التصنيفات
التربية والتعليم

=°°00 طرق وأهداف التّربيّة عند ابن خلدون 00°°=

طرق وأهداف التّربيّة عند ابن خلدون.
أود أن أعرض في هذا المقال المتواضع بعض آراء المفكّر العربيّ ابن خلدون(المتوفى سنة 808ه) في التّربيّة والتّعليم كواحد من المفكّرين المسلمين الذين ساهموا في هذا المجال ونخص منهم على وجه المثال اخوان الصّفا وابن سينا والغزالي والزرنوجي وابن عبد البرّ،ويهدف هذا المقال الى تبيان ثلاثة أمور هي:
أوّلا:انّ المستشرقين الذين كتبوا في التّربيّة ،ومن تبعهم من المؤلّفين في الشّرق درجوا الى تعزيز آراء معيّنة في التّعليم قالوا عنها انّها آراء المسلمين أو العرب فيما يختصّ بأغراض التّعليم ومناهجه،وطرقه،وأحواله،وهذا التّعميم خطأ،لأنّ أمور التّربيّة والتّعليم اختلفت باختلاف الأقاليم،واختلاف القائلين بها. وقد نجد اتّفاقا في بعض الأمور،ولكنّهم اختلفوا في أمور أخرى كثيرة.
ثانيّا:انّ الآراء التّعليميّة لمفكّر مّا وحدة متماسكة في ذهن صاحبها فقد يذكر منهجا خاصّا يلائم الغرض من التّعليم الذي يذهب اليه وكذلك طريقة التّعليم التي سلكها في تحقيق ذلك المنهج،فلا يصحّ أن ننقل جزءا من ذلك المنهج أو من مذهب المفكّر في ميدان التّربيّة والتّعليم ونترك ما ذكره في هذا الصدد.
ثالثا:انّنا نذهب الى أبعد من ذلك، فنقول:**انّ مذهب المفكّر في ميدان التّربيّة والتّعليم جزء أو صدى لمذهبه العامّ في الحياة او فلسفته،،اذ كانت الفلسفة هي النّظر الشّامل للحياة.
فبالنّسبة لمذهب ابن خلدون فهو مذهب مخالف للفلاسفة والمتكلّمين والمتصوّفة واهل السنّة،وهو المذهب الذي ابتدعه وسبق به عصره،نعني*المذهب الاجتماعيّ*.
فالانسان عنده مفكّر واجتماعيّ،خاضع في علاقاته لقوانين اجتماعيّة،في جميع أمور معاشه وعمرانه.ويمتاز الانسان عن الحيوان بالفكر الذي يهتدي به لتحصيل معاشه،والتّعاون عليه بأبناء جنسه،والاجتماع المهيء لذلك الّتّعاون :*وعن هذا الفكر تنشأ العلوم*.فيكون الفكر راغبا في تحصيل ما ليس عنده من الادراكات،فيرجع الى من سبقه بعلم أو زاد عليه بمعرفة او أدراك،أو أخذ ممّن تقدّمه من الأنبيّاء الّذين يبلّغونه لمن تلقّاه فيلقن ذلك عنهم(1)*.
فالتّعليم ضروريّ وطبيعيّ في البشر لحاجة الانسان الى معرفة العلوم المختلفة التي لا تتيسّر بالفهم والوعي فقط،بل بملكة خاصّة."والحصول على هذه الملكة في العلم او الفنّ يكون بالتّعليم ولهذا كان السّند في التّعليم في كلّ علم أو صناعة الى مشاهير المعلّمين فيها معتبرا عند أهل كلّ أفق جيل"(2).
وانتشار التعليم ،وتقدّم العلم،متوقّفان على الحضارة،والمثال في ذلك أنّ القيروان وقرطبة كانتا حاضرتي المغرب والأندلس واستبحر عمرانهما.وكان فيهما للعلوم والصّنائع أسواق نافقة،ورسخ فيهما التّعليم،فلمّا خرّبتا انقطع التّعليم الاّ قليلا.(3)
والعلوم المتعارفة بين أهل العمران على صنفين،علوم مقصودة بالذّات كالعلوم الشرعيّة والطّبيعيّة والالهيّة.وعلوم آليّة ووسيلة لهذه العلوم،كالعربيّة والحساب وغيرهما للشرعيات والمنطق للفلسفة.وينبغي أن يوجّه الاهتمام الى علوم المقاصد أكثر من وسائلها،ولهذا يجب على المعلمين لهذه العلوم الآليّة الاّ يستبحروا في شأنها.(4)
والقرآن الكريم هو أوّل العلوم التي يتعلّمها الصّبيّ،لأنّ تعليم الولد للقرآن شعار من شعار الدّين،أخذ به أهل الملّة،ودرجوا عليه جميع أمصارهم،لما يسبق فيه الى القلوب من رسوخ الايمان…وصار القرآن أصل التّعليم الّذي ينبني عليه ما يحصل بعض من الملكات."وسبب ذلك أنّ تعليم الصّغرأشدّ رسوخا،وهو أصل لما بعده (5).وهذا ممّا أخذ به جميع المفكّرين في الاسلام.
ثمّ ذكر ابن خلدون بعد ذلك اختلاف الامصار في الشّرق والغرب في طريقة التّعليم وما يبدأون به الصّبيّ في العلوم المختلفة.(6)
وعقد ابن خلدونفصلا عن ضرر الشّدّة بالمتعلّمين،يدلّ على بصر شديد بعلم النّفس لأنّ:"من كان مربّاه بالعسف والقهر،سطا به القهر،وضيّق على النّفس في انبساطها ،ودعا الى الكسل ،وحمل على الكذب والخبث وهو التّظاهر بغير ما في ضميره خوفا من انبساط الايدي بالقهر عليه(7)وهذا شبيه بما يذكره علماء التّحليل النّفسانيّ المحدثون في وجود عقدة نفسيّة كامنة في اللاشعور هي التي تحرّك أفعال المرء.
والعسف يفسد في الصّبيّ معاني الانسانيّة ،فيفقد الحميّة المدافعة عن نفسه ،ويصير عيالا على غيره.لذلك ينبغي للمعلّم في متعلّمه،والوالد في ولده،ألاّ يستبدّوا عليهم في التّأدّب .على أنّه اذا استحقّ الضّرب"فلا ينبغي لمؤدّب الصّبيان أن يزيد في ضربهم اذا احتاجوا اليه على ثلاثة أسواط شيئا"(8)
تلكم بايجاز آراء ابن خلدون في التربيّة والتّعليم من خلال ما قدّمه في مؤلّفه المشهور"المقدّمة".




م/ن