السلام عليكم و رحمة الله تعالى و براكاته …….
سنبدا اولا بالاخطاء الشائعة عند معظم الحجاج …..
من المعــلوم جدا أنه في فتـرة ماقبل الحج وفيه ومابعده تقع عدة أخطــآء للحجاج
سواء كانو في غفـلة أو أمور مبتدعـة يضنون أن فيها خير
وقد كنا حريصين كل الحرص على أن نقدم دليـلا خاص بأخطاء الحجاج ليستفيـد منه الجميع
وسنقوم بتوضيح كل مرة عدة أمــور كانت غير معلومة ويجهلها الكثير
أخطاء تقع في ركعتي الطواف
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما فرغ من الطواف تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ: واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى فصلى ركعتين،
والمقام بينه وبين الكعبة، وقرأ في الركعة الأولى الفاتحة و قل يا أيها الكافرون وفي الركعة الثانية الفاتحة و قل هو الله أحد
والأخطاء التي يقع فيها الحجاج في ركعتي الطواف نذكر منها ما يلي:
الأول: أن بعض الناس يظنون أن هاتين الركعتين لا بد أن تكونا خلف المقام، وقريبا منه أيضا، ولهذا
تجدهم يزاحمون زحاما شديدا،
ويؤذون الطائفين، وهم ليس لهم حق في هذا المكان؛ لأن الطائفين أحق به منهم، ما دام المطاف مزدحما، لأن الطائفين ليس لهم مكان سوى
هذا، وأما المصلون للركعتين بعد الطواف فلهم مكان آخر.
المهم أننا نجد بعض الناس- نسأل الله لنا ولهم الهداية – يتحلقون خلف المقام، ويشغلون مكانا كبيرا واسعا من أجل رجل واحد
أو امرأة واحدة تصلي خلف المقام، ويحصل في ذلك من قطع الطواف للطائفين وازدحامهم؛ لأنهم يأتون من مكان واسع، ثم يضيق بهم
المكان هنا من أجل هذه الحلقة التي تحلق بها هؤلاء، فيحصل بذلك ضنك وضيق، وربما يحصل مضاربة ومشاتمة، وهذا كله إيذاء
لعباد الله عز وجل وتحجر لمكان غيرهم به أولى.
وهذا الفعل لا يشك عاقل – عرف مصادر الشريعة ومواردها- أنه محرم، وأنه لا يجوز، لما فيه من إيذاء المسلمين،
وتعريض طواف الطائفين للفساد أحيانا؛ لأن الطائفين- أحيانا- باشتباكهم مع هؤلاء، يجعلون البيت إما خلفهم وإما أمامهم، مما
يخل بشرط من شروط الطواف.
فالخطأ هنا أن بعض الناس يعتقد أنه لا بد أن تكون الركعتان خلف المقام وقريبا منه، والأمر ليس كما ظن هؤلاء، فالركعتان
تجزئان في كل مكان من المسجد، ويمكن للإنسان أن يجعل المقام بينه وبين البيت، أي : بينه وبين الكعبة ولو كان بعيدا منه،
ويكون بذلك قد حقق السنة، من غير إيذاء للطائفين ولا لغيرهم.
الثاني: أن بعض الناس يطيلهما؛ يطيل القراءة فيهما، ويطيل الركوع والسجود، والقيام والقعود، وهذا مخالف للسنة،
فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخفف هاتين الركعتين، ويقرأ في الأولى: قل يا أيها الكافرون وفي الثانية: قل هو الله أحد
وينصرف من حين أن يسلم؛ تشريعا للأمة، ولئلا يحجز المكان عمن هو أحق به منه، فإن هذا المكان إنما يكون للذين يصلون
ركعتين خلفه بعد الطواف، أو للطائفين إن ازدحم المطاف، ولهذا يخطئ بعض الناس الذين يطيلون الركعتين خلف المقام،
لمخالفتهم السنة، وللتضييق على إخوانهم ممن أتموا طوافهم ويريدون أن يصلوا ركعتين خلف المقام.
الثالث: أن بعض الناس إذا أتمهما جعل يدعو؛ يرفع يديه ويدعو دعاء طويلا، والدعاء بعد الركعتين هنا ليس بمشروع ؛
لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولا أرشد أمته إليه، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، فلا ينبغي للإنسان
أن يبقى بعد الركعتين يدعو؛ لأن ذلك خلاف السنة، ولأنه يؤذي الطائفين إذا كان الطواف مزدحما؛ ولأنه يحجز مكانا غيره أولى به،
ممن أتموا الطواف وأرادوا أن يصلوا في هذا المكان.
الرابع: ومن البدع هنا ما يفعله بعض الناس حيث يقوم عند مقام إبراهيم، ويدعو دعاء المقام، وهذا الدعاء لا أصل له أبدا في سنة
الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو من البدع التي ينهى عنها، وفيه – مع كونه بدعة، وكل بدعة ضلالة – أن بعض الناس يمسك كتابا
فيه هذا الدعاء، ويبدأ يدعو به بصوت مرتفع ويؤمن عليه من خلفه، وهذا بدعة إلى بدعة، وفيه أيضا تشويش على المصلين حول
المقام، والتشويش على المصلين سبق أن بينا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه.
وكل هذه الأخطاء التي ذكرناها في الركعتين وبعدهما، تصويبهما أن يتمسك الإنسان في ذلك بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، فإذا تمسكنا به زالت عنا هذه الأخطاء كلها.
الدعاء بعد الركعتين ومسح الوجه
ذكرتم من الأخطاء في ركعتي الطواف أن يدعو الإنسان بعد الركعتين، وهناك أيضا من يدعو طويلا ثم يمسح وجهه،
فهل هذا خاص بركعتي الطواف، أو يعم جميع السنن التي يصليها الإنسان؟
الجواب: في هذا السؤال مسألتان:
المسألة الأولى: مسح الوجه باليدين بعد الدعاء.
والمسألة الثانية: الدعاء بعد النافلة.
أما الأولى وهي مسح الوجه باليدين بعد الدعاء، فإنه وردت فيه أحاديث ضعيفة اختلف فيها أهل العلم.
ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أن هذه الأحاديث لا تقوم بها حجة، لأنها ضعيفة مخالفة لظاهر ما روي عن
النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما، فإنه روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاء بأحاديث صحيحة،
وأنه رفع يديه في ذلك، ولم يذكر أنه مسح بهما وجهه، وهذا يدل على أنه لم يفعله؛ لأنه لو فعله لتوافرت الدواعي على نقله
ونقل. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : إن مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من الدعاء بدعة.
ومن العلماء من يرى أن هذه الأحاديث الضعيفة بمجوعها ترتقي إلى درجة الحسن لغيره، أي : إلى درجة الحديث الحسن لغيره؛
ولأن الطرق الضعيفة إذا كثرت على وجه ينجبر بعضها ببعض، صارت من قسم الحسن لغيره، ومن هؤلاء ابن حجر العسقلاني
في بلوغ المرام.
والذي يظهر لي أن الأولى عدم المسح، أي : عدم مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من الدعاء؛ لأنه وإن قلنا إن هذا الحديث بمجموع
طرقه يرتقي إلى درجة الحسن لغيره، فإنه يبقى متنه شاذا؛ لأنه مخالف للظاهر من الأحاديث الصحيحة التي وردت بكثرة؛ أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في الدعاء، ولم يرد أنه مسح بهما وجهه، وعلى كل حال: فلا أتجاسر على القول
بأن ذلك بدعة، ولكني أرى أن الأفضل أن لا يمسح، ومن مسح فلا ينكر عليه. هذا بالنسبة للفقرة الأولى من سؤالك.
أما بالنسبة للثانية وهي الدعاء بعد النافلة، فإن الدعاء بعد النافلة إن اتخذه الإنسان سنة راتبة، بحيث يعتقد أن يشرع كلما سلم من
نافلة أن يدعو، فهذا أخشى أن يكون بدعة، لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فما أكثر ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
النفل، ولم يرد عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو بعده، ولو كان هذا من المشروع لسنه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته،
إما بقوله أو بفعله أو بإقراره.
ثم إنه ينبغي أن يعلم أن الإنسان ما دام في صلاته فإنه يناجي ربه، فكيف يليق بالإنسان أن يدع الدعاء في الحال التي يناجي
فيها ربه، ثم يأخذ في التضرع بعد انصرافه من صلاته وانقطاع مناجاته لله عز وجل في صلاته، فكان الأولى والأجدر بالإنسان
أن يجعل الدعاء قبل السلام ما دام في الحال التي يناجي فيها به، وهذا المعنى أشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو معنى حسن جيد.
فإذا أردت أيها الأخ المسلم أن تدعو الله فاجعل دعاءك قبل السلام؛ لأن هذا هو الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم
في قوله في حديث عبد الله بن مسعود حين ذكر التشهد قال: ثم يتخير من الدعاء ما شاء ولأنه أليق بحال الإنسان
لما أسلفنا من كونه في حال صلاته يناجي ربه.
********ثانيا:::
الفتاوى عن الحج – المجلس الاسلامي للافتاء
ما هو فضل العمل الصالح في العشر من ذي الحجة وصيام يوم عرفة ؟
لقد دأب الإسلام أن جعل المسلم دائم الارتباط مع خالقه , في ليله أو نهاره , لا ينفك في لحظة من اللحظات عن عبادة ربه , ولا يفتر لسانه ولا يغفل قلبه ولا يشغل فكره عن ذكر خالقه أو التفكر في آلائه .
وقد شرع لنا الإسلام العبادات , منها المخصوصة في أزمنة وأمكنة , حددها لنا الشارع الحكيم , ومنها التي جعلها على إطلاقها , فمن تلك : تخصيص العبادات والصيام والإكثار من الدعاء والعمل الصالح في العشر من ذي الحجة .
فيستحب صوم العشر من ذي الحجة والإكثار من العمل الصالح فيها :
لما روى ابن عباس مرفوعاً قال : ( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر , قالوا : يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء ) . [ رواه البخاري ]. والمراد به تسعة وإطلاق العشر عليها تغليباً . [ المبدع 3/53 ] .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إلى الله العمل فيهن من أيام العشر فأكثروا فيهن من التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير ) . [ رواه البزار وإسناده حسن ورجاله ثقات ] .
وعن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من أيام أفضل عند الله من أيام عشر ذي الحجة , قال : فقال رجل يا رسول الله هن أفضل أم عدتهن جهاداً في سبيل الله ؟ قال : هن أفضل من عدتهن جهاداً في سبيل الله , وما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ينزل الله إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء فيقول انظروا إلى عبادي شعثاً غبراً ضاحين جاؤوا من كل فج عميق يرجون رحمتي ولم يروا عذابي , فلم ير يوم أكثر عتقاً من النار من يوم عرفة ) . [ رواه أبو يعلى وابن حبان في صحيحه ] .
يستحب للمضحي في هذه الأيام أن لا يأخذ من شعره وأظفاره :
وذلك لما روي عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئاً ولا يقلمن ظفراً ) . [ رواه مسلم 3/1565 ] .
صيام يوم عرفة والعمل الصالح فيه :
ويوم عرفة هو التاسع من ذي الحجة سمي به للوقوف بعرفة وتعارفهم فيها , وقيل : لأن جبريل عليه السلام عرّف إبراهيم عليه السلام الحج , وقيل : لأن إبراهيم عليه السلام رأى في المنام ليلة التروية أنه يؤمر بذبح ابنه فأصبح يومه يتروى هل هذا من الله تعالى أو حلم , فسمي يوم التروية , فلما كانت الليلة الثانية رآه أيضاً فأصبح يوم عرفة فعرف أنه من الله تعالى فسمي يوم عرفة , وقيل لأن الناس يتعارفون فيه , وقيل لأن آدم عليه السلام لما هبط وقع بالهند وحواء عليها السلام بجدة فاجتمعا بعد طول الطلب بعرفات , وتعارفا فسمي اليوم عرفة والموضع عرفات , قاله الضحاك , وقيل : سمي بذلك لأن الناس يعترفون في ذلك اليوم بذنوبهم , إلى غير ذلك … أنظر : [ المبدع – أبو إسحاق الحنبلي 3/52 , تفسير القرطبي 2/416 , الفروع – أبو عبد الله المقدسي 3/81 , المغني 3/58 ] .
يوم عرفة فضله عظيم وثوابه جسيم يكفر الله تعالى فيه الذنوب العظام ويضاعف فيه الصالح من الأعمال , وعند مسلم : قال صلى الله عليه وسلم : ( صيام عرفة يكفر سنتين ) وفي رواية عند ابن أبي شيبة في مصنفه : ( سنة ماضية وسنة مقبلة ) . والمراد به تكفير الصغائر , فإن لم يكن له صغائر رجي التخفيف من الكبائر , فإن لم يكن رفعت له درجات . [ حكاه النووي في شرح مسلم ] .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة , وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ) .
وهو أفضل الأيام لما روى الدارقطني عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عدداً من النار من يوم عرفة , وإنه ليدنو عز وجل ثم يباهي بهم الملائكة يقول ما أراد هؤلاء ) .
وفي الموطأ عن عبيد الله بن كريز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ما رؤي الشيطان يوماً هو فيه أصغر ولا أحقر ولا أدحر ولا أغيظ منه في يوم عرفة , وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام ) . [ تفسير القرطبي 2/419 ] .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : " ما من السنة يوم أحب إليّ أن أصومه من يوم عرفة " . [ مصنف ابن أبي شيبة 2/341 ] .
صيام يوم عرفة للحاج :
أكثر أهل العلم يستحبون الفطر يوم عرفة بعرفة , لحديث أبي داود : ( نهى عليه الصلاة والسلام عن صيام يوم عرفة بعرفة ) , ولأنه صح ( أنه عليه الصلاة والسلام كان فيه مفطراً ) . [ مواهب الجليل – أبو عبد الله المغربي 2/401 ] .
وما روي عن أم الفضل بنت الحارث : " أن ناساً تماروا – تجادلوا – بين يديها , يوم عرفة في رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم : صائم , وقال بعضهم : ليس بصائم , فأرسلت إليه بقدح من لبن وهو واقف على بعيره بعرفات , فشربه النبي صلى الله عليه وسلم " . [ متفق عليه ] .
وقال ابن عمر رضي الله عنهما : " حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يصمه ؛ يعني يوم عرفة , ومع أبي بكر فلم يصمه , ومع عمر فلم يصمه , ومع عثمان فلم يصمه , وأنا لا أصومه ولا آمر به ولا أنهى عنه " . [ أخرجه الترمذي وقال حديث حسن ] .
ولأن الصوم يضعف الحاج ويمنعه الدعاء في هذا اليوم المعظم الذي يستجاب فيه الدعاء في ذلك الموقف الشريف الذي يقصد من كل فج عميق رجاء فضل الله تعالى فيه وإجابة دعائه به , فكان تركه أفضل , وقيل لأنهم أضياف الله تعالى وزواره . [ المغني 3/58 ] .
وكانت عائشة وابن الزبير يصومانه , وقال قتادة : لا بأس به إذا لم يضعف عن الدعاء , وقال عطاء : أصوم في الشتاء ولا أصوم في الصيف , لأن كراهة صومه إنما هي معلة بالضعف عن الدعاء فإذا قوي عليه أو كان في الشتاء لم يضعف فتزول الكراهة . [ المغني 3/58 ] , وهو مذهب الحنفية , واختاره الآجري . [ المبدع 3/53 ] , وقال ابن المنذر : " الفطر يوم عرفة بعرفات أحب إليّ اتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم , والصوم بغير عرفة أحب إليّ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " . [ تفسير القرطبي 2/421 ] .
يتضح مما تقدم فضل العمل الصالح والصيام في هذه الأيام وخاصة في هذا اليوم العظيم ومشاركة للحجاج في طاعة الله تعالى واغتنام هذه الساعات المباركة في مثل هذا اليوم العظيم المبارك التي تنزل فيه الرحمة والمغفرة .
والله تعالى أعلم
هل الثواب في كل مساجد مكة المكرمة مثل الثواب في حرم الكعبة المشرفة ؟
أولاً وقبل كل شيء لا بد من تعريف ( بالمسجد الحرام ) في اصطلاح العلماء , قال ابن حجر : قد يراد به مكة كلها مع الحرم حولها , وقد يراد به الكعبة فقط , وقد يختص بالموضع الذي يصلى فيه دون البيوت وغيرها من أجزاء الحرم , قال الطبري ويتأيد بقوله : ( مسجدي هذا ) لأن الإشارة فيه إلى مسجد الجماعة . [ فتح الباري 3/64 ] .
وسمي المسجد حراماً لأنه لا يحل انتهاكه فلا يصاد عنده ولا حوله . قال العلماء : وأريد بتحريم البيت سائر الحرم . [ المطلع على أبواب المقنع ص158 ] .
إن المضاعفة تختص بالمسجد الحرام الذي حول الكعبة , وأن مضاعفة المائة ألف صلاة إنما يكون ذلك لمن صلى في المسجد المحيط بالكعبة لقوله صلى الله عليه وسلم: ( صلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة ) [ رواه مسلم ].
ولما أخرجه البزار وحسّن إسناده من حديث أبي الدرداء مرفوعاً: (الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصلاة في مسجدي بألف صلاة، والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة).
فالصلاة في المسجد الحرام – أي المسجد الذي فيه الكعبة – أفضل من مائة ألف صلاة وإنما يختص هذا الفضل في المسجد الذي فيه الكعبة دون غيره من مساجد مكة وبقاعها لأن الله تعالى قال في كتابه: { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ } [ سورة الإسراء: 1 ].. وقد أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم من الحجر الذي هو جزء من الكعبة .
وهذا نص صريح على أن مساجد مكة لا تضاعف فيها الصلاة كما تضاعف في المسجد الحرام وإن كانت الصلاة في مساجد مكة او في الحرام كله أفضل من الصلاة في الحل لكن مائة ألف صلاة لا تكون إلا في المسجد الذي فيه الكعبة فقط .
فخص النبي صلى الله عليه وسلم في الفضل ( مسجد الكعبة )، ومن المعلوم أن المساجد في مكة ليست هي مساجد الكعبة إنما هي مساجد في الحرم , نعم الصلاة في الحرم أفضل من الصلاة في الحل بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نزل في الحديبية وبعضها من الحل وبعضها من الحرم صار نازلاً في الحل إلا أنه يصلي داخل حدود الحرم , وهذا يدل على أن الصلاة داخل حدود الحرم أفضل من الصلاة في الحل , وهذا أمر لا شك فيه , لكن المضاعفة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم مختصة بالكعبة لقوله : ( إلا مسجد الكعبة ) فلا نتجاوز ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم. وهو قول الحنابلة. [ تحفة الراكع والساجد ص30 ] .
إلا إذا امتدت الصفوف خارج المسجد الحرام وإن وصلت المباني فإن مضاعفة المائة ألف صلاة تحصل لمن صلى في المسجد الحرام جماعة أو منفرداً، لأن النص جاء باللفظ العام ولم يرد ما يخصصه.
أما إذا انقطعت الصفوف، وصلى خارج المسجد الحرام سواء صلى في المساجد أو في المباني فإنه يحصل فيها المضاعفة إن شاء الله، ولكن دون من صلى في المسجد الحرام الذي حول الكعبة؛ لكثرة الجمع وقربه من الكعبة , ومشاهدته إياها، وكلها يحصل فيها .
يقول الدكتور عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين: إن المضاعفة بهذا المقدار تختص بالمسجد المحاط حول الكعبة، ويدخل في ذلك زياداته القديمة والجديدة، فإن الزيادة لها حكم المزيد، والذين قالوا إن مكة كلها تدخل في المسجد الحرام ترتب على قولهم تساهل الناس، فكثير منهم يصلون في شققهم وفي منازلهم معتقدين أن مكة كلها من المسجد الحرام، فيتركون الصلاة مع أئمة الحرم جمعة وجماعة ويصلون أفراداً أو جماعات في المنازل وتفوتهم الحكمة في الصلاة. وأن مسألة التفضيل أو المضاعفة ما ذهب إليه جمهور العلماء: أن التفضيل للفرض والنفل.
وكما هو معلوم لا يصح الاعتكاف إلا في المساجد وحصرها بعض العلماء في المساجد الثلاثة فهل يعتبر عاقل أن خارج المسجد أو الأبنية أو الأماكن السكنية في الحرم يصح فيها الاعتكاف ؟ [ سبل السلام 2/177 ].
ويلاحظ أن أهل العلم لم يعتبروا الانقطاع الذي يحصل في صفوف المصلين جماعة داخل حدود أو ساحات المسجد , انقطاعاً فاحشاً تبطل به الصلاة وإن كان تواصل الصفوف هو الأفضل , أما إذا قطع الصفوف شارع مرور من الإسفلت ومرور الحافلات أو نهر أو ما شابه ذلك … يعتبر هذا الانقطاع انقطاعاً فاحشاً مبطلاً للصلاة .
والله تعالى اعلم
هل يجوز تقديم طواف الإفاضة على رجم العقبة يوم العيد ؟
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
لقد ذهب الجمهور من الشافعية والمالكية والحنابلة إلى أن أعمال الحج يوم النحر أربعة وهي الرمي والذبح والحلق والطواف يسن ترتيبها ولا يجب .
قال الزرقاني (2/ 519): " وذهب الجمهور ( جمهور المالكية ) والشافعي وأحمد في رواية إلى الجواز وعدم وجوب الدم في شيء لعموم قوله قال عبد الله بن عمرو فما سئل رسول الله زاد في رواية يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج عليك فإنه ظاهر في نفي الإثم والفدية والدم لأن اسم الضيق يشمل ذلك قال الطحاوي لكن يحتمل أنه لا إثم في ذلك الفعل لمن كان ناسيا أو جاهلا أي كالسائلين قال وأما من تعمد المخالفة فيجب عليه الفدية وتعقب بأن وجوبها يحتاج إلى دليل ولو وجبت لبينه حينئذ وقت الحاجة فلا يجوز تأخيره ".
وقال الشربيني في مغني المحتاج (1/ 503): " وهذا الذي يفعل يوم النحر من أعمال الحج أربعة وهي الرمي والذبح والحلق والطواف يسن ترتيبها كما ذكرنا ولا يجب ".
وقال ابن قدامة في المغني (3/ 231): " فإن قدم الإفاضة على الرمي أجزأه طوافه وبهذا قال الشافعي ".
وقال صاحب كشاف القناع (2/503): " وإن قدّم الحلق على الرمي أو على النحر أو طاف للزيارة قبل رميه أو نحر قبل رميه جاهلا أو ناسيا فلا شيء عليه وكذا لو كان عالماً، لكن يكره ذلك للعالم خروجاً من الخلاف وإن قدّم طواف الإفاضة على الرمي أجزأه طوافه ".
فتح الباري ( 3 / 571): " وذهب الشافعي وجمهور السلف والعلماء وفقهاء أصحاب الحديث إلى الجواز وعدم وجوب الدم لقوله للسائل لا حرج فهو ظاهر في رفع الإثم والفدية معا لأن اسم الضيق يشملهما… واستدلوا بما وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل يوم النحر وهو واقف ثم الجمرة فقال: يا رسول الله إني حلقت قبل أن أرمي فقال: ( ارم ولا حرج ) وأتاه آخر فقال إني ذبحت قبل أن أرمى، قال: ( ارم ولا حرج ) وأتاه آخر فقال: إني أفضت إلى البيت قبل أن أرمي، قال: ( ارم ولا حرج )، قال: فما رأيته سئل يومئذ عن شيء إلا قال افعلوا ولا حرج ". [ رواه مسلم رقم 1306 ].
ومما تقدم من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقوال العلماء نقول بجواز تقديم الإفاضة على الرمي ولو كان جاهلاً أو ناسياً أو عالماً من غير حرج ولا فدية عليه وخاصة في الوقت الحالي مما يحدث من تزاحم عند رمي الجمرة وإصابة كثير من الحجاج بالأذى. على أن يعودوا لرمي جمرة العقبة الكبرى.
والله تعالى أعلم
حكم كتابة الأسماء على جبل عرفات
ما حكم ما يفعله بعض الناس من كتابة أسماء أولادهم على جبل عرفات أو وضع علامات – كومة من الحجارة – تيمناً في وصول أبنائهم إلى هذا المكان ؟
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
قال الله تعالى: { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا }. [ الحشر: 7 ].
وقال تعالى: { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً }. [ الأحزاب: 21 ].
وقال صلى الله عليه وسلم : ( خذوا عني مناسككم ) .
وقال – صلى الله عليه وسلم – في حديث آخر : ( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به ) .
وقال – صلى الله عليه وسلم – : ( أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل بدعة ضلالة ) . [ رواه أبو داود ، والترمذي وقال : حسن صحيح ] .
وعلى هذا فإن ما يفعله هؤلاء الحجاج أو المعتمرون لا أصل له ، بل هو من البدع والخزعبلات والأوهام التي ما أنزل الله بها من سلطان ، ولم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أحد من أصحابه ، أو السلف الصالح ، ولم يرد فيها دليل .
فليتق الله من يفعل ذلك ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) . [ رواه البخاري ومسلم ] .
والسنة أن يدعو الحاج لأهله وإخوانه في يوم عرفة أن يُبَلِّغهم هذا المكان .
والله تعالى أعلم
يتبع الموضوع …ان شاء الله