الإسلام دين الرحمة والرأفة ، دعا إلى مداواة المريض، والتخفيف عن آلامه وعلاج ما يشكو منه ، و أمر الناس بالبحث عن الدواء الجيد وبزيارة الطبيب المختص ، و لذلك قال- صلى الله عليه وسلم :" ياعباد الله تداوا فإن الله- تعالى- لم يضع داء إلا و ضع له دواء " (رواه الترمذى(
الطب النبوي :
عرف المسلمون الطب النبوي ، من خلال أحاديث للنبي- صلى الله عليه وسلم- التي تتضمن علاج بعض العلل والأمراض ، كما وضع الإسلام بعض القواعد التي تؤدى إلى مجتمع صحي، منها الحث على نظافة البدن والطعام و البيوت والشوارع ، وبين الإسلام المواد الضارة بالصحة وجعلها من المحرمات ، وحث المسلمين على العناية بأجسامهم وصحتهم ، وعد ذلك من الإيمان .
فقال- صلى الله عليه وسلم – : "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف" . (رواه مسلم) وقدم الإسلام نظام الوقاية والعلاج ، وهو ما يمثل نظام العزل والحجر الصحي الذي تأخذ به الدول الحديثة لمنع
تفشى الأمراض و انتشار العدوى، ويتمثل هذا في قوله- صلى الله عليه وسلم : "إذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تدخلوها ، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها" . (رواه البخارى)
مهنة الطب في الدولة الإسلامية :
اعتنى المسلمون بمهنة الطب واهتم الخلفاء المسلمون بالأطباء ، وأقاموا بيمارستانات (مستشفيات) وأول بيمارستان أقيم عند المسلمين كان الذي أقامه الخليفة الأموي "الوليد بن عبد الملك" سنة( 88 ه )، كما اهتم الخلفاء العباسيون بالطب ، وظهرت في العصر العباسي عائلة "بختيشوع" ، التي ظلت خلال قرن ونصف تتمتع بشهرة واسعة ،ويحظى أجيالها المتعاقبة بتقدير الخلفاء العباسين .
وقد ارتفعت مكانة الطبيب في المجتمع الإسلامي ، وأصبح أقرب الناس إلى الخليفة والحاكم ، بل من الأطباء من أصبحوا من الوزراء الموثوق بهم، والعلماء الذين يقدمون على سائر رجال الدولة .
جيل العمالقة من الأطباء المسلمين :
بدأ جيل العمالقة من الأطباء المسلمين في الظهور في القرن الرابع الهجري؛ وكان أولهم"محمد بن زكريا الرازي" المتوفى سنة (313 ه) الذي يعد شيخ أطباء المسلمين ، وكان عالمًا موسوعيًّا، بلغت مؤلفاته أكثر من(200) كتاب ، من أشهرها كتاب "الحاوي في الطب" وقد نشر هذا الكتاب في الهند سنة (19م).
و"الرازى" هو مبتكر خيوط الجراحة ؛ وقد استخلصها من الحيوان لخياطة الأنسجة ، واكتشف مرض الحساسية ، واليرقان الناجم عن تكسر الدم ، وميز بينه وبين التهاب الكبد المعدي ، وهو أول من استعمل الفتيلة في الجرح ، واستعان بخبرته الكيمائية في إدخال بعض المركبات في العلاج لأول مرة ، مثل أملاح الزئبق والرصاص والنحاس بعد أن جربها على القرود ، وهو أول من أدخل الرصاص الأبيض في المراهم واستعمل مرهم الزئبق كمسِّهل .
"ابن النفيس" .. مكتشف الدورة الدموية :
وأما "ابن النفيس" المتوفى سنة (687 ه ) فهو من أشهر أطباء المسلمين في القرن السابع الهجري، وهو من مواليد "دمشق" ، وذاعت شهرته كطبيب في "مصر" حيث تولى إدارة البيمارستان المنصورى في "القاهرة" ، وكان آنذاك أعظم مستشفى في العالم ، وقد اكتشف "ابن النفيس" الدورة الدموية الصغرى ، ومن أشهر مؤلفاته الطبية كتاب "الشامل" وهو كتاب ضخم في عشرات الأجزاء .
الجراحة عند المسلمين :
أجرى الأطباء المسلمون عمليات جراحية كبيرة ، فاستخدموا الكي في علاج بعض الأمراض ، واستأصلوا الأورام في أجزاء عديدة من الجسم ، وقاموا باستخراج الحصوات أو تفتيتها في المسالك البولية ، وقاموا بجراحات الأنف والأذن والحنجرة والفم والأسنان وغيرها ، واستخدموا في خياطة الجروح الخيوط المصنعة من أمعاء بعض الحيوانات، وبخاصة القط ، واستعملوا بعض العقاقير المخدرة لتسكين الألم .
أشهر الجراحين المسلمين :
"أبو القاسم الزهراوى" المتوفى (428 ه ) ، صاحب كتاب "التصريف لمن عجز عن التأليف"، وهو الكتاب الذي اعتمدت عليه أوربا قرونًا طويلة بعد ترجمته إلى اللاتينية، وهذا الكتاب أول موسوعة في الجراحة والطب ويتكون من ثلاثين جزءًا.
و"الزهراوى" أول من ابتدأ جراحة الأوعية الدموية ، مثل خياطة الشرايين في حال قطعها أو ربطها في حالة النزيف ، وهو أول من استعمل الحرير في خياطة الجروح، وأسلاك الذهب في تقويم الأسنان ، وهو أول من ابتكر الخياطة التجميلية، وقد ابتكر كثيرًا من الآلات الجراحية التي لم تكن معروفة من قبل، ورسم صورها وأحجامها والمادة التي تصنع منها ، من ذلك : الصناير لقطع اللوز والأورام، وأنواع المكاوي للكي ، والكلاليب لخلع الأسنان .
وهو أول من ابتكر إجراء بعض العمليات الجراحية ، مثل حصوة المثانة ، واستئصال اللوزتين، وتقويم الأسنان، وشق الحنجرة للتنفس ، وهو أول من ابتكر طريقة الولادة بالحوض في حالة ما إذا كان وضع الجنين غير طبيعي، وقد نصح "الزهراوى" باستخدام مساعدات وممرضات من النساء في حالة إجراء عملية جراحية لامرأة؛ لأن ذلك أقرب إلى الطمأنينة والرقة .
طب العيون :
وفى مجال العيون اشتهر عدد من أطباء العيون وكان يطلق عليهم "الكحالون"، ومنهم: "أبو القاسم عمار بن على الموصلي" وصار من أبرز أطباء العيون في العالم؛ وقد عرفه الأوربيون من خلال مؤلفاته ، ومن أشهر كتبه "المنتخب في علاج أمراض العيون" ، ولهذا العالم دراسة عميقة في عمليات ماء العين "الكاتاراكت" ، ويرجع إليه الفضل في اختراع إبرة مجوفة لإجراء العملية التي تمتص هذا الماء .
وقد عاصر "أبو القاسم عمار" في القرن الخامس الهجري "على بن عيسى"، صاحب كتاب "تذكرة الكحالين"، وهو الكتاب الذي ظل يدرس في أوربا حتى القرن الثامن عشر الميلادي .
ومن أشهر الأطباء "حنين بن إسحاق" وهو صاحب كتاب "العشر مقالات في العين"، الذي يشمل على عشر مقالات ألفها "حنين" على مدى ثلاثين عامًا، ثم جمعها في كتاب واحد ، وأضاف إليه "حنين" كتابًا يحوى على جميع المعلومات الضرورية ، لمن يريد علاج أمراض العين على طريقة صائبة ، وترجع أهمية هذا الكتاب إلى أنه أول مرجع علمي مدرسي وصل إلينا في أمراض العيون وعلاجها منذ العصر اليوناني القديم .
البيمارستانات (المستشفيات الإسلامية) :
أقام المسلمون منذ فترة مبكرة البيمارستانات (المستشفيات الإسلامية) لاستقبال المرضى وعلاجهم ، وتوالى إقامتها في مختلف أنحاء العالم الإسلامي في "بغداد" و"القاهرة" و"دمشق" وغيرها ، وكانت البيمارستانات تقدم خدماتها الطبية بالمجان تحت إشراف الأطباء المهرة .
وقد ابتدع المسلمون ما يسمى بالفحص السريرى لتشخيص المرض ، ويرجع إليهم الفضل في نقل هذا النظام إلى أوربا في الطب الحديث ، وعلى ضوء هذا الفحص يشخص المرض ، وينقل المريض إلى القسم المخصص كعلاج مثل هذا النوع من المرض ، وقد نقل الغرب عن المسلمين هذا الأسلوب بعد ستة قرون كاملة، وكان الطبيب المسلم يتحسس حرارة المريض بظهر الكف ويقيس النبض بأنامله ، ويتحسس الكبد والأمعاء ، ثم ينظر في قارورة البول ليعرف التشخيص المخبري وهكذا .
وكان المريض الذي يتقر دخوله المستشفى تؤخذ ثيابه وحاجاته وتحفظ في أمانات المستشفى، ويسلم ثوبًا جديدًا ، ثم يسجل اسمه ، لكي يصرف له معونة مالية ليعول أسرته أثناء وجوده بالمستشفى ، فإذا خرج من المستشفى تزاد هذه المعونة حتى لا يضطر إلى العمل في فترة النقاهة .
م/ن