التصنيفات
منوعات

فخ الضغوط كيف يتفاده الزوجان؟

الحياة الزوجية ليست قصيدة حب مخملية كما يتخيلها البعض في فترة الخطبة أو عقد القران، وإنما هي حياة تظللها المسئولية المشتركة، خاصة بعد مجيء الأطفال، فالمطالب المادية متزايدة والأعباء المنزلية كذلك، والأطفال بحاجة لرعاية خاصة في حالة المرض، وتصبح الحياة في حاجة لمزيد من التحمل والصبر، ومزيد من الحب والعطاء، ومنطق جديد لا يتخذ من الندية شعارا له، وهو الأمر الذي يفتقده بعض الأزواج فيسقط في فخ الضغوط اللعين، فتتوتر الأعصاب وتخرج الكلمات حادة صارمة مفتقدة لنعومة المشاعر، وقد يخيم الصمت بأشواكه اللاذعة على القلوب فتزداد بعدا ونفورا.

أعباء جسام

في فترة الخطبة تشتعل الأحلام، وكل ما يشغل بال العروسين الهدايا والكلمات الرقيقة، والظهور بأفضل وأجمل صورة، ولا يبدو للضغوط اليومية داخل إطار الصورة الوردي أية ظلال.

أما بعد الزواج فالأمر جد مختلف، من يقف في طابور الخبز، ومن يذهب بالطفل لدار الحضانة، ومن يتابع الدراسة، ومن يفرغ صندوق القمامة، ومن يشتري ملابس العيد، ومن يتحمل مسئولية ميزانية المنزل وكيف يتم التعامل مع الطوارئ.. وفي لحظة ما تتراكم هذه الضغوط، فيشعر الزوج أنه كالبقرة الحلوب، وظيفته التمويل، يعمل ويعمل ليسدد بالكاد احتياجات الأسرة، وربما لا يجد حتى كلمة شكر أو تقدير، ويشعر أن مطالبه في ذيل القائمة، وأن زوجته لم تعد تشعر به أو تهتم بوجوده.

أما الزوجة فتشعر أنها كالثور الذي يقود الساقية، فهي تدور مثله في طاحونة الحياة متعددة المسئوليات، بعض الزوجات تصل بها حالة الإنهاك أنها تتمنى أن ينتهي اليوم بأي طريقة كي ترتمي على الفراش، وهي لا تتصور في هذه اللحظة أن تجلس مع زوجها يتبادلان الأحاديث الرقيقة، ويستمتعان بمشاعر وأحاسيس الزوجين السعيدين.

نظرة إيجابية

لكن إذا نظرنا إلى الضغوط من زاوية أخرى، فإنها ليست شرا مستطيرا كما قد يتصور البعض، بل قد تكون وسيلة وأداة رائعة للالتحام والتماسك، فكثير من الضغوط والمحن تقرب بين الناس عموما والزوجين خصوصا، والنظر للضغوط من هذه الزاوية يحقق نتائج جيدة للغاية.

وهذه صديقتي الثرية تذكر بأسى بالغ أيام خلت عندما كان يعود زوجها من عمله قرابة العصر، فتجتمع الأسرة كلها على طعام بسيط يخلو غالبا من اللحوم، وعلى الرغم من ذلك كان شهيا جميلا بما تضيفه من مقبلات ومخللات، وبما يحيطه من حديث ودي دافيء وابتسامات مرحة.

ثم تذكر بمرارة الطريق للثراء، بدءا من سفر الزوج وحده وانفراط عقد الأسرة، مرورا بمشاريع متعددة تستنزف وقته، حتى بات كالضيف في البيت، انتهاء بزيجات متعددة لا تراعي العدل ولا الحقوق الشرعية، فضاقت نفسها وفشلت في القيام بعملية التربية وحدها، على الرغم من توافر كل وسائل الرفاهية الممكنة.. منزل كالقصر، سيارة أحدث طراز، اشتراك في أفخم نادي، مجوهرات ثمينة.

تقول صديقتي: أحن إلى أيامي القديمة التي تشبه الحلم الجميل، حيث كان لي زوج، ولأبنائي أب، كنا نعيش بصعوبة، ولكننا كنا متماسكين، كانت الحياة تضغطنا، فنزداد تماسكا وحبا، أما الآن فقد انفرط العقد ولم أعد أشعر بمذاق أي شيء.

ليست صديقتي الوحيدة التي تحن لأيام المحنة والضغوط لأنها ضغط من جهة ونعمة من جهة أخرى.. ولكن الكثير ممن يعيشها لا يرى تلك النعمة إلا بعد فوات الأوان.

روشتة علاج

1ـ لا حياة بلا ضغوط:

والخطوة الأولى هي اليقين أنه لا توجد حياة بلا ضغوط }لقد خلقنا الإنسان في كبد{ (البلد:4)، ولكن شكل الضغوط يختلف من حياة لأخرى، فصديقتي التي ذكرت طرفا من قصتها كانت في البداية تعاني من الضغوط المادية، وفي النهاية تعاني من ضغط الفراغ النفسي والعاطفي، والإنسان الذكي هو الذي يلمح النعمة في قلب المحنة.

فالزوجة التي لا تنام لأن لديها طفلا رضيعا أو مريضا وتتبرم من حالها، لو تذكرت كم زوجة تشتاق أن تكون أما لهدأت نفسها، وتبخر ضيقها. والزوج الذي يشعر بالضغط لأنه لم يعد يجد التدليل الذي كان يلقاه من زوجته في بداية الزواج، لو تأمل المسئوليات الجديدة الملقاة على عاتقها، لخف عنه كثيرا ما يجد، ولو قارنها بغيرها من الزوجات المهملات أو سليطات اللسان لعرف أنه في نعمة كبيرة.

2- السعي للتغيير والإصلاح:

والخطوة الثانية هي السعي للتغيير والإصلاح، كل من جهته بعد أن يحسن الاستماع للطرف الثاني، فتقديم الزوج مساعدة بسيطة في أعمال المنزل، أو حتى في حاجياته الخاصة كالكي مثلا، سيخفف بعض العبء عن الزوجة المجهدة، وستكون شاكرة له، وذلك سيحسن من شكل علاقتهما العاطفية والجنسية.

والزوجة عندما تشكر زوجها على مشترياته، وتثني على ذوقه، وتترفع عن المزيد من المطالبات المادية لن تخسر شيئا، وفي المقابل ستدعم علاقتها بزوجها، وستجعله أكثر لطفا معها، وهكذا ندخل في دائرة إيجابية بعد كسر الدائرة السلبية الماضية.

3- الاستعانة بالله:

والخطوة الثالثة، وهي الأهم، وهي المفتاح الرئيس للحل، وهي الاستعانة بالله تعالى وذكره، والتوجه إليه بالدعاء أن ييسر الحياة، ولنتأمل هذا الموقف الذي حدث في العهد النبوي، فعن علي رضي الله عنه أن فاطمة رضي الله عنها شكت ما تلقى في يدها من الرحى، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادما فلم تجده، فذكرت ذلك لعائشة، فلما جاء أخبرته، قال: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبت أقوم، فقال: "مكانك"، فجلس بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري، فقال: "ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم؟ إذا أويتما إلى فراشكما، أو أخذتما مضاجعكما، فكبرا ثلاثا وثلاثين، وسبحا ثلاثا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، فهذا خير لكما من خادم"، وعن شعبة عن خالد عن ابن سيرين قال: التسبيح أربع وثلاثون. (رواه البخاري).

فالسيدة فاطمة ازدادت عليها ضغوط الحياة الزوجية المتقشفة، وكذلك الإمام علي الذي كان يقوم بعمل شاق جدا مقابل دراهم معدودات، ففكرا في الاستعانة بخادم يخفف عنهما، وهو عامل خارجي، فدلهما النبي صلى الله عليه وسلم على عامل داخلي لا ينبع إلا من قلب الذات المؤمنة، ألا وهو اللجوء للمولى عز وجل، وليتأمل الجميع كيف كانت حياة الإمام علي رضي الله عنه و الزهراء رضي الله عنها نموذجا للحياة المثالية رغم كل الضغوط التي واجهتهما.




خليجية



شكرلكم