ما يقوم به كابتن الطائرة هو العمل على تكوين ضغط جوي ملائم داخل الطائرة لضمان سلامة الركاب أثناء الارتفاع السريع في طبقات الهواء، وصولاً إلى ارتفاعات تُقارب 13 كيلومترا، أو 43 ألف قدم.
والضغط الجوي عبارة عن كمية القوة الضاغطة على الإنسان نتيجة ثقل وزن الهواء الذي فوقه، بدءا من أطراف شعر رأسه وحتى نهاية الغلاف الخارجي للكرة الأرضية، المُقدر ارتفاعه بمئات الكيلومترات. ويُعادل عند سطح البحر وزن ارتفاع 10 أمتار من الماء.
والأهمية ليست في قول أحدنا يكفيني ثقل حمل عمود الهواء الضاغط فوق رأسي طوال الوقت، بل هو في فائدة ذلك. لأن ذلك الثقل الذي لا نشعر به مطلقاً، يخدمنا في تهيئة توفير تجانس أكبر للغازات في الهواء، ما يجعل الهواء الذي نستنشقه عند سطح البحر يحتوي على أكبر كمية ممكنة من الأوكسجين. لكن في المرتفعات يتغير الحال، لأن عمود الهواء هذا وإن خف طوله وبالتالي نقص ثقل وزنه على رأس أحدنا، إلا أن ذلك يحرمنا من كمية الأوكسجين في الهواء مقارنة بهواء ساحل البحر. وهنا نقطة مهمة يجب التنبه لها، وهي أن نسبة الأوكسجين، لبقية الغازات المكونة للهواء، في هواء المرتفعات وفي هواء ساحل البحر واحدة، لا فرق بينها. وهي حوالي 21%. لكن كمية الأوكسجين في هواء المرتفعات أقل من كمية الأوكسجين في هواء السواحل. لأنه ووفقاً لقانون بويل، فإن عدد جزيئات مركبات أنواع الغازات كلها تقل في هواء المرتفعات مقارنة بهواء السواحل.
ولذا تظل نسبة جميع مكونات الهواء من أوكسجين ونيتروجين وهيدروجين وثاني أوكسيد الكربون واحدة. وبالتالي فإن هواء مقصورة الركاب، ذات الضغط الجوي الأقل، سيحتوي على أوكسجين أقل بكثير مقارنة بالهواء العادي. هذا من جانب، ومن جانب آخر يتسبب تدني الضغط الجوي بسرعة أثناء الارتفاع في مرحلة الإقلاع، وزيادته بسرعة أيضاً أثناء الانخفاض في مرحلة الهبوط، إلى خلخلة توازنات الجسم. ومعلوم أن عنصر قوة الضغط بشكل عام هو أحد أهم العناصر التي بها حياتنا ومماتنا. وهو شيء غير ملموس لكنه يتحكم في كل شاردة وواردة في الجسم. وليس المقصود فقط ضغط شرايين الجسم، بل هناك العشرات من أنظمة الجسم المعتمدة على متغيرات قوة الضغط. بدءا من دخول وخروج المركبات إلى الخلية الواحدة ووصولاً إلى عملية التنفس وعمل الجهاز البولي والهضمي والكبد والدماغ والقلب والأوعية الدموية وإفراز العرق وغيرها من عشرات الوظائف في الجسم.
وبكلام أكثر دقة، فإن كمية الأوكسجين في الهواء داخل المقصورة أو حتى في الجبال التي على ارتفاع 2500 متر، 8000 قدم، هو أقل بمقدار الربع عن كمية الأوكسجين في هواء الساحل. وهذا لا يعني أن الرئة ستحصل على كمية أقل من الأوكسجين نتيجة نقص الأوكسجين في الهواء فقط، بل إن تدني مقدار الضغط الجوي، الذي يدفع عادة الأوكسجين لاختراق أنسجة حويصلات الرئة، سيقل أيضاً، ما سيزيد الطين بلة.
وحصول حالات من وصول الضغط الجوي داخل المقصورة بما يوازي الضغط الجوي على ارتفاع 10000 قدم يتطلب التنفس من خلال أنابيب الأوكسجين عبر الأنف أو قناع الأوكسجين.
متاعب صحية أخرى عند اختلاف ضغط الطائرة
المتاعب الصحية الأخرى نتيجة اختلاف الضغط الجوي داخل مقصورة الركاب تشمل غازات البطن وألم الأذن والأسنان ومضاعفات جروح العمليات الجراحية. والسبب فيها كلها هو أن انخفاض الضغط الجوي يعمل على تمديد حجم الغازات عموماً. ولو كان في أمعاء الإنسان كمية معينة من الغازات لا تُضايقه على الأرض، فإنها حال تغير الضغط الجوي داخل الطائرة يزداد حجمها بمقدار يُقارب30%.
وكذا الحال مع تغيرات حجم الغاز في أجزاء الأذن، وبالتالي تمدد حجمه أثناء الإقلاع وانكماشه أثناء الهبوط. وهذان التغيران يُؤديان إلى اختلاف الضغط على الطبلة وعلى غيرها من أجزاء الأذن، خاصة في حال وجود تضيقات في القنوات الموصلة بين الأذن والحلق نتيجة لنوبات الزكام أو التهابات الحلق أو الأذن أو غير ذلك.
والإصابة بالتهابات في الأنسجة المحيطة بأحد الأسنان ووجود هواء ولو بحجم صغير في تلك المنطقة قد يزيد من الشعور بالألم في السن عند تمدد حجم الغاز هناك. وأيضاً نفس الشيء مع وجود جروح عمليات جراحية ليست ملتئمة بشكل تام، ووجود جيوب صغيرة من الهواء في ثناياها. فإنه عُرضة للفتح والنزيف عند التعرض لتغيرات الضغط. كما ان وجود قسطرة للبول، ذات بالون مملوء بالهواء في الطرف المثبت داخل المثانة، قد يتسبب بألم أو نزيف مع البول حال السفر بالطائرة وعدم الاهتمام من قبل الممرضين بتخفيف كمية الهواء فيه، وغير هذا كثير من التطبيقات الطبية لمحاذير سفر المرضى بالطائرة نتيجة عدم توفير شركات الطيران طائرات لديها قدرات على تأمين ضغط جوي مناسب للمرضى أو الأطفال الرضع أو الحوامل أو كبار السن.