)» (المعلم والتطوير الذاتي ) «(
من الأمور التي تقلق شأن المدرسين عموماً هو القدرة على جعل دروسهم أكثر تشويقاً وقبولاً لدى المتعلمين. والمدرسون فريقان في نظرتهم إلى هذا الأمر. فمنهم من يرى أن لا فائدة من تشويق الطلبة خصوصاً إذا كان المدرس من النوع التقليدي الذي يرفع شعاراً مفاده" ليس في الإمكان أبدع مما كان". وهذا النوع اليائس من المدرسين يجب أن يخلي مكانه ويبحث عن مهنة أخرى. وقد يعود موقف هذا النوع من المدرسين إلى عوامل عدة منها: عدم القدرة على التحول من الدور التقليدي للمدرس وهو الدور الذي يقتصر على التوجيه و التلقين والتحفيظ. فهو يعتقد أنه الخبير الذي لا تتجاوز مهمته التفسير و الشرح و التوضيح مستخدماً سلطة المعلومات التي يمتلكها ولكن دون رغبة حقيقية في استخدام التقنيات الحديثة أو الوسائل المعينة التي تساعد في إثارة المتعلم وتشويقه. وقد يكون السبب أيضاً الظروف التي يعيشها المدرس. وأقصد بذلك الظروف النفسية و الاجتماعية والعملية. فقد يكون بعيداً عن أسرته بحيث يعاني من غربة حقيقية و لذلك تجده متوتراً حانقاً على الظروف التي وضعته في هذا الموقف. أو يعاني من مشكلة نفسية بسبب عدم قدرته على التعامل السليم مع إدارته!
أو طلابه. ولذلك فهو في الواقع لا يقوم بأدنى جهد لتطوير ذاته. أما في الناحية العملية فيحاول تغطية عجزه عن الإبداع و التقدم التطوير الذاتي بالشكوى من كثرة الأعباء مثل النصاب و الأعمال الإضافية الأخرى. أما الأسباب العملية فهو لا يستطيع أن يستخدم ابسط الأدوات و المعدات والوسائل التعليمية. بل قد يعجز استخدم جهاز بسيط كجهاز عارض الشفافيات. وهذا النوع من المدرسين لا يحاول أن يزور معرضاً علمياً أو مكتبة يبحث فيها عما يستجد في ميدان العمل. بل قد طلق القراءة في ميدان تخصصه طلاقاً بائناً. أما السؤال و الاستفادة من الزملاء فلا سبيل لذلك أبداً. فكيف يسأل من هم في حكم طلابه. فكبرياؤه وغروره يزينان له ألا يقع في مثل ذلك الخطأ الفادح. و لا يبالي بالحديث الدائم عن خبراته الطويلة التي تزيد على العقود مع أن خبرته في الواقع تساوي القليل جداً.
أما النوع الآخر من المدرسين فهو النوع المتفائل صاحب الأمل. ولذلك يحدوه الأمل دائماً بالتطوير الذاتي ويعتقد جازماً بأن طلابه قادرون على التعلم ويمكن بتغيير بسيط في أساليب التدريس أو في اساليب التعامل مع طلابه أو تغيير في نظرته إليهم أن يتقدم بطلابه. وهذا النوع من المدرسين يشعر بالرضى الذاتي و الرضى النفسي لسبب بسيط جداً هو أنه ينظر إلى عمله على أنه رسالة إنسانية يجب أن يؤديها. وقد يعبر البعض عن ذلك بالرغبة الحقيقية في العمل و التطوير. فهو لا يمل من البحث عن كل وسيلة للتقدم الذاتي. فقد يتعلم مهارة جديدة كمهارة استخدام الحاسب الآلي، أو لغة إضافية تساعده في ارتياد آفاق علمية جديدة. ويستخدم التقنيات الحديثة بطريقة تلبي حاجات طلابه. هذا النوع من المدرسين لا ينتظر إدارته لتوجيهه للتطوير، بل يدفع من جيبه ليحضر المؤتمرات و الدورات و ورش العمل لقناعته بأنه يخدم ذاته ومهنته. هذا المعلم المحترف يجد جدوى كبيرة من عمله ويجد متعة غريبة في البحث عن الجديد. و لا تمنعه خبرته ومعارفه من أن يسأل زملاءه و يزورهم ويشاهد عندهم الدروس يستفيد منهم ولا يأنف من التوجيه من الكبير و الصغير.
وعندما يدخل فصله يذهب مسروراً لقناعته بأنه يؤدي رسالة عظيمة. فطلابه هم أبناء أمته وهم الأمانة التي حملها في عنقه ولذلك لا يشعر بمضي الوقت أثناء الحصة. بالإضافة إلى ذلك فهو واثق من نفسه قادر على حل المشكلات الصغيرة و الكبيرة. وهذه الخاصية يفتقدها الكثير من المدرسين. فهم غير قادرين على التعامل مع ابسط المشكلات والحل في نظرهم عبارات بذيئة يطلقها هنا وهناك أو صرخات يعنف بها طلابه. أو إرسال المشاغبين -في نظره-إلى الإدارة. وإذا تبين له أنه لا يستطيع حل المشكلة يبحث في مدرسته عمن يساعده في حلها. فقد يقرأ كتاباً أو يسأل متخصصاً. أما هذا المدرس فهو يعرف كيف يشغل طلابه بما ينفعهم. أما داخل الحصة فلا يترك فراغاً . فالفراغ سيملأ بأفعال لا تناسب الموقف التعليمي. فملئ الفراغ لا يكن بإبراز القدرات الكلامية. فمدرس اليوم أقل كلاماً من مدرس الأمس. فالمدرس الحديث يوجه ويسد ويرشد. والطلاب هم الذين ينفذون الأنشطة التعليمية. والأنشطة التعليمية لا يستطيع المعلم تصميمها إن لم يجد الفرصة الكاملة لتعلم هذا اللون من العمل. فحضور الدورات ورش العمل و المؤتمرات و الاطلاع على أحدث اطرق التدريس يوفر ضمانة !
حقيقية للمدرس الكفء. وهذه الأمور من اختصاص الإدارة الناجحة التي توفر للمعل فرصة النمو التطوير. كما أن مواجهة المدرس للمشكلات لا يعني تركه يعاني. فلابد من تحديد نوع المشاكل التي يعاني منه الطلبة. فبعض المشاكل قد تعود إلى عوامل نفسية أو جسمانية أو أكاديمية بحتة. فالمتعلم الذي يعاني من اكتئاب أو انفصام في الشخصية أو عدم الثقة بالنفس لا يحلها المعلم وحده. بل لا بد من توفر الاختصاصين الاجتماعيين و النفسانين القادرين. وقد تكون ينتج عن ذلك مشكلات أكاديمية كالشرود و عدم الانتباه أو مشكلات في القراءة بسبب خلل في جهاز النطق أو وجود المتعلم في بيئة لا توفر تعليماً مناسباً له. وقد يخفق المدرس في زرع روح المسؤولية عند طلابه بسبب قناعات مسبقة يحملها عن طلابه. فهو يرد ذلك أحياناً إلى حالة غياب دور الأسرة في التعاون معه أو يردها إلى عوامل اجتماعية متعددة. وقد يكون مصيباً أحياناً في هذا التشخيص الحدسي الذي لا ينطلق من اساس علمي. والمشكلة في هذا النوع من التشخيص هو التعميمات التي يطلقها المدرس على طلابه. هذه التعميمات تجعله حبيس أوهامه ولذلك يصل إلى قناعات مفادها أن الإصلاح متعذر.