ذكر صاحب معجم "مقايس اللغة" أن (الراء، والجيم، والسين) أصل يدل على اختلاط، يقال: هم في مرجوسة من أمرهم، أي: اختلاط. والرجس: صوت الرعد؛ وذلك أنه يتردد. والرجس: هدير البعير. ويقال: سحاب رجاس، وبعير رجاس. وهذا راجس حسن، أي: راعد حسن. والرجس: القذر؛ لأنه لطخ وخلط. واضح أن الأصل اللغوي لهذا اللفظ يتعلق بما هو مادي محسوس، لكن توسعوا بعدُ في استعمال هذا اللفظ، فأصبح يُستعمل فيما هو معنوي أيضاً، كما سيتضح لك قريباً.
ولفظ (الرجس) ورد في القرآن الكريم في عشرة مواضع فقط، منها قوله تعالى: { كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون } (الأنعام:125). ولم يأت هذا اللفظ في القرآن إلا بصيغة الاسم. وهو في المواضع التي جاء فيها، لم يأت على معنى واحد، بل جاء على أكثر من معنى، نستجليها فيما يأتي:
قال سبحانه في وصف الخمر والميسر: { إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان } (المائدة:90)، روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن (الرجس) هنا هو: السَّخَط. وروي عن ابن زيد ، قال: (الرجس)، الشر. وقال سعيد بن جبير : الإثم. وقال الطبري : إثم ونَتْن. وقال البغوي : أي: خبيث مستقذر.
و(الرجس) في قوله تعالى: { كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون } (الأنعام:125)، روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن (الرجس) هنا: الشيطان. وروي عن مجاهد ، قال: (الرجس): ما لا خير فيه. وقال ابن زيد : الرجس: عذاب الله. ورجح الطبري قول ابن عباس رضي الله عنهما في الآية.
و(الرجس) في قوله تعالى: { فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به } (الأنعام:145)، الحرام، كما قال البغوي . وقال ابن عاشور : الرجس هنا: الخبيث والقَذر.
و(الرجس) في قوله تعالى: { قد وقع عليكم من ربكم رجس } (الأعراف:71)، السَخَط، وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما. وقال الطبري و البغوي : الرجس هنا: العذاب. وهو بمعنى كلام ابن عباس رضي الله عنهما.
وفسر الطبري (الرجس) في قوله تعالى: { فأعرضوا عنهم إنهم رجس } (التوبة:95)، بأنه: النجس. وفسره القرطبي و البغوي بأنه: العمل القبيح. وقال ابن كثير : خبثاء نجس بواطنهم واعتقاداتهم. وقال ابن عاشور : الرجس هنا: الخبث. والمراد: تشبيههم بالرجس في الدناءة ودَنَس النفوس. فهو رجس معنوي.
و(الرجس) في قوله تعالى: { فزادتهم رجسا إلى رجسهم } (التوبة:125)، الشر والضلال. قال ابن زيد في معنى الآية: زادهم شراً إلى شرهم، وضلالة إلى ضلالتهم. وقال ابن كثير : أي: زادتهم شكا إلى شكهم، وريبا إلى ريبهم. وقال الكسائي : أي: نتناً إلى نتنهم. وقال مقاتل : إثماً إلى إثمهم. وقال القرطبي : أي: شكاً إلى شكهم، وكفراً إلى كفرهم. وقال ابن عاشور : الرجس هنا: الكفر. والمعنى في الجميع متقارب.
وفسر كثير من المفسرين (الرجس) في قوله تعالى: { ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون } (يونس:100)، بأنه: العذاب. وقال ابن كثير : الخبال والضلال.
وأغلب المفسرين على أن المراد من (الرجس) في قوله تعالى: { فاجتنبوا الرجس من الأوثان } (الحج:30)، عبادة الأوثان، قال ابن عباس رضي الله عنهما: فاجتنبوا طاعة الشيطان في عبادة الأوثان. وقال ابن كثير : اجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان. وقال ابن عاشور : وَصْفُ الأوثان بالرجس أنها رجس معنوي؛ لكون اعتقاد إلهيتها في النفوس بمنزلة تعلق الخبث بالأجساد، فإطلاق الرجس عليها تشبيه بليغ.
و(الرجس) في قوله تعالى: { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت } (الأحزاب:33)، عمل الشيطان، وما ليس لله فيه رضى. قاله ابن عباس رضي الله عنهما. وقال قتادة : السوء. وقال مجاهد : الشك. وقال ابن زيد : الرجس ها هنا: الشيطان، وسوى ذلك من الرجس: الشرك. وقال مقاتل : الإثم. وقال ابن عاشور : المراد به هنا: الخبيث في النفوس، واعتبار الشريعة. وهذا القول يجمع الأقوال السابقة.
وأنت تلحظ أن لفظ (الرجس) في الآيات السابقة قد جاء على عدة معان، فجاء بمعنى الإثم، والشرك، والشر، والعذاب، والشك، والشيطان، والنجس، والخبث، والسَّخَط، وهي معان تجمع بين ما هو مادي حسي وما هو معنوي، ويصب كلها في النهاية في المعنى اللغوي وهو معنى الخبث والقَذَر.
ثم ها هنا سؤال قد يرد، وهو عن الفرق بين (الرجس) و(الرجز)، فاعلم أن أنظار أهل اللغة قد اختلفت هنا، فقال بعضهم: (الرجز): العذاب لا غير. و(الركس): العذرة لا غير. و(الرجس) يقال للأمرين. وجعل بعضهم: (الرجس)، و(الرجز)، سواء، وهما: العذاب. قال الفراء: (الرجز) هو (الرجس). وقال أبو عبيد : كما يقال: السدغ والزدغ، كذا يقال: (رجس) و(رجز) بمعنى. وكان أبو عمرو بن العلاء يزعم أن (الرجز) و(الرجس) بمعنى واحد، وأنها مقلوبة، قُلبت السين زاياً.
وتبع دلالات لفظ (الرجز) في القرآن قد يكشف على وجه الفرق بين اللفظين.
يسلمو