تساؤلات حول سلامة عمليات "التخلص من السموم" وفاعليتها
تغيير الفصول عادة يجعلنا نفكر بالتنظيف- توظيب سجلاتنا الخاصة بالضرائب، وتفريغ دواليبنا من الملابس، وكأن هذا لا يكفينا، اذ بدأنا نسمع الآن اقوالا كذلك، بأن اجسامنا بحاجة الى تنقية باطنية شاملة.
وتدعونا اعداد متزايدة من الرسائل والمواقع الالكترونية والمقالات المطبوعة الى ازالة الترسبات المتراكمة للسموم التي يفترض انها نجمت عن العادات غير الصحية او نتيجة التعرض للمواد الخطرة في البيئة.
ويقال لنا، ان مثل هذه السموم، سوف تمتص حيويتنا وتهدد صحتنا، اللهم الا اذا اتخذنا الخطوات لـ"ديتوكس" detox انفسنا (أي تخليصها من السموم).
الرسالة ليست جديدة. فقد حاول الناس ومنذ آلاف السنين، ازالة السموم من اجسامهم.
والاميركيون الاصليون استخدموا لفترة طويلة اشكالا مختلفة من طقوس التنقية والنقاء، مثل مقصورة التعرّق الشبيهة يالساونا. وحجامة الدم، والحقن الشرجية، والصيام ظلت تعتبر انواع طبية مشروعة من المعالجات حتى بدايات القرن العشرين.
واليوم فان عودة الاهتمام في عمليات ازالة السموم شخصيا، تعكس القلق من جملة من الامور المختلفة، مثل الميكروبات الناشئة حديثا، والرصاص في الدم، والزئبق في الاسماك، والدخان المضبّب في الهواء، والملوثات في الأنهر والبحيرات، ولحم البقر الملوث، والأدوية في مياه الشرب، والمواد الكيميائية الصناعية التي تمتلك خصائص مبهمة.
ولكن، هل ان عمليات "ديتوكس" تقدم فعلا الفوائد التي تزعم توفيرها؟
ماهو «ديتوكس»؟
قبل ان يتم دمجها في الموضة الجارفة الحالية، كانت كلمة "دي توكس" تصف بالدرجة الرئيسية عملية طبية معينة لتخليص الجسم من مستويات الكحول، المخدرات، اوالسموم العالية الخطيرة المهددة لحياة الانسان.
والافراد الذين يخضعون لعملية التخلص من السموم كانوا يعالجون داخل المستشفيات والعيادات.
وكان العلاج يشمل عموما استعمال الأدوية سوية مع العلاجات الاخرى، التي تعتمد على نوع التسمم وحدّته.
اما برامج "ديتوكس" التي تقدم حاليا لجذب الجمهور الواعي صحيا، فهي قضية أخرى، وهي وبشكلها الواسع عمليات ينفذها الشخص نفسه، بهدف القضاء على السموم المفترضة التي تعتبر مسؤولة عن عدد من الاعراض، ومنها الصداع، انتفاخ البطن، آلام المفاصل، الاجهاد، والكآبة.
ولا تُصرف منتجات الـ "ديتوكس" بوصفة طبية، فهي تباع في المتاجر وفي مواقع الاستجمام، وعلى الانترنت، وعبر البريد، ويروج للكثير منها على أنها تخلص عضوا معينا من اعضاء الجسم من السموم، فيما توصف الاخرى بأنها منظفات او منقّيات لـ "كل الجسم".
واليكم مراجعة لأكثر العمليات والمنتجات التي يجري الترويج والدعاية لها.
تروية الانف
وهذه الطريقة المأخوذة من اليوغا التي تعرف ايضا باسم "جالا نيتي" Jala Neti او تروية (رحض) الانف، تعتمد على استخدام وعاء صغير (وعاء نيتي) او إبرة لضخ محلول مالح الى المنخر الاول من الانف، ثم الى المنخر الثاني له، ويمر المحلول عبر مجرى الانف عبر المنخر الثاني او عبر الفم.
الهدف: يوصي بعض الباحثين السريريين بتروية الانف، لتخليص الانف من المهيجات البيئية، وتخفيف حالات سيلان الانف بعد انتهائها، وتقليل الاحتقانات الناجمة عن نزلات البرد والحساسية، وذلك بإخراج المخاط، والدقائق الغريبة، والبكتريا، والفيروسات خارج الجيوب الأنفية.
ويتم الترويج لتروية الانف اليومية على انها تدرأ انتقال العدوى الى الجيوب الانفية وتمنع حدوث الصداع.
دلائل على الفاعلية: في عدد صغير من الدراسات، وجد ان رحض الأنف يقلل من تركيز البكتريا في المجاري الانفية.
ووجدت دراسة صغيرة انه يخفف من الاعراض لدى المصابين بالجيوب الانفية، وتفترض بعض الابحاث انها تقلل من مخاطر عدوى الجيوب الانفية.
المخاطر: تراكم السوائل داخل الجيوب الانفية.
الكلفة: ثمن الإبرة والمعدات تتراوح بين 4 و 300 دولار.
حميات "دي توكس" الغذائية"
يوجد عدد كبير لا ينتهي، كما يبدو، من المنتجات والحميات الغذائية لتخليص كل الجسم من السموم.
وواحد من اكثرها شعبية هو الحمية الغذائية "ماستر كلينز" Master Cleanse diet التي يفضلها عدد من نجوم هوليود.
ويتناول متبعو هذه الحمية ربع غالون (0.946 لتر) من الماء المالح الدافئ صباحا، ويستعملون 60 اونصة (الاونصة 28 مليلترا تقريبا) من الماء، وعصير الليمون، وعصارة سطر شجرة القيقب maple syrup ، والفلفل الاحمر الحرّيف، خلال اليوم، ثم ينهون يومهم بقدح من الشاي المليّن للبطن مساء.
ويوصي مناصرو "ماستر كلينس" بالالتزام بها ل 10 ايام على الأقل.
الهدف: استعادة الطاقة، فقدان الوزن، وتخفيف اعراض الحالات المزمنة مثل آلام المفاصل والتهاب العضلات الرابطة (الضامة).
دلائل على الفاعلية: لا توجد أي بيانات في الأدبيات الطبية، حول هذه الحمية الغذائية بالخصوص.
الا ان الكثير من الدراسات اظهر ان انواع الصيام، وكذلك الحميات الغذائية بسعرات حرارية قليلة، وفي مجهوداتها للحفاظ على الطاقة، تقلل فعلا من معدلات التمثيل الغذائي (الأيض) الاساسية. وما ان يعود متبع هذه الحمية الى غذائه الاعتيادي فان وزنه يزداد.
واكثر الوزن الذي يفقد بواسطة هذه الحمية يتم نتيجة فقدان السوائل المرتبط بقلة تناول الكربوهيدرات بشكل استثنائي وبسبب تكرار حركة الامعاء او الاسهال الناتج عن الماء المالح والشاي المليّن للبطن.
وعندما يعود متبع الحمية الى تناوله المعتاد للسوائل، يعود وزنه للزيادة.
المخاطر: هذه الحمية الغذائية تفتقر الى البروتينات، والأحماض الدهنية، والعناصر المغذية الحيوية الاخرى، فالكربوهيدرات تجهز الجسم يكل السعرات الحرارية- وهي قليلة جدا 600.
والنظام اليومي باستخدام المليّن قد يؤدي الى الجفاف، والى انحسار الاليكتروليت، والإخلال بوظيفة الامعاء الاعتيادية، كما ان بمقدورها ايضا ارباك وضع الاحياء المجهرية الصغيرة التي تستوطن الامعاء والتي تنفذ وظائف مفيدة في الهضم.
والشخص الذي يكرر اتباع هذه الحمية قد يتعرض لخطر ظهور الحماض acidosis وهي حالة اختلال التوازن الحمضي للجسم، التي تقود الى زيادة الحموضة في الدم.
ويمكن لحالات الحماض الحادة ان تقود الى الغيبوبة والموت.
الكلفة: ثمن الكتاب وعدد محدود من انواع الغذاء.
تنقية الأمعاء
يسوق العديد من أطقم المنتجات لهذا الغرض، يحتوي معظمها على مكملات غنية بالألياف، اضافة الى مكملات "للدعم" تحتوي على الاعشاب والانزيمات، والشاي المليّن، يستخدم كل منها يوميا.
ويوصي منتجو اطقم "دي توكس" العشبية بالاستمرار في هذا النظام لعدة اسابيع. وقد يصاحب هذا النظام باستخدام الحقن الشرجية.
الهدف : هو التخلص من الطفيليات واخراج فضلات البراز، الذي يزعم بأنه يتراكم مترسبا على جدران الامعاء.
دلائل على الفاعلية: يفترض عدد من الدراسات ان عشب milk thistle الذي غالبا ما يوضع بوصفه مكملا للدعم، قد يحسن من وظيفة الكبد مع عدد من الاعراض المصاحبة.
الا انه لا توجد دلائل طبية لصالح عملية التنقية هذه، وتشمل المواد التي يروج لها عادة ، صورا لمواد جيلاتينية شكلها يشبه الحية التي تخرج اثناء التنظيف.
وعندما لا تكون هذه الصور مزيفة، فإنها تظهر على الاكثر خروج الفضلات بفضل مكملات الالياف المستخدمة في هذا النظام.
والأهم من ذلك ان جوهر هذه الفكرة في عملية تنظيف الامعاء وتنقيتها- لإخراج المواد الملتصقة بجدران القولون- هو خاطئ من اساسه.
فعندما تتراكم مواد البراز فانها تتجمع في كتل قوية في القسم الداخلي المفتوح من القولون: وهي لا تلتصق بجدران الامعاء وكانها "قطع مترسبة" كما تصفها الاعلانات الدعائية.
المخاطر: مثلها مثل الصيام، فان تنقية القولون تحمل خطر الجفاف، واختلال توازن المواد الالكتروليتية، اختلال وظيفة الامعاء، وتخريب الاحياء المجهرية في الامعاء.
الكلفة: يكلف شراء تجهيزات لمدة شهر من المكملات والملينات بين 20 و 70 دولارا من مختلف المواقع الالكترونية، ويوصي منتجوها باستخدامها لشهرين أو ثلاثة.
"دي توكس" القدم
توظف احدى الوسائل نوعا خاصا من الوسائد اللاصقة التي توضع في منطقة اسفل القدم عند النوم.
والوسيلة الاخرى هي غمر القدم لمدة 30 دقيقة في مغطس يحتوي على ماء مالح يسمى احيانا "حمام القدم الأيوني"، وفيه قطبان يوضع بينهما فرق جهد كهربائي ضئيل.
الهدف: يزعم ان السموم تتسرب من الجسم الى خارجه عبر اسفل القدم.
دلائل على الفاعلية: الوسيلتان تزعمان انهما تبعثان الأيونات التي تحفز بدورها على خروج السموم عبر القدم.
وتحتوي الوسائد اللاصقة على بلورات التورمالين tourmaline crystals، وتطلق الاشعة تحت الحمراء لتوليد الأيونات.
اما مغاطس القدم فيزعم انها تولد الأيونات بواسطة التيار الكهربائي المار عبر الماء، ومع ذلك، فلا يوجد دليل علمي على ان شحنات الأيونات في الوسط المحيط يمكنها ان تحفز على اخراج السموم من مسامات القدم او أي جزء من اجزاء الجسم الاخرى.
ويؤكد مروجو هذه الوسائل على ان نجاحها يمكن ان يلاحظ عند تغير لون الوسادة او الماء في المغطس، وذلك بعد ان تنفذ الشوائب الخارجة من الجسم الى كل منهما.
الا ان هذه الوسائد التي تم غمرها كلية في خلّ الخشب، تتحول الى لون غامق سواء لدى امتصاصها لنواتج تعّرق القدم، او عند تعرضها لماء من الحنفية، اما لون ماء مغطس القدم فانه يتغير بعد تعرض الاقطاب الكهربائية المعدنية للصدأ.
المخاطر: لم يتم التبليغ عن اية آثار مرَضية لدى استخدام هاتين الوسيليتين.
الكلفة : الوسائد المستخدمة لمرة واحدة ثمنها دولارا واحدا، جلسات حمام القدم الأيوني 40 الى 50 دولارا، وتباع اجهزة مغطس القدم الأيوني على الانترنت بثمن يتراوح بين 85 و 2000 دولار.
"دي توكس" الأوكسجين
الهواء الحاوي على 85 الى 95 في المائة من الاوكسجين في تركيزه، يضخ عبر قناع، او عبر انبوبة توضع في الأنف.
الهدف: يقال ان الاوكسجين المركز يعزز جهاز المناعة، ويخفف الصداع، ويزيد الطاقة، ويحسن وظيفة الادراك.
دلائل على الفاعلية: الاوكسجين المضغوط ظل مستخدما منذ فترة طويلة في علاج الاشخاص المعانين من مشاكل تنفسية، او حالات مرضية مزمنة في الرئة مثل الاصابة بانتفاخ الرئة emphysema ، لان المصابين لا يتمكنون من استخلاص كمية كافية من الاوكسجين من الهواء الطبيعي.
ومنذ نهاية التسعينات من القرن الماضي، اخذت منتجعات “دي توكس” ومقاهي الاوكسجين تسوق نسخة مصغرة من هذا العلاج للناس الاصحاء.
ولا يوجد دليل على ان الرئة السليمة تحتاج الى كمية اكبر من الاوكسجين من تلك الموجودة في الهواء الطبيعي، بهدف تزويد الجسم بحاجته المناسبة من الاوكسجين (وقد حذرت وكالة الغذاء والدواء من عدم شرعية تجهيز الاوكسجين من قنينة من دون وصفة طبية، الا ان غالبية الولايات الاميركية اخفقت في تطبيق هذه الضوابط ما ساعد مقاهي الاوكسجين على الازدهار).
المخاطر: على الرغم من وجود خطر ضئيل من تنفس الاوكسجين المركز، فان وكالة الغذاء والدواء تحذر من الاوكسجين "المطعّم" الذي قد يحتوي على محاليل زيتية معطرة، يمكنها تهييج الرئة.
الكلفة: الجلسات تدوم 15 الى 20 دقيقة وتكلف دولارا واحدا في الدقيقة. وتطلب بعض المواقع من زوارها شراء، او جلب اقنعتهم او انابيب انوفهم معهم.
النتيجة الحاسمة
ان الجسم البشري يستطيع الدفاع عن نفسه بشكل جيد جدا ضد كل الهجمات البيئية وتأثيرات الانغماس في الملذات بين فترة واخرى.
وان كنت على العموم من الاشخاص الأصحاء، فحاول التركيز على منح جسمك ما يحتاجه للحفاظ على نظام التنقية الذاتية المتينة له- أي النظام الغذائي الصحي، تناول السوائل المناسب، التمارين المنتظمة، النوم الكافي، وكل الفحوصات الطبية المطلوبة.
وان كنت تعاني من الاجهاد، او الشحوب، او زيادة او فقدان غير مبررين في الوزن، او من تغيرات في وظيفة الامعاء، او من صعوبات في التنفس، تظل باقية لأيام او اسابيع، فراجع طبيبك بدلا من الذهاب الى منتجع الـ"دي توكس".
– للجسم البشري.. نظام على أهبة الاستعداد للتخلص من السموم
– اننا ننسى ان الجسم مجهز بنظام للتخلص من السموم خاص به، وهو الذي يتكون مما يلي:
– الجلد: الوظيفة الرئيسية لأكبر عضو في الجسم البشري هذا، هي في توفير حاجز يقف ضد المواد الضارة، من البكتريا والفيروسات الى المعادن الثقيلة والمواد الكيميائية السامة.
والجلد هو نظام دفاعي باتجاه واحد، اذ لا يتم التخلص تماما من السموم بواسطة التعرّق.
– الجهاز التنفسي: الشعر الدقيق الموجود داخل الأنف يصطاد الاوساخ، والدقائق الكبيرة الاخرى التي يتم استنشاقها. اما الدقائق الصغرى التي تتسرب نحو الرئة فانها تطرد من المجاري التنفسية، بواسطة المخاط.
– جهاز المناعة: الشبكة المتميزة المنظمة في عملها، المتكونة من الخلايا والجزيئات المصممة للتعرف على المركبات الغريبة وتخليص الجسم منها، وتؤدي عناصر جهاز المناعة مهمتها في بلازما الدم، وفي الجهاز اللمفاوي، بل وحتى في الحيز الفاصل بين الخلايا.
– الأمعاء: العقد اللمفاوية في الامعاء الدقيقة Peyer"s patches تقوم برصد الطفيليات والمواد الغريبة الاخرى قبل امتصاص العناصر المغذية من القولون، وارسالها نحو الدم.
– الكبد: ينفذ مهمة المرشح الاساسي للجسم، فهو ينتج مجموعة من البروتينات التي تتحد مع المعادن، تسمى metallothioneins التي توجد ايضا في الكلية.
وهذه المواد لا تقوم بالتمثيل الغذائي للعناصر المغذية مثل النحاس والزنك، بل انها تقوم ايضا بتحييد المعادن الضارة مثل الرصاص والكادميوم والزئبق، مهيئة الطريق لتخليص الجسم منها.
كما تنتج خلايا الكبد ايضا مجموعات من الانزيمات التي تنظم عمليات التمثيل الغذائي للادوية وهي جزء مهم من نظم دفاع الجسم ضد المواد الكيميائية الضارة والسموم الاخرى.
– الكليتان: ان حقيقة استخدام اختبارات عينات البول لرصد المخدرات والسموم، ليست سوى شهادة قوية على كفاءة الكليتين العظيمة في ترشيح الفضلات نحو الخارج وتخليص الجسم منها.
دمتم فى حفظ الله