التصنيفات
منوعات

الحكم من تقدير البلايا

ومنها الصبر: فإن الله -تعالى- يحب الصبر، بل هو المفتاح الذي مع التقوى يغير الله -تعالى- به ما بنا ويرد كيد أعدائنا، فبالصبر والاحتساب ورجاء الفرج من عنده -سبحانه وتعالى- يفرج كربات المسلمين، وإنما قدر الكربات أصلاً ليصبروا: (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً)(الفرقان:20)، وهو البصير -سبحانه- قبل أن يصبروا، وبعد أن يصبروا، ولكنه يحب أن يرى صبرهم، ويحب أن يثيبهم عليه قال -تعالى-: (أتصبرون وكان ربك بصيرًا).

هو -سبحانه وتعالى- قدر أن يبتلي المسلمون بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، وهذه قبل أن تجري عليهم بكيد أعدائهم، إنما تجري بتقدير الله -عز وجل- فقال: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ)، ولم يقل: وليصيبنكم بشيء، وإنما قال: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)(البقرة:155-157).

فكيف تحصل الصلوات؟ وكيف تحصل الرحمة؟ وكيف يحصل الهدى؟ وكيف يحصل الصبر؟ وكيف يشهد المؤمنون أنهم ملك لله -تعالى- يفعل بهم ما يشاء، وأنهم إليه راجعون فيحققون الإيمان باليوم الآخر؟ كيف يحدث ذلك بغير الآلام؟ إن ولادة المولود لابد أن تسبقها آلام المخاض، وهكذا التمكين لأمة الإسلام لابد أن تسبقه هذه الآلام وهذه الدماء، إلى أن يولد ذلك الذي كتب الله حياته، فالطائفة المؤمنة لا تموت بإذن الله -تبارك وتعالى- إلى يوم القيامة، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك)

"
إن ولادة المولود لابد أن تسبقها آلام المخاض، وهكذا التمكين لأمة الإسلام لابد أن تسبقه هذه الآلام وهذه الدماء
"

رواه مسلم، فإن ماتت طائفة، وسفكت دماؤها، وانتهكت حرماتها، ولدت بعدها طائفة أخرى، ولكن مع آلام الأولى والثانية إلى أن يأذن الله بالنصر والتمكين.

كذلك قدر الله الآلام، لأنه يحب أن يسمع تضرعنا ودعاءنا واستغاثتنا، هكذا أخبر الله -تعالى- قال: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ . فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(الأنعام:42-43)، فهذا التضرع يحبه الله، يحب أن تقوم القلوب قبل الأبدان ذليلة لله منكسرة له فقيرة إليه، تعلم أن لا ناصر لها في الأرض سواه، وإن اجتمعت الأمم من أولها إلى آخرها فالله نعم المولى ونعم النصير، فمن أيقن بذلك وقام لله -عز وجل- داعياً متضرعًا مستغيثاً، يتشبه بقيام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة بدر وهو يرى قريشًا معها إبليس شخصيًا، قد جاءت بحدها وحديدها وأشرافها وكبرها يحادون الله ورسوله، فما نام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تلك الليلة، وإنما ظل يصلي ويبكي يتضرع إلى الله، هكذا يقول علي -رضي الله عنه-: (ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) رواه أحمد، وصححه الألباني، وفي ذلك أنزل الله: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ)(الأنفال:9).

"
قدر الله الآلام، لأنه يحب أن يسمع تضرعنا ودعاءنا واستغاثتنا
"

فالله يحب أن يستغيث به -ولا يغيثنا سواه- ولا ملجأ لنا إلا إليه، وتضرعها بين يديه من أعظم أسباب كشف الكرب والهم، وهو -سبحانه وتعالى- وعدنا الإجابة: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ)(النمل:62).

تأمل هذا الترتيب العجيب تجده وسيلة المسلمين بإذن الله، والآلام الكثيرة تشعر العبد الاضطرار، والخوف الشديد يشعره بالاضطرار، فيتضرع إلى الله فيكشف الله السوء، وبعد كشف السوء وزواله يستخلفنا الله -تعالى-: (وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأرْضِ)، وهو -سبحانه- ينزل السكينة بعد أن يجد من العبد التضرع والدعاء (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً)(الفتح:4)، هو قدر المواجهة مع الكفر لكي يلجأ إليه المؤمنون، لكي ينزل السكينة في قلوبهم ليزدادوا إيمانًا مع إيمانهم، من أجل ذلك قدر المحن وقدر الآلام، فله الحمد على ذلك كله.

وعندما يزداد الكرب والخوف والألم -إن كنا صادقين- نتشبه برسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين صلى في الليل ليلة الأحزاب، ليلة الريح الشاتية الباردة المطيرة المظلمة التي لم يبق معه فيها -صلى الله عليه وسلم- حول الخندق إلا ثلاثمائة من أصحابه الكرام، ورحل كثيرون، قالوا: إن بيوتنا عورة، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سكينة عجيبة يصلي هويًّا من الليل، ثم يقول لأصحابه: (ألا رجل يأتيني بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة)(1)، فمن شدة الجوع والجهد والتعب والظلمة وفي الريح الشاتية الباردة لم يتحرك أحد، وفي القوم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وباقي هؤلاء الأفذاذ -رضي الله عنهم- فلا يلتفت إليهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معاتبًا لأحد، بل يلجأ إلى الله يصلي كثيرًا فصلى هويًّا من الليل يتضرع إلى الله -عز وجل-في هذه الزلزلة التي قال الله عنها: (هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً)(الأحزاب:11)، نعم، عندما نرى أحزاب الدنيا قد اجتمعت علينا من يهود ونصارى وملاحدة ومنافقين من جميع أنحاء الأرض نتذكر يوم اجتمعت الأحزاب -أحزاب العرب-، والمقاييس في ذلك الوقت بميزان الناس لا يمكن أن تكون في صالح المسلمين.

عشرة آلاف في مواجهة ثلاثمائة بقوا وثبتوا مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، فماذا يفعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولم يستجب أحد لترغيبه دون الطلب، لأنهم لم يكونوا ليخالفوا طلبه، صلى مزيدًا من الصلاة، ويكرر الترغيب مرة ثانية: (ألا رجل يأتيني بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة) فلا يتكلم منهم أحد، فيتركهم -صلى الله عليه وسلم- ويصلي هويًا من الليل، فيقول في الثالثة: (ألا رجل يأتيني بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة) فلا يتكلم منهم أحد، فيقول: (قم يا حذيفة فأتنا بخبر القوم) وكانوا -رضي الله عنهم- لا يخالفون أمره -صلى الله عليه وسلم، إنما لم يتحركوا عندما كان الأمر مستحبَا، لأنه كان ترغيبًا دون عزيمة في الطلب، ولكن لما قال: (قم يا حذيفة) ما كان من هذا بدُّ.

فقام حذيفة -رضي الله عنه-، وذهب إلى القوم ينظر كيف تفعل بهم الريح، وكيف تفعل بهم جنود الله، تسفي عليهم الريح تكفأ قدورهم وتقلع خيامهم،ويقول أبو سفيان: "النجاء النجاء إني مرتحل"، ترحل قريش، وترحل غطفان بدعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-. الأمور العظمى تتقرر في الصلاة بدعوة صادقة أثناء العبادة، وأثناء التضرع تنكشف البلايا والمحن، ويعود حذيفة -رضي الله عنه-، ذهب كأنه في حمّام، وعاد وكأنه في حمّام إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فكيف وجده؟ وجده يصلي -صلى الله عليه وسلم-، هكذا كان -صلى الله عليه وسلم- على الدوام متضرعًا إلى الله -عز وجل- مسبحًا ذاكرًا.

"
الأمور العظمى تتقرر في الصلاة بدعوة صادقة أثناء العبادة، وأثناء التضرع تنكشف البلايا والمحن
"

فالتضرع إلى الله من الحكم البالغة التي من أجلها قدر الله -سبحانه وتعالى- وجود البلايا والمحن.

ولحديثنا بقية بإذن الله -تعالى-.

ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ

(1) الحديث المذكور أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن يزيد بن شريك أنه قال: (كنا عند حذيفة فقال: رجل لو أدركت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاتلت معه وأبليت فقال: حذيفة أنت كنت تفعل ذلك؟ لقد رأيتنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة الأحزاب. وأخذتنا ريح شديدة وقر. فقال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ألا رجل يأتيني بخبر القوم، جعله الله معي يوم القيامة؟ فسكتنا. فلم يجبه منا أحد ثم قال: ألا برجل يأتينا بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة؟ فسكتنا. فلم يجبه منا أحد. ثم قال: ألا برجل يأتينا بخبر القوم، جعله الله معي يوم القيامة؟ فسكتنا. فلم يجبه منا أحد. فقال: قم يا حذيفة! فأتنا بخبر القوم فلم أجد بداً إذ دعاني باسمي أن أقوم قال: اذهب فأتني بخبر القوم ولا تذعرهم علي فلما وليت من عنده جعلت كأنما أمشي في حمام حتى أتيتهم فرأيت أبا سفيان يصلى ظهره بالنار فوضعت سهما في كبد القوس فأردت أن أرميه فذكرت قول رسول الله: ولا تذعرهم علي ولو رميته لأصبته. فرجعت وأنا أمشي في مثل الحمام فلما أتيته فأخبرته بخبر القوم، وفرغت، قررت. فألبسني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها. فلم أزل نائماً حتى أصبحت. فلما أصبحت قال: قم يا نومان(!.
www.salafvoice.com منقول




بارك الله فيك



التصنيفات
منتدى اسلامي

وقفات إيمانية مع المحن والبلايا

خليجية


وقفات إيمانية مع المحن والبلاياخليجية

يتساءل كثير من الناس عند وقوع المصائب وحدوث الفتن … لماذا ؟!
لماذا تحدث الفتن وتحل المصائب ؟!
ولماذا حلت بي أنا دون غيري ؟!
ولماذا تحل بالمسلمين دون غيرهم ؟!
الواقع المشاهَد أن الفتن تحل بجميع البشر، ولكنها بالنسبة للمسلمين والمؤمنين
تختلف من حيث وقعها على قلوبهم وصبرهم في تلقيها ورغبتهم في تحويلها لنعمة؛
قال الله -تعالى-:
(وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ
مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) (النساء:104)
وقوله -تعالى-: (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ)
أي : تتألمون مما أصابكم من الجراح فهم يتألمون أيضًا مما يصيبهم ،
ولكم مزية وهي أنكم ترجون ثواب الله وهم لا يرجونه ؛ وذلك أن من لا يؤمن
بالله لا يرجو من الله شيئًا .
ونظير هذه الآية : (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ) (آل عمران:140).
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ) قال : "توجعون".
(وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ) قال: "ترجون الخير"،
وعن قتادة في الآية يقول :
"لا تضعفوا في طلب القوم، فإنكم إن تكونوا تتوجعون فإنهم يتوجعون كما تتوجعون،
وترجون من الأجر والثواب ما لا يرجون".

خليجية

وها نحن نرى الدنيا وما فيها من بلايا وفتن فنحمد الله -تعالى- أن أمتنا هي
في نهاية المطاف أقل تلك الأمم تعرضًا لما تتعرض له تلك البلاد من المحن ،
وإلا خبرني عن نِسَب الطلاق والقتل والاعتداءات بأنواعها ، والظلم والأذى
والانتحار وغير ذلك …
سنجد أن نِسب كل تلك البلايا والفتن عندنا أقل بكثير من غيرنا
-فلله الحمد والمنة- !
ونقول لهذه الأسباب تحدث الفتن والمصائب :
1- لأن الدنيا هي دار الفتن والمصائب والبلايا، ولولا ذلك لركن المؤمن لها
ولصارت فتنة للخلق ؛
فكل بلاء في الدنيا يحل يشوِّق المُبتَلى إلى دار ليس فيها كدر؛
فلا يجد إلا الجنة فيطلبها .
طبعت على كدر وأنت تريدها صفوًا من الأكدار والأقــذار
ومـكـلف الأيام ضـد طـباعها متطلب في الماء جذوة نار
وقيل :تطلب الراحة في دار العنا خاب من يطلب شيئًا لا يكونا

خليجية

2- ليرتبط قلبك بالله -تعالى- لجوءً وطلبًا وانكسارًا ،
فرب مصيبة حلت بالمسلم فتعبَّد بسببها بعبادات ما كان ليُوفـَّق
إليها لولا تلك المصيبة ؛فتنقلب في حقه نعمة قبل أن تكون نقمة .
قال بعض الصالحين :
"من ظن أنه يصل إلى الله بغير الله ، قـُطع به .
ومن استعان على عبادة الله بنفسه ، وُكِل إلى نفسه ،
ومن أشرقت بدايته أشرقت نهايته".
أي : من عمَّر أوقاته في حال سلوكه بأنواع الطاعة، وملازمة الذكر والرضا ،
أشرقت نهايته بإفاضة الأنوار والخيرة ، حتى يظفر بالمراد .وأما من كان قليل
الاجتهاد في البداية ، فإنه لا ينال مزيد الإشراق في النهاية .

خليجية

3- أن تطلب حاجتك من الله -تعالى-؛ فهو -سبحانه- يحب
أن يُسأل فمتى أنزلت حوائجك بالله -تعالى-
فقد تمسكت بأقوى سبب ، وفزت بقضائها من أفضاله بغير تعب ؛
قال -تعالى-: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) (الطلاق:3).
4- والمؤمن مأجور على صبره وعلى تصبره كلما حل به بلاء ؛
فقد أخرج مسلم والبيهقي عن صهيب قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
(عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ
فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ).

خليجية

5- وقد يكون نزول البلاء عقوبة إما على فعل المعاصي أو على ترك الشكر لله -تعالى-؛
لذا فمن فوائد نزول البلاء والفتن أن يعود المرء لربه فيكفيه البلاء ويبعد عنه الفتن ؛
فقد ورد أن العباس -رضي الله عنه- لما استسقى به عمر قال :
"اللَّهم إنه لا ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة، وقد توجه بي القوم
إليك لمكاني من نبيك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث"
فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض وعاش الناس.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن الحسن قال : "إن الله ليمنع النعمة
ما شاء، فإذا لم يشكر قـَلَبَها عذابًا".
– وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن عمر بن عبد العزيز قال :
"قيِّدوا نعم الله بالشكر لله -عز وجل-، شكر الله ترك المعصية".

خليجية

6- وليظهر للناس فعل أهل النفاق عند نزول البلاء؛ قال -تعالى-:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ
أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي
قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (آل عمران:156).

خليجية

7- قد تكون المصيبة نعمة: فهي كفارة للسيئات، وهي تورثك انكسارًا بين
يدي الله -تعالى-؛
وهذا تحقيق لمعنى من العبودية لا يستحضره الإنسان حال العافية،
عن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
(مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي
مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا إِلاَّ أَجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِهِ وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا)
(رواه مسلم).

خليجية

– أخرج ابن أبي الدنيا عن شريح قال :
"إني لأصاب بالمصيبة فأحمد الله عليها أربع مرات :
أشكره إذ لم تكن أعظم مما هي ، وإذ رزقني الصبر عليها ، وإذ وفقني
إلى الاسترجاع -يعني قول : إنا لله وإنا إليه راجعون-، وإذ لم يجعلها في ديني".
وعن أبي بن كعب -رضي الله عنه- أنه قال : يا رسول الله ما جزاء الحمى ؟
قال: (تَجْرِي الْحَسَنَاتُ عَلَى صَاحِبِهَا مَا اخْتُلِجَ عَلَيْهِ قَدَمٌ أَوْ ضُرِبَ عَلَيْهِ عِرْقٌ)
(رواه الطبراني، وقال الألباني: حسن لغيره).
وقد بيَّن أهل العلم كيفية تكفير السيئات بالمرض أو البلاء فأنت إما مأجور
وإما مغفور لك ما سبق من الإساءة .

خليجية

قال النووي -رحمه الله- في شرح مسلم :
"فمن كانت له ذنوب مثلاً أفاد المرض تمحيصها، ومن لم تكن له ذنوب كتب له
بمقدار ذلك أي: كتب له أجر بقدر ما حل به من بلاء.
ولما كان الأغلب من بني آدم وجود الخطايا فيهم أطلق من أطلق أن المرض كفارة فقط ،
وعلى ذلك تحمل الأحاديث المطلقة، ومن أثبت الأجر به فهو محمول على
تحصيل ثواب يعادل الخطيئة ،
فإذا لم تكن خطيئة توفر لصاحب المرض الثواب، والله أعلم" انتهى.
وأخرج البيهقي في الشعب عن علي بن المديني قال :
"قيل لسفيان بن عينية : ما حد الزهد؟
قال : أن تكون شاكرًا في الرخاء صابرًا في البلاء ، فإذا كان كذلك فهو زاهد .
قيل لسفيان : ما الشكر ؟ قال : أن تجتنب ما نهى الله عنه".

خليجية

ومن فوائد نزول المصائب والفتن:
أن يظهر للناس فعل أهل النفاق ويزول اللبس من حالهم عند نزول البلاء ،
ولئلا يكون لهم عند الله حجة ؛ فيعاقبهم في الآخرة على ما أظهروه وبدا منهم
من سوء الظن بالله ، وتخذيل المسلمين عن الحق ،
قال الله -تعالى/(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ
إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ
ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (آل عمران:156)

خليجية

وقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا) يعني : المنافقين.
(وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ) يعني: في النفاق أو في النسب في السرايا التي بعث النبي
-صلى الله عليه وسلم- إلى بئر معونة .
(لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا) فنهيَ المسلمون أن يقولوا مثل قولهم، وأن
يتذمروا كتذمرهم .وقد وردت آيات كثيرة تفيد فشل المنافقين في الامتحان عند
نزول البلاء؛ فقال -تعالى-:
(وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا
مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ
لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا) (آل عمران:154).

خليجية

وقال تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ
جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ . إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا
قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ) (التوبة:49-50)
وقال الله -تعالى-:
(وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا)
(الأحزاب:14).
وبعد، فتلك بعض الفوائد والأسباب التي يكون بسببها نزول البلاء وحلول الفتن .
ومفتاح حل كل إشكال ومداواة كل جرح هو :
اللجوء إلى ربك -سبحانه- سائلاً إياه كشف الضر ورفع البلاء ،
ومحتسبًا عنده ما تعانيه ؛ راجيًا جنته عائذًا من غضبه به فلا ملجأ لك
ولا منجى إلا إليه ،.. وهو -سبحانه- الرحيم الودود .

خليجية




بارك الله فيك



اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مهجة الفؤاد خليجية
بارك الله فيك

شكرا لمرورك اختى الغاليه :0154:




خليجية[/IMG]



موضوع رائع
اللهم اتنا في الدنيا حسنة وفي والاخرة حسنة وقنا عذاب النار