التصنيفات
منوعات

احكام الاضحية والزكاة

احكام الاضحية والزكاة
الفصل الاول
فى تعريف الاضحية وحكمها
الأضحية: ما يذبح من بهيمة الأنعام أيام عيد الأضحى بسبب العيد تقرباً إلى الله عز وجل، وهي من شعائر الإسلام المشروعة بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلّم، وإجماع المسلمين.

قال الله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبِّ الْعَلَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}. والنسك الذبح، قاله سعيد بن جبير، وقيل جميع العبادات ومنها الذبح، وهو أشمل. وقال تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُواْ اسْمَ الَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الاَْنْعَمِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ }.

وفي صحيح البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «ضحى النبي صلى الله عليه وسلّم بكبشين أملحين ذبحهما بيده وسمى وكبر، وضع رجله على صفاحهما». وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: «أقام النبي صلى الله عليه وسلّم بالمدينة عشر سنين يضحي». رواه أحمد والترمذي، وقال حديث حسن.

وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قسم بين أصحابه ضحايا فصارت لعقبة جذعة فقال: يا رسول الله صارت لي جذعة فقال: «ضح بها» رواه البخاري ومسلم.

وعن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «من ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين». رواه البخاري ومسلم.

فقد ضحى صلى الله عليه وسلّم وضحى أصحابه رضي الله عنهم، وأخبر أن الأضحية سنة المسلمين يعني طريقتهم، ولهذا أجمع المسلمون على مشروعيتها، كما نقله غير واحد من أهل العلم. واختلفوا هل هي سنة مؤكدة، أو واجبة لا يجوز تركها؟

فذهب جمهور العلماء إلى أنها سنة مؤكدة، وهو مذهب الشافعي، ومالك، وأحمد في المشهور عنهما.

وذهب آخرون إلى أنها واجبة، وهو مذهب أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن أحمد، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وقال: هو أحد القولين في مذهب مالك، أو ظاهر مذهب مالك.

وذبح الأضحية أفضل من الصدقة بثمنها؛ لأن ذلك عمل النبي صلى الله عليه وسلّم والمسلمين معه؛ ولأن الذبح من شعائر الله تعالى، فلو عدل الناس عنه إلى الصدقة لتعطلت تلك الشعيرة. ولو كانت الصدقة بثمن الأضحية أفضل من ذبح الأضحية لبينه النبي صلى الله عليه وسلّم لأمته بقوله أو فعله، لأنه لم يكن يدع بيان الخير للأمة، بل لو كانت الصدقة مساوية للأضحية لبينه أيضاً لأنه أسهل من عناء الأضحية ولم يكن صلى الله عليه وسلّم ليدع بيان الأسهل لأمته مع مساواته للأصعب، ولقد أصاب الناس مجاعة في عهد النبي صلى الله عليه وسلّم فقال: «من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة في بيته شيء». فلما كان العام المقبل قالوا يا رسول الله نفعل كما فعلنا في العام الماضي فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: «كلوا واطعموا وادخروا فإن ذلك العام كان في الناس جهد فأردت أن تعينوا فيها». متفق عليه.

قال ابن القيم رحمه الله: الذبح في موضعه أفضل من الصدقة بثمنه. قال: ولهذا لو تصدق عن دم المتعة والقِرَان بأضعاف أضعاف القيمة لم يقم مقامه وكذلك الأضحية. انتهى كلامه.

فصل

والأصل في الأضحية أنها مشروعة في حق الأحياء كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأصحابه يضحون عن أنفسهم وأهليهم، وأما ما يظنه بعض العامة من اختصاص الأضحية بالأموات فلا أصل له.

والأضحية عن الأموات ثلاثة أقسام:

الأول: أن يضحي عنهم تبعاً للأحياء مثل أن يضحي الرجل عنه وعن أهل بيته وينوي بهم الأحياء والأموات، وأصل هذا تضحية النبي صلى الله عليه وسلّم عنه وعن أهل بيته وفيهم من قد مات من قبل.

الثاني: أن يضحي عن الأموات بمقتضى وصاياهم تنفيذاً لها وأصل هذا قوله تعالى: {فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَآ إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ الَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }.

الثالث: أن يضحي عن الأموات تبرعاً مستقلين عن الأحياء فهذه جائزة، وقد نص فقهاء الحنابلة على أن ثوابها يصل إلى الميت وينتفع به قياساً على الصدقة عنه، ولكن لا نرى أن تخصيص الميت بالأضحية من السنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلّم لم يضح عن أحد من أمواته بخصوصه، فلم يضح عن عمه حمزة وهو من أعز أقاربه عنده، ولا عن أولاده الذين ماتوا في حياته، وهم ثلاث بنات متزوجات، وثلاثة أبناء صغار، ولا عن زوجته خديجة وهي من أحب نسائه إليه، ولم يرد عن أصحابه في عهده أن أحداً منهم ضحى عن أحد من أمواته.

ونرى أيضاً من الخطأ ما يفعله بعض من الناس يضحون عن الميت أول سنة يموت أضحية يسمونها (أضحية الحفرة) ويعتقدون أنه لا يجوز أن يشرك معه في ثوابها أحد، أو يضحون عن أمواتهم تبرعاً، أو بمقتضى وصاياهم ولا يضحون عن أنفسهم وأهليهم، ولو علموا أن الرجل إذا ضحى من ماله عن نفسه وأهله شمل أهله الأحياء والأموات لما عدلوا عنه إلى عملهم ذلك




الفصل الثاني

في شروط الأضحية

يشترط للأضحية ستة شروط:

أحدها: أن تكون من بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم ضأنها ومعزها لقوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُواْ اسْمَ الَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الاَْنْعَمِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ } وبهيمة الأنعام هي الإبل، والبقر، والغنم هذا هو المعروف عند العرب، وقاله الحسن وقتادة وغير واحد.

الثاني: أن تبلغ السن المحدود شرعاً بأن تكون جذعة من الضأن، أو ثنية من غيره لقوله صلى الله عليه وسلّم: «لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن». رواه مسلم.

والمسنة: الثنية فما فوقها، والجذعة ما دون ذلك. فالثني من الإبل: ما تم له خمس سنين، والثني من البقر: ما تم له سنتان. والثني من الغنم ما تم له سنة، والجذع: ما تم له نصف سنة، فلا تصح التضحية بما دون الثني من الإبل والبقر والمعز، ولا بما دون الجذع من الضأن.

الثالث: أن تكون خالية من العيوب المانعة من الإجزاء وهي أربعة:

1 العور البين: وهو الذي تنخسف به العين، أو تبرز حتى تكون كالزر، أو تبيض ابيضاضاً يدل دلالة بينة على عورها.

2 المرض البين: وهو الذي تظهر أعراضه على البهيمة كالحمى التي تقعدها عن المرعى وتمنع شهيتها، والجرب الظاهر المفسد للحمها أو المؤثر في صحته، والجرح العميق المؤثر عليها في صحتها ونحوه.

3 العرج البين: وهو الذي يمنع البهيمة من مسايرة السليمة في ممشاها.

4 الهزال المزيل للمخ: لقول النبي صلى الله عليه وسلّم حين سئل ماذا يتقي من الضحايا فأشار بيده وقال: «أربعاً: العرجاء البين ضلعها، والعوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء التي لا تنقى». رواه مالك في الموطأ من حديث البراء بن عازب، وفي رواية في السن عنه رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: «أربع لا تجوز في الأضاحي» وذكر نحوه.

فهذه العيوب الأربعة مانعة من إجزاء الأضحية بما تعيب بها، ويلحق بها ما كان مثلها أو أشد، فلا تجزىء الأضحية بما يأتي:

1 العمياء التي لا تبصر بعينيها.

2 المبشومة حتى تثلط ويزول عنها الخطر.

3 المتولدة إذا تعسرت ولادتها حتى يزول عنها الخطر.

4 المصاب بما يميتها من خنق وسقوط من علو ونحوه حتى يزول عنها الخطر.

5 الزمنى وهي العاجزة عن المشي لعاهة.

6 مقطوعة إحدى اليدين أو الرجلين.

فإذا ضممت ذلك إلى العيوب الأربعة المنصوص عليها صار ما لا يضحى به عشرة. هذه الستة وما تعيب بالعيوب الأربعة السابقة.

الشرط الرابع: أن تكون ملكاً للمضحي، أو مأذوناً له فيها من قبل الشرع، أو من قبل المالك فلا تصح التضحية بما لا يملكه كالمغصوب والمسروق والمأخوذ بدعوى باطلة ونحوه؛ لأنه لا يصح التقرب إلى الله بمعصيته. وتصح تضحية ولي اليتيم له من ماله إذا جرت به العادة وكان ينكسر قلبه بعدم الأضحية.

وتصح تضحية الوكيل من مال موكله بإذنه.

الشرط الخامس: أن لا يتعلق بها حق للغير فلا تصح التضحية بالمرهون.

الشرط السادس: أن يضحى بها في الوقت المحدود شرعاً وهو من بعد صلاة العيد يوم النحر إلى غروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، فتكون أيام الذبح أربعة: يوم العيد بعد الصلاة، وثلاثة أيام بعده، فمن ذبح قبل فراغ صلاة العيد، أو بعد غروب الشمس يوم الثالث عشر لم تصح أضحيته لما روى البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «من ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله وليس من النسك في شيء». وروى عن جندب بن سفيان البجلي رضي الله عنه قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى». وعن نبيشة الهذلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل». رواه مسلم. لكن لو حصل له عذر بالتأخير عن أيام التشريق مثل أن تهرب الأضحية بغير تفريط منه فلم يجدها إلا بعد فوات الوقت، أو يوكل من يذبحها فينسى الوكيل حتى يخرج الوقت فلا بأس أن تذبح بعد خروج الوقت للعذر، وقياساً على من نام عن صلاة أو نسيها فإنه يصليها إذا استيقظ أو ذكرها.

ويجوز ذبح الأضحية في الوقت ليلاً ونهاراً، والذبح في النهار أولى، ويوم العيد بعد الخطبتين أفضل، وكل يوم أفضل مما يليه؛ لما فيه من المبادرة إلى فعل الخير




الفصل الثالث

في الأفضل من الأضاحي جنساً أو صفة،

والمكروه منها

الأفضل من الأضاحي جنساً: الإبل، ثم البقر إن ضحى بها كاملة، ثم الضأن، ثم المعز، ثم سبع البدنة ثم سبع البقرة.

والأفضل منها صفة: الأسمن الأكثر لحماً الأكمل خلقة الأحسن منظراً. وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يضحي بكبشين أقرنين أملحين. والكبش: العظيم من الضأن. والأملح ما خالط بياضه سواد فهو أبيض في سواد. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ضحى النبي صلى الله عليه وسلّم بكبش أقرن فحيل يأكل في سواد، وينظر في سواد ويمشي في سواد. أخرجه الأربعة، وقال الترمذي: حسن صحيح. والفحيل: الفحل، ومعنى يأكل في سواد إلى آخره أن شعر فمه وعينيه وأطرافه أسود. وعن أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلّم قال: كان النبي صلى الله عليه وسلّم إذا ضحى اشترى كبشين سمينين وفي لفظ: موجوءين. رواه أحمد.

السمين: كثير الشحم والحم. والموجوء: الخصي وهو أكمل من الفحل من حيث طيب الحم غالباً. والفحل أكمل من حيث تمام الخلقة والأعضاء.

هذا هو الأفضل من الأضاحي جنساً وصفة.

وأما المكروه منها فهي:

1 العضباء: وهي ما قطع من أذنها أو قرنها النصف فأكثر.

2 المقابلة بفتح الباء : وهي التي شقت أذنها عرضاً من الأمام.

3 المدابرة بفتح الباء : وهي التي شقت أذنها عرضاً من الخلف.

4 الشرقاء: وهي التي شقت أذنها طولاً.

5 الخرقاء: وهي التي خرقت أذنها.

6 المصفرة بضم الميم وسكون الصاد وفتح الفاء والراء : وهي التي قطعت أذنها حتى ظهر صماخها، وقيل المهزولة إذا لم تصل إلى حد تفقد فيه المخ.

7 المستأصلة بفتح الصاد : وهي التي ذهب قرنها كله.

8 البخقاء: وهي التي بخقت عينها فذهب بصرها وبقيت العين بحالها.

9 المشيعة بفتح الياء المشدة : وهي التي لا تتبع الغنم لضعفها إلا بمن يشيعها فيسوقها لتلحق. ويصح كسر الياء المشدة. وهي التي تتأخر خلف الغنم لضعفها فتكون كالمشيعة لهن.

هذه هي المكروهات التي وردت الأحاديث بالنهي عن التضحية بما تعيب بها أو الأمر باجتنابها، وحمل ذلك على الكراهة للجمع بينها وبين حديث البراء بن عازب رضي الله عنه السابق في الشرط الثالث من شروط الأضحية.

ويلحق بهذه المكروهات ما كان مثلها فتكره التضحية بما يأتي:

1 البتراء من الإبل والبقر والمعز وهي التي قطع نصف ذنبها فأكثر.

2 ما قطع من أليته أقل من النصف. فإن قطع النصف فأكثر فقال جمهور أهل العلم: لا تجزىء. فأما مفقودة الألية بأصل الخلقة فلا بأس بها.

3 ما قطع ذكره.

4 ما سقط بعض أسنانها ولو كانت الثنايا أو الرباعيات. فإن فقد بأصل الخلقة لم تكره.

5 ما قطع شيء من حلمات ثديها. فإن فقد بأصل الخلقة لم تكره. وإن توقف لبنها مع سلامة ثديها فلا بأس بها.

فإذا ضممت هذه المكروهات الخمس إلى التسع السابقة صارت المكروهات أربع عشرة




الفصل الرابع

فيمن تجزىء عنه الأضحية

تجزىء الأضحية الواحدة من الغنم عن الرجل وأهل بيته ومن شاء من المسلمين؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلّم أمر بكبش أقرن يطأ في سواد، ويبرك في سواد، وينظر في سواد فأتي به ليضحي به فقال لها: «يا عائشة هلمي المدية (أي أعطيني السكين) فعلت ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه (أي أخذ يستعد لذبحه) ثم قال: بسم الله، اللهم تقبل من محمد، وآل محمد، ومن أمة محمد ثم ضحى به». رواه مسلم، وما بين القوسين تفسير وليس من أصل الحديث. وعن أبي رافع رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يضحي بكبشين أحدهما عنه وعن آله، والاخر عن أمته جميعاً»، رواه أحمد. وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: «كان الرجل في عهد النبي صلى الله عليه وسلّم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته، فيأكلون ويطعمون». رواه ابن ماجه والترمذي وصحه.

فإذا ضحى الرجل بالواحدة من الغنم الضأن أو المعز عنه وعن أهل بيته أجزأ عن كل من نواه من أهل بيته من حي وميت، فإن لم ينو شيئاً يعم أو يخص دخل في أهل بيته كل من يشمله هذا الفظ عرفاً أو لغة، وهو في العرف لمن يعولهم من زوجات وأولاد وأقارب، وفي اللغة: لكل قريب له من ذريته وذرية أبيه وذرية جده وذرية جد أبيه.

ويجزىء سبع البعير أو سبع البقر عما تجزىء عنه الواحدة من الغنم، فلو ضحى الرجل بسبع بعير أو بقرة عنه وعن أهل بيته أجزأه ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلّم جعل سبع البدنة والبقرة قائماً مقام الشاة في الهدي فكذلك يكون في الأضحية لعدم الفرق بينها وبين الهدي في هذا.

ولا تجزىء الواحدة من الغنم عن شخصين فأكثر يشتريانها فيضحيان بها؛ لعدم ورود ذلك في الكتاب والسنة، كما لا يجزىء أن يشترك ثمانية فأكثر في بعير أو بقرة؛ لأن العبادات توقيفية لا يجوز فيها تعدي المحدود كمية وكيفية، وهذا في غير الاشتراك في الثواب، فقد ورد التشريك فيه بدون حصر كما سبق.

وعلى هذا فإذا وجدت وصايا لجماعة كل واحد موص بأضحية من ريع وقف مثلاً، ولم يكف ريع كل وصية لها فإنه لا يجوز جمع هذه الوصايا في أضحية واحدة، لما عرفت من أن الواحدة من الغنم لا تجزىء عن شخصين فأكثر في غير الثواب، وعلى هذا فيجمع الريع حتى يبلغ ثمن الأضحية، فإن كان ضئيلاً لا يجتمع إلا بعد سنوات تصدق به في عشر ذي الحجة.

أما لو كان الموصي واحداً أوصى بعدة ضحايا فلم يكف الريع لجميعها فإن شاء الوصي جمع الضحايا في أضحية واحدة لأن الموصي واحد، وإن شاء ضحى أضحية في سنة، وأضحية في سنى أخرى والأولى أولى.

(تنبيه هام): يقدر بعض الموصين قيمة الأضحية من الريع لقصد المبالغة في غلائها استبعاداً منه أن تبلغ ما قدر فيقول يضحي عني ولو بلغت الأضحية ريالاً؛ لأنها كانت في وقته أرخص بكثير فيعمد بعض الأوصياء الذين لا يخافون الله فيعطل الأضحية بحجة أن الموصي قدر قيمتها بريال ولا توجد أضحية بريال، مع أن الريع كثير وهذا حرام عليه وهو آثم بذلك، وعليه أن يضحي ولو بلغت الأضحية آلاف الريالات مادام الريع يكفي لذلك؛ لأن مقصود الموصي من التقدير المبالغة في قيمة الأضحية لا تحديدها بهذا المقدار




الفصل الخامس
فيما تتعين به الأضحية وأحكامه
تعين الأضحية بواحد من أمرين:
أحدهما: الفظ بأن يقول: هذه أضحية. قاصداً إنشاء تعينها، فأما إن قصد الإخبار عما يريد بها في المستقبل فإنها لا تتعين بذلك؛ لأن المقصود به الإخبار عما سيفعل بها في المستقبل لا إنشاء تعينها.
الثاني: الفعل وهو نوعان:
أحدهما: ذبحها بنية الأضحية، فمتى ذبحها بهذه النية ثبت لها حكم الأضحية.
ثانيهما: شراؤها بنية الأضحية إذا كانت بدلاً عن معينة، مثل أن يعين أضحية فتلف بتفريط منه فيشتري أخرى بنية أنها بدل عن التي تلفت فهذه تكون أضحية بمجرد الشراء بهذه النية؛ لأنها بدل عن معينة، والبدل له حكم المبدل. أما إذا لم تكن بدلاً عن معينة فإنها لا تتعين بالشراء بنية الأضحية، كما لو اشترى عبداً يريد أن يعتقه فإنه لا يصير عتيقاً بمجرد الشراء، أو اشترى شيئاً ليجعله وقفاً فإنه لا يصير وقفاً بمجرد الشراء، فكذلك إذا اشترى بهيمة بنية أنها أضحية فلا تكون أضحية بمجرد ذلك.
وإذا تعينت الأضحية تعلق بها أحكام:
الأول: أنه لا يجوز التصرف بها بما يمنع التضحية بها من بيع وهبة ورهن وغيرها إلا أن يبدلها بخير منها لمصلحة الأضحية، لا لغرض في نفسه، فلو عين شاة أضحية ثم تعلقت بها نفسه لغرض من الأغراض فندم وأبدلها بخير منها ليستبقيها لم يجز له ذلك؛ لأنه رجوع فيما أخرجه لله تعالى لحظ نفسه لا لمصلحة الأضحية.
الثاني: أنه إذا مات بعد تعينها لزم الورثة تنفيذها، وإن مات قبل التعين فهي ملكهم يتصرفون فيها بما شاءوا.
الثالث: أنه لا يستغل شيئاً من منافعها فلا يستعملها في حرث ونحوه، ولا يركبها إلا إذا كان لحاجة وليس عليها ضر، ولا يحلب من لبنها ما ينقصها أو يحتاجه ولدها المتعين معها، ولا يجز شيئاً من صوفها ونحوه إلا أن يكون أنفع لها فيجزه ويتصدق به أو يهديه أو ينتفع به ولا يبيعه.
الرابع: أنها إذا تعيبت عيباً يمنع من الإجزاء مثل أن يشتري شاة فيعينها فتبخق عينها حتى تكون عوراء بينة العور فلها حالان:
إحداهما: أن يكون ذلك بفعله أو تفريطه فيجب عليه إبدالها بمثلها على صفتها أو أكمل؛ لأن تعيبها بسببه فلزمه ضمانها بمثلها يذبحه بدلاً عنها، وتكون المعيبة ملكاً له على القول الصحيح يصنع فيها ما شاء من بيع وغيره.
الثانية: أن يكون تعيبها بدون فعل منه ولا تفريط فيذبحها وتجزئه إلا أن تكون واجبة في ذمته قبل التعين لأنها أمانة عنده وقد تعيبت بدون فعل منه ولا تفريط فلا حرج عليه ولا ضمان.
فإن كانت واجبة في ذمته قبل التعين وجب عليه إبدالها بسليمة تجزىء عما في ذمته، مثل أن يقول لله علي نذر أن أضحي هذا العام فيشتري أضحية فيعينها عما نذر ثم تصاب بعيب يمنع من الإجزاء فيلزمه أن يبدلها بسليمة تجزىء في الأضحية، وتكون المعيبة له، لكن إن كانت أعلى من البدل لزمه أن يتصدق بالأرش وهو فرق ما بين القيمتين.
الخامس: أنها إذا ضاعت أو سرقت فلها حالان أيضاً:
إحداهما: أن يكون ذلك بتفريط منه مثل أن يضعها في مكان غير محرز فتهرب أو تسرق فيجب عليه إبدالها بمثلها على صفتها أو أكمل يذبحه بدلاً عنها، وتكون الضائعة أو المسروقة ملكاً له يصنع فيها إذا حصل عليها ما شاء من بيع وغيره.
الثانية: أن يكون ذلك بدون تفريط منه فلا ضمان عليه إلا أن تكون واجبة في ذمته قبل التعين لأنها أمانة عنده ولا ضمان على الأمين إذا لم يفرط، لكن متى حصل عليها وجب عليه التضحية بها ولو بعد فوات وقت الذبح، وكذا لو غرمها السارق فيجب التضحية بما غرمه لصاحبها على صفتها بدون نقص.
فإن كانت واجبة في ذمته قبل التعين وجب عليه أن يذبح بدلها ما يجزىء عما في ذمته، ومتى حصل عليها فهي له يصنع فيها ما شاء من بيع وغيره، لكن إن كان البدل الذي ذبحه عنها أنقص منها وجب عليه أن يتصدق بأرش النقص وهو فرق ما بين القيمتين.
السادس: أنها إذا أتلفت فلها ثلاث حالات:
إحداها: أن يكون تلفها بأمر لا صنع للادمي فيه كالمرض والافة السماوية والفعل الذي تفعله هي فتموت به فلا ضمان عليه، إلا أن تكون واجبة في ذمته قبل التعين؛ لأنها أمانة عنده تلفت بسبب لا يمكن التضمين فيه فلم يكن عليه ضمان.
فإن كانت واجبة في ذمته قبل التعين وجب عليه أن يذبح بدلها ما يجزىء عما في ذمته.
الثانية: أن يكون تلفها بفعل مالكها فيجب عليه أن يذبح بدلها على صفتها أو أكمل؛ لوجوب ضمانها حينئذ.
الحال الثالثة: أن يكون تلفها بفعل آدمي غير مالكها فإن كان لا يمكن تضمينه كقطاع الطرق فحكمها حكم ما تلفت بأمر لا صنع للادمي فيه على ما سبق في الحال الأولى. وإن كان يمكن تضمينه كشخص معين ذبحها فأكلها أو قتلها ونحوه فإنه يجب عليه ضمانها بمثلها يدفعه إلى صاحبها ليضحي به إلا أن يبرئه صاحبها من ذلك ويقوم بما يجب من ضمانها.
الحكم السابع: أنها إذا ذبحت قبل وقت الذبح ولو بنية الأضحية فالحكم فيها كالحكم فيما كما إذا أتلفت على ما سبق. وإن ذبحت في وقت الذبح فإن كان الذابح صاحبها أو وكيله فقد وقعت موقعها وإن كان الذابح غير صاحبها ولا وكيله فلها ثلاث حالات:
إحداها: أن ينويها عن صاحبها فإن رضي صاحبها بذلك أجزأت، وإن لم يرض بذلك لم تجزىء على الصحيح، ويجب على الذابح ضمانها بمثله يدفعه إلى صاحبها ليضحي به إلا أن يبرئه صاحبها من ذلك ويقوم بما يجب من ضمانها. وقيل: تجزىء وإن لم يرض بذلك وهو المشهور من مذهب أحمد، والشافعي، وأبي حنيفة رحمهم الله.
الثانية: أن ينويها عن نفسه لا عن صاحبها. فإن كان يعلم أنها لغيره لم تجز عنه ولا عن غيره ويجب عليه ضمانها بمثلها يدفعه إلى صاحبها ليضحي به إلا أن يبرئه صاحبها من ذلك ويقوم بما يجب من ضمانها، وقيل: تجزىء عن صاحبها وعليه ضمان ما فرق من الحم. وإن كان لا يعلم أنها لغيره أجزأت عن صاحبها فإن كان ذابحها قد فرق لحمها وجب عليه ضمانه بمثله لصاحبها إلا أن يرضى بتفريقه إياه.
الثالثة: أن لا ينويها عن أحد فلا تجزىء عن واحد منهما لعدم النية، وقيل: تجزىء عن صاحبها ومتى أجزأت عن صاحبها في حال من الأحوال السابقة فإن كان الحم باقياً أخذه صاحبها ليفرقه تفريق أضحية، وإن كان الذابح قد فرقه تفريق أضحية ورضي بذلك صاحبها فلا ضمان على الذابح وإلا ضمنه لصاحبها ليفرقه تفريق أضحية.
فائدتان:
الأولى: إذا تلفت الأضحية بعد الذبح أو سرقت أو أخذها من لا تمكن مطالبته ولم يفرط صاحبها فلا ضمان على صاحبها، وإن فرط ضمن ما يجب به الصدقة فتصدق به.
الثانية: إذا ولدت الأضحية بعد التعين فحكم ولدها حكمها في جميع ما سبق، وإن ولدت قبل التعين فهو مستقل في حكم نفسه فلا يتبع أمه في كونه أضحية لأنها لم تكن أضحية إلا بعد انفصاله من




التصنيفات
منتدى اسلامي

الفرق بين الزكاة و الصدقه

الزكاة : هي التعبد لله عز وجل بإعطاء ما أوجبه من أنواع الزكوات إلى مستحقيها على حسب ما بينه الشرع .

و أما الصدقة : هي التعبد لله بالإنفاق من المال من غير إيجاب من الشرع ، وقد تطلق الصدقة على الزكاة الواجبة .

الزكاة أوجبها الإسلام في أشياء معينة وهي : الذهب والفضة والزروع والثمار وعروض التجارة وبهيمة الأنعام وهي الأبل والبقر والغنم .
وأما الصدقة : فلا تجب في شيء معين بل بما يجود به الإنسان من غير تحديد .

الزكاة : يشترط لها شروط مثل الحول والنصاب . ولها مقدار محدد في المال .
وأما الصدقة : فلا يشترط لها شروط ، فتعطى في أي وقت وعلى أي مقدار .

الزكاة : أوجب الله أن تُعطى لأصناف معينة فلا يجوز أن تُعطى لغيرهم ،
وهم المذكورون في قوله تعالى : { إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم } التوبة / 60 .

وأما الصدقة : فيجوز أن تعطى لمن ذكروا في آية الزكاة ولغيرهم .
من مات وعليه زكاة فيجب على ورثته أن يخرجوها من ماله وتقدم على الوصية والورثة .

وأما الصدقة : فلا يجب فيها شيء من ذلك .

مانع الزكاة يعذب كما جاء في الحديث .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
” ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته إلا أحمي عليه في نار جهنم فيجعل صفائح فيكوى بها جنباه وجبينه حتى يحكم الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ، …” رواه مسلم.

وأما الصدقة : فلا يعذب تاركها .

الزكاة : على المذاهب الأربعة لا يجوز إعطاؤها للأصول والفروع والأصول هم الأم والأب والأجداد والجدات ، والفروع هم الأولاد وأولادهم .

وأما الصدقة : فيجوز أن تعطى للفروع والأصول

الزكاة : لا يجوز إعطاؤها لغني ولا لقوي مكتسب . عن عبيد الله قال:أخبرني رجلان أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقسم الصدقة فسألاه منها فرفع فيهما البصر وخفضه فرآنا جلدين فقال : ” إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب ” . صححه الألباني .

وأما الصدقة : فيجوز إعطاؤها للغني والقوي المكتسب .

الأفضل في الزكاة أن تؤخذ من أغنياء البلد فترد على فقرائهم . بل ذهب كثير من أهل العلم أنه لا يجوز نقلها إلى بلد آخر إلا لمصلحة .

وأما الصدقة : فتصرف إلى القريب والبعيد .

الزكاة : لا يجوز إعطاؤها للكفار والمشركين إلا المؤلفة قلوبهم .

وأما الصدقة فيجوز .كما قال الله تعالى : { ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا } الإنسان / 8 ، قال القرطبي : والأسير في دار الإسلام لا يكون إلا مشركاً .

لا يجوز للمسلم أن يعطي الزكاة لزوجته ، وقد نقل ابن المنذر الإجماع
على ذلك .

وأما الصدقة : فيجوز أن تعطى للزوجة ..




منقول



خليجية



التصنيفات
منوعات

هام التحايل علي الزكاة

التحايل على الزكاة

د. خالد بن إبراهيم الدعيجي

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد.
فقد ثبت عن عثمان رضي الله عنه أنه قال – في شهر رمضان -:" هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دين فليؤده حتى تخرجوا زكاة أموالكم " (1).
ومما تعارف عليه كثير من المسلمين أنهم كانوا يخرجون زكاتهم في هذا الشهر المبارك، ولهذا دأب العلماء وطلبة العلم والخطباء على تخصيص هذا الشهر ببيان أحكام ومسائل الزكاة.
ومن الموضوعات التي ينبغي التنبيه عليها موضوع " التحايل على الزكاة"، والتحايل إما أن يكون إسقاطاً لوجوبها أو أخذا لها. وسوف نبين في هذه المقالة بعض الأحكام المتعلقة بهذا الموضوع من خلال مسائل.

المسألة الأولى: التهرب من دفع الزكاة.
رتب الشارع على التهرب من دفع الزكاة عقوبات دنيوية وأخروية، وهي تختلف باختلاف قصد المتهرب من دفع الزكاة.
أولاً: إذا كان التهرب عن اعتقاد سيء يتمثل في جحود فرضية الزكاة عوقب المتهرب من الزكاة في الدنيا بعقوبة الردة، وهي: القتل إذا أصر على ذلك، ولم يرجع عن اعتقاده السيء في هذه الفريضة، كما فعل أبو بكر الصديق مع المنكرين لفريضة الزكاة، وقد قال: " والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة" (2).
وأما العقوبة الأخروية التي تلحق جاحد الزكاة فهي الخلود في النار، والبعد عن الجنة، لأنه أنكر معلوماً من الدين بالضرورة.
ثانياً: أما إذا كان التهرب عن أداء الزكاة راجعاً إلى البخل والشح دون الجحود والنكران؛ فإن المتهرب من دفع الزكاة يعاقب بعقوبة أخروية، تتمثل في العذاب الأليم، الذي يلحقه في الآخرة، والذي ورد في قوله تعالى: ﴿وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ (آل عمران:180) ، وقال تعالى ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ، يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لانْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ﴾ (التوبة:34، 35)
وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: « ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته إلا أحمي عليه في نار جهنم، فيجعل صفائح، فتكوى به جنباه وجبهته، حتى يحكم الله بين عباده، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار» (3).
وأما العقوبات الدنيوية التي رتبها الشارع على التهرب من دفع الزكاة بخلاً فهي:
أولاً: دفع الزكاة قسراً.
إذا امتنع المزكي من أداء الزكاة بخلاً أخذت منه جبراً عنه، ولو بحد السيف.
قال صلى الله عليه وسلم : « أمرت أن أقاتل الناس، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله » (4).
ثانياً: فرض عقوبات مالية وبدنية.
ومن العقوبات التي يمكن فرضها على مانع الزكاة بخلاً العقوبة المالية، أخذاً من قوله صلى الله عليه وسلم : « ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله، عزمة من عزمات ربنا » (5).
وأما العقوبة البدنية فقد دل عليها قوله صلى الله عليه وسلم « مطل الغني ظلم » (6) وفي رواية «لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته » (7).
المسألة الثانية: الاحتيال لإسقاط الزكاة قبل وجوبها.
تكاد تتفق كلمة العلماء في ذم المتحايلين على إسقاط الزكاة قبل وجوبها، وما روي من بعضهم في جواز ذلك فلعل مرادهم أن الحيلة تنفذ قضاء لا ديانة.
ولهذا ذهب المالكية والحنابلة ومحمد بن الحسن من الحنفية إلى تحريم التحايل لإسقاط الزكاة قبل وجوبه(8) ، وأنها واجبة في ذمته مع الحيلة، بدليل قوله تعالى «إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ ، وَلا يَسْتَثْنُونَ، فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ،فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ،فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ» (القلم: من 17 -21) .
فعاقبهم الله تعالى بذلك لفراراهم من الصدقة، لأنهم لما قصدوا قصداً فاسداً اقتضت الحكمة معاقبتهم بنقيض قصدهم (9).
قال ابن القيم – رحمه الله – " وقد استقرت سنة الله في خلقه شرعاً وقدراً على معاقبة العبد بنقيض قصده، كما حُرِمَ القاتلُ الميراث، وورَّثَ المُطلَّقة في مرض الموت، وكذلك الفار من الزكاة لا يسقطها عنه فراره ولا يعان على قصده الباطل فيتمُ مقصُودُه ويسقطُ مقصودُ الرب تعالى، وكذلك عامة الحيل إنما يُساعِدُ فيها المُتحيلُ على بلوغ غرضه ويبطل غرض الشارع" أهـ. (10).
وقال السعدي – رحمه الله – في مسألة استبدال النصاب بغير جنسه " إذا كان قاصداً بذلك التحيل على إسقاط الزكاة، فهذا لا ينفعه، لأن كل حيلة تسقط الواجب فهي لا غية" (11) .
والاحتيال على إسقاط الزكاة له صور عديدة، منها على سبيل المثال:
الصورة الأولى: التصرف في المال الزكوي قبل تمام الحول.
والتصرف هنا قد يكون بيعاً أو استبدالاً بغير جنس النصاب، أو هبة أو إتلافاً، أو غير ذلك من التصرفات، والقصد من كل هذه التصرفات الفرار من الزكاة.
أمثلة:
1. أن يكون في رصيده البنكي مليون ريال مثلاً، ومن ثم قبل تمام الحول، يشتري به أرضاً عقارية، أو داراً سكنية.
2. أن يكون للمرأة حلي معد للاستعمال، وقبل تمام الحول تهبه لابنتها مثلاً، ومن ثم تسترجع الحلي بعد ذلك لتستأنف به حولاً.
3. أن يكون لديه نصاب ماشية فباعها قبل تمام الحول.
4. أن يتلف جزءا من النصاب الزكوي قصداً؛ لكي ينقص النصاب قبل تمام الحول.
5. وهذا تفعله بعض الشركات المساهمة إذ تستبدل المال لاستثماري المباح، بمال حرام كالسندات مثلاً قبل تمام الحول، لأنه لا تؤخذ عليها الزكاة من قبل الدولة، ولأن بعض الفقهاء لم يوجبوا فيها الزكاة لأنها مال حرام، فتخلف فيها شرط الملك.
الصورة الثانية: تغيير النية في النصاب الزكوي قبل تمام الحول.
والفرق بين هذه الصورة والتي قبلها: أن النصاب لم يتغير لكن التغير في النية فقط، والقصد من تغيير النية الفرار من الزكاة.
أمثلة:
1. أن يكون لديه نصاب ماشية ينوي بها التجارة، وقبل تمام الحول نوى بها القنية.
2. وهذا في الأسهم: أن يكون قصده في الأسهم المضاربة وقبل تمام الحول ينوي الاستثمار.
3. أن يكون لديه أرض ينوي بها التجارة، وقبل تمام الحول نوى بها البناء والسكن.

المسألة الثالثة: الاحتيال لإسقاط الزكاة بعد وجوبها.
ونقصد بهذه الفقرة أن المُزكي قد ثبتت في ذمته الزكاة وهو مقر بها، ولكنه يحرص أن لا يدفعها من خلال بعض التصرفات. ولهذه التصرفات صور، منها:

الصورة الأولى: إسقاط الديون عن المعسرين واحتسابها من الزكاة.
أمثله:
1. أن يسقط دينه على معسر قائلاً: الدينُ الذي لي عليك هو لك، ويحسبه من الزكاة.
وقد سئل ابن عثيمين – رحمه الله – عن هذه المسألة فأجاب بقوله :" هذا لا يجوز؛ لأن الله تعالى قال:﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ ﴾(التوبة: من الآية103) والأخذ لا بد أن يكون ببذل من المأخوذ منه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد » (12) فقال:" تؤخذ من أغنيائهم فترد"، فلابد من أخذ ورد، والإسقاط لا يؤجد فيه ذلك؛ ولأن الإنسان إذا أسقط الدين عن زكاة العين التي في يده، فكأنما أخرج الردئ عن الطيب، لأن قيمة الدين في النفس ليست كقيمة العين، فإن العين ملكه وفي يده، والدين في ذمة الآخرين قد يأتي وقد لا يأتي، فصار الدين دون العين، وإذا كان دونها فلا يصح أن يخرج زكاة عنها لنقصه، وقد قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ (البقرة:267) (13)
2. أن يكون له على رجل مال، وقد أفلس غريمه وأيس من أخذه منه، وأراد أن يحسبه من الزكاة، فيعطيه من الزكاة بقدر ما عليه، ومن ثم يطالبه بالوفاء، فإذا أوفاه برئ وسقطت الزكاة عن الدافع.
قال ابن القيم : وهذه حيلة باطلة، سواء شرط عليه الوفاء أو منعه من التصرف فيما دفعه إليه أو ملكه إياه بنية أن يستوفيه من دينه فكل هذا ل يسقط عنه الزكاة ولا يعد مخرجاً لها شرعاً ولا عرفاً (14).
3. أن يكون له على رجل مال، وهذا الرجل معسر، فيأمره الدائن أن يقترض ويسدد دينه الأول، ومن ثم يعطيه الدائن الأول من الزكاة ليسدد دينه الثاني.
وقد قال الإمام أحمد عن هذه المسألة " إذا أراد بهذا إحياء ماله فلا يجوز " (15).
4. وهذا المثال ليس في الزكاة وإنما في الأموال التي يجب التخلص منها كأموال الفوائد الربوية، فيتخلص منها لمدينه المعسر، ويطالبه بسداد دينه.
الصورة الثانية:الإنفاق وقضاء الواجبات واحتسابها من الزكاة.
أمثله:
1. أن يعطي من تلزمه نفقته مالاً، ويحسبه من الزكاة.
2. أن يكون على من تلزمه نفقته دين بسبب التقصير في النفقة، فيقضي دينه، ويحسبه من زكاته.
أما إذا كان الدين لسبب غير النفقة فإنه يجوز قضاء الدين واحتسابه من الزكاة (16] ).
3. الاكتفاء بدفع الضريبة عن الزكاة.
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية عن هذه المسألة فأجابت " فرض الحكومة الضرائب على شعبها لا يسقط الزكاة عمن ملكوا نصاب الزكاة وحال عليه الحول، فيجب عليهم إخراج الزكاة وتوزيعها في مصارفها الشرعية التي ذكرها الله في قوله " إنما الصدقات للفقراء والمساكين" (17).
وجاء في توصيات الندوة الرابعة لقضايا الزكاة المعاصرة بخصوص هذه المسألة :" إن أداء الضريبة المفروضة من الدولة لا يجزئ عن إيتاء الزكاة، نظراً لاختلافهما من حيث مصدر التكليف والغاية منه، فضلاً عن الوعاء والقدر الواجب والمصارف، ولا تحسم مبالغ الضريبة من مقدار الزكاة الواجبة (18).

المسألة الرابعة: الاحتيال لإنقاص وعاء الزكاة.
وما سأذكره في هذه المسألة هو غالب ما تفعله الشركات المساهمة، لأجل إنقاص وعاء الزكاة.
ومن المعلوم أن احتساب الزكاة محاسبياً يكون بالمعادلة الآتية:
حقوق الملكية – عروض القنية وما في حكمها × 2.5%
وحقوق الملكية تشمل: ( رأس المال، الاحتياطات، الأرباح السنوية، الأرباح المُرحلة، القروض…الخ)
وعروض القنية وما في حكمها تشمل: (الأصول الثابتة، مصاريف التأسيس، تقويم اسم الشهرة، الخسائر، الاستثمارات في شركات أخرى تدفع الزكاة للدولة، السندات طويلة الأجل).
ومن خلال هذه المعادلة تقوم الشركات بصورتين تستطيع منهما تخفيض الوعاء الزكوي هما:
الصورة الأولى: تخفيض حقوق الملكية.
أمثلة:
1. تخفيض المبيعات من أجل تخفيض الأرباح، فتقدم أوراقاً مزورة لأجل تخفيض الوعاء الزكوي.
2. إنقاص قيمة القروض التي للشركة، فيقل طرف حقوق الملكية، وبالتالي ينقص الوعاء الزكوي.

الصورة الثانية: تضخيم عروض القنية وما في حكمها.
أمثلة:
1. تضخيم الأصول، فتقدم أوراقاً مزورة تظهر أسعاراً مرتفعة للأصول الثابتة في الشركة.
2. زيادة قيمة المصروفات.
3. زيادة خسائر الشركة.
4. المبالغة في اسم الشهرة.
وهذه الصور إن كان القصد منها التحايل على النظام، وكان النظام يتبع الشرع في صرف الزكاة فلا يجوز هذا التحايل، ولا تبرأ ذمة أصحاب الشركة في إخراج الزكاة، ولهذا يلزمهم إخراج الزكاة المتبقية والثابتة في ذمتهم.
وهنا مسألة ينبغي التنبيه عليها وهو أن كثيراً من المتاجرين في الأسهم يقصدون الاستثمار، ومن المعلوم أن المستثمر لا يخرج الزكاة اكتفاء بأن الشركة تزكي، ولهذا يجب على الشركات أن تتقي الله في المستثمرين، وتبين لهم حقيقة الأمر، وما هو الواجب في أموالهم من الزكاة، كي يخرجوها إذا كانت أنقصت الوعاء الزكوي قصداً.
وعلى المساهم أن يتحرى في ذلك فإذا غلب على ظنه أن ما أخرجته الشركة أقل من الزكاة المفروضة، فإنه يجب عليه إخراج الزيادة.

المسألة الخامسة: الاحتيال لأخذ الزكاة.
ذكر الله عز وجل أصناف أهل الزكاة الثمانية في كتابه بقوله عز وجل ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (التوبة:60). فلا يصح دفع الزكاة لغير هؤلاء الثمانية.
لكن استغل بعض ضعاف النفوس معرفته ببعض الأحكام الشرعية، فاحتال بطرق ملتوية فأخذ الزكاة وهو غير أهل لها، ولهذا التحايل صور منها:
الصورة الأولى: شغل الذمة بالديون لأعمال خيرية (19).
أمثلة:
1. أن يستدين الرجل لشراء سيارات لمؤسسة دعوية، أو مواد بناء لمسجد، فيكون مستحقاً للزكاة ظاهراً لأنه مديناً.
2. ومنها: أن يشتري رب الأسرة بيتاً، وتشتغل ذمته بالديون، فيطلب من الزكاة لسداد دينه.
الصورة الثانية: التواطؤ مع مستحق الزكاة في صرفها لأعمال خيرية.

مثال:
أن يعطي زكاته فقيراً ويتفق معه أن يدفعها في بناء مسجد ونحوه.
فهذه الصورة إذا كان القصد الاحتيال على أخذ الزكاة فلا تجوز ولا تبرأ ذمة دافعها.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم




بارك الله فيك و جزاك جنته
موضوع مفيد



شكرا لك على الموضوع الجميل و المفيد ♥
جزاك الله الف خير ♥
ننتظر ابداعاتك الجميلة بفارغ الصبر




يسلمووو