* السؤال :
شيخنا الفاضل // الشيخ عبد الرحمن السحيم
وددت من فضيلتكم توجيه كريم
لرواد المنتديات واللذين اتخدوا من التوقيع أو الصور الرمزيه مساحة لـوضع بطاقات تحمل صور ذوات الأرواح كصور نسائية لمغنيات نخجل نحن النساء
من النظر لها أو فتيات صغيرات أو بعض الشخصيات من الرجال
تحمل العبارات ما بين شعر ونثر الخ … فما توجيهكم وما حكم ذلك
أتمنى منكم التوضيح حتى يتسنى لي نقله لمن يتساهل بوضع مثل هذه التواقيع
وجزاكم الرحمن خير الجزاء ونفع بكم وبعلمكم
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاك الله خيرا
وبارك الله فيك .
لا شَكّ أنَّ مسألة التصوير والصُّوَر مما ابْتُلِي بها كثير مِن الناس ، بل وقد تَهاوَن فيها كثير مِن الناس ، وهي مسألة عظيمة ، فإنَّ أصل أوّل شِرْك في الأرض كان بسبب الصُوَر ، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما عن ( وُدّ وسِواع ويَغوث ويَعُوق ونسْر ) قال : أسْمَاء رِجَال صالحين من قوم نوح ، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم ، ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هَلك أولئك وتُنسّخ العِلْم عُبِدَت . رواه البخاري .
وقال محمد بن قيس ( يَغُوث وَيَعُوقَ وَنَسْرًا ) قال : كانوا قوما صالحين بين آدم ونوح وكان لهم أتْبَاع يَقْتَدون بهم ، فلمَّا مَاتُوا قال أصحابهم الذين كانوا يَقْتَدون بهم : لو صَوَّرناهم كان أشْوَق لنا إلى العبادة إذا ذَكرناهم . فَصَوَّروهم ، فلما مَاتُوا وجَاء آخَرون دَبّ إليهم إبليس ، فقال : إنما كانوا يَعْبُدونهم وبهم يُسْقَون الْمَطَر ، فَعَبَدُوهم .
وصُوَر ذوات الأرواح عُموما دَاخِلة في الأحَاديث الصحيحة التي جاء فيها التشديد على التصوير وذَمّ الصُّوَر والْمُصوِّرين وأنه يُؤتى به يوم القيامة فيُؤمَر أن ينفخ الرُّوح بكل صورة صوّرها ، وهذا من باب التعجيز .
والنصوص قد جاءت بِذَمّ الصُّور والتصاوير والمصوِّرين ، ولفظ الصُّوَر يشمل الجميع ، فيشمل التصوير والرسم باليد ، ويشمل حبس الظِّلّ ، ويَشْمَل صناعة التماثيل من باب أولى .
وقد جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنهما فقال : يا أبا عباس إني إنسان إنما مَعِيشتي مِن صَنعة يَدي ، وإني أصنع هذه الـتَّصَاوِير ، فقال ابن عباس : لا أحدثك إلاَّ مَا سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ، سَمِعْتُه يقول : مَنْ صَوّر صُورة فإن الله مُعَذِّبه حتى يَنْفُخَ فِيها الرُّوح ، وليس بنافخ فيها أبدا . فَرَبَـا الرجل رَبْوَة شديدة ، واصْفرّ وَجْهه . فقال : ويَحْك إن أَبَيْتَ إلاَّ أن تَصنع فعليك بهذا الشَّجر ، كل شيء ليس فيه روح . رواه البخاري ومسلم .
قال ابن دقيق العيد : وَقَدْ تَظَاهَرَتْ دَلائِلُ الشَّرِيعَةِ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ التَّصْوِيرِ وَالصُّوَرِ . اهـ .
وقال : وَرَدَ فِي الأَحَادِيثِ : الإِخْبَارُ عَنْ أَمْرِ الآخِرَةِ بِعَذَابِ الْمُصَوِّرِينَ . وَأَنَّهُمْ يُقَالُ لَهُمْ " أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ " .
ولن يُسأل الإنْسان يَوم القيامة : لِم لَمْ تُصوِّر ؟
ولكنه سَوف يُسْأل : لِمَ صَوَّرْت ؟ ويُحَاسَب عمَّا صَوَّرَه مِن ذوات الأرواح ، إلاَّ مَا اضْطُرَّ إليه.
والتصوير سواء كان بواسِطة آلة تصوير أو كان باليد فهو تصوير ، والجميع يتّفِقُون على أنها صُورَة !
ولا يُخْرِجها مِن عُموم الأحَادِيث ولا مِن شِدَّة الوَعِيد إلاَّ نَصّ قاطِع ، وليس في المسألة نَصّ قاطِع يُخرِج بعض صُوَر ذوات الأرْوَاح عن بعض .
ويشتَدّ الأمر إذا كان ذلك بِنِشْر صُوَر فاتِنة ، أو شِبْه عَارِيَة ؛ فإنَّ فاعِل ذلك آثِم مِن ثلاث جِهَات :
الأولى : مِن جِهَة نشْر صُوَر ذوات الأرواح .
والثانية : مِن جِهة نَشْر الصُّوَر الفاتِنَة .
والثالثة : مِن جِهة إشاعة الفاحشة بين الناس .
فكُلّ مَن نَظَر إلى تلك الصُّوَر فإنه آثِم ، ومَن نَشَرها فهو آثِم ، ولا ينقص مِن آثام ناشرها شيئا !
وقد دَلّ على هذا قوله سبحانه وتعالى : ( لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ ) .
وقوله عليه الصلاة والسلام : مَن دَعا إلى هُدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ، ومَن دَعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام مِن تَبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا . رواه مسلم .
وأما إشاعة الفاحشة في المؤمنين ، فقد جاء في حقّ صاحبها الوعيد الشديد ، قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ) .
وعلى المسلم أن يَحتاط لِنفسه ولِدِينه ، فإن السلامة لا يَعْدِلها شيء .
وكما قلت : لن يُسأل الإنْسان يَوم القيامة : لِم لَمْ تُصوِّر ؟
والله تعالى أعلم .