتين في تحليل المعازف:
قال ابن القيم رحمه الله: "وأعجب من هذا استدلالكم على إباحة السماع المركب مما ذكرنا من الهيئة الاجتماعية بغناء بنتين صغيرتين دون البلوغ عند امرأة صبية في يوم عيد وفرح بأبيات من أبيات العرب في وصف الشجاعة والحروب ومكارم الأخلاق والشيم، فأين هذا من هذا، والعجيب أن هذا الحديث من أكبر الحجج عليهم، فإن الصديق الأكبر رضي الله عنه سمى ذلك مزمورا من مزامير الشيطان، وأقره رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه التسمية، ورخص فيه لجويريتين غير مكلفتين ولا مفسدة في إنشادهما ولاستماعهما، أفيدل هذا على إباحة ما تعملونه وتعلمونه من السماع المشتمل على ما لا يخفى؟! فسبحان الله كيف ضلت العقول والأفهام" (مدارج السالكين)، وقال ابن الجوزي رحمه الله: "وقد كانت عائشة رضي الله عنها صغيرة في ذلك الوقت، و لم ينقل عنها بعد بلوغها وتحصيلها إلا ذم الغناء ، قد كان ابن أخيها القاسم بن محمد يذم الغناء ويمنع من سماعه وقد أخذ العلم عنها" (تلبيس إبليس).
ابن حزم و إباحة الغناء
من المعروف والمشهور أن ابن حزم رحمه الله يبيح الغناء، كما هو مذكور في كتابه المحلى. لكن الذي نريد أن ننبه عليه أن الناس إذا سمعوا أن ابن حزم أو غيره من العلماء يحللون الغناء، ذهب بالهم إلى الغناء الموجود اليوم في القنوات والإذاعات وعلى المسارح والفنادق وهذا من الخطأ الكبير. فمثل هذا الغناء لا يقول به مسلم، فضلاً عن عالم؛ مثل الإمام الكبير ابن حزم. فالعلماء متفقون على تحريم كل غناء يشتمل على فحش أو فسق أو تحريض على معصية.
ولذلك نقول: إن على من يشيع في الناس أن ابن حزم يبيح الغناء، أن يعرف إلى أين يؤدي كلامه هذا إذا أطلقه بدون ضوابط وقيود، فليتق الله وليعرف إلى أين ينتهي كلامه؟! وليتنبه إلى واقعه الذي يحيا فيه.
ثم أعلم كون ابن حزم أو غيره يبيح أمراً جاء النص الصريح عن النبي صلى الله عليه وسلم بتحريمه لا ينفعك عند الله،
قال سليمان التيمي رحمه الله: لو أخذت برخصة كل عالم، أو زلة كل عالم، اجتمع فيك الشر كله. وقد قال الله جل وعلا:
"وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا"
(الحشر:7)،
وقال أيضاً: "فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم ٌ "
(النور:63). ولله در القائل:
أما حكم الأناشيد الإسلامية الخالية من الموسيقى فهو كالأتى:
صح أن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام رضوان الله عليهم قد سمعوا الشعر وأنشدوه واستنشدوه من غيرهم، في سفرهم وحضرهم، وفي مجالسهم وأعمالهم، بأصوات فردية كما في إنشاد حسان بن ثابت وعامر بن الأكوع وأنجشة رضي الله عنهم ، وبأصوات جماعية كما في حديث أنس رضي الله عنه في قصة حفر الخندق، قال: فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بنا من النصب والجوع قال: "اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، فاغفر للأنصار والمهاجرة. فقالوا مجيبين: نحن الذين بايعوا محمدا، على الجهاد ما بقينا أبدا" (رواه البخاري 3/1043).
فهذه الأدلة تدل على أن الإنشاد جائز، سواء كان بأصوات فردية أو جماعية وعدم استعمال الآلات والمعازف المحرمة في النشيد، عدم الإكثار منه وجعله ديدن المسلم وكل وقته وتضييع الواجبات والفرائض لأجله، أن لا يكون بصوت النساء، وأن لا يشتمل على كلام محرم أو فاحش، وأن لا يشابه ألحان أهل الفسق والمجون، وأن يخلو من المؤثرات الصوتية التي تنتج أصواتا مثل أصوات المعازف. وأيضا يراعى أن لا يكون ذا لحن يطرب به السامع ويفتنه كالذين يسمعون الأغاني.
وختاماً، قال الإمام ابن القيم رحمه الله ، اعلم أن للغناء خواصَّ لها تأثير في صبغ القلب بالنفاق، ونباته فيه كنبات الزرع بالماء.
فمن خواصه: أنه يُلهي القلب ويصده عن فهم القرآن وتدبره، والعمل بما فيه، فإن الغناء والقرآن لا يجتمعان في القلب أبداً لما بينهما من التضاد، فإن القرآن ينهى عن اتباع الهوى، ويأمر بالعفة، ومجانبة شهوات النفوس، وأسباب الغيّ، وينهى عن اتباع خطوات الشيطان، والغناء يأمر بضد ذلك كله، ويحسنه، ويهيِّج النفوس إلى شهوات الغيّ فيثير كامنها، ويزعج قاطنها، ويحركها إلى كل قبيح، ويسوقها إلى وصْل كل مليحة ومليح، فهو والخمر رضيعا لبانٍ، وفي تهييجهما على القبائح فرسا رهان..إلخ".
فيا أيها المسلمون: وكونوا ممن قال الله فيهم:
"وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ".
لاإله إلاالله